الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأس كبش العيد تصبح رأس فتنة

إبراهيم منصوري

2010 / 10 / 3
الادب والفن


اقترب عيد الأضحى فسيطرت حمى الكبش على النفوس والعقول في تلك المدينة المغربية العريقة. رغم ضيق ذات اليد لدى أغلبية الشعب والارتفاع المهول لأسعار الأنعام الناتج عن الجفاف الذي ضرب أطنابه أينما رحل المرْء’ وارتحل، تكلف الناس وباعوا أمتعتهم واقترضوا لشراء أضحية العيد. كان قانون العرض والطلب يتحكم في أسعار الخرفان التي اشتعلت وتفاقمت حتى صنع منها الناس نكتا ومستملحات. كان الناس يشترون ولو كلفهم ذلك قروضا يستوجب أداء أقساطه أيام عمل طويلة.

كان أيوب معلما وأبا لثلاثة أطفال يدرسون في مدرسة ابتدائية خاصة مما أنهكه ماليا نظرا للمستحقات التي كان يدفعها شهريا لمالك المدرسة. كان أصدقاؤه يسمونه "كوعلما" على شاكلة "كومندار" و"كوبيلوت" إلا أن آخرين كانوا يطلقون عليه اسم "جوعلم" نظرا للجوع المرافق للمعلم طيلة حياته. رغم ذلك لم يبخل أيوب على زوجته وأبنائه بكبش أقرن أملح يسر الناظرين، دفع لشرائه ضعف مصاريف التمدرس الشهرية.

أشرق يوم العيد فبدأت المجازر الرهيبة وانتعشت سوق الجزارين غير النظاميين الذين كانوا يطالبون بأسعار خيالية لقاء ذبح وسلخ الأضاحي. صبر أيوب وصمد أمام كل التحديات حتى تمر الأمور كما خطط لها ويفرح الأبناء. ذبحت البهيمة وسلخت فبينت عن كرم لحمها وشحمها وبدأت طقوس الشواء. أليست طقوس الشواء كلا في كل ما دام عيد الأضحى ممارسة اجتماعية أكثر منها دينية في هذا الزمن الرديء؟

امتلأت البطون وبدأت بوادر تشحم الأبدان تلوح في الأفق وأحس الجميع برغبة في النوم. في اليوم الأول من عيد الأضحى، جرت العادة أن يشوي الناس رؤوس أضاحيهم في الهواء الطلق بواسطة شبان يشعلون النار في أخشاب ومواد مطاطية ونفطية من كل الأنواع. في هذا اليوم تكون سوق النار مزدهرة فتمكن الشباب من ربح دريهمات لقاء شي رؤوس أنعام من طينات مختلفة. موسم عيد الأضحى تجتمع فيه أسواق مختلفة ألوانها؛ أسواق الحيوان والسكاكين والدم والفحم الخشبي والنار والتوابل وما جاورها.

نام أيوب على أن يستيقظ لتقديم رأس كبشه للشي في سوق النار. بعد نوم طافح بالكوابيس، استفاق بصعوبة تحت إلحاح زوجته بضرورة الذهاب لشي رأس الخروف. وضع الرأس والحوافر في كيس بلاستيكي وخرج مسرعا لعله يجد من الشبان في سوق النار من سيسلط عليها لهيبا. لف أيوب كل دروب حيه الفسيح ممسكا بكيسه البلاستيكي الذي كانت تتدلى من خارجه قرون الخروف المذبوح لتوه، فوجد كل مواقع النار خامدة. في طريق عودته إلى البيت، شعر بضجر كبير وهو يحمل تلك الرأس البينة ففكر في ابتياع كأس ساترة إلا أن المتاجر كانت كلها موصدة. "أليس من المستحب التصدق بهذه الرأس الملعونة عوض الطواف بها في أزقة المدينة لشيها في سوق النار؟ سأعيدها أولا إلى الزوجة لعلها تجد حلا يرضيها !"، هكذا كان أيوب يتمتم لوحده في الطريق.

دخل أيوب بيته حاملا كيسه وكأنه مجرم عتيد. بعد التحية والسلام، بدأ الحديث واثقا: "يا زوجتي العزيزة، لقد بحثت في جميع أرجاء سوق النار فلم أجد أحدا لشي هذه الرأس، فافعلي ما بدا لك!". لم ينس أيوب قط تضخم مزاج زوجته في ذلك اليوم المقدس وكان يعرف حق المعرفة مدى مزاجيتها. حنقت المرأة وأزبدت أمام أعين أبنائها الصغار وأختها الكبرى التي كانت تقضي معها العيد السعيد: "ألم أنهك عن النوم ولو أثر عليك شحم ولحم الخروف؟ ألم اقل إنك بعد النوم لن تجد أحدا يحرق رؤوس الأنعام؟ إنك لا تنصت لنصائحي وها أنت تعود خائبا بعد بحث مضن ولم تجد من يشوي الرأس..."، هكذا كانت الزوجة تتحدث بصوت مرتفع يسمعه الجيران وهي في أوج غضبها.

ملأت الزوجة الدنيا غضبا وصخبا وكأن شيئا هاما جدا قد وقع وزعزع ميزان القوى على المستوى العالمي . حاول أيوب تهدئتها وتوعيتها فقال: "يا سيدتي، سوف نقوم بكل الإجراءات الضرورية لشي هذه الرأس هذا اليوم ولو خمد لهيب كل أسواق النار في البلد، ما دام شي الرأس الخروفية مهما بالنسبة لك إلى هذا الحد! وإذا تعذر علينا شيها، أليس حريا بنا مثلا أن نتصدق بها عوض النزاع حول شيها؟" زاد حنق المرأة عن اللزوم فصمت أيوب واستعد للخروج إلى الزقاق وفي عقله أشياء من شتى. في ذلك الوقت، نزلت أخت الزوجة التي كانت تقضي معها العيد السعيد من سطح المنزل معلنة أنها وجدت أخشابا قديمة على السطح تصلح لشي أكثر من رأس خروفية. أخذت أخت الزوجة رأس الكبش وقوائمه وصعدت الدرج لتحرقها حرقا على السطوح. خرج أيوب إلى الزقاق متسائلا: "ألرأس الخروف كل هذه القوة الخفية لتصبح رأس فتنة تنغص على الأزواج والأولاد عيدهم؟ هل العيب في شي رأس الكبش أم العيب فينا؟..."، مجرد قصة للتفكير....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل