الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


2- قانون الحياة ( الزرع والحصاد)

مرثا فرنسيس

2010 / 10 / 8
الادب والفن


- قانون الحياة ( الزرع والحصاد)
ما إن وضعت السيدة ( سميرة) سماعة التليفون حتى تنفسّت الصعداء ،كان المتحدث هو ابنها ( نادر ) يزف لها خبر استلامه العمل في شركة تجارية ، والآن وبعد وفاة والده بأكثر من عشر سنوات لم يبق لها إلا ان تساعده في ترتيبات الزواج وتكون بذلك قد اتمت رسالتها من نحوه ، كانت السيدة سميرة قد تفرّغت لتربيته هو واخته بعد وفاة والدهما ،فكانت لهما الأم والأب، تربي وتتابع في الدراسة وتعد الطعام وتقوم بكل مسئولياتها لخدمتهما ورعايتهما .وساعد ها في تحمّل نفقات المعيشة وتربية ابنائها ميراثها الصغير من أبويها والذي كان يدرّ عليها دخلا متوسطا بالإضافة لراتب زوجها الذي رحل فجأة .تزوجت ابنتها وهاجرت الى الخارج مع زوجها و الآن أوشكت سميرة أن تتذوّق ثمرة تعبها وتعرف معنى الراحة والتعويض
اتفق نادر وخطيبته أن يتزوجا ويعيشا مع الأم ،فالمنزل كبير والأم ترحّب خاصة بعد أن أصبح الحصول على شقة حلم صعب المنال لمن بدأ للتوّ رحلة العمل . وبالفعل بدأ الخطيبان في اعداد المنزل ولم تبخل الأم بكل ما يحتاج له ابنها وعروسه ولسان حالها يقول : انها لن تحتاج للكثير من المال في المستقبل القريب وهي تعيش مع ابنها وزوجته التي لاتقل في قيمتها ومقامها عن ابنتها المهاجرة .
تمّ الزواج وكان الإبن وزوجته يقدران مافعلته الأم من أجل اتمام زواجهما بأحسن شكل واجمل ترتيب ، كان الإبن يُقبِّل يد أمه معترفا بالجميل الذي صنعته معه وكذلك الزوجة . مرت الشهور الأولى في هدوء ولكنه لم يدم طويلا ، لسوء الحظ انزلقت رجل الأم اثناء اعدادها الطعام لإبنها وزوجته قبل عودتهما من العمل، ووقعت وهي تشعر بالآم رهيبة في مفصل رجلها ولم تستطع السير عليها وهي تبكي من الوجع ومن صعوبة الموقف فهي بمفردها ولن يصل ابنها او زوجته قبل ساعتين ، ظلت في مكانها حتى عاد الزوجان ونُقلت الأم للمستشفى وأُجريت لها الأشعات والفحوص اللازمة وكان التشخيص المبدئيّ : كسر في المفصل وكان لابدّ من العملية رغم كبر السن وضعف الصحة العامة ، اجريت لها العملية وبعد ايام تم نقلها للبيت ، استطاعت الأم ان تجد خادمة غير مقيمة تخدمها وتقوم برعايتها الشخصية فقط لعدد من الساعات صباحا . وهذا لايشمل كل اعمال البيت وتجهيز الطعام لكل الأسرة.وبدأت المشاكل فقد كان على زوجة نادر ان تلبّي كل احتياجات الأسرة بعد رجوعهم من العمل وهذا كانت تقوم به الأم بدلا عنها قدر استطاعتها ،والآن اصبحت تحتاج لمن يهتم بها في الفترة المسائية ، ازداد تذمر الزوجة وبدأت الصياح والشكوى واتهام الأم بأنها لاتحس بتعبهم ولاتهتم إلا بطلباتها الشخصية ، وازداد توتر الإبن من فض الشجار واجراءات المصالحة اكثر من مرة كل مساء ، كان الأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم ولم تعد الزوجة تحتمل الأم ،واستخدمت كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة في محاولة تجميل فكرة الحاق الأم بدار للمسنين حيث تجد من يرعاها ومن يهتم بها وانهم متخصصون في ذلك وان هذا سيؤول لصالح الأم وايضا راحتهما وسعادتهما ، وفي هذه الفترة من الجدال وحيرة الإبن بين الرفض والقبول ،شعرت الزوجة بالآم الولادة وتم نقلها للمستشفى وأصرت الأم ان تتحمل مصاريف الولادة والمستشفى وكل احتياجات الزوجة نظرا للظروف الاقتصادية السيئة التي يتعرض لها الجميع من جراء الأزمة الإقتصادية . عادت الزوجة وطفلها الى البيت واصبحت لاتطيق وجود حماتها في نفس البيت ، كانت قسوة القلب تمزق قلب الأم وهي تخفي دموعها عن ابنها حتى لا تضايقه والزوجة تزيد من اشعال النيران في قلب زوجها حتى يقبل خروج الأم من البيت ، وفاتح الإبن أمه في فكرة بيت المسنين حيث تجد من يرعاها ويخدمها ويعتني بها أكثر منهم،واعدا اياها بأنه حلٌّ مؤقت حتى تشفى وتكون زوجته قد استعادت صحتها بعد تعب الولادة ولم يستطع أن يرفع عينيه من الأرض والنظر لها اثناء الحديث
وافقت الأم وهي تعلم مالذي يعتمل بداخله في هذه اللحظة وأوصته الا يتأخر عن زيارتها وان يدعها ترى حفيدها من حين لآخر . بحث الإبن عن دار مناسبة بسعر متوسط على الرغم من تولي الأم الإنفاق على نفسها ،واودع امه هناك وبالمعنى الأدقّ ودّعها وعلى الرغم من ذلك لم تتحقق له السعادة او الهدوء مع زوجته .
بدأت الأم في التحسن ولكن بشكل بطئ وأما التأثير النفسي لما فعله بها ابنها وزوجته فلم يكن من الممكن ان يمحى مدى حياتها !وما إن بدأت تتماثل للشفاء إلا وقامت تسأل عن الأمهات المسنّات الأخريات في الحجرات المجاورة ، تحكي معهن وتحاول مساعدتهن قدر استطاعتها في الأمور البسيطة التي تقدر عليها ،مرت الأيام وقارب الشهر الثاني على الأنقضاء ولم يأت الأبن الحبيب لزيارة أمه الا مرة واحدة وبمفرده ولم يخرج كلامه معها عن الشكوى من الهم وضيق ذات اليد والمشاكل المشتعلة بينه وبين زوجته .اقترحت الأم أن تقف بجانبه ماديا بشكل منتظم حتى تنتهي أزمته المالية . فأوجدت له سببا مقنعا لزيارتها ولو مرة شهريا بانتظام .تحولت ايام هذه الأم الرائعة في الدار الى سيمفونية من الحب فكانت زميلاتها والعاملات في المكان يلتفون حولها يسمعونها ويسألونها ويتعلمون من خبراتها ، في التعامل مع الآخرين وفي العطاء وفي احتواء ضعف الأبناء او الزوج وغيرها من الموضوعات ، وكانت سميرة شاكرة لله لأنها وبعد كل هذه السنين اصبحت تستفيد من كل ماقراته وماتعلمته طوال سنين عمرها ، وانها رغم حالها قادرة على مساعدة الآخرين وكانت تخفي مشاعرها المجروحة من ابنها وزوجته وسط دفء هؤلاء الصديقات . تعود ابنها على زيارتها فقط في نهاية الشهر ليطلب منها المال ولا يكلِّف نفسه سؤالها عن احوالها واحاسيسها وصحتها ، ثم أصيبت بجلطة شديدة في القلب وكانت السبب في إنهاء حياتها .
اما الإبن فلم يتوقع موت أمه بهذه السرعة، و شعر أنه أصبح وحيدا في هذا العالم بعد ان فقد القلب المحبّ المعطي الذي أحبه بصدق دون ان ينتظر منه أي مقابل ، مرت الأيام وكبر أولاده وتزوجوا وبدأ كل منهم حياته المستقلة مع زوجته ولم يبق بالمنزل الا الأب والأم التي اصيبت بانزلاق غضروفيّ جعل كل مايختص بالحركة هو العذاب بعينه ،واصبح امر الحصول على خادمة أصعب من العثور على ابرة في كوم من القشّ نظرا للإقبال عليهن وارتفاع اجورهن .
تسببت العلاقات السيئة لزوجة نادر مع زوجتي ابنيها ومع جيرانها في انعدام رصيدها من الحب او الرحمة لدى أي منهم ولم تجد من يعطيها كوب ماء فقط
لم يحتمل ولداهم كثرة ازعاجهم لهم بالإتصال اليومي وكثرة الطلبات والشكوى والحاحهم ان يأتوا للسؤال عن الأب المسن والأم العاجزة ،ضاقا ذرعا بهذه النغمة المكررة ، بحثا لهما عن مكانين في دار للمسنين غير القادرين على خدمة انفسهم
والذي يستقبل التبرعات لدفع ثمنا لإقامة لمن لا أهل لهم .
محبتي للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دمعة ...
مريم نجمه ( 2010 / 10 / 8 - 10:47 )
دروس واقعية --
قلب الأم .. حب لا محدود
ما العمل ؟؟؟
سلام ونعمة لك عزيزتي مرثا


2 - اختى مرثا
سفير فريد المصرى ( 2010 / 10 / 8 - 20:55 )
يتلخص تعليقى فى كلمات صغيرة ما أروع الأم الذى يتسع قلبها وتحتوى كل ما يدور حولها ان كان حب الابناء او كان غلاظة قلوبهم. وما ابشع جحود الابناء وقساوة قلوبهم وانكار الجميل .اشكرك عزيزتى مرثا على كل ما تقدمية من تجارب حقيقية مفيدة للجميع وعلى الجميع ان يعى كل هذه التجارب . خالص تحياتى لك مرثا


3 - أستاذتنا الغالية مرتا
Jenny Hayek ( 2010 / 10 / 9 - 00:25 )
للأسف كل منا لديه قصة او قصص شبيهة بقصة السيدة سميرة المحزنة جدا
لو يعرف كل منا أن العلاقة العاطقية (المحبة) هي أهم بكثير من العلاقة المادية والتي لا تكلف
سوى كلمات مُحبة حنونة ليست صعبة على أحد ممارستها
لأزلْنا الحزن والأسى الذي أصاب السيدة سميرة وغيرها..
لو كل منا يبدأ سنكون بخير جميعنا
السيدة الأستاذة مرتا
لك كل الإحترام والتقدير


4 - استاذة مريم الرائعة صباح الخير
مرثا فرنسيس ( 2010 / 10 / 9 - 08:47 )
شكرا لمرورك اللطيف
حب الأم غير محدود هذا صحيح
اما ماهو العمل ؟
صدقاً لاأعرف الا الحب ثم الحب ثم الحب
من منطلق الحب والإنسانية فقط على الأقل
تستحق الأم الإهتمام والرعاية
محبتي واحترامي


5 - عزيزي سفير فريد الأم لاتعوض
مرثا فرنسيس ( 2010 / 10 / 9 - 15:09 )
شكرا لمرورك وتعليقك
حب الأم واحتوائها لايعوض
لانها تعطي بدون انتظار مقابل
تقديري واحترامي


6 - القسوة
رعد الحافظ ( 2010 / 10 / 9 - 23:51 )
الإنسان فعلاً مخلوق فظيع وعجيب
أحياناً يحمل في جنباتهِ حباً يسع العالم كلّه
وأحياناً أخرى تجدين إنسان أقسى من ( الوهابية ) على إعتبار أنّهم أعلى درجة في سلّم القساوة البشرية , لأنّهم حطموا المرأة وما زالوا يطاردوها
***
عذراً لشرود تعليقي على غير موضوع القصة , فقد وهبتُ إسبوعي هذا لتعرية وجه الوهابية الحقير , لأنّي إمتعضتُ جداً بالأمس لمشاهدة منتقبة في ستوكهولم
بس لاتكون زوجة نادر , إبن سميرة , منتقبة ؟ حتى أفهم سبب قسوة قلبها .. أكيد هي وهابية
***
تحياتي لمواضيعكِ الإنسانية


7 - انها واحة مرثا الهادئه
نور المصرى ( 2010 / 10 / 10 - 02:12 )
نلف ونلهث للحوار والمجادله والشد والجذب وانتى بصفحتك تشدينا اليها كواحه جميله تظللها المحبه والهدوء لنتنسم بها هواء نقى صحى ..اشكرك اختى مرثا..
موضوعك ادمعنى لانه لمس شئ بحياتى ..
ومااود ان اقوله لايمكن ومن الاستحاله ان يجنى انسان عنبا وهو قد زرع شوكا ..
فما يزرعه الانسان اياه يحصد ايضا ...
فمن يزرع البغض هل سيجنى محبه ..!!!


8 - قلب الأم
فارس اردوان ميشو ( 2010 / 10 / 10 - 04:15 )
اختي العزيزة مرثا
انه قلب الأم الذي يسع العالم كله ، لانعرف قيمة الأم الأ حين نفقدها ، عزيزتي وانا بهذا العمر المتقدم لازلت أحن لاحضن امي
تحياتي


9 - عزيزتي jenny الحب قوة
مرثا فرنسيس ( 2010 / 10 / 10 - 12:49 )
القلب السعيد هو الذي يستطيع ان يعطي أكثر مما يفكر في الأخذ
الأم عطاء غير محدود
القسوة تتعس الإنسان
شكرا لكِ صديقتي العزيزة
تقديري واحترامي


10 - أخي المحترم رعد الحافظ
مرثا فرنسيس ( 2010 / 10 / 10 - 12:51 )
القسوة تعاسة للإنسان نفسه وليس فقط لمن يتعامل معهم
الحب والعطاء يسببا سعادة وفرح للإنسان ولمن يتعامل معهم
احييك وأحيي موضوعاتك الرائعة
تقديري واحترامي


11 - عزيزي نور المصري
مرثا فرنسيس ( 2010 / 10 / 10 - 17:16 )
كما تقول الحصاد يكون من نفس نوع الزرع ، هو قانون الحياة
وعلينا ان نزرع الحب في كل مكان نوجد فيه ولكل شخص نتقابل معه
حتى يكثر حصاد الحب
اعتذر لو آلمتك أخي العزيز
محبتي واحترامي


12 - الأستاذ الفاضل فارس اردوان ميشو
مرثا فرنسيس ( 2010 / 10 / 10 - 17:18 )
هذا صحيح اخي الفاضل قلب الأم يسع العالم كله ونظل مهما امتد بنا العمر نفتقد هذا الحضن الدافئ الصادق
شكرا لمرورك
تقديري واحترامي

اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة