الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظام لينين نظام العمل المأجور: 1- طبيعة الاقتصاد السُّوفيتي

أنور نجم الدين

2010 / 10 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تمهيد:

"إنَّ الجهل المذهل، وفوضى الأفكار حول أبسط العلاقات الاقتصادية، يسودان في كلِّ مكان – كارل ماركس".
فنادرًا ما نجد كاتبًا ينطلق من الحياة الاقتصادية للمجتمعات، حين يتحدثون عن الفروق الاجتماعية، وأسبابها، والتَّناقضات الموجودة في المجتمع، فأفكار الفلاسفة، وأحلام النَّاس، والعواطف، والملاحظات المرئية تحلُّ محلَّ الوقائع الاقتصادية، والقوانين المادية للإنتاج، لذلك نادرًا ما يسأل المرء: هل كان هناك عمل مأجور في الاتحاد السوفيتي؟ وما العمل المأجور؟
هل كان هناك بالفعل استغلال للعمل في الاتحاد السوفيتي؟ وما استغلال العمل؟
وبايجاز لا يسأل أحد: هل كانت قوانين الإنتاج الرَّأسمالية تسود الاقتصاد السوفيتي أم لا؟ وما هذه القوانين؟
ولا يسأل أحد: هل يختفي قانون القيمة في ظل ملكية الدَّولة؛ وهي الرُّوح الرَّأسمالية التَّاريخية؟ وما قانون القيمة؟
هل كان الاقتصاد السوفيتي متجهًا نحو القضاء على قانون القيمة؟

والآن لندخل موضوعنا من خلال طرح سؤال بسيط: ما كان الاقتصاد السوفيتي؛ هل كان اقتصادًا اشتراكيًا أم رأسمالي؟

ليجيبنا أولاً تروتسكي بأسلوبه الديماغوغي:

"من الأدق ألاَّ نعتبر الَّنظام السُّوفياتي الحالي، الغارق في تناقضاته الكثيرة، نظامًا اشتراكيًا، ذلك أنَّه نظام انتقالي بين الرَّأسمالية والاشتراكية، أو ممهد للاشتراكية، إلاَّ أنَّ الدَّولة تكتسب فورًا طبيعة مزدوجة: اشتراكية بقدر ما تدافع عن الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، وبرجوازية بقدر ما يجري توزيع المنافع فيها وفقًا لمقاييس رأسمالية للقيمة – تروتسكي، الثَّورة المغدورة".

نصف رأسمالي، ونصف اشتراكي! هذا هو وصف تروتسكي للمجتمع الذي يقوده، ألا نتأمل هنا مجتمعًا يشبه جسدًا وعقلًا مشوهًا؟

ما هو أصل الصِّراع التَّاريخي بين الرَّأسمالية والاشتراكية؟ أليس هو توزيع المنافع وفق مقاييس رأسمالية للقيمة؟ أليس توزيع كهذا، يطابق إنتاجًا رأسماليًا ينتج فيه القيم التبادلية؟ وأليست القيمة التَّبادلية روح الرَّأسمالية التَّاريخية؟

أمَّا لينين فيعبر عن هذه الفكرة التِّروتسكية عن الاقتصاد السُّوفيتي بالشَّكل الآتي:

يقول لينين: "إنَّ أشكال الاقتصاد الاجتماعي الأساسية هي: الرَّأسمالية، والإنتاج البضاعي الصَّغير، والشيوعية – لينين، في الرقابة العمالية وتأميم الصِّناعة".


وهكذا، فإنَّ مفكري الاشتراكية البرجوازية الرُّوسية متفقون سلفًا على عدم خروج بلدهم من سيطرة الضَّوابط القديمة للإنتاج، فما هو إذًا طريق القضاء على هذه الضَّوابط؟
تعرف الماركسية الرُّوسية هذا الطَّريق بأنَّه فترة طويلة للانتقال من الرَّأسمالية إلى الاشتراكية، ثمَّ إلى الشُّيوعية، إنَّ البلد بحاجة أولاً إلى صناعة متطورة، ومواصلات، وتحسين الزِّراعة، ويجب خلق أسسها المادية من قبل لينين، وتروتسكي.
فلنتأمل هذه الاشتراكية في أطروحات بليخانوف أيضًا، الأب الرُّوحي للماركسية الرُّوسية، وفتنقسم الفترة الانتقالية لديه إلى ثلاث مراحل مختلفة:

"المرحلة الأولى: (25 – 30 سنة) – الاشتراكية المبكرة: في تلك المرحلة يجب مصادرة البنوك والمصانع، والمعامل الضخمة، والمواصلات، وأراضي وأملاك الكنيسة (إذا كانت ستظل باقية إلى ذلك الوقت) والمؤسسات التِّجارية الضخمة، وبصورة تدريجية.
إنَّ هدف المرحلة الأولى – هو زيادة إنتاجية العمل، ورفع مستوى معيشة المواطنين الرُّوس، في هذه المرحلة يجب الانطلاق من الاعتراف بثلاث قوى: الدَّولة، ورجل الأعمال، والعامل، ويمكن اعتبار المرحلة الأولى قد انتهت عندما تتساوى إنتاجية العمل في القطاع الحكومي، مع إنتاجية العمل في أفضل المصانع الخاصة، ويصل مستوى معيشة المواطن الرُّوسي إلى مستوى المعيشة في أوروبا الغربية.
المرحلة الثَّانية: (25 – 30 سنة) – مرحلة الاشتراكية النَّاضجة: حيث يتم انتزاع ملكية البنوك، والمصانع، والمعامل المتوسطة، وتجارة الجملة، ولكن مرة أخرى على أسس عادلة، وعلى سبيل المثال، يصبح مالك البنك مديره، وصاحب المصنع مديره .. وهكذا.
المرحلة الثَّالثة: (50 – 100 سنة): يتم فيها نزع ما تبقى من الملكيات الخاصة، وتصبح الوسيلة الاشتراكية للإنتاج هي السَّائدة، ويتلاشى الاستغلال تمامًا، وتنمحي الفوارق بين العمل العضلي والذِّهني، وبين المدينة والقرية، وستتلاشى الطبقات تدريجيًا – بليخانوف، الوصية السِّياسية، أفكار بليخانوف الأخيرة، 1918".

وهكذا، فالهدف هو تجميع الوسائل الإنتاجية في أيدي الدولة لدى كلٍّ من بليخانوف، ولينين، وتروتسكي، وهم لا يرون في الاشتراكية سوى عملية طويلة لرفع إنتاجية العمل، ثمَّ المستوى المعيشي للمواطن الرُّوسي، وحسب بليخانوف، ستتم هذه العملية بعد (150) سنة على الأقل، وبالطبع إذا كانت كلُّ الأمور تجري حسب ما يتوقعه هذا المفكر.

ولكن على عكس هذه التَّصورات الفلسفية لبليخانوف، وعلى عكس التشويهات البرجوازية للينين وتروتسكي، فإنَّنا نحاول أنْ ندرس الاقتصاد السُّوفيتي، من منظور ضوابط الإنتاج في صورتها الواقعية، ففي العمل التَّجريبي لا في الخيال الفلسفي، نحاول أنْ نجد جواب كلِّ الأسئلة التي تطرح بصدد هذا الاقتصاد الرَّأسمالي، وإذا ما كان من الممكن أنْ يتخطى إنتاج مثل الإنتاج السُّوفيتي نظام العمل المأجور -قانون القيمة- فيما تسمى بالفترة الانتقالية؛ الفترة التي يعترف كلٌّ من بليخانوف، وتروتسكي، ولينين بها على أنها طويلة للغاية؟

وضع المسألة من وجهة نظر الاقتصادية:

لا يمكن قياس الإنتاج الرَّأسمالي إلاَّ بقوانين اقتصادية صارمة، تحدد بموجبها علاقات البشر ببعضها البعض، ونقطة انطلاق هذه العلاقة في المجتمع الرَّأسمالي هي العلاقة بين مَن يسمى الشَّاري، ومَن يسمى البائع، وهما بلغة شائعة، صاحب العمل، والعامل، وعلاقة الشَّاري بالبائع، تجري وفق قوانين مادية محددة، والسؤال هنا هو:

ما هذه القوانين الاقتصادية؟ أو ما هذه الضَّوابط الاجتماعية؟ وهل كان يخضع الاقتصاد السوفيتي لنفس القوانين الاقتصادية الرَّأسمالية أم لا؟ بمعنى آخر: هل كانت الضَّوابط الاقتصادية بين الشَّاري والبائع السَّوفيتي، نفس الضَّوابط الاقتصادية في المجتمعات الأخرى؟

نعني بالضوابط تحديدَا، القوانين الاقتصادية التي تنظم بموجبها الإنتاج، والتوزيع، والتَّبادل، والاستهلاك، فالإنتاج، كما هو معلوم، هو نقطة الانطلاق في كلِّ المجتمعات، وفي أي زمن كان، فلندخل الآن أولاً الإنتاج السُّوفيتي من باب سري، ولنر: ما موقع العامل في الإنتاج الاجتماعي؛ وكم ستكون حصته في التَّوزيع الاجتماعي؟ وهل تختلف حصته عن حصة العامل الأمريكي، والجزائري، والياباني؟

يحدد الإنتاج في السُّوفيت، مثله مثل أي مجتمع آخر، طبيعة التَّوزيع الاجتماعي للوسائل الإنتاجية، والمنتجات أيضًا، فيمكن للتَّوزيع أنْ يحدد بدوره أسلوب الإنتاج الاجتماعي، إذً إن شكلًا معينًا من الإنتاج، يحدد شكلًا معينًا من التَّوزيع، لذلك فإنَّ التَّوزيع يعطينا بدوره فكرة صحيحة عن طبيعة الإنتاج.

وهكذا، فتحديد موقع الأفراد في الإنتاج، في الاتحاد السوفيتي، أو فرنسا، يعطينا فكرة واضحة عن الحصص من المنتجات الاجتماعية، وهذه الحصة ستحدد رابطة المنتج بالوسائل الإنتاجية.

والسؤال هنا هو: هل كان المنتجون السُّوفيتيون يملكون الوسائل الانتاجية بصورة جماعية؟ هل كان المنتجون السُّوفيتيون ينظمون الإنتاج بأنفسهم؟

لا يمكن الحصول على جواب هذا السُّؤال دون التَّحقق من موقع المنتج السُّوفيتي في الإنتاج بالذَّات، لأنَّ أسلوب مشاركة المنتج السُّوفيتي في الإنتاج الاجتماعي، يحدد بالضَّبط علاقته بالوسائل الإنتاجية.

يقول ماركس: "إنَّ الفرد الذي يشارك في الإنتاج في شكل عامل أجير، يشارك في المنتجات، في نتائج الإنتاج، في شكل أجور – كارل ماركس، الغروندريسة، ص 119".

إذًا، فموقع المنتج في الإنتاج، ثم حصته من المنتجات الاجتماعية، أي استهلاكه الفردي، هو الذي يعطينا فكرة واضحة عن نوع توزيع الإنتاج.

"فالتَّوزيع يتوسط بين المنتجين والمنتجات، وبالتَّالي بين الإنتاج والاستهلاك، لكي تحدد بالتَّوافق مع القوانين الاجتماعية، كم ستكون حصة المنتج من عالم المنتجات – ماركس، نفس المرجع، ص 118".

وهكذا، فلا يمكن، وبأي شكل من الأشكال، أنْ يكون موقع عمال أجراء في الإنتاج والتَّوزيع، هو نفس موقع صاحب العمل، وفي حال الاتحاد السَّوفيتي فنقصد به الدَّولة.

كيف يجري التَّوزيع في إنتاج مثل الإنتاج السُّوفيتي؟

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها راسمالية الدوله انها نفس القوانبن
فؤاد محمد ( 2010 / 10 / 8 - 09:40 )
شكرا استاذ انور
ولكن ليس بقيادة العمال وفقراء الفلاحين
بل بقيادة البيروقراطيه الحكوميه الحزبيه
لكن لم تكن الثوره خطا
الخطا في التطبيق والممار سه
ارجو قراءة(قراءه في التجربه السوفيتيه)للاستاذ معتز حيسو
تحياتي


2 - الاشتاذ فؤاد محمد
أنور نجم الدين ( 2010 / 10 / 8 - 20:16 )
استاذ فؤاد، مع الشكر لملاحظاتكم الصادقة، نعم، اذا كان الأمر يتعلق بالثورة الروسية، فاننا مع الثورة الروسية التي انطلقت في شباط عام 1917، ودون أي ارشاد من هذا الحزب أو ذاك، فالثورة كانت ثورة شيوعية بالمعنى التاريخي للعبارة، أي انها كانت محاولة ثورية لقلب اسلوب الانتاج الرأسمالي.

بدأ التراجع عندما بدأ البلاشفة بتحويل السوفيتات الى مؤسسات رسمية تابعة للدولة، فالسوفيتات كانت منظمة اجتماعية غير سياسية تستهدف السيطرة على المعامل، واعادة تنظيمها بالمعنى الكوموني.
أما السوفيتات لم تكن ظاهرة روسية، بل ظاهرة أممية، وانها ظهرت في الكثير من الدول الأوروبية فيما بين 1917 - 1923، في النمسا، وهنغاريا، وألمانيا، وايطاليا، فالأمر كان يتعلق بتوحيد هذه القوى الأممية في حركة واحدة لا في شقها باسم بناء الاشتراكية القومية، والدفاع عما يسمى بالوطن الاشتراكي.
خالص تحياتي


3 - البلاشفة والسوفياتات
محمد المثلوثي ( 2010 / 10 / 9 - 20:17 )
قبل ثورة مارس كان البلاشفة يعتبرون شعار كل السلطة للسوفيات شعارا فوضويا وكانوا يعارضونه بشعار الحكومة الثورية. اما بعد أن أصبحت السوفياتات حركة عامة استطاعت أن تستولي على عديد المراكز الصناعية الكبيرة لتعيد ادارتها بشكل كوموني، وبعد ان استطاعت هذه السوفياتات أن تجتذب اليها جموع الجنود الفارين من الحرب والفلاحين الذين سحقتهم المجاعة، مع العلم ان تشكيل هذه السوفياتات (وهي تسمية روسية للمجالس العمالية) كان بعيدا كل البعد عن الأحزاب السياسية من بلاشفة ومناشفة وغيرها، بعد هذا تبنى البلاشفة بمكيافيلية سياسية شعار كل السلطة للسوفيات في محاولة للاعتماد على هذه السوفياتات بالذات من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية. وفور استلامهم للحكم فان أول ما باشروا بعمله هو القضاء على السوفياتات وتحويلها الى أداة حزبية لتدعيم سلطتهم. وهكذا تحول شعار كل السلطة للسوفيات الى شعار كل السوفياتات من أجل السلطة. ولقد حاولت البروليتاريا في بطرسبورغ وأوكرانيا وكرونشتاد اعادة تشكيل السوفياتات في مواجهة دولة البلاشفة لكن الجيش الأحمر بقيادة تروتسكي استطاع سحق هذه المحاولات واغراقها في الدماء

اخر الافلام

.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال