الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إختطاف أطفال: هل وصلنا قمة الإنحدار الأخلاقي؟

باتر محمد علي وردم

2004 / 9 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


لم أتخيل يوما في حياتي أتمنى فيه التوفيق للقوات العسكرية الروسية في مواجهة المقاتلين الشيشان ولكن هذا ما حدث عندما بدأت المواجهة مع خاطفي الأطفال في مدرسة أوسيتيا. المعادلة الأخلاقية والإنسانية كانت تقتضي الدفاع عن حق مئات الأطفال الأبرياء في البقاء على قيد الحياة، والدفاع عن مشاعر أهالي هؤلاء الأطفال الذين اصبحوا رهائن في صراع سياسي لا يملكون اي ذنب فيه، وفي الرفض التام لهذه الفضيحة الأخلاقية التي قامت بها "عصابة" لا مقاتلين شرفاء من المقاومة الشيشانية وهي تختطف مئات الأطفال الأبرياء في أكثر الأمكنة التي يجب ان تكون آمنة في العالم، وهي المدارس.
ما حدث يوم الأربعاء الماضي في أوسيتيا هو وصمة عار في جبين المقاومة الشيشانية العظيمة، وحادثة مفصلية قد تدمر وبكل أسف مصداقية هذه القضية الشيشانية العادلة والاتريخية في أذهان الناس في كل العالم بل المعتدلين من الروس، أو العرب والمسلمين، لأنه لا يوجد اي مبرر سياسي أو ديني أو وطني يجعل من الأطفال في سن الرضاعة والطفولة أوراق رهان في المعادلة السياسية.
لقد كانت القضية الشيشانية دائما من أكثر قضايا المقاومة الوطنية وضوحا في العالم، حيث كان الحق واضحا ومؤكدا إلى جانب الشيشان. وفي بداية ومنتصف التسعينات قدمت المقاومة الشيشانية نموذجا دوليا وإسلاميا مشرفا في المقاومة العسكرية والسياسية الشجاعة بحيث اصبحت مقاومة يضرب المثل بها من فرط الجرأة والثبات على الموقف والبعد الأخلاقي.
ولكن من الواضح أن خللا هائلا قد حدث في هذه المقاومة منذ نهاية التسعينات، وأنا واثق أن جميع الأخوة الشيشان والمسلمين يعرفون سبب هذا الخلل وهو دخول الفكر السلفي في المقاومة الشيشانية، وتحولها من مقاومة وطنية تستمد بطولات الشعب الشيشاني في مواجهة الغازي الروسي، ومن مقاومة أرسى قواعدها جوهر دوداييف وقدم فيها توازنا قوميا-دينيا أثرى هذه المقاومة دوليا وإسلاميا، إلى مجموعة من النشاطات الإرهابية التي تتمثل في الخطف والإغتيال والتفجير ، إضافة حتى إلى الإنغماس في التجارة غير المشروعة.
دخول الفكر السلفي إلى المقاومة الشيشانية وتحت الغطاء الديني العالمي، غير كل شئ في فكر المقاومة الشيشانية فأصبحنا نشاهد عمليات تماثل في بشاعتها ما يقوم به تنظيم القاعدة وغيره من العصابات التي تقتل الأبرياء بإسم الإسلام، وباتت عمليات مثل احتجاز الرهائن المدنيين في مسرح موسكو قبل سنتين تطرح أسئلة أخلاقية جوهرية على قادة المقاومة الشيشانية إلى أن وصلنا إلى قمة التردي الأخلاقي في اختطاف الأطفال.
ومما زاد في الأمر سوءا أن جريمة اختطاف الأطفال تزامنت مع جرائم بشعة أخرى تقوم بها تنظيمات سلفية في العراق من قتل الصحفيين والسائقين الأبرياء، مما شوه صورة المقاومة الإسلامية تماما في الرأي العام العالمي وحتى لنا نحن كمسلمين نرفض تحميل الأبرياء وزر سياسات حكوماتهم، فكيف لو كانوا أطفالا؟
خلال أسبوع واحد فقط، وما بين العراق وأوسيتيا، كانت "المقاومة العربية والإسلامية" تعطي نماذج سلبية وبشعة، مما يهدد بتدمير كل مصداقية قضايا التحرير والمقاومة في العالم الإسلامي إذا استمرت هذه العصابات من المتزمتين والإرهابيين في فرض أجندة عملها على المقاومة في العالم العربي والإسلامي. وقد كان من الطبيعي أن تستغل إسرائيل ما يحدث في العراق وأوسيتيا لربط ذلك مع المقاومة الفلسطينية وكذلك قيام الولايات المتحدة بتمرير قانون "اتسحاب سوريا" في مجلس الأمن تحت صليل السيوف قاطعة الرؤوس في العراق وصور الأطفال الجرحى المذعورين في أوسيتيا واشلاء الإسرائيليين في بثر السبع.
انتهت أزمة خطف الأطفال بتدخل عسكري روسي مقامر، تسبب في حدوث كارثة إنسانية هائلة يشترك فيها الجيش الروسي في المسؤولية مع الخاطفين. ولكن هناك أزمة حقيقية في المقاومة الشيشانية على القادة الشيشان أن يتعاملوا معها جديا عن طريق تطهير المقاومة الشيشانية من العناصر المتطرفة والسلفية التي دخلت عليها واختطفت مسارها لتتحول من مقاومة تاريخية بطولية إلى مجموعة من العمليات الإجرامية المدانة دوليا وإسلاميا.
نعم لقد تعرض أطفال العرب والمسلمين إلى الكثير من الجرائم من قبل المحتلين في فلسطين والعراق والشيشان ولكن هذا لا يعني ابدا أن نقوم بنفس هذه الممارسات الإجرامية وإلا فقدنا الحق الأخلاقي الذي نملكه، وليس من المنطقي الدخول في مسابقة مع إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة في قتل الأطفال وترويعهم لأن هذا يعني أننا سنصبح، معاذ الله في نفس القعر الأخلاقي الذي وصلوا إليه، وبدأنا نحن للأسف ننزلق غليه نتيجة السماح بامتداد هذا الجنون المتطرف الذين يقتل الأبرياء بإسم الدين الإسلامي ويدمر كل قضايانا العادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-