الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لِنحم ثقافتنا بالمصارحة النبيلة

خالدة خليل

2010 / 10 / 2
الصحافة والاعلام


من موجبات الكتابة الواعية أن يتفاعل الكاتب مع بيئته التي تحيط به بكل معطياتها الاجتماعية الثقافية شريطة أن لا يغفل أهمية الاحتفاظ بخصوصتيه الأيديولوجية، لاسيما وان الثورة المعلوماتية تهدف، بعد أن تكون قد عمقت أواصر التعالقات بشتى أثوابها على تنوعاتها المختلفة، إلى أن تصب معطياتها في المحصلة النهائية لخدمة الثقافة بمفهومها الشامل المحتضن للتعددية الفكرية لمختلف الكتاب على اختلاف انتماءاتهم. وعلى الرغم مما قد نراه على شاشات النت من ظواهر غير محببة تتعمد تهميش كاتب ما بسبب فكر تقدمي يتبناه أو رغبة في إلغاء دور ثقافات أخرى لا لسبب سوى أنها لا تمس واقع ثقافتهم. إن مما يؤسف له أن يصبح هذا هو المفهوم المهيمن على ثقافة اليوم، وأعني بها الثقافة القائمة على مبدأ الأحادية وإلغاء الآخر، وهو ما سيفضي بطبيعة الحال إلى مزيد من الإخفاقات في تعزيز مسيرة التقدم الثقافي عموما، بل إن الأمر ليتعدى ذلك عندما يصل به إلى مواقع بعينها قد نهبت تراث ثقافة ما لصالح ثقافة أخرى. هذه المزايدات غير الحضارية التي يتبناها عمدا أشباه المثقفين وأرباعهم وأنصافهم ربما تنكشف بين لحظة وأخرى مبدية عن سوئها ومقاصدها الرامية إلى هدم الكيان الثقافي القائم على حريات الكلمة والتعبير والفكر الليبرالي، وعلى التصدي لكل ما هو تعصبي، عنصري، متطرف لا يمت بأي رابط للحضارة الحديثة فكرا وثقافة ومعطيات.

وقد لا تغدو الحلول التي يقدمها المثقف أكثر من حلول فنية لواقع مرير وهي غير واعية وغير مدركة لأسس العملية الثقافية الراهنة في عالم اليوم حيث العولمة تواصل جمع كل ما هو متنافر عنها سواء أشئنا ذلك أم أبينا.

إن اللغة الثقافية السائدة على مدى قرون طويلة مضت هي معادل هذا الإلغاء الحاصل في جوانب عدة سواء أكانت فردية أو جماعية ،سياسية أو أدبية، دينية أو علمانية، أما الآن فيفترض أن يكون قد آن أوان الاعتراف بالآخر بعد فهمه على أسس نبيلة لا تتأثث منذ البداية بنظرية المؤامرة، وبالتالي تصبح سهلة وصحية مسايرة الثقافات العالمية والإفادة منها بدل التخبط والتقوقع داخل حلقة مفرغة لن تزيدنا إلا هذيانا مضافا على هذياناتنا المزمنة.
من منا ينكر أن هناك ثقافات بقيت لقرون طويلة على الرف، سواء أكان سبب تهميشها موقف سياسي تبنته أو اختلاف في اللغة هو متأصل بها جزءا من هويتها التي فطرت عليها. وهنا لا بد أن نضع خطين غامقين تحت مفردة (تهميشها) وليس (إلغاءها) ذلك أن ما يتعلق منها بتراث وفكر مستمدين من أصالة حقيقية لا يمكن لأحد كائنا من كان أن يلغيه حتى ولو غيبته عن الضوء لقرون طويلة قوى الظلام.
وهنا لا بد أن نعي بأن لابد أن ينظر إلى الثقافة بشكلها العالمي المتطور الراهن على أنها ان مجسمة، لا مجسدة، وان كان لي أن أشير إلى ثقافة بعينها لاقت هذا النوع المؤلم التهميش والعزل عن فضاء التفاعل، تكون في المقدمة ربما الثقافة الكوردية، ولكن يمكننا أن نرى أيضا أن ما تحقق من استقرار نوعي في كوردستان العراق أشبه ببث الروح في جسد خدرته الأنظمة أحادية الفكر، فأبقت عليه دورا واحدا تمثل في الصراع من اجل البقاء وإن كان ذهب كثير من ضحية إيمانهم بضرورة الدفاع عن حرية الكلمة وحرية النوع.

من هنا، كانت دعوتي الجادة إلى اغناء هذه الثقافة وتشجيع مبدعيها وشبابها، وتقديم الدعم لدور النشر كي تفتح الآفاق أمام الثقافة في الداخل والخارج. وكفانا من تكرار السؤال المريض: هل أن ما يكتب بلغة أخرى ينتمي إلى الثقافة الكوردية أم لا ؟!!!! فهذا سؤال هو في تقديري في غير محله طالما أننا نتفق على أن الأنظمة السياسية تمد سلطتها حتى على اللغة بعد أن تكون قد أنهكت الفرد وأذلته. إنني أرى من أجل ذلك أن الإبداع يخدم الثقافة بأي لغة كتب طالما أنه ينبع روحا من فكر أصيل. وما الضير في أن يكتب الكوردي الذي أجبر على الإلمام بلغة غير لغته الأم أن يكتب عن قضيته طالما للترجمة دور حقيقي وفاعل في إيصال ما أراده الكاتب للعالم كله وبضمنه الكورد، بل إنني أرى أن الترجمة في هذا السياق ستثمر عن أمرين:
أولهما نشر الثقافة الكوردية بين الآخرين من قوميات أخرى وبلدان أخرى وما الضير في ذلك إن كان عندنا شعراء متميزون ومثقفون بثقل نظرائهم في العالم؟
والثاني هو إضفاء لمسات من طابع لغات أخرى إلى الثقافة الكوردية وهذا يغنيها ويثريها لا سيما وأن للغات عموما قدرة الإفادة من بلاغات لغات أخرى كالاستعارات والكنايات والرموز والاساطير وتوظيفها وهذا كله سيصب في خدمة الأدب الكوردي، وبالتالي في الثقافة الكوردية.
لي أن أشير أيضا إلى أن الثقافة الكوردية - هي في مجملها- ثقافة شعرية لتوافرها على كم زاخر ومتنوع من المنجز المخيلاتي الشعري، وهو أمر طبيعي فيما يخص الأجناس الأخرى -حديثة العهد- الوافدة من الغرب، اي الرواية اذ ان هذا النوع الكتابي يرمي بخطى بطيئة إلى حد لا يكاد المتتبع تلمس آثارها. من هنا كانت دعوتي إلى الاهتمام بالأجناس الأخرى أيضا، فنحن بحاجة إلى منجزات في المسرح والقصة والأقصوصة وما تتوافر عليه قائمة الأنواع الأدبية في الثقافات الراقية.
وليس حال المهجر بافضل من حاله في الداخل فلا اكاد اعثر على جريدة مطبوعة كوردية تصدر بلغات مختلفة لتنشر الثقافة بعيدا عن المصالح الشخصية للافراد الذين لايظهرون في التجمعات القليلة والمؤتمرات سوى ابراز عضلاتهم وانتماءاتهم الفردية والطبقية والسياسية والعشائرية ....
ان خدمة الثقافة لابد ان ينبرى لها المخلصون في دفع العجلة الى امام لا ان نلزم المثقفين بلغة دون اخرى لان ذلك يتطلب وقتا وجهدا في حين ان التقدم المتسارع اليوم لايغفر لهذا التباطؤ القائم لذا فان دعم الثقافة باي لغة كان في المرحلة الانية هو ضرورة ملحة وقائمة وفي الوقت نفسه السمو بلغة الناشئة لتكون لغة المستقبل وثقافتها المتميزة التي نرجوها مع الاطلاع على الثقافات الاخرى كما ان تعلم اللغات الاخرى ضرورة لابد منها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الذكرى الثانية لرحيلها.. شيرين أبو عاقة تترك إرثا ما يزال


.. بحضور رئيس البلاد.. الآلاف يهتفون لفلسطين على مسرح جامعة أيس




.. سفن قوات خفر السواحل الصينية تبحر بالقرب من جزيرة تايوانية


.. الشفق القطبي ينير سماء سويسرا بألوان زاهية




.. مصر تلوّح بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل إن استمرت في عملية