الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منازلة الصمت- قصة قصيرة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2010 / 10 / 8
الادب والفن


الساعة أشارت الى العاشرة والنصف.

كنت جالسة على سريري دون حراك, أمسك بيدي كتابي, الذي اقتنيته مؤخّرا لقتل عاداتي القديمة, وقتل انتظاري... أقرأ فيه منذ أكثر من ساعة.

في الخارج كان الهدوء يطبق على الكون, والظلمة تلفّ الأرض, وحدها الرياح كانت تصفّر من حين الى آخر, كأنها رياح الشوق تناديني, تريد أن تغويني وتجعلني أنسى يقيني مرة أخرى.

المنضدة الصغيرة التي بجوار سريري كانت خالية, بعد أن حرّرتها من هاتفي الصامت صمت الجفاء... والقطيعة... والتحدّي, ووضعته بعيدا هناك على الرفّ, وتوقّفت عن الإنتظار, وعدّ الأيام... أيام الصمت... والجفاء... والعذاب.

في داخلي كان قلبي ما يزال يحترق حبا وشوقا, ويصطدم بعزة نفسي التي دخلَت في منازلة الصمت بحزم واصرار, بعد أن اقتنعتُ أخيرا بضرورة المواجهة, مواجهةً تضع حدا قاطعا لهذا الجنون, مهما كانت صعبة وشاقّة, والدفاع عن كرامتي التي تعريت منها منذ زمن, بكل ما أوتيت من قوة وشجاعة. فإن كان الذي أحب لا يبالي بعذابي وشقائي, اذا فهو لا يستحق ذرة من حبي, والأفضل أن يبقى بعيدا غارقا في صمته, وأبقى أنا هنا قاعدة في مواجهة الصمت, أنازع اشواقي الملتهبة, وأهدم أحلامي الشاهقة, وأودّع عني حبه الآثم.

أفكار كثيرة كانت تدور في ذهني وأنا جالسة هناك أحتضن كتابي, أركض بعيني وراء الكلمات الهاربة من بين السطور.

وفجأة... رنّ الهاتف!

وقفز قلبي داخل صدري... أراد أن يرقص للوهلى الأولى, ولكن سرعان ما أمسكته ورميته في بقعته, فاستكان فيها مقهورا مذلولا.

قمت من مكاني واقتربت من الرف. مددت يدا مترددة وأمسكت بالهاتف. نظرت الى الرقم. انه هو!

وقفت في مكاني تلفّني الحيرة وتضجّ في نفسي أسئلة كثيرة.

هل أرد؟؟ ماذا سيقول؟ وكيف أرد على أقواله؟ ربما الأفضل أن لا أرد وأدعَ الصمت يتمدد بيننا ويفعل فعلته.

وأخيرا... هزمني فضولي للرد.

"آلو؟"

"... آلو؟؟" فاجأتني الرجفة التي في صوته... رجفة التردد والخوف.

"نعم؟"

صمتَ قليلا, ثم سأل: " كيف حالك؟؟" وكأن لسانه لم ينقطع عن ذلك السؤال يوما واحدا.

"ماذا تريد؟" سألته بحدة.

فقال بلا خجل, بصوت مغلّف بالرقة: "اشتقت لسماع صوتك." ظانا أنه ما زال يملك مفاتيح قلبي, ودون أن يدرك أن قلبي المغشى بالجراح استعاد مفاتيحه في غيابه.

"أحقا؟!" قلت بلا تصديق.

تفاجأ صوته وظلّ عالقا في حنجرته لحظة طويلة.

"ألا تصدقين؟" قالها بخفوت... وضعف... وقلق.

"لا يهمّ." قلت له بكل ثقة.

ثم قال باندفاع, كأنه يهمّ لإنقاذ الحال: "ولكن, أنا يهمّني! أريدك أن تصدّقي كم أنا..."

"لم يعُد يهمّني ماذا أنت!"

فاجأته لكماتي المتكررة. تعثّر لسانه أمام صلابتي.

ثم قال بلهجة شبه يائسة: "بهذه السرعة نسيتِني؟!" ناسيا كم من مرة ذهب بعيدا... في صمته... وصدّه.. وظلمه. ذهب ظانّا أنه سيجدني بانتظاره, كالعادة, متى شاء ان يعود. ولم يتخيّل لحظة أنني هذه المرة لن أنتظره!

"بل تذكّرت نفسي قبل فوات الأوان." قلت له.

وتذكّرت عزة نفسي التي مزّقتها الأيام.

"انا ما زلت أحبك!" قالها برجاء يائس.

يحبني بكبريائه المشتعلة... القاتلة.

"تأخّرت كثيرا." قلت له بخيبة وأسى.

مزّقتُ حبه في قلبي, وقضيت عليه قضاءً مبرما, ونثرت أشلاءه الى الرياح المصفّرة في الخارج, وودّعت ضباب الأسى وغيوم الماضي التعيس وداع الطيور للروض الكئيب.

كفر كما
مايو 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سرد جميل
عبد الفتاح المطلبي ( 2010 / 10 / 10 - 19:33 )
أنه سرد واقعي جميل يجعل القاريء يعيش اللحظة
كنت متألقة في رصددقائق زمن القصة و نجحت في إحضار المكان في مخيلةالقاريء


2 - شكرا لك عبد الفتاح
حوا بطواش ( 2010 / 10 / 10 - 20:20 )
يسعدني انها اعجبتك ودمت بخير


3 - قصه رائعه
رحيم الغالبي ( 2010 / 10 / 11 - 08:58 )
لغة ادبيه وقصه ناجحه
لذا نشرتها في مجلتي عن اذن من الحوار
http://m1.ankido.net/index.php


4 - قصة تقليدية
هيثم جبار عباس ( 2010 / 10 / 11 - 11:33 )
القاصة حوا سكاس قصتك جميلة ولكنها تقليدية ناهيك عن بعض الحشو الذي ابتعدوا عنه جميع الكتاب كذت المقطع (وقفز قلبي داخل صدري... أراد أن يرقص للوهلى الأولى, ولكن سرعان ما أمسكته ورميته في بقعته, فاستكان فيها مقهورا مذلولا.

قمت من مكاني واقتربت من الرف. مددت يدا مترددة وأمسكت بالهاتف. نظرت الى الرقم. انه هو!
كان من الافضل ان تدخلي في صلب الموضوع علما انك لم تترك شيئا للمتلقي فقصتك جاءت اسهل من الماء الصافي
اتمنى ان يكون للمتلقي نصيب في قصصك القادمة
مع تمنياتي لك بالنجاح
ومزيدا من الابداع


5 - نصيب المتلقي
حوا بطواش ( 2010 / 10 / 11 - 16:31 )
أخي العزيز هيثم
ملاحظتك مهمة لي وخاصة انني أحس بأنها نابعة من انسان له معرفة واسعة ورأي مهم في مجال القصة. ولكني لا افهم ما المانع من الحشو الذي تحدثت عنه, انه تعبير عن الأحاسيس والأفكار التي تنتاب الإنسان والتي أركّز عليها في قصصي, ولو أني لا أدري ان كان بالإمكان ان أجد لها مكانا في القصة القصيرة فأنا لم أدرس قواعد كتابة القصة بل أكتب من احساسي وخيالي وفكري. اما نصيب المتلقي في قصصي فأنا أحرص عليه عادة وأعترف أن موضوع سهولة النص لم يخطر على بالي عند كتابتي لهذه القصة بالذات. مع مودتي واحترامي لك
اخي رحيم يشرفني أن تنشر قصتي في مجلتك
دمتم بخير


6 - رأي
عبد الفتاح المطلبي ( 2010 / 10 / 11 - 18:48 )
القصة ليس فيها حشو ولا ترهل إنما اعتمدت رصد دقائق الحركة في الزمان و المكان و هو الجانب الوصفي في القصة انها تمتلك كل عناصر السرد الجيد


7 - رأي
عبد الفتاح المطلبي ( 2010 / 10 / 11 - 18:48 )
القصة ليس فيها حشو ولا ترهل إنما اعتمدت رصد دقائق الحركة في الزمان و المكان و هو الجانب الوصفي في القصة انها تمتلك كل عناصر السرد الجيد

اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا