الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسقاط الجنسية: الشيخ ياسر الحبيب أنموذج

سامي جاسم آل خليفة

2010 / 10 / 1
حقوق الانسان


لم تعد الجنسية العربية تحمل طابع الانتماء والولاء للأرض والوطن بل تخلت عن خصوصيتها تلك وأصبحت سلاحا للقهر والاستبداد الذي تمارسه سلطة ما على طلاب الحريات وأصحاب الحق والكلمة والمنادين بالإصلاحات السياسية والاجتماعية ولم تقف عند هذا الحد بل تجاوزته لممارسة الرقص وهز الأوساط في المؤسسات البرلمانية ومجالس الحكومات حتى غدت ورقة يستخدمها الساسة للنيل ممن يعارضهم في المعتقد والمذهب وحرية الرأي فالسياسي لا يحتكم للقانون بل يجعل شرعيته في انتمائه المذهبي والقبلي وبسهولة يُجرد الأفراد من وطنهم ويشكك في ولائهم ويصيح في قومه عبر المظاهرات وندوات الكراهية والتحريض الطائفي فلتسقط الجنسية عن فلان ويقدم للمحاكمة والعدالة المكذوبة تحت شعارات الوطنية المزعومة والخوف على أمن البلاد والعباد وحماية مقدرات الدولة من أيدي العابثين والمتربصين بها من الفرس الصفويين.

إن إسقاط الجنسية بحق المعارضين وأصحاب الرأي ممن حصلوا عليها إما بالأصالة أو بالقانون تتناقض مع الأعراف والقوانين والحقوق الدستورية فحرمان الفرد من المواطنة وحقوقها يعد من انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الذي يكفل للفرد حرية العيش بكرامة والتعبير عن رأيه تجاه القضايا والأحداث المختلفة وذلك ما عبرت عنه المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تقضي بأن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما ولا يجوز تعسفا حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته لكن هذه المادة لا تعني شيئا وفقا لمفاهيم الطائفية والتخندق المذهبي في دولنا العربية فالمذهب والقبيلة والعزف على أوتار العقيدة والتدين هم أساس الجنسية والموالاة للأوطان وبدرجة ولائك لتلك العناصر تُحدد وطنيتك وحرصك على البلاد.

إن إسقاط الجنسية إن كانت عقوبة فمن الأولى أن تكون موجهة للإرهابيين الذين يذبحون البشر في الليل والنهار وتزخر بهم بحار وأراضي الدول العربية وطبقاتها الجوية من خلال الفضائيات الطائفية التي تمد وصال التطرف والهمجية المذهبية وصفاء الكراهية والبغضاء وتتاجر بالدين عبر رسائل التدليس تعلن عن تسنن فلان من الشيعة وبعبارات ممجوجة بالكذب فحواها وصلتنا رسالة بتاريخ ..... أنا إرهابي جديد أنضم إليكم بعدما عرفتني قناتكم بتعاليمكم الدموية وأسسكم المذهبية.

للأسف أن أصحاب المثلية المذهبية - والذين يرون في أقرانهم الكمال الوطني ويتلذذون في إثارة غرائزهم الطائفية ويتسترون في مثليتهم بالدين والخوف على الأوطان المتجردة من ضمير العقل والقانون - صوروا للحاكم الجنسية وسيلة للسيادة وأن إسقاطها جزء من عقوبة السيد لعبيده حتى يستمر معافى في عرشه "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" وبذلك يضمنون إشباع غرائزهم ويبقى هو الرب الأعلى يؤتي الجنسية من يشاء وينزعها ممن يشاء بيده ......... .

إن مواجهة الحريات والفكر بإسقاط الجنسية أمر يبعث على الحيرة ويدفع بتحركات ذات ردة فعل قوية تنذر برياح عاتية تعصف بالمقدرات والمكتسبات الوطنية لاسيما على صعيد التعايش الوطني وأن موجة التجنيس السياسي في مقابل ذلك يزيد من تفاقم المسألة اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وهذه المسألة تجعل المعارضة السياسية وأصحاب الفكر والرأي في حالة من الغليان والثورة على وطن يرون أحقيتهم فيه وبحقوق أبنائهم مستقبلا ودخولهم ضمن تركيبة سكانية جديدة تخلط الأوراق وتثير المخاوف الأمنية لاسيما المتعلقة باضطهاد المذاهب وكتم الأفواه والحريات وتبجيل السلطة ورموزها.

ينبغي للوطن أن يحترم الفرد الذي يحمل هويته الوطنية ويعزز قيم الوطنية والولاء لديه لا أن يقوم بإسقاطها وإذلال حاملها في محاولة يائسة لإخضاعه والنيل منه ومن معتقداته الفكرية وهذا العمل مؤشر لضعف هذه الجنسية التي تسقط لمجرد رأي يُطرح أو فكر يُثار وأحسب الوطن قويا بقوة تمسكه بأبنائه أما أن تكون الجعجة المذهبية وقضم اللحى والتهديدات بالقتل هي المحرك للوطنية والولاء فهذا أمر ينذر بعواقب وخيمة تطال القانون في المقام الأول إذ سيغدو تحت هيمنة دينية متعجرفة ستطلب المزيد والمزيد من أجل إثبات تواجدها على الساحة الوطنية وقد يصل الأمر إلى أن نرى كل شهر حاكما وكل يوم برلمانا جديدا وكل ساعة ندوة مذهبية يعلو فيها النعيق والصراخ بإسقاط جنسية فلان كونه مخالفا للمذهب ومنحها لآخر يشاركها النعرة والبعرة المذهبية.

ينبغي على السلطة السياسية في بلداننا العربية أن تأخذ جانب اليقظة وتتحرك تجاه أصوات النشاز التي تروج للطائفية وتهدد الآخرين من على المنابر الإعلامية وتجتهد في عمليات النسخ واللصق والمونتاج وتركيب الأصوات لتأجيج أحد المكونات على الآخر ثم تدعي المظلومية والحرص على الدين والمحافظة عليه من شر الطائفة الأخرى وهذه الإدعاءات إنما هي مجرد فزعة مذهبية وقبائلية لا علاقة لها بنصرة الدين ونصرة النبي محمد فالجنسية ليست صدقة تُمنح على أبواب المساجد وليست تعويذات تطرد الشياطين وأباليس الإنس وليست فرض كفاية إن قامت به فئة سقط عن الباقي الجنسية حق يكفله القانون ولا علاقة له بالصراعات الحزبية والخلافات المذهبية فالخلاف في الأفكار ظاهرة إنسانية ولا تختص بمجتمع دون آخر كما أن الخلاف بين المذهب السني والشيعي قائم منذ وفاة الرسول وليس وليد اليوم ومن يشكك في هذا فليسأل الربذة والجمل وصفين وكربلاء ولا أعتقد أن أحدا ممن عاشر تلك الأماكن والأحداث منح الآخر جنسيته وأسقطها عنه حتى نجعل إسقاط الجنسية نصرة للعقيدة وحماية للدين ونحن دائما نردد كل بدعة ضلالة فلماذا ابتدعنا الجنسية وأسقطناها وربطناها بمذاهبنا وطوائفنا ومخالبنا المذهبية.

كنت أرجو ألا تستجيب الحكومة الكويتية لأصوات التطرف وأصحاب الطائفية البغيضة وتسقط الجنسية عن الشيخ ياسر الحبيب لا تقديسا له ولا نكاية بهم إنما استشعارا مني بعظمة الكويت الأم التي تحتضن أولادها مهما تعنتوا وكابروا وإيماني أنها تمثل بيئة التسامح والتعايش لكل المذاهب والأديان .

الجنسية وطن وليست امتيازات وأوسمة مذهبية والوطن يتعالى فوق الجميع وعلى الجميع أن يحترم هيبة الوطن والتحريض على أبناء الوطن من على المنابر الإعلامية بصرخات الويل والثبور وعظائم الأمور والمطالبة بإسقاط الجنسية عنهم جزء من المساس بتلك الهيبة والسير بالأنظمة والقوانين إلى العبثية والتطرف على أيدي مجموعة يرون ذلك الإسقاط انتصارا لطائفيتهم وحرمان الآخرين من حقوقهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا سامي يا عزيزي
مازن صلاح ( 2010 / 10 / 1 - 07:26 )
انت ترتقي بالمواطنة المفترضة (في الدول العربية) الى مستوى الاحلام حين تتمنى عزل الاختلافات الطائفية والمذهبية و القومية عن كرامتك كمواطن. انا شايف انه الوقت ليس في مصلحة التحالف السياسي الديني كما هو منذ عقود على قاعدة (استر على فسادي استرعلى دجلك.... و شرعن حكمي اشرعن وكالتك من السماء) فثورة التقنيات المعلوماتية لن تتركهم يهنؤا

اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية