الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أكره الأرقام!

سعد تركي

2010 / 10 / 6
الادارة و الاقتصاد


أكره الأرقام، لأنها لا تحصي في بلادي سوى المصائب والمآسي.. أكره الأرقام جميعها حتى ما كان في ظاهره ينبئ بخير آت، فقد تعودنا ـ منذ زمن بعيد لم نعد نذكر ابتداءه ـ ألا نحصي غير قتلانا ومقابرنا الجماعية وأعوام المنفى والسجون والمعتقلات.. أكره الأرقام، بها احتللنا المرتبة الأولى في الفساد، وبها دخلنا موسوعة غينيس في عدد الأيام والأشهر التي انقضت من دون الوصول إلى تشكيل الحكومة.. أكره الأرقام، ولولا هذا الكره والبغض لسوّدت صفحات بيض بأرقام وإحصائيات تبرر كرهي الشديد للأرقام!!
مزهواً متباهياً، أعلن المسؤول الأول في وزارة النفط حجم احتياطياتنا المهول والخرافي من ثروة أدمن العالم استهلاكها، وكانت سبباً في مصائب بلادنا ومآسيها وكوارثها.. أعلن بالأرقام إننا سنتفوق على البلدين اللذين يحتلان، حاليا، المرتبة الأولى والثانية في حجم احتياطياتهما بمئة مليار برميل إن اجتمعا سوياً.. أعلن إن السعودية صاحبة المركز الأول، وإيران التي تليها( وهما بلدان مجاوران) سوف يفقدان قدرتهما في التأثير على السوق العالمي، وسيفقدان سطوتهما ونفوذهما.. أعلن بالأرقام إن البلد المشتهى والمستباح دوما لكل الطامعين والطامحين، أضحى أفحش ثراءً بما يعطي حافزاً حتى لمن كان يعفّ عن نهش لحمه أن يسّن مخالبه لكي يحظى بنصيب من كعكة تناوشتها الأيدي وتلقفتها.
ما كان يبدو للوهلة الأولى سبباً للفرح والغبطة وبشرى بمستقبل آمن مطمئن، يحمل خلف فحش أرقامه المهولة ليلاً بهيماً مظلماً وأياماً لا يمكن لأشد كوابيسنا عتمة تخيلها. قد نوصف بالتشاؤم إذ نستقبل أعيادنا بالبكاء على موتانا وباللطم والعويل، ليس لأننا أمة أدمنت حزنها وعشقت مآسيها، إنما لأننا تعودنا ألا يغادرنا حزن وألم وجرح إلا بأحزان وآلام وجراح أشد، ولأن خلف عسل الابتسامة والضحكة الصافية يكمن دوما السم الزعاف.
في بلد لم يصح يوماً إلا على دويّ مدفع أو أزيز دبابة وطائرة وبيان عسكري أول.. في بلد ينام مقهوراً مستلباً ويصحو محتلاً مستباحاً، لأنه ـ عبر التاريخ ـ يملك أشياء أسالت لعاب القتلة والسراق، ولأن النصال والسهام كانت بأعداد وأرقام كلّت يداه عن صدها فأراقت دماءه وأثخنت جراحه.. في بلد كهذا كان لزاماً عليه أن يخفي ما يجهله عنه الآخرون، فليس من الحكمة أن يعدّ ثريّ دنانيره الذهبية وسط سراق وقتلة، وليس من الحصافة أن يستعرض ـ متباهياً ـ كبش إليته السمينة الممتلئة شحماً أمام ذئاب وثعالب مسعورة.
في بلدي الذي لم يعد يشبه صورة رسمناها له ـ يوماً ـ في كراريس الرسم، كل الأرقام تحمل نذر شؤم ووعداً بالموت والفناء: الانفجارات، القتلى، الأرامل، الخرائب، الحرائق، السياسيون، القتلة والمأجورون.. في بلدي نتمنى أن نعد، ولو ليوم واحد، ضحكات أطفالنا كي نتمكن، كبقية خلق الله، عشق الأرقام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاجأة غير متوقعة في الأسعار.. اسمع نصائح سكرتير شعبة الذهب


.. هل أصبح نتنياهو يشكل خرابا على إسرائيل اقتصاديا واستراتيجيا؟




.. الصحفي الرياضي منير رحومة يؤكد على استمرار المنافسة بين ميسي


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأحد 23 يونيو 2024 في الصاغة




.. الحرب على غزة تتسبب في خسائر فادحة للاقتصاد الإسرائيلي.. تعر