الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأهيل السجون للمغرر بهم لا للمجرمين

حسن الهاشمي

2010 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



ماذا نعمل إزاء الجرائم التي يقترفها المجرمون بحق الأبرياء من الشعب العراقي، وهل إن الرأفة الإسلامية والشهامة العربية تشمل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء؟ أم أن ضمان حقوق الإنسان يشمل فقط المغرر بهم، بل أن ذروة الدفاع عن حقوق الإنسان ينبغي أن تنصب على عوائل المقتولين والمعوقين والمجروحين غدرا على مذبح العهر السياسي والنفاق المبتذل الذي يحاول الحصول على مكاسب سياسية من خلال إيغاله بالجرم والقتل والتنكيل لشعب أبى إلا أن يعيش كريما!!!.
ونقلا عن احد القادة الأمنيين الذي كشف إن من جملة قادة العصابات الإرهابية الذين قاموا واشرفوا على عدة عمليات إرهابية نوعية، منها تفجير الوزارات وغيرها هم ممن كانوا في السجن لعدة سنوات ثم أطلق سراحهم، تأهيل السجناء من عدمه هو الحد الفاصل بين المجرم الذي عنده سبق إصرار على جرمه وجريرته ويداه ملطخة بالدماء، وبين المغرر به الذي اضطرته الظروف بأن ينخدع بشعارات الإرهاب البراقة دونما ارتكاب جريمة ضد الأبرياء، فالأول لابد من اتخاذ الإجراءات القضائية الرادعة بحقه وتنفيذ الأحكام التي تصدر بحقه مهما كانت هذه الأحكام، أما الثاني فالمؤسسات الأمنية مدعوة بأن تضع دراسة اجتماعية ونفسية تعالج أسباب هذه الظاهرة وتضع حلولاً لها للحد منها.
وعليه فان الفكر الإنساني قد استفاد من تلك النظريات والممارسات التي كان رائدها صاحب الفكر الإنساني والقانوني العظيم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولكن بعد مرور مئات السنين، حيث لم يتم الاهتمام بالسجون من ناحية البناء ومن ناحية المعاملة أي كمؤسسة إصلاحية علاجية تأهيلية بصورة فعلية إلا بعد القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
فنجد أن هناك عناية بالسجين من نواحي الجسد والروح والفكر، يقول الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) في كتابه أحكام السجون بين الشريعة والقانون "كان الإمام علي (عليه السلام) يتابع طعامهم وشرابهم وكان يصرف لهم كسوة صيفية وأخرى شتوية وفي حال مرض احد السجناء فكان يعالج داخل المؤسسة العقابية وان لم يكن له خادم يقوم بخدمته قوَّم له واحداً، وان كان مرضه لا يرجى شفائه أو خطراً على حياته فينقل إلى بيته لعلاجه ومن ثم يصدر قراراً بإعفائه من مدة محكوميته، وكان يسمح للمسجونين بالخروج والمشي داخل المؤسسة العقابية، بل نجد أن الإمام (عليه السلام) قد أقر للسجناء بحق الخروج لأداء صلاة الجمعة والعيدين، مع حق ذويهم وأهلهم في زيارتهم، ثم نجد أن الإمام (عليه السلام) قد أقر تعليم السجناء القراءة والكتابة والأحكام الدينية والعقائدية والمواظبة على ممارستها، ثم أكد على ضرورة معاملة السجناء (النزلاء) بالحسنى من قبل القائمين على إدارة المؤسسة العقابية وذلك كله يتم تحت إشرافه ورقابته المباشرين، بل كان يوصي عماله في الأمصار الأخرى بذلك كله، هذا الفكر الإصلاحي أصبح نقطة الانطلاق فيما بعد للفكر الجنائي الإسلامي (والإنساني) عموماً في الاهتمام بالسجن والسجين" غير أن الغاية منها قد ابتعدت عن الإصلاح والتأهيل والتهذيب ولاسيما في العهدين الأموي والعباسي وما بعدهما من توالي الأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي لتتحول السجون فيها إلى حقوق تجارب في التنكيل والانتقام من السجناء.
إن من جملة الأمور التي تصب في إصلاح السجون وتأهيلها وصولا إلى إنصاف الضحية والمجتمع بعد اجتثاث الغدد السرطانية فيه وإصلاح ما فسد من أمور بعض المسلمين، إلقاء المحاضرات الفكرية والعقائدية في أوساط المغرر بهم من المسجونين من قبل أساتذة متخصصين في الفكر والعقيدة وأساتذة في عِلم الاجتماع والنفس بحيث تساهم هذه المحاضرات في تبصرة السجين بالعواقب الوخيمة لتبني الأفكار التكفيرية الإرهابية وما هو ضررها على نفسه ومجتمعه .. وكذلك توفير الظروف المناسبة للسجناء ممن لم يتمرسوا في الإجرام ولم تتحجر عقولهم على الأفكار المنحرفة، فان هذه الظروف سوف تجعل حاجزاً بين شريحة كبيرة من السجناء المغرر بهم، وبين تلك الشريحة التي تتبنى الخط التكفيري والإجرامي كمنهج في حياتها ولا تستقيم الحياة إلا باستئصالهم، جزاء ما كانوا يقترفون من جرم وقتل بحق الأبرياء لأجندات خارجية مشبوهة ودوافع طائفية مقيتة.
إن فكرة السجن كمؤسسة إصلاحية علاجية تأهيلية لم تتبلور في الفكر القانوني الإنساني المعاصر إلا بعد مخاضٍ طويل، غير أنها وجدت تطبيقاً لها في بدايات الدولة الإسلامية، ولاسيما في فكر الإمام العظيم علي بن أبي طالب (عليه السلام) على نحوٍ سبق فيه الأفكار الحديثة بمئات السنين، وتطبيقها بحق المغرر بهم دون الجناة هي ظاهرة حضارية نحن بأمس الحاجة إليها لاسيما ونحن نسعى إلى بناء دولة المؤسسات القائمة على احترام حقوق الإنسان بما هو إنسان دونما تجزأة أو ربما دوافع سياسية مقيتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي