الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم بعيد المنال

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2010 / 10 / 2
الادارة و الاقتصاد


أعشق الإسكندرية، عروس البحر الأبيض المتوسط، التى زرتها لأول مرة فى عام 1969م حينما كنت تلميذا فى المرحلة الابتدائية ثم توالت زياراتى للمدينة الجميلة خلال الأجازات الصيفية. وكلما ازور هذه المدينة تنتابنى رغبة شديدة لتحقيق حلم أسرتى التى ترغب فى اقتناء شقة صغيرة لعلها تكون ملاذا لهم من قيظ الصيف ودرجة الحرارة الشديدة فى أسوان والتى جاوزت حاجز الأربعين خلال شهر رمضان الماضى.

مازلت أتذكر وأتحسر على الفرص الكثيرة التى أهدرتها فى اقتناء شقة صغيرة فى الثمانينيات والتسعينيات حيث اخبرنى أحد الأقارب ذات مرة أن هنالك شقة فى منطقة سموحة لا يتجاوز سعرها 35 ألف جنيه مصرى، أى والله شقة مشطبة بها ستائر بهذا السعر. كما شاهدت شقة ذات حجرتين فى منطقة العجمى البيطاش بمبلغ 27 ألف جنيه وأخرى ذات ثلاث حجرات كاملة التشطيب فى منطقة الهانوفيل بمبلغ 35 ألفا. بالطبع ترددت فى اتخاذ القرار وانقضت السنون لتتوارى هذه الأسعار وتختفى تماما لدرجة أن أحدا سواء كان بائعا أو شاريا لا يجرؤ أن ينطق بها أو يذكرها إلا فى جلسات السمر.

الغريب أننى قررت إعادة الكرة فى صيف 2010 فتوجهت إلى الإسكندرية ظنا منى أن الأسعار قد تحركت تحركا بسيطا أو فى أقسى تقدير تضاعفت لأفاجأ بأسعار خارج نطاق الخيال. فشقة سموحة التى ترددت فى شرائها قد تعدت حاجز المليون وشقة البيطاش بلغت 100 ألف جنيه. أما شقة الهانوفيل فقد بلغت 160 ألفا. لقد زرت مناطق شعبية (زعربانة والعصافرة) فى شرق الإسكندرية وهى مناطق تشتهر بضيق حواريها وأزقتها حيث لا يتعدى عرض معظم الشوارع مترا أو مترين لكنها فى نفس الوقت تكتظ بالأبراج الشاهقة ذات الخمسة عشر طابقا وكلها مبان شيطانية شيدت فى جنح الظلام بعيدا عن أعين المسئولين الناعسة. ورغم تواضع هذه المناطق الشعبية غير أن شقة صغيرة تتكون من غرفتين بلغت حوالى 160 ألفا.

شعرت بإرهاق وملل بعد المجهود المضنى الذى بذلته مستقلا القطارات التى تمر بمناطق شرق الإسكندرية والحافلات التى تتجه إلى غرب الإسكندرية فى العجمى البيطاش والهانوفيل وابو يوسف والكيلو 21 وغيرها فقررت تلبية دعوة أحد الأقارب لحضور حفل خطوبة ابنته فى منطقة مشهود لها بالهدوء والرقى وهى الإبراهيمية. ذهبت مع أحد الأصدقاء إلى حفل الخطوبة واندهشت حين شاهدت الفيلات الجميلة التى كانت تزين المنطقة وقد تحولت بقدرة قادر إلى أبراج شاهقة، أصغرها لا يقل ارتفاعه عن 12 طابقا فى منطقة لا ينبغى أن يزيد ارتفاع أى مبنى عن 6 ادوار. لا شك أن النتيجة الطبيعية لهذه المخالفات الصارخة أنك لن تستطيع أن تجد مكانا لانتظار السيارة، الأمر الذى دفع صديقى إلى أن يقود سيارته إلى محطة الرمل ثم يعود بالترام إلى موقع الحفل. سألت أحد سكان المنطقة: لماذا لا يحاسب أصحاب هذه الأبراج التى باتت تنتشر فى جميع مناطق الثغر؟ جاءت الإجابة التى لم تخطر على البال وهى أن أى مسئول لن يستطيع أن يفعل شيئا لهذه المخالفات ولن يستطيع أن يتوصل إلى صاحب البرج المخالف حتى لو استعان بالمخبر الشهير كولومبو لأن أوراق هذه الأبراج لا تحمل الاسم الحقيقى لصاحب البرج بل تشير إلى أن صاحبها هو الكحول (فتح الكاف وتشديد الحاء). والكحول هو شخص متطوع يحصل على حوالى 50 ألف جنيه من صاحب الأرض الذى يسعى لتحويلها إلى برج مخالف بحيث تستخرج جميع التراخيص باسم الكحول الذى يستقبل المخالفات والإنذارات والأحكام الغيابية بالغرامة والسجن بدلا من صاحب البرج الذى يتفرغ لبيع الوحدات التى تجاوزت الواحدة منها حاجز النصف مليون جنيه. همست فى أذن أحد الأصدقاء فى الحفل بشأن الشقة التى أبحث عنها فنصحنى بمطالعة جريدة الوسيط التى تشتمل على إعلانات العقارات.

قبل شهر رمضان بيومين فقط وجدت طابورا طويلا أمام مبنى فى مواجهة سينما أمير فى طريق الحرية بالإسكندرية. اعتقدت للوهلة الأولى أن الواقفين ينتظرون كرتونة رمضان التى يوزعها أعضاء مجلس الشعب تحسبا للانتخابات القادمة لكننى اكتشفت سريعا أنهم ينتظرون التوزيع المجانى لجريدة الوسيط التى تظهر صباح كل يوم اثنين والتى تحتوى على إعلانات عن وظائف شاغرة وعقارات للبيع وأجهزة مستعملة. تصفحت الجريدة حيث وجدت شقق عديدة فى مناطق متفرقة. لقد اندهشت حين وقعت عيناى على شقة بمنطقة الهانوفيل تتكون من حجرتين ومنافعها ومزودة بالكهرباء والمياه والغاز وسعرها خمسون ألف جنيه. اتصلت بصاحب الشقة على التليفون المدون بالجريدة فاكتشفت أنها شقة مساكن مازال صاحبها يسدد أقساطها فصرفت النظر عن شراء شقة وحزمت حقائبى وتوجهت إلى محطة القطار عائدا إلى القاهرة لأشهد أول يوم رمضان مع الأسرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاليدونيا الجديدة: كيف ستدفع الدولة فاتورة الخسائر الاقتصادي


.. كيف تؤثر جبهة الإسناد اللبنانية على الإقتصاد الإسرائيلي؟




.. واشنطن تفرض عقوبات اقتصادية على بضائع صينية، ما القطاعات الم


.. وكالة ستاندرد آند بورز تصدر توقعاتها بشأن الاقتصاد المصرى




.. برشلونة يتراجع عن استمرار تشافى ومنافسة بين فليك وكونسيساو ل