الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميليشيات اللجان الثورية الإرهابية

ليلى أحمد الهوني
(Laila Ahmed Elhoni)

2010 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


دأبت الأنظمة الدكتاتورية والإستبدادية على مر التاريخ، على تكوين مجموعات أو مليشيات شبه عسكرية تعمل خارج الأطر الرسمية للدولة، حيث يتم وضعها تحت مسمى الأجهزة الأمنية، وذلك بغية السيطرة على حركة الشعب وإحكام قبضتها على كل كبيرة وصغيرة فى البلاد التي تحكمها هذه الانظمة.

وتعد هذه المليشيات أداة البطش والقمع، التي تستخدم من قبل تلك الأنظمة، لمنع وتصفية أي شخص أو جهة معارضة لحاكمها الدكتاتور، والقضاء على أي تحرك سوى كان فردي أو جماعي من قبل العامة من الشعب، حتى لو كان هذا التحرك سلمياً ولا يشكل أي تهديد حقيقي لهذا الحاكم المستبد، ولكن قد يشوه الصورة الظاهرة والعامة له، ويفضح تصرفاته وسلوكياته الحقيقية أمام العالم، وليبيا كغيرها من دول وشعوب العالم المضطهدة، إذ أنها لم تكن استثناءاً من هذه السياسات الوحشية والقمعية، فبعد سنوات قليلة من قيام إنقلاب سبتمبر الأسود سنة 1969م، وإستيلاء القذافي على الحكم في البلاد، لم يتردد هذا الأخير في العمل على تنفيذ مخططه.

ولكي يستطيع تحقيق أهدافه التخريبية التي يريد تنفيذها على أبناء الشعب الليبي، لأسباب يعزوها البعض الى أحقاد شخصية دفينة من القذافي نفسه على الليبيين، والبعض الاخر يعتقد أنها بايعاز من جهات أجنبية عميلة، هدفها تدمير ليبيا الغنية بنفطها وتحطيم شعبها، حتى لا يتطور ولا يسهم فى تطوير الأخرين من حوله، وفي إطار هذا المسعى التدميري والتخريبي، فقد قام القذافي بإلغاء الدستور وجزء كبير من القوانين المهمة والصارمة، التي كانت تسير عليها الدولة الليبية قبل مجئيه، حتى لا تكون عائق لمخططاته الدنيئة، وحتى يستطيع تنفيذ جرائمه في البلاد بكل حرية، بدون أن يكون عليه أي حسيب أو رقيب.

وحتى يسهل على هذا الطاغية تنفيذ عملياته الإجرامية في الشعب الليبي، قام بتأسيس مليشيات عسكرية فوضوية (مافيا) أطلق عليها اسم ( اللجان الثورية) وهي لا تعرف عن الثورية إلا الاسم، لانها فى واقع الامر هى مجرد خلايا إرهابية تعمل خارج إطار القانون، يترأسها ويديرها والعقل المدبر لها معمر القذافي وحده، مهمتها قتل وتصفية كل من له رأي مخالف للقذافي ونظامه المستبد والفاشي، كما تعمل أيضا على إرهاب المواطنين والإعتداء عليهم بدون أي وجه حق.

منذ بداية تأسيس ميليشيات اللجان الثورية الارهابية، ومن ضمن أعمالها القمعية الغير مسؤولة، والمكلفة بها من قبل القذافي، قامت بتحطيم كل الأجهزة الإدارية للدولة، لتمنع أي مقاومة جادة لسياسته الهمجية المدمرة، حيث قام القذافي بزرعها في كل جهات ومراكز الدولة الليبية لكي يحقق ضمان هيمنته الكاملة فيها، كما أنها وبأوامر من القذافي أيضاً، أستولت على الإتحادات الطلابية والنقابات والروابط المهنية، وأقحمها في اجهزته الإعلامية ومؤسساته المرئية والمسموعة والمكتوبة، لكي يصبح هذا الإعلام تحت سيطرته، وفي خدمة أهدافه الشخصية وترهاته الغبية والساذجة، ومقولاته الفارغة، وسياساته الفوضوية، وأفكاره العبثية والفاسدة .

لم تكتفي هذه المليشيات الإرهابية المعروفة "باللجان الثورية" عند هذا الحد فقد باشرت أعمالها في البلاد أيضاً، بتدمير أسس حياة المواطن الليبي الطبيعية، وزعزعت الثقة بين قطاعات المجتمع الليبي الواحد، وعملت بدون توقف الى خلق حالة من الفوضى، وبث حالة الخوف المستمر بين المواطنين الليبيين، حيث أنها لم تتوقف يوماً منذ بدايتها على تنفيذ أعمالها التخريبية التي وجدت وتكونت من أجلها، وهي مازالت إلى يومنا هذا تتصرف بكل عنجهية، بدون أي رادع لها أو لتصرفاتها الغير مسؤولة والغير سوية.

تعد الفترة الواقعة بين آواخر السبعينيات وبداية الثمانينات من القرن الماضي* أسوأ الفترات في حياة الشعب الليبي عامة، حيث وصلت فيها هذه المليشيات الإرهابية إلى قمة الإجرام، فقد كانت تقوم بعمليات القتل المدبرة والعشوائية ضد أبناء الشعب الليبي بدون أي شفقة أو رحمة، وخصوصاً ضد المعارضين للقذافي ونظامه الفاشي، حيث كلف القذافي - خلايا اللجان الثورية الارهابية - بالسفر إلى خارج البلاد، لملاحقة وخطف وقتل عدداً كبير من شخصيات ورموز ورجالات المعارضة الليبية بالخارج، وفي داخل ليبيا كلف مجموعة أخرى للقيام بعمليات مداهمة للمساجد واعتقال بعض المشايخ والائمة ومن ثم سجنهم وقتلهم، ولعل مقتل الشيخ الجليل "محمد البشتي" رحمه الله وأدخله فسيح جناته – وتلاميذه كان من أبشع الجرائم التي تدل على الطابع الدموي لهذه اللجان الارهابية .

كما قامت هذه المليشيات في تلك الفترة أيضا وبايعاز من القذافي نفسه، باقتحام الجامعات الليبية في كل من مدينتي طرابلس وبنغازي والهجوم على قاعات الدراسة، حيث اعتقلت الكثير من الطلبة وزجت بهم فى السجون والمعتقلات، ومن ثم قامت بتنفيذ أحكام الإعدام فى بعض هؤلاء الطلبة، ولعل يوم السابع من ابريل من كل سنة من تلك السنوات الغابرة، وما حدث فيه من تعليق عمليات شنق في الجامعات، وهتاف أولائك المجرمين "بمجد" قائدهم وزعيم عصابتهم "القذافي" وهم حول الطلبة المعلقين في أعواد المشانق، وما ترك في نفوس وعقول الشعب الليبي من مآسي وكوارث حقيقية لم ولن تنسى مدى الحياة، وستبقى عالقة فى ذاكرة الذين عاشوا هذه الفترة العصيبة، لدليل آخر على حجم المصائب والأهوال التي سببتها تلك الميليشيات لأبناء شعبنا الليبي.

إن كل ما لحق بليبيا الدولة والشعب، من عبث و فساد وعمليات قتل واختلاسات وهموم وويلات داخلية، وكوارث ومصائب وجرائم خارجية، أساءت بشكل كبير لسمعة ليبيا الداخلية والخارجية بين دول العالم، الأمر الذي دفع بهذه الدول بوصف وتصنيف ليبيا من ضمن قائمة الدول الارهابية، كل هذا كان سببه الوحيد هو هذه الميليشيات الارهابية (اللجان الثورية) وما قامت به وبأوامر من رئيسها الفعلي معمر القذافي، من أعمال إجرامية متهورة في مختلف أنحاء العالم.

وحتى نذكر القارئ ببعض أبشع الجرائم التي قامت بها ميليشيات اللجان الثورية في حق الشعب الليبي، و بأوامر من زعيمها معمر القذافي على سبيل المثال لا الحصر:-

1- أحداث ابريل 1976م والهجوم على الجامعات، وإعتقال الطلاب ونصب أعواد المشانق، واتخاذ يوم السابع من ابريل احتفالاً لهم يتكرر كل عام فيعدمون الطلبة في ساحات الجامعات كوسيلة لإرهاب المواطنين الليبيين.
2- عندما أقفلت المحلات التجارية في سنة 1979م، قامت اللجان الثورية بالسطو على تلك المحلات وزجت برجال الاعمال والتجار فى المعتقلات والسجون ومحاسبتهم بتهمة (من أين لك هذا) وصادرت جميع أموالهم وممتلكاتهم، مما أدى إلى أصابة العديد منهم بأمراض مختلفة أدت بالتالي إلى وفاتهم.
3- مداهمة المساجد في داخل البلاد واعتقال الأئمة والمشايخ أصحاب الكلمة الحق.
4- ملاحقة المعارضين الليبيين في خارج ليبيا وخطفهم وقتلهم في شوارع عواصم الدول العربية والاجنبية.
5- مشانق وإعدامات شهر رمضان من سنة 1984م لأبطال ليبيا والتي كانت بعد أحداث معركة باب العزيزية مباشرة.
6- مقتل الشرطية البريطانية التي كانت تحرس المتظاهرين الليبيين من أمام سفارة القذافي في لندن.
7- تفجير ملهى "لابيل" في مدينة برلين الألمانية وما لحق الشعب الليبي من مغبة الغارات الجوية الترهيبية التأديبية التي تلقاها الشعب وحده في حين فر القذافي هارباً.
8- إسقاط طائرة أمريكية فوق سماء مدينة لوكربي الاسكتلندية، وما تبعها من عقوبات اقتصادية تحملها الشعب الليبي واستغل القذافي الحصار لفرض الكثير من القيود على الليبيين كان باشراف وتنفيذ اللجان الثورية.
9- مقتل 1200 سجين ليبيا عزل في سجن أبوسليم بدمٍ بارد في مدة تقل عن ثلاث ساعات كان بتنسيق مع عناصر واعضاء فى اللجان الثورية.

ومما سبق ذكره يمكن القول أن إجرام القذافي وقمعه وحكمه الإستبدادي على الشعب الليبي، ما كان له أن يحقق أهدافه الخبيثة لو لم يجد القذافي الأداة التي تساعده على فعل هذا، ولما استطاع أن يقوم وحده بمثل هذه الأفعال والجرائم النكراء في حق الشعب الليبي، والتي دفع المواطنون الليبيون مقابلها ثمناً باهظاً من حياتهم وراحتهم ، فاللجان الثورية مهما حاولت اليوم أن تتملص من أفعالها وتضع نفسها في موقف البريء والمغرر بها، أو حتى دور الخجولة من أفعالها، فهي بلا أدنى شك تحاول أن تخدع نفسها والأجيال الجديدة، في حين حقيقتها التي يجب أن لا ننساها أنها هي الأداة الإرهابية، التي صفقت للقذافي وهتفت له وأيدته، وساعدته في تحقيق مخططات نواياه العدوانية، ضد أبناء وبنات الشعب الليبي و مكنته من تطبيق دكتاتوريته وتنفيذ جرائمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من وجهة نظر معظم الليبيين أن كل شخص كان عضواً فى اللجان الثورية، أو حتى مؤيد لأفكار القذافي وهاتفاً له أومدافعا عليه، ولم يتخذ موقف حاسم وواضح اتجاه تصرفاته وتجاه عصابته من اللجان الثورية في تلك الفترة العصيبة تحديداً، لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يتوقع العفوعنه من الشعب أو يمكن اعتباره مواطن مخلص ووفي لليبيا الوطن ولشعبها الثابت والصبور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وجهان لعملة واحدة
سرحان الركابي ( 2010 / 10 / 5 - 21:40 )
تحياتي اختي وعزيزتي ليلى . يبدو لي من خلال اطلاعي على مقالك ان اللجان الثورية هي الوجه الاخر لعصابات البعث . التي كان يستخدمها صدام في قمع وقتل العراقيين واسكات كل صوت وكل نفس يتحدى صلطاته المطلقة وكما ذكرتي ان الانظمة الدكتاتورية والاستبدادية دابت على مر التاريخ على تكوين ميليشيات او بالاصح عصابات تعمل في داخل اجهزة الدولة بل ان صلاحيات هذه العصابات تتعدى كل القوانين والانظمة والتشريعات التي تعمل بموجبها اجهزة الدولة . فتتحول كل اجهزة الدولة الى ضيعة او قبيلة يراسها فرد واحد هو القائد الملهم . وتتحول القوانين الى رغبات وميول ومزاج القائد . فان شاء اعطى وان شاء منع . فكل الدولة ملك للقائد وارواح الناس ايضا ملك له . وقد يعد فضلا منه ان يسمح للبعض ان يعيش .والويل لمن يغضب القائد او يمسه . خالص تحياتي عزيزتي


2 - تحية طيبة لك أخي وعزيزي سرحان
ليلى أحمد الهوني ( 2010 / 10 / 5 - 22:23 )
أخي العزيز سرحان.. أسعدت مساءاً والله لا تعلم كم أسعدني تواجدك الطيب وقراءتك -المهمة بالنسبة لي- لمقالتي ومدى امتناني بردك المحترم والموقر الذي أضاف لي الكثير والكثير لمقالتي هذه.. لقد صدقت عزيزي فيما ذكرت حول التشابه الكبيرة بين مجموعة البعثيين في عهد صدام وبين عصابة اللجان الثورية التي يعاني منها الشعب الليبي الآن تحت حكم نظام القذافي وهي وكما ذكرت وعبرت في مقالتي بأن أعمالها وأفعالها التخريبية كانت ولا زالت تقوم بتنفيذ إيعازات زعيمها القذافي الإجرامية..فهي عصابات فالتة لا يضبط تصرفاتها اي قانون و تعمل خارج الأطر الرسمية للدولة ومزودة بكل الصلاحيات العبثية لتمارس كل شيء واي شيء في سبيل أن يبقى الدكتاتور في مكانه وسلطته بدون منازع .. اننا يا سيدي نعيش على أمل أن يأتي اليوم الذي نرى فيه هذه الميليشية وقد تم القضاء عليها والقبض على رئيسها ومؤسسها كما حدث مع أشباههة من قبلها حتى ينال شعبنا الليبي كامل حقوقه الإنسانية وتعود له كل حريته وكرامته التي سرقت منه منذ انقلاب سبتمبر المشؤوم.. شكرا لك عزيزي سرحان ..دمت في خير وهنا مع خالص تحياتي لك سيدي

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي