الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانقاذ.. ومأزق السياسة السودانية

ماجد القوني

2010 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الانقاذ.. ومأزق السياسة السودانية
انتهت رحلتنا في كوكب التحول الديمقراطي.. انطلق!
ماجد القوني
(الدخول لم يكن مفاجئاً.. لكن الخروج سيكون مميتاً)
فشلت الدولة السودانية في الخروج من ازمتها، وتطوير قدراتها للبقاء وسط عالم يترائي إنسانه على بعد عشرات من السنوات الضوئية. وحيث ينبغي للحقيقة أن تثار في شأن السياسي السودان ، يجب أن لا يتم ذلك بمعزل عن مشاركة (الآخر) السياسي الذي قُدر له أن يكون يوما،ضمن تشكيلة الواقع السياسي، وما الانقاذ إلا حلقة في سلسلة الفشل التي تعاني منها السياسة السودانية منذ استقلال السودان وحتى الآن.. وحينما تشير اصابع الاتهام لحكومة الانقاذ فقط لأن الأزمة بلغت في عهدها كل حدود الاحتمال.
كيف السبيل إذاً لتجاوز هذا المأذق الذي لم تضعنا فيه الانقاذ، وحدها بل ساهمت السياسة السودانية في صياغته. فما هي الشروط التي أنتجت هذا الواقع؟ ليس على مستوى الواقع السياسي والاقتصادي فقط بل على مستوى البنية العقلية للمواطن السوداني، الذي وضح الآن تخوزقه بما لا يدع أي مجالاً للشك والمراهنة حول قدرته على ملامسة الطريق إلى الخروج وحده دون مشاركة النخب الحاكمة، أو تلك التي تقف على أرصفة المعارضة في انتظار قطار السلطة، عبر محطات مختلفة تقترب وتبتعد من المركز الداعم لهذا الواقع، يعتبر رهاناً خاسراً. لا سيما في ظل التصدعات التي بدأت تصيب الجسد السوداني.
الماركسية اشترطت تغيير البنى الفوقية على مستويات الدولة بتغيير البني التحتية، بالرغم من عقم التجربة إلا أنه ينبغي البحث عن خيارات أخرى لتفسير الواقع وفق رؤى أخرى وسط عالم يمضي إلى ما بعد الحداثوية، وما زالت شعوبنا تقهرها دكتاتوريات (قروسطية) تخلق ستاراً من الجهل يحول بين رؤية تلك العوالم، وفي الوقت ذاته حجب الآخرين من رؤية ما يحدث، حتى لو إقتضى ذلك شراء ذمم رجال من العالم الأول في الوقت الذي تجزم فيه الذهنية المحلية بإستحالة أن يحدث ذلك، ليس لثقة في الغرب ولكن لأنه - الغرب - وضع القوانين لذا يجب عليه أن يحترمها، حتى وان جاء ذلك تحايلاً على القانون ذاته. أو الوقوف إلى جنباته بحثاً عن حصانة دولية تحمي حقوق رعايا دول العالم الأول، الذي يُعتبر وفق وثائق سفره سيداً لهذا العالم.
هي دعوة إذاً لتجاوز الأسف من أجل تفكيك ما يحدث، ومعالجة الوعي الآني الذي لا ينتج سوى ما تأدلجه قوانين وبرامج الشمولية. والمتحولون الجدد نحو ديمقراطيات يجب أن يقبلها الآخر، أو فلتذهب إلى جحيم الهجرة، وسط عوالم قاتمة وباردة تضيع فيها اجتماعياً وتذهب لاءاتك ادراج الريح.
انتخابات 2010 ليست أكثر من أوهام، مثل تلك صورها أفلاطون فيما يعرف فلسفياً بأوهام الكهف، حيث تترائى لهم ظلال العالم الخارجي عالماً حقيقياً. أو مثل الأعمى الذي مُنح نعمة ابصر لثانية، فلمح فأراً ليعود أعمى من جديد.. واصبح الفار مقياساً ومعياراً للموجودات على الدنيا، واذا سأُل حول معرفته بالديمقراطية مثلاً، أجاب (بتشبه الفأر؟).. هي ذاتها أزمة العقل السوداني الذي تُعتبر مقايسته للنظام الديمقراطي، وفق مشاهدته وقراءاته لتجربة ما يتعارف عليه المشتغلين بالسياسة السودانية بالديمقراطية الأولى والثانية والثالثة، وربما بدأ المؤتمر الوطني الآن في وضع تجربة انتخابات 2010 كديموقراطية رابعة في كتاب السياسة السودانية.
احتكامنا ومقارباتنا القياسية للديمقراطية بما مضى يعيق قضية التحول الديمقراطي، التي اصبحت على شاكلة العنقاء والخل الوفي، قد لا تتحقق ليس لنقص في الأيمان بمتطلبات التحول، ولكن لأن الذهنية السودانية تخضع لمعايرة هزيلة من خلال ذاكرة ماضوية، ربما لغياب النموذج السياسي يمكن أن يكون بديلاً للمذاقات السياسية السابقة التي (مسخت) للشارع السوداني، أو ربما لغياب الشخصية الكاريزمية التي يمكن لها اقناع الشارع السوداني، الذي عادة ما يجد نفسه أسيراً لسلطة الشمولية عقب كل فسحة ديمقراطية.
في الوقت الذي يشير فيه هربرت ماركيوز إلى أن الحضارة الصناعية المتقدمة أنتجت ما يعرف بـ (الانسان ذو البعد الواحد) وإحتواء عناصر الرفض والاحتجاج التي كانت تؤرق المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية معاً. حيث وضع ماركيوز فرضياته من خلال تأثيرات الحضارة الصناعية المتقدمة، تتماهى تماماً مع واقعنا وتنتشر أمراض الأنسان ذو البعد الواحد الذي انتقل الاحساس بالقمع فيه من الخارج إلى الداخل (يحمل قمعه في داخله) إلى درجة أن الاحتجاج الفردي، وكافة أشكال التمرد قد تأثرت بها، فغدت النظرة إلى الرفض العقلي والانفعالي لعملية الامتثال على انه نوع من العصاب أو المرض النفسي.. هو ذاته الانسان الذي تتجاذبه الآن إختراقات الوعي واللاجدوى من ممارسة الرفض الذي يميز الوعي الانساني، ورفضه لسكونية الواقع.
توقعات الانسان السوداني لمرحلة ما بعد الانتخابات كانت تذهب في اتجاه انفراجات كُبرى على مستوى الخدمات والتشكيلات الوزارية ومحتوى الحكومة القومية التي بشرّ بها قادة الانقاذ قبل إعلان النتيجة بساعات، لينفيها قادة نافذين بعد ساعات من أعلان النتيجة، واعتبار تشكيل حكومة قومية من الاحزاب السياسية مجرد أوهام وإبتراد في انهر السراب. وتأتي تشكيلة الحكومة الجديدة ليست سوى محاصصات قُدر لها أن تضم كل ولايات السودان لكنها حسب رؤية الكثير من المراقبين تغرد في سربي الوطني والحركة الشعبية، ويبقى الحال كما هو عليه، وتعود الانقاذ (بانتيوم ون) بكل عنفوانها وبطشها وجبروتها واعتقالاتها.. وتنتهي مرحلة من التصريحات التي ولفترة قريبة أوهمت البعض أن الانقاذ انصاعت أخيراً لأصوات العقل داخلها ووافقت على اشراك الآخرين في الحكم.
الانقاذ الآن أشد ضراوة من سابقاتها (بعد انقلاب 89، والمفاصلة، وانتخابات لا ونعم، ومروراً بحكومة الوحدة وإنتهاء بالحكومة الحالية. التي ظلت تتوعد معارضيها منذ إنطلاقة الحملات الانتخابية، فكان هذا الوعيد نزير شؤم لمناخ التحول الديمقراطي الذي قضى نحبه في الأيام الأولى من إعلان النتيجة، وتطوق الشمولية من جديد خاصرة السياسة السودانية، بمجموعة من الاعتقالات والمصادرات للصحف لتعيد الانقاذ لسيرتها الأولى.
المرحلة القادمة قد تحمل الكثير من التساؤولات في شأن الحكومة الجديدة التي تواجهها الكثير من التحديات الجسيمة والتي أعظمها اثراً الاستفتاء بشأن تقرير المصير لجنوب السودان.. فهل يتحمل المؤتمر الوطني وزر تفتيت السودان؟ أم سيسعى لجعل خيار الوحدة ممكناً في الشهور القادمة؟ وهل خيار المعارضة السودانية بفتح مكتب في مدينة جوبا يعتبر قبول سياسة الانفصال، أم هو خروج جديد للمعارضة السودانية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح