الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجيديا بلا ذنوب!

سعد تركي

2010 / 10 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


التطهير ـ بحسب أرسطو ـ هدف المسرح التراجيدي، حيث تُعرض على جمهور مأساةٌ بطل فاضل نبيل كريم، بطل لا يستحق أن يشقى.. فتثير مأساته العظيمة في نفوسهم الإشفاق على ما آلت إليه حال البطل النبيل، كما تثير فيه خوفاً ورعباً من ملاقاة المصير نفسه. وحين يُسدل الستار يتحرّر الجمهور من ذنوبه وآثامه ويتطهّر منهما.. بطل المسرح التراجيدي يتردّى في الشقاء والتعاسة، ليس بسبب ارتكابه لرذيلة أو شرّ، ولكن بسبب خطأ غير مقصود، أو سوء تقدير وحكم، في حين يتطهّر جمهور غارق في شروره وآثامه بعد رؤيته سقوط البطل الفاضل النبيل!.
يتفرّج العالم، يوماً اثر يوم وساعة اثر ساعة على فواجعنا ودمائنا ودموعنا، وحيثما أدرتَ زر فضائية أو تصفحتَ مجلة أو صحيفة، تصفع وجهك مشاهدُ موتنا اليومي ودمائنا المراقة وصراخ أطفالنا وعويل نسائنا.. ينسى العالم بسهولة ويسر أي مشهد للموت والدمار والخراب لا يخصّنا.. الدم الفلسطيني تراجع خطوات إلى الوراء، ومحنة الفيضانات الباكستانية غابت عن الاهتمام، والمعارك الدموية في الشيشان ودارفور والصومال نسيتها النشرات الخبرية. كل المحن والكوارث لا تمتلك زخماً وديمومة كما تمتلكها أخبار موتنا الطازجة الطريّة أبداً كقهوة الصباح أو شاي المساء.. كوارث العالم بأجمعها ليس لها صفات البطل التراجيدي، كما توفّرت ـ لحسن حظنا ـ في وطن اسمه العراق، وشعب عُرف منذ بدء الخليقة، وكان علماً حين كان الآخرون محض نكرات.
العالم يتفرّج بلذّة واستمتاع وفخر، كما يرنو غني إلى ثري افتقر فيحمد الله على دوام غناه، أو كما يسمع شَبِعٌ أنين جائع فيربّت على بطنه مزهواً بكرشه الممتلئ.. تنظر نساؤهم إلى أطفالنا وهم يسبحون في دمائهم فتفيض دموعهن ـ شكراً وعرفاناً ـ لأن أطفالهن يلهون ويمرحون.. العالم يتفرّج ويتعظ ويأخذ العبر والدروس، السياسي المنتخب يُري ناخبيه ما كان يمكن أن يكون لو أنهم أساؤوا الاختيار كما أسأنا، والملتصق بعرشه أو كرسيه يعظهم بحالنا إن تجرؤوا يوماً عليه.. العالم كله يتفرّج، ويمدّنا بما يديم علينا نعمة دوام الحال إلى أبد الآبدين، فكلما ازدادتْ مأساتنا عمقاً وغوراً ازدادوا طهراً ونقاءً وسعادة وصحة!!
العالم كله يتفرّج، وحين يحوّل ناظريه عن شاشة التلفاز، يضم الزوجُ زوجه وأطفاله، ينام قرير العين، فقد اغتسل من ذنوبه بدموعنا، وعمرت مدنه وقراه بخرابنا، وأزهرتْ حقوله بحرائقنا، وتفجرّتْ أرضه عيوناً بجدبنا وعقمنا.. العالم يصحو على شمس مشرقة دافئة، ونسير إلى ظلام معتم كجنح غراب لا يضيئه إلا بياض شعورنا وأعيننا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو