الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلامة كيلة في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الماركسية والاشتراكية والواقع العربي

سلامة كيلة

2010 / 10 / 10
مقابلات و حوارات


أجرى الحوار : مازن لطيف علي

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 9 - سيكون مع الأستاذ سلامة كيلة حول:  الماركسية والاشتراكية والواقع العربي.


1. نلاحظ أن تطبيقات الماركسية (الدول الاشتراكية) قد انهارت وفشلت كتجربة إنسانية ونمط للحكم.. ما مدى تأثير ذلك على البعد النظري للماركسية؟


أولاً يمكن القول بأن هذا الحكم ردده قطاع كبير من الشيوعيين والماركسيين بعد انهيار الاشتراكية، وأسس هذا الحكم للقول بفشل الماركسية في الغالب، أو أفضى إلى رد فعل معاكس يفصل بين النظرية والممارسة، وبالتالي حاول أن "ينقذ" الماركسية من "النتيجة المفجعة" التي طالت التجربة التي تسمت باسمها. وأظن بان هذه المواقف لم تبن على فهم للماركسية من جهة وللتجربة من جهة أخرى.
لقد انهارت الاشتراكية وهذا توصيف لما حصل وليس اكتشافاً عظيماً (ونحن في الغالب نخلط بين التوصيف والاستنتاج)، لكن هل فشلت التجربة؟ هذا ما يجري التعامل بخفة معه، حيث يصبح التوصيف هو المقدمة للوصول إلى نتيجة هي الفشل. إن النظرة التطورية التي حكمت، ولازالت، الكثير من الشيوعيين تجعل الانهيار فشلاً، حيث انقطعت المسيرة إلى الأمام. البعض الغالب يقارن التجربة بالمجردات النظرية حول الاشتراكية فيتوصل إلى أنها ليست اشتراكية (رغم أنه كان يخوّن كل من كان ينقد بعض أخطائها)، والبعض يتذكر كل "المساوئ" التي كانت تقال ويتهم أصحابها بالتروتسكية أو التحريفية أو حتى الإمبريالية (وكنت أنا من هؤلاء الذين كانوا يتهمون بكل ذلك)، وينسى كل المديح الذي كان يكيله للتجربة وكل الآمال التي كان يغدقها عليها.
التجربة فشلت، لهذا يجب أن نبحث في الماركسية المسائل الخاطئة التي أفضت إلى هذا الفشل. ومن هذا الباب الذي قال به رهط ممن أصبح ليبرالياً تسرب القول بفشل الماركسية، أو أن الزمن قد تجاوزها. وكل الذين أصدروا هذه الأحكام لم يقرؤوا الماركسية ولم يعرفوا الزمن الذي يقولون بأنه تجاوزها لأنهم لا يستطيعون فهم الواقع.
إن الحكم على التجربة بأنها فشلت يشير إلى سوء فهم مريع للواقع العالمي بداية القرن العشرين، وللواقع الروسي آنئذ. وهذا جزء من مشكلات التجربة ذاتها التي خضعت لسياسات ربما كانت لا تعبّر عن المشكلات الحقيقية. لقد حققت التجربة الانتقال إلى الاشتراكية (بمعنى إلغاء الملكية الخاصة)، وطورت الاقتصاد، وساد نظام دكتاتوري، ثم انهارت التجربة. كل هذه العملية صحيحة في التوصيف، لكن ألم تحقق شيئاً؟ لاشك في أن الاشتراكية قد انتهت، وعادت الهيمنة الرأسمالية بكل المعاني، وبالتالي فنحن إزاء انكفاءة إلى الوراء. لكن ألا نلاحظ بأن روسيا الحالية هي ليست روسيا القديمة، وأن الاشتراكية المنهارة تركت بلداً أصبح صناعياً بكل معنى الكلمة، وحديثاً بكل المعاني؟ أليست هذه التجربة هي الوحيدة التي حققت انتقال مجتمعات من القرون الوسطى إلى الدولة الصناعية الحديثة؟ بمعنى أن الاشتراكية قد حققت ما تمنع الرأسمالية تحقيقه، ألا وهو بناء الصناعة وتحقيق الحداثة، وبالتالي التحوّل إلى دولة مدنية حديثة. أليست هذه نقلة هامة إلى الأمام؟ ولقد تحققت في ظل المنع الإمبريالي (سوى بعض الاستثناءات التي أتت في سياق سياسي).
ما أود قوله بالتحديد هو أن التاريخ لا يسير وفق مخطط نرسمه نحن له، الإرادة والوعي يطرحان مهمات، وربما يطرحان أحلاماً جميلة في كثير من الأحيان، لكن كل ذلك سوف يطوِّر في الواقع ما يحتمله الواقع ذاته وليس ما تحمله الأحلام والرغبات. هذه هي صيرورة التاريخ ومكره. وبالتالي لا أستطيع أن أقول بأن التجربة فشلت على الإطلاق، يمكن القول بأن الطموح نحو تطور الاشتراكية قد فشل لهذا انهارت التجربة الاشتراكية بالتحديد، أي انهار الطابع الاشتراكي في التجربة، أما الواقع الجديد فهو ينتج تناقضاته الجديدة، لكنه بات "عصرياً"، أي صناعياً وحداثياً وليس ما نلمس استمراره في كل الأمم التي لم تصبح اشتراكية. وسوف نلمس بأن هذا الواقع الجديد سوف يؤسس لتناقضات جديدة على الصعيد العالمي، ويعمّق من أزمة الرأسمالية، رغم أن الرأسمالية هي التي انتصرت في كل البلدان التي كانت اشتراكية.
هل نتألم لانهيار الاشتراكية؟ بالتأكيد، لكن يجب أن ندرس الظروف الواقعية التي أنتجتها الاشتراكية وأفضت إلى الانهيار. وسنجد بان الانهيار كان ضرورة على ضوء البنية السلطوية التي تشكلت، والمصالح "الطبقية" التي كانت تكمن خلفها. وهنا يجب أن نلحظ بأن هذه البنية السلطوية هي نتاج الواقع الموضوعي الذي كان يحكم الوضع الاقتصادي والاجتماعي ويحكم الوعي في روسيا بداية الثورة، حيث منها نشأت السلطة الجديدة ولم يكن من الممكن استيراد موظفين "حضاريين" من البلدان الرأسمالية. ولا استيراد ديمقراطية وحقوق إنسان، أو أجهزة أمنية "متحضرة". لقد أنتج المجتمع السلطة التي تعبّر عنه رغم الاتكاء على الماركسية، فالعادة لا يجري تجاوزها بسهولة، والماركسية لم تصبح هي الوعي الذي يحكم ملايين الموظفين في الجيش والمخابرات والبيروقراطية حينها. لهذا كانت أفكار لينين الديمقراطية والثورية عموماً تتراجع حتى قبل وفاته، ولهذا كان شخصاً مثل ستالين هو "ضرورة"، ضرورة يفرضها الواقع رغم تنافيها مع العقل والماركسية.
الآن، إن ما يجب أن يجري الاهتمام به هو الخبرة، خبرة التجربة. لكن أولاً يجب أن تخضع التجربة لدراسة ماركسية، وأزعم أن كثير مما قيل عن التجربة كان سطحياً، وينطلق من منطق صوري، وكان رد فعل على الانهيار. إن المطلوب هو دراسة شمولية للتجربة وفق صيرورتها الواقعية وليس انطلاقاً من "مبادئ" تحدد ماهية الاشتراكية، وبالتالي عدم تطابق التجربة مع الاشتراكية. إن ما تقوله الماركسية هو استحالة التطابق بين الرؤى والأفكار وصيرورة الواقع رغم تأثير الأفكار في الواقع، حيث ليس من الممكن أن يسير الواقع على أساس ترسيمة يضعها أضخم عبقري. الواقع ذاته يحدد في التحليل الأخير طابع الصيرورة. لهذا يجب أن نفهم هذه الصيرورة التي أودت إلى هذه النهاية، ولماذا أودت إليها وليس إلى ارتقاء في طبيعة الاشتراكية؟
وإذا كانت التجربة هي ليست نتاج الفكرة الماركسية وحدها بل أنها خضعت لممكنات الواقع، وبالتالي ليس من الممكن الوصول إلى نتيجة بوجود خطأ أصلي في الماركسية، على العكس فإن فكرة لينين بتحقيق المهمات الديمقراطية قد تحققت ما دامت روسيا قد أصبحت دولة حديثة (وهو ما يتناقض مع كل الهجوم على لينين وإرادويته، حيث أن ما طمح إليه تحقق في الواقع، أي تحويل روسيا إلى "الحضارة" الأوروبية كما كان يشير بعيد ثورة أكتوبر)، لكن الطموح نحو تطوير الاشتراكية هو الذي توقف في هذه البلدان التي أصبحت اشتراكية نتيجة انهيار التجربة. وهنا يطرح السؤال كيف تفيد الماركسية من هذه النتيجة من أجل بلورة تصورات أفضل لصيرورة التطور، ولمشكلات الأمم المخلّفة حيث أن هذه الأمم هي المكان الوحيد إلى الآن لتحقيق تجارب اشتراكية بفعل التكوين العالمي للرأسمالية؟
بالتالي يمكن القول بأن الماركسية فكر يستفيد من كل التجارب ومن تجارب الماركسيين خصوصاً، ولهذا من المهم الإفادة من تجربة الاشتراكية كصيغة في التطور في وضع سيادة الرأسمالية على صعيد عالمي، ومن الأسباب التي أفضت إلى الانهيار في التجارب الأولى وكيف يمكن أن تتبلور رؤى جديدة تغني الماركسية. فما يجب أن يكون واضحاً هو أن صيغة الاشتراكية وآليات تحققها ليستا واضحتين في الماركسية، لأن ما كتبه ماركس وإنجلز (وهو المرجع عادة) ليس سوى تجريدات عامة، وأفكار أولية لا يمكن أن تكون صيغة مكتملة للاشتراكية. لقد تناولا المبدأ ولم يعتقدا بأنه يمكنهما أن يحددا كل شيء، لأنهما انطلاقا من أن الواقع يطرح الأسئلة التي يستطيع الإجابة عليها كما قالا. لهذا لا يمكن أن نعتبر بان هناك "نظرية" يمكن تطبيقها أو القياس عليها. وربما كانت التجربة التي تحققت خلال القرن العشرين في غاية الأهمية لأنها يمكن آن تسهم في بلورة تصورات أدق حول طبيعة الاشتراكية وآليات تحققها.
إذن، يمكن القول بان التجربة، ومن ثم الانهيار، قد أسهما في كشف الجانب الذي لم يكن قد "نضج" في الماركسية لأن الواقع في زمن ماركس وإنجلز لم يكن قد طرح الأسئلة التي تفرض الإجابة عليها. أما اليوم فقد طرح الواقع الأسئلة، وبات يفرض الإجابة عليها، من أجل تجارب جديدة ستكون حتمية نتيجة تناقضات النمط الرأسمالي، والأزمات التي تخترقه. التجربة هي مصدر غنى للماركسية، لم تهزها لكنها قدمت الخبرة التي تحتاج إلى تنظير.
بالتالي يمكن القول بأن التجربة (والفشل) من جهة قد عززت الخيار الذي تقول به الماركسية في الأطراف، حيث توضح بأنها القادرة على نقل المجتمعات المخلّفة إلى "الحضارة"، إلى ما هو جوهري في العصر الرأسمالي، أي إلى المجتمع الصناعي الحديث. ومن جهة أخرى أوجدت الخبرة الكبيرة التي تفيد في وعي صيرورات نشوء الاشتراكية وميكانزمات تطورها، وعلاقة التطور الاقتصادي بتطور الوعي، وبدور الدولة وحدود هذا الدور.
الماركسية لم تضع مخططاً للتطور، ولم ترسم صيرورة التاريخ، إنها عنصر فاعل فيه، وهي تحاول الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع. ولهذا أصبح سؤال لماذا انهارت الاشتراكية؟ سؤال في غاية الأهمية، ولن يكون ممكناً الإجابة عليه انطلاقاً من "عقل" سطحي. كما أصبح، بالتالي، البحث في كيف يمكن أن تتبلور رؤية اشتراكية أرقى مسألة مطروحة بحدة، من أجل تجارب أرقى وأغنى، ولا تفضي إلى الانهيار. هذا البحث هو ما يمكن أن يضيف إلى الماركسية ويغنيها، وليس الندب على الانهيار والتحلل من التجربة، والعودة إلى تكرار أفكار متقادمة حول ضرورة الرأسمالية، وحتمية استمرارها في الوقت الراهن.
 



2. ضمن ما نشاهده من أزمة في النمط الرأسمالي من حروب ومجاعات وأزمات اقتصادية كبيرة تعم العالم.. هل هناك أفق لعودة النموذج الاشتراكي في العالم ؟ وكيف تقيمون تجربة تقدم اليسار في دول أمريكا اللاتينية؟


الصراع العالمي هو بين أن يبقى الوضع القائم وبين أن يتحقق التطور لينشأ عالم "متجانس". وهو صراع ينشأ عن التمايز الهائل في تملك الثروة، وبالتالي في تفاقم الاستغلال والاضطهاد، وأيضاً الفقر والبطالة والتهميش، كما في نهب وتهميش الأمم المخلّفة. ولقد أفضت الأزمة الاقتصادية العالمية التي ابتدأت كأزمة مالية وسوف تستمر وتتعمق، إلى تأزم اجتماعي عالمي، حيث أن حل "ورطة" الطغم المالية يتحقق على حساب الشعوب من خلال الدور الذي تلعبه الدول الرأسمالية لدعم البنوك والمؤسسات المصرفية، والذي يفرض عليها ممارسة سياسة تقشف عنيفة من أجل توفير الأموال اللازمة لذلك، خصوصاً وأن هذه الدول قد أصبحت مدينة بنسب تفوق دخلها القومي الإجمالي. كما من خلال الدور الذي تلعبه من أجل توسيع نهب الأمم المخلّفة، واستنزافها إلى أقصى مدى.
لقد أعطى انهيار الاشتراكية الأمل بأن تتجاوز الرأسمالية الأزمات التي تفاقمت منذ سبعينات القرن العشرين من خلال السيطرة على العالم، ونهب البلدان التي كانت اشتراكية وتعميق نهب الأطراف. وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لخوض حرب طويلة بدأت منذ الحرب الإمبريالية الأولى على العراق سنة 1991، واستمرت طيلة التسعينات، ثم توسعت بعد الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001. لكن الأزمة تفاقمت بدل أن تحل، وتعمقت بدل أن تجري السيطرة عليها. فقد توضح أخيراً بأن الأزمة التي تعيشها الرأسمالية هي أعمق من أزماتها السابقة لأنها لم تعد أزمة ركود فقط، بل تراكبت مع أزمة أعمق تمثلت في أن الرأسمالية باتت تعاني من فيض أرباح لا تجد منفذاً لاستثمارها سوى القطاع المالي، الأمر الذي فرض أن يتركز النشاط الاقتصادي أكثر فأكثر منذ السبعينات في المديونية والرهن العقاري وأسواق الأسهم والسندات والمشتقات المالية التي جرى اختراعها منذئذ. وهي كلها كانت تقود إلى عنصرين مدمرين، الأول هو التراكم المالي السريع وتضخم القيم، والثاني هو نشوء "الفقاعات" التي تفضي إلى انفجارات هائلة مستمرة.
ولأن الطغم المالية هي التي باتت تسيطر على الدول الرأسمالية، أو هي المسيطرة كونها هي ذاتها الطغم الاحتكارية، فقد دفعت الدولة للتدخل لمصلحة البنوك والمؤسسات المالية من أجل إنقاذها من الانهيار، وهو الأمر الذي راكم على الدولة الأميركية مديونية هائلة قاربت الدخل القومي الأميركي. ولقد كشفت الأزمة بأن الدول الرأسمالية الأخرى (في أوروبا واليابان) دخلت في مراكمة مديونية منذ زمن، وبعضها نتيجة سياسات المؤسسات المالية ذاتها وهي تسعى لتوظيف التراكم المالي لديها (مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال ودول أوروبا الشرقية ...). وهو الأمر الذي دفع هذه الدول إلى إتباع سياسة تقشفية شديدة تفضي إلى انخفاض القدرة الشرائية لقطاع واسع من المواطنين، وبالتالي تقود إلى تعميق أزمة الشركات المنتجة الصناعية والزراعية، وحتى قطاع الخدمات، وبالتالي التجارة، لأنها تعاني أصلاً من الركود، ولسوف يتفاقم بشكل طبيعي ما دامت القدرة الشرائية قد تراجعت.
لكن في المقابل فإن قطاعات شعبية واسعة سوف ينحدر وضعها، وتسلب كثير من الحقوق التي تحصلت عليها خلال نضالها الطويل الماضي. كما أن شعوب الأطراف سوف تعيش أزمة مضاعفة تراكم الفقر والتهميش.
إذن، الأزمة مستمرة وتتعمق من جهة، ونتائجها تقتضي توسيع الإفقار لطبقات عديدة من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يعني تفاقم الصراع الطبقي على الصعيد العالمي، وفي الأمم المخلّفة خصوصاً، رغم أن الحالة يمكن أن تكون شديدة في بلدان جنوب وشرق أوروبا كذلك، وربما بعض دول آسيا وأميركا اللاتينية. وبالتالي ما هو البديل؟ هل يمكن تحسين الرأسمالية؟ وهل يمكن تجاوز الأزمة دون تجاوز الرأسمالية التي تنتجها، والتي هي لصيقة بها؟
ليس من خيار، خصوصاً للأمم المخلّفة (أي التي أصبح تخلفها مرتبطاً بعالمية النمط الرأسمالي، الذي أصبح يعيد إنتاج تخلفها) سوى في تجاوز الرأسمالية. فأزمتها الأساس تكمن في أن السيطرة العالمية للرأسمالية فرضت أن تكون مخلفة ومهمشة ومفقرة، لأنها مجال النهب الإمبريالي، هذا النهب الذي هو ليس فقط لتحقيق التراكم الأولي كما أشار ماركس بل هو جزء عضوي فيها، مما يجعلها تُخضع العالم "غير الرأسمالي" لمنطق الربح لديها، وهي ترسمله بالقدر الذي يخدم ذلك. وأي خيار رأسمالي سوف يقوم حكماً على أرضية الرأسمالية ذاتها، من خلال اقتصاد السوق الذي هو ضرورة رأسمالية من أجل تحقيق الاحتكار، وقانون السوق يفرض انتصار الاحتكار على كل محاولة جديدة، على القطاع الرأسمالي الجديد الصناعي أو الزراعي أو التجاري والخدماتي، مما يفرض امتصاص الرأسمال الموظف هنا. بمعنى أن القول بإمكانية اللحاق عبر التطوير الرأسمالي للصناعة والزراعة في الأطراف هو لغو وسفسطة، لأن الأرضية الرأسمالية التي هي السوق سوف تفرض بالتنافس "السلمي الديمقراطي" هزيمة الرأسمال الصغير وتحقيق التمركز الأعلى. فهذا هو قانون الرأسمالية.
ولأن رأسمالية الأطراف تفهم ذلك أكثر بكثير من كثير من "الماركسيين" فهي تنشط في القطاع الذي لا يجلب التنافس، وهو الأمر الذي يجعلها تعمل كوسيط وتابع لدى الرأسمال الإمبريالي، فلا تحاول (طبعاً بعد تجارب) التوظيف في ما يسمح بتحقق النمط الرأسمالي وليس سيادة العلاقات الرأسمالية، أي التوظيف في الصناعة. إذن، كيف ستتحقق الرأسمالية؟ هل عبر تطوير المركز للأطراف؟ وهو الوهم الذي قاد العديد من الماركسيين إلى تصور أن الرأسمالية في إطار تطورها بعد "الثورة العلمية التكنولوجية" سوف "تعولم" وسائل الإنتاج، بحيث تنقل صناعاتها إلى الأطراف نتيجة رخص اليد العاملة. لكن الرأسمال الإمبريالي يعلم أكثر من كثير من الماركسيين بأن نقل حتى الصناعات المتخلفة كثيفة العمالة سوف يقود إلى تحقيق تطور تقني في الأطراف يجعلها تتقدم نحو أن تصبح دولاً صناعية، ولهذا فهو لا يغامر هذه المغامرة، وحين نقل بعض "الصناعات" إلى الأطراف نقل "الخطوة الأخيرة" التي هي التجميع.
لهذا ليس من خيار غير التقدم نحو الاشتراكية من جديد. ليس من تقدم سوى من خلال البديل الذي يطرحه، أو يجب أن يطرحه، العمال والفلاحون الفقراء في الأطراف. وإذا كانت صدمة انهيار الاشتراكية قد أفضت للقول بفشل الاشتراكية ونهاية دور الماركسية، فإن العمال والفلاحين الفقراء يستطيعون بحسهم العفوي تلمس أن التجربة الاشتراكية قد حققت تقدماً مهماً، وأن انهيارها كان خطيئة، وبالتالي أن عليهم أن "يكرروا" التجربة، أن يحاولوا مرة أخرى. وما تطرحه الماركسية على ذاتها هو كيف تجري الاستفادة من تجارب القرن العشرين لبناء اشتراكية متطورة، وكما اشرنا فإن الماركسية وحدها قادرة على تحقيق ذلك، وأن التجربة تقدّم مادة غنية من أجل صياغة أفضل للمشروع الاشتراكي.
إن احتمالات عودة الاشتراكية قائمة في العديد من البلدان الاشتراكية السابقة، وفي بلدان أخرى كما يجري في أميركا اللاتينية. رغم أن وضع هذه الأخيرة يحتاج إلى نقاش، وبحث أوفى. لأن الحالات متنوعة، ومستويات التمسك بالاشتراكية مختلفة. وأيضاً إن العديد من هذه التجارب لم تبدأ بالشكل "الكلاسيكي" الذي يتمثل بوجود حزب ماركسي، بل بدأت من خلال تكثيف الفكرة في شخص نجح ديمقراطياً كرئيس، وربما لم يكن ماركسياً، وبالتالي أصبح الانتقال إلى الاشتراكية يفترض تشكيل حزب في السلطة، وهنا تكون الأخطار عالية نتيجة أن قطاعات من المتملقين والانتهازيين هي التي تتقدم أولاً، وتمسك بزمام الأمور، مما يقود إلى انحراف التجربة وتحوّلها إلى التبعية من جديد كما شاهدنا تجارب الحركات القومية في الوطن العربي. والذي يفرض التفكير في هذه المسألة هو أن العديد من هذه التجارب تعتمد على السكان الأصليين وليس على طبقة بعينها (وهنا ربما نشير بالتحديد إلى فنزويلا وبوليفيا وربما الاكوادور). ورغم فقر هؤلاء فإن ميول التملك لازالت تسكن في وعيهم (أو على الأقل وعي قطاعات منهم)، وهو الأمر الذي يمكن أن يشكل وضعاً ربما ينحرف عن المسار الاشتراكي.
وما هو هام في التجربة هذه هو أنها تتحقق من خلال الانتخابات الديمقراطية، وفي وضع ديمقراطي، لكن هل يمكن أن يستمر التقدم نحو الاشتراكية عبر ذلك؟ هذا التحدي متداخل مع ما أشرنا إليه للتو، أي تشكيل حزب سلطة، ويمكن أن يفضي إلى تفكك هذا الحزب وانقلاب بعض عناصره نحو التحالف مع البرجوازية الرابضة من أجل إفشال التجربة والعودة إلى السلطة. وأيضاً في هذا الوضع لماذا يجري التأميم ببطء؟ وإذا ما قررت الحكومة الاشتراكية التأميم الواسع هل ستصمد أمام هجوم البرجوازية؟
طبعاً هناك أحزاب اشتراكية تحكم كذلك، لكنها في الغالب تميل إلى الاشتراكية الديمقراطية أو الليبرالية أكثر مما تطمح إلى الانتقال إلى الاشتراكية، كما هو الحال في البرازيل والأرجنتين، وكما كان في تشيلي التي أفضت السياسات الليبرالية بالحزب الاشتراكي إلى خسارة الانتخابات.
في كل الأحوال فإن أميركا اللاتينية تميل نحو اليسار، ويمكن أن تشمل التجربة كل القارة، رغم الضغوط الإمبريالية الأميركية والتدخلات التي أفضت إلى الانقلاب في هندوراس، والقواعد العسكرية في كولومبيا. وبالتالي ربما تتمخض التجربة عن تطور اشتراكي مهم، ممتزج بالديمقراطية، ومترابط في عموم القارة.



3. الملاحظ أن معظم الأحزاب الشيوعية الأوربية غيّرت الكثير من مفاهيمها في الحقبة الأخيرة من انهيار النموذج الاشتراكي ، لكن ما نشاهده أن معظم الأحزاب الشيوعية العربية بقيت متمسكة بأطروحات الماركسية التقليدية ولم تغير من مفاهيمها .. برأيك ما سبب ذلك ؟


إن معظم الأحزاب الشيوعية غيرت الكثير من مفاهيمها بما في ذلك في الوطن العربي، ومن بقي متمسكاً بأطروحات شيوعية (وليس ماركسية كما يشير السؤال) تقليدية فهم مجموعات قليلة، ظلت تكرر الرؤى التي كانت تطرحها في زمن الاتحاد السوفيتي، والمستمدة من الماركسية السوفيتية. فالحزب الشيوعي العراقي أصبح "ديمقراطياً" وتخلى عن الصراع مع الإمبريالية، على العكس فهو مشارك في سلطة احتلال. وحزب التقدم والاشتراكية في المغرب مشارك في الحكومة منذ عقود، وفي تونس تغير إلى حزب ديمقراطي، وفي فلسطين إلى حزب "شعب"، وفي سورية إلى حزب "شعب ديمقراطي". والقطاع الأكبر من الشيوعيين مال نحو الليبرالية، ومن بقي "شيوعياً" فهو يطرح خطاباً ديمقراطياً.
لكن لا بد من أن نشير إلى أن كثير من أشكال "التغيير" هي لفظية، وهنا لا اقصر المسألة على الوطن العربي بل أتناول كل "الحركة الشيوعية العالمية"، أي تلك التي كانت تتمحور حول موسكو، حيث كانت مآلاتها متشابهة إلى حد كبير. فهي لم تكن ثورية، لكنها أصبحت تميل في الغالب نحو الليبرالية. لقد كانت ترقص على نغمة الصراع السوفيتي الأميركي (أو الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية، كونه سمة العصر كما كانت تقول)، وبالتالي كانت سياساتها متوافقة مع نغمة السوفيت. وهي لم تطرح تغيير النظم في بلدانها لتحقيق الاشتراكية، واستند نشاطها على النضال السياسي العام وفق نغمة الصراع المشار إليه، والنضال المطلبي ومن أجل الحريات الديمقراطية. هذا هو جوهر موقفها الذي حكم نضالها خلال سنوات الحرب الباردة، والذي كان يستند إلى منطق تطوري عام وعفوي. رغم النغمة العالية في معاداة الإمبريالية والحروب.
وهي في الوطن العربي تكيفت مع الوقائع التي فرضتها الرأسمالية الاستعمارية، تكيفت مع وجود وأبدية وجود الدولة الصهيونية، والتجزئة. وظل منطقها "سلمياً"، ينطلق من تحقيق "السلم العالمي". وهي الآن في السياسات الواقعية لا تخرج عن ذلك، وبالتالي هي، وكل الحركة الشيوعية العالمية لم تغيّر في كل هذه المسائل. إنها لا تهدف إلى التغيير ولا تتخلى عن "النضال السلمي"، لكن ما "تغيّر" لديها هو تراجع الخطاب الطبقي المطلبي لمصلحة تضخم الخطاب الديمقراطي، وتراجع الخطاب المعادي للإمبريالية لمصلحة التراخي أو حتى التكيف معها. ولهذا أشرت إلى أن معظمها في الوطن العربي أصبح ديمقراطياً، وأصبح النضال الديمقراطي هو كل نشاطه، وتمحور السعي من أجل تغيير شكل السلطة الدكتاتوري لمصلحة شكل ديمقراطي، دون لمس الطبقة المسيطرة التي هي الكومبرادورية.
هذا هو المنطق العام الذي حكم الحركة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. لقد خففت الخطاب المعادي للإمبريالية، وزادت من جرعة الخطاب السلمي. هل فعلت الأحزاب في أوروبا أكثر من ذلك؟
على الصعيد النظري، وربما هنا يشار في بعض الأحيان إلى "التغيير"، فقد مالت كلها إلى تقريع (وليس نقد) التجربة الاشتراكية والاشتراكية بشكل عام، وعادت بوضوح أكبر إلى نغمة أن المرحلة هي مرحلة الرأسمالية. وشنت هجوماً على إرادوية لينين محملة إياه "فشل التجربة". وركزت على رفض دكتاتورية البروليتاريا. وعلى السلم والنضال السلمي إلى آخر المعزوفة.
الآن، يمكن القول بان كل الحركة الشيوعية (وكثير من القوى الماركسية التي نشأت فيما بعد) تعاني من "مرض عضال"، لأنها لم تؤسس لذاتها رؤية متماسكة ونقلت ما كان يصاغ في المركز الاشتراكي. ولقد تربت على ذلك، وحين غاب المركز "فلت العيار"، وهذا ما حدا بكثيرين إلى الانقلاب المخزي نحو الليبرالية، والتسرع للتشهير بالاشتراكية و"جلد الذات"، بينما من "توازن" لم يكن الوعي الذي اكتسبه من خلال المدرسة السوفيتية معيناً له، فسار مع الموجة "الديمقراطية"، لكن دون أن يغير شيئاً في السياسات "المبدئية" التي أشرنا إليها للتو.
هنا يمكن القول بأن صيغة وسمت الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي (وأظن في كل الأمم المخلّفة كذلك)، فهي لم تمتلك الماركسية كعلم (المنهجية الماركسية) وإن امتلك البعض بعض الفهم في المجال الاقتصادي خصوصاً، فظلت منحكمة للمنطق الصوري الذي لا يفيد كثيراً في فهم الواقع والصراعات. ولهذا كان "الغذاء النظري" يأتيها من المركز، من "العلماء السوفيت" (الذين هم بيروقراطيي الدولة السوفيتية الذين كانوا يكيفون الماركسية مع مصالح هذه البيروقراطية المتنامية). هذه مسألة باتت واضحة، حيث لم يُقرأ لا ماركس ولا إنجلز ولا حتى لينين، ربما قُرئ ستالين جزئياً. وفي الغالب، حينما يكون هناك قراءة، يجري الاعتماد على الكراريس الصادرة في موسكو فقط، وهي كراريس مبسطة أولية، ربما تعطي معلومات لكنها لا تؤسس وعياً. وربما تفيد كمعلومات أولية لكنها لا تفيد أكثر من ذلك، رغم كل التشوه الذي يسكنها.
ولقد حكمت الأحزاب سياسة لا تقوم على التغيير بل تحلم بانتصار البرجوازية، لهذا بدت إصلاحية وملحقة بوهم اسمه التطور الرأسمالي. وهو الأمر الذي حوّلها في الأخير إلى أحزاب برجوازية صغيرة، ربما تعبّر عن طموحات بعض شرائح هذه الطبقة، التي سعت في العقود الأخيرة إلى حصول انفراج ديمقراطي ليس أكثر.
إذن، ماذا تغير؟ ما يجري هو تلاشي "الأطروحات الماركسية التقليدية" لمصلحة الليبرالية والمفاهيم البرجوازية الصغيرة. هذا هو التجديد الممكن، والذي طال كل الحركة الشيوعية العالمية (في الغالب). بالتالي هذه الأحزاب غيرت ولم تغير، ولهذا فهي هي. ولا إمكانية لأن تكون غير ذلك، مع كل الاحترام لمناضليها القدامى والجدد ، وأملنا بأن يكون تحليلنا "خائباً".
 


4. الملاحظ وجود أزمة عالمية لدى اليسار عموماً وضعف دوره.. فهل هذا ناتج عن أزمة في النظرية الماركسية؟


لاشك في أن الأزمة في الممارسة تفرض البحث عن جذرها في النظرية. والمسألة لا تتعلق بالأحزاب الشيوعية التي تحدثنا عنها للتو، حيث تلبّست "ماركسية" صورية أكثر من المنطق الصوري ذاته. ونشير إلى أن كل القوى الماركسية التي حاولت تجاوز هذه الأحزاب لم تستطع أن تتقدم خطوة إلى الأمام. وهنا أنا لا أتحدث عمن انتصر مثل الحزب الشيوعي الصيني والفيتنامي والكوبي، بل أتحدث عن اليسار الراهن، الذي هو خليط من الشيوعيين والماركسيين الجدد (أو اليسار الجديد). وهذه كلها في أزمة لاشك في ذلك، حاولت قبلاً أن أشير إلى طبيعتها وممكنات الخروج منها، لكن حينما الإشارة إلى "النظرية الماركسية" فيجب أن نتعامل بحذر. قلت للتو بأن الأزمة في الممارسة تفرض البحث في جذرها في النظرية، وأكمل بأن المسألة تتعلق بالواقع الطبقي والميول الطبقية لدى الفئات التي تعتنق الماركسية. فالنظرية "تتشخصن"، أي تتجسد في أشخاص، لأنها وحدها صامتة، هي كلمات. ولا يكون لهذه الكلمات نسق ومعنى إلا من خلال الأشخاص.والأشخاص هم متوضعون في الطبقات وليسوا "أحراراً".
الآن، ما أضافته الماركسية (أو ما أضافه ماركس وبدرجة أقل إنجلز) هو الجانب المتعلق بمنطق التفكير قبل كل شيء، أي الجدل المادي. الجدل المأخوذ من هيغل والمسيّر مادياً بتأثير الاتجاهات المادية التي كانت رائجة وقتئذ. هنا عمل ماركس التركيب للجدل بصفته المثالية كما كان لدى هيغل والمادية الرائجة، فأصبحت مهمة الجدل تحليل البنى المجتمعية، وملاحظة صيرورة تطورها وحركتها، وهو ما يؤهل لفهم الآفاق الممكنة وبالتالي تحديد دور الحزب/ الطبقة في كونه العنصر الذاتي المفعَّل لمصلحة طبقة في الصراع الطبقي من أجل أن تنتصر.
هنا ماركس توصل إلى "نقلة نوعية" تخص منطق التفكير. هذه النقلة هي التي سمحت بان يقدّم فهماً جديداً للتاريخ، للواقع، وأن يقدّم الآليات التي تسهم في تغييره من ضمن الممكنات الموجودة فيه. لكن هذه المرة بشكل واعٍ. وهو انطلاقاً من هذه النقلة أعاد صياغة الأفكار التي كانت سائدة في عصره، وطورها بحيث تصبح جزءاً من منظومة "نظرية" تعبّر عن رؤية الطبقة العاملة.
لكن كل ذلك هو جزء من الموضوع، حيث أن حسم الصراع الطبقي وتحقيق التغيير مسألة تتعلق كذلك بالظرف الموضوعي. ماركس قدّم تصوراً للظرف الموضوعي في أواسط القرن التاسع عشر، ورسم "الإستراتيجية" الضرورية لتحقيق التغيير وقتها، لكن التغيير لم يتحقق لنقص في وعي الواقع، خصوصاً في معرفة صيرورة تطور الرأسمالية، وحيث كانت الرأسمالية بالكاد نشأت (1780- 1870). فقد كان مستحيلاً تجاوز رأسمالية وهي في كامل حيويتها، وتحقق التطور المضطرد، وأيضاً تهيمن على العالم من خلال حركة استعمار هائلة. هذه هي الأزمة الأولى التي واجهت الماركسية، وأسست لنشوء الاشتراكية الديمقراطية، فقد بدا التغيير مستحيلاً في وضع يشهد تحسناً مضطرداً في وضع العمال، وتطوراً مجتمعياً هائلاً. وهو الأمر الذي أفضى إلى الميل للتكيف مع الرأسمالية الحيوية والناهضة، والتي تنقل العالم إلى آفاق متطورة. وخصوصاً أن السيطرة العالمية سمحت بأن تكون الرأسمالية "مرنة" بما يكفي لتقديم التنازلات للطبقة العاملة، وهو ما شكّل "ذوي الياقات البيضاء"، الذين باتوا كل الطبقة تقريباً.
ولأن المنطق النصي هو الذي حكم بيرنشتاين ثم كاوتسكي ومعظم الأممية الثانية حول تصور تحقُّق الاشتراكية كما عرضه ماركس، فقد كان البديل عن تصور ماركس هو الميل للتكيف مع الرأسمالية المتطورة، والتأكيد على أن تجاوزها لا يتحقق سوى بعد أن "تتعفن" وتستنفذ كل ممكناتها. لهذا، لم يحن بعد زمن الاشتراكية لأن الرأسمالية لازالت تتطور، وسوف تتطور أكثر. حيث بعد إذ، بعد أن تستنفذ إمكانية تطورها يمكن الانتقال إلى الاشتراكية. هذا ما حكم بيرنشتاين ثم كاوتسكي و الأممية الثانية.
لقد كانت السيطرة الاستعمارية على العالم تكتمل، وهذا ما كان ينعكس على وضع الطبقات في المراكز الإمبريالية، ويفرض تحوّل الصراع الطبقي من طابعه العنيف والحدي إلى صيغة كانت تتبلور، تقوم على المساومة وتقديم التنازل، وأصلاً تشكيل مجتمع من الفئات الوسطى. هذا هو أساس نشوء الحركة الاشتراكية الديمقراطية التي تخلت عن التغيير والاشتراكية لمصلحة تحقيق "التحسينات" في النمط الرأسمالي من خلال تحقيق "منجزات" للطبقة العاملة والمجتمع تعزز طابعه الاجتماعي.
لقد كان الصراع الطبقي يتراجع في البلدان الرأسمالية، ويذوي تحت عجلة التطور المتسارع الذي يفرضه إيقاع الرأسمال. ولهذا بدت كل أفكار ماركس وكأنها خاطئة وليست في زمانها. هنا طُرح النقاش حول أزمة الماركسية أول مرة ربما.
لكن هذه المسألة حلّت وفق المنظور اللينيني، ولن يبدو ذلك غريباً في بلد كان لازال يعيش السيطرة الإقطاعية رغم تغلغل رأس المال والصناعة ونشوء الطبقة العاملة. فقد كان الصراع الطبقي يزداد تفاقماً مع هذا التغلغل الرأسمالي، ويزداد تفاقماً أكثر في الريف نتيجة النهب المتزايد من قبل الإقطاع. وبالتالي قدّم لينين الحل لـ "أزمة الماركسية" من خلال تجاوز التصور "الماركسي" الذي يعتبر تقليدياً، أي الثورة الاشتراكية في الأمم "المتمدينة"، ولقد رسم تصوراً عن دور الماركسية في تحقيق المهمات الديمقراطية.هذا التجاوز جعل الماركسية تغيّر نصف العالم (1917- 1974).
بالتالي يمكن القول بأن لينين أخرج الماركسية من "أزمتها" الأولى، لكن هل هي أزمة؟
إن الفارق بين بيرنشتاين وكاوتسكي وبليخانوف وبين لينين هو ما يشكل محور الماركسية. فقد التزم هؤلاء التصور الذي صاغه ماركس لدور الماركسية، وحين وجداه قد أصبح مجافياً للواقع قبلوا الواقع، أي انتقلوا من تغيير الواقع الرأسمالي نحو الاشتراكية إلى تطوير الرأسمالية وانتظار نضجها وتعفنها. ربما كان هذا الموقف هو انعكاس للواقع الذي كان يتشكل في الأمم الرأسمالية، لكنه كان يلغي التناقض العميق الذي يحكم نظرة الماركسية للرأسمالية، وبالتالي الطموح لتجاوزها. وهذا ما جعل بيرنشتاين يقول بأن الهدف النهائي هو لا شيء، الحركة هي كل شيء. وقبل ذلك أن يرفض الجدل الماركسي بحجة أنه بقايا الهيغلية لدى ماركس. وهذا ما سارت عليه الأممية الثانية، رغم أن بليخانوف أسس لجدل "تطوري"، أي لا يعرف سوى قانون التراكم الكمي والتغيّر النوعي. وهو في ذلك لم يتعارض مع بيرنشتاين أو كاوتسكي بل أكملهما من خلال "دس" منطقهما في الجدل، ليتحوّل إلى "جدل" تطوري، أخذ به ستالين وأصبح منطق الحركة الشيوعية.
أما لينين فقد انطلق من جوهر الماركسية ولم يلتزم منطقاً نصياً، أي انطلق من الجدل المادي (الديالكتيك)، فابتدأ من "التحليل الملموس للواقع الملموس" ولم يبدأ من الأفكار التي تخص فهم الواقع (الذي كان قد تغيّر كثيراً بعد ماركس، حيث تشكلت الإمبريالية، أي الرأسمالية كنمط عالمي)، ولا تصور الثورة الاشتراكية الذي "تبلور" أواسط القرن التاسع عشر. لهذا توصل إلى الصيغة التي تنطلق من الصراع الطبقي المتفاقم في الأطراف، وطرح على الماركسية مهمة تحقيق المهمات الديمقراطية من أجل الانتقال إلى الاشتراكية، أي بتكثيف شديد: اللحاق.
بمعنى أن المسألة كانت تتعلق بطبيعة فهم الماركسية، هل أنها التصورات والقوانين أو أنها الجدل المادي كـ "منطق تفكير وممارسة"؟ المادوية التي سيطرت على الأممية الثانية قادت إلى الاقتصادوية والتطورية، بينما قادت التناقضات المتفاقمة في الأطراف إلى البدء من الجدل المادي. ولا ننسى أن لينين كان ينطلق في تقييمه للآخرين من هذا الأساس، كونه كان يعتبر أنه "حجر الزاوية" في الماركسية. ولقد انطلق منه لتحليل واقع روسيا الملموس، وليتوصل إلى تحليل ملموس للوضع العالمي أفضى به إلى بلورة تصور جديد حول طبيعة النمط الرأسمالي. لكنه بالأساس أسّس لإستراتيجية منتصرة.
وسنلحظ بأن كل الأحزاب الشيوعية التي انتصرت (بقوتها وليس بالتحرير السوفيتي) انطلقت من جوهر الفكرة اللينينية، لكن بالأساس من جوهر الماركسية، فقد استندت إلى "الديالكتيك" في تحليلها للظروف الواقعية ولرسم إستراتيجية ثورية قادتها إلى الانتصار (وهنا نضع الصين والفيتنام، وكوبا وكوريا، ويوغوسلافيا وألبانيا). بينما فشلت كل الأحزاب التي اعتمدت على رصيد الاتحاد السوفيتي وليس على رصيدها، وهو وضع "الحركة الشيوعية العالمية" التي تناولت وضعها في سؤال سابق، والتي بدت كجزء من السياسة السوفيتية أكثر مما كانت تعبّر عن صراع طبقي محلي. وهي بالتالي نقلت عن الماركسية السوفيتية جوهر مواقف الأممية الثانية الاقتصادوية والتطورية. لهذا ظلت تنتظر انتصار الرأسمالية، أو تنتظر نضوج الرأسمالية وتعفنها. وهي بالأساس تخلت عن الجدل المادي لمصلحة منظومة مصاغة من قبل "العلماء السوفيت"، ليس الجدل المادي فيها سوى "هامش تأملي" ومصاغ وفق رؤية بليخانوف.
ورغم تأثير الماركسيات الصينية والفيتنامية والجيفارية على صعيد عالمي إلا أن الطابع العام الذي اتخذته لم يشذ عن طريقة الماركسية السوفيتية، أي التزام تصور جاهز، وإتباع سياسة مقرَّرة في الصين حيث كانت الماوية هي الشكل الأبرز لهذه الماركسيات. ولهذا سنلحظ فشل "اليسار الجديد"، رغم أن الماوية بدت قوية في العديد من البلدان الزراعية مثل النيبال والهند والبيرو وكولومبيا، لكن تمسكها في "التقليد الماوي" يجعلها عاجزة عن تحقيق الحسم النهائي، أو توحيد العمال مع الفلاحين الفقراء كون هذه الأحزاب تستند إلى الريف أكثر من استنادها إلى المدينة، وهو الأمر الذي لا يسمح إلى الآن بأن تنتصر بشكل كامل.
ونشير إلى أن انهيار المنظومة الاشتراكية من جهة، والتحوّل الصيني إلى الرأسمالية من جهة أخرى، قد أديا إلى ميل ليبرالي كبير لدى كل تيارات اليسار، أو إلى التحوّل نحو النضال الديمقراطي، وبالتالي التكيف مع الوجود الرأسمالي، وحتى القبول بالسياسات الإمبريالية في كثير من الحالات. ولهذا ترافق التوسع الإمبريالي الذي بدأ مع انهيار المنظومة الاشتراكية مع تقريباً تلاشي الدور الثوري للقوى الماركسية، وإلى ظهور أزمة حقيقية في الماركسية. وربما هي الأزمة الثانية بعد الأزمة التي نشأت نهاية القرن التاسع عشر كما أشرنا.
إن المشكلة تكمن في غياب إجابات على أسئلة حقيقية طرحها الواقع، وبالتالي غياب الإستراتيجية الضرورية من أجل تجاوز الرأسمالية. فالرأسمالية تزداد تأزماً، وربما تتعفن، لكن لم تتبلور الرؤية التي تؤسس لنضال حقيقي يقود إلى تجاوزها. وإذا كانت الصراعات العالمية خلال الحرب الباردة قد فرضت إيقاعها –بحدود معينة- على كل الصراعات الطبقية في العالم، وأوجدت الأوهام لدى البعض بأن طريق انتصار الاشتراكية يتقوّم في حسم التناقض الرئيسي على صعيد العالم بين الاشتراكية والرأسمالية، فإن انهيار الاشتراكية قد عمم حالة من الإحباط واليأس هائلة، وهو الأمر الذي كان المدخل للانحدار الليبرالي. لكن أزمة الرأسمالية لم تحلّ، ولقد تعمقت كما أشرنا، وباتت أزمة مستمرة، وقاسية. وهي سوف تفرض تفاقم الصراع الطبقي على صعيد عالمي، وفي كل الأمم، وإن كانت في الأطراف أكثر منها في المراكز، رغم أن بعض البلدان الرأسمالية سوف تغرق في الصراعات الطبقية. وهنا يمكن الإشارة إلى بلدان جنوب أوروبا (اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال) وشرق أوروبا (البلدان الاشتراكية السابقة). وكذلك ربما جنوب شرق آسيا. دون أن نتجاهل ما يجري في أميركا اللاتينية والذي أشرنا إليه قبلاً.
هل تستطيع الماركسية أن تقدّم رؤية؟ أو يستطيع ماركسيون أن يقدموا إستراتيجية عالمية للنضال؟
نحن في هذه اللحظة.
الماركسية لا تنطق بذاتها. الماركسية هي الماركسيين. لكن لا بد من العودة إلى ماركس، وهنا ماركس الجدل المادي، لأن المهمة الملحة الآن هي فهم الواقع من أجل تغييره، وليس من الممكن فهم الواقع انطلاقاً من "الوعي" الذي ساد الحركة الماركسية خلال العقود الماضية، لا الحركة الشيوعية التي استندت إلى السوفيت، ولا الحركة الماوية التي اعتمدت نصوص ماو تسي تونغ، ولا كذلك التروتسكية التي ظلت في حدود الفكرة العامة التي طرحها تروتسكي. وسنلحظ بأن كلها حاد عن الجدل المادي، أو أن تحويله الجدل المادي إلى طريقة تفكير كان قاصراً، وفي الغالب جرى التعامل مع الجدل المادي كـ "شيء مكمل" وليس كجوهر في الماركسية.
وهذا يفترض نقلة في الوعي الماركسي تجعل الفئات الاجتماعية غير العمالية التي تعتنق الماركسية تستطيع أن تتمثل المنهجية في الوعي، لكي تستطيع تحقيق قطيعة مع واقعها الطبقي يجعلها في صف العمال والفلاحين الفقراء. وهي قطيعة مع جملة من المفاهيم والتصورات التي يجري التعامل معها وكأنها من صلب الماركسية، وهي في الواقع تصورات لسياسة في لحظة معينة، مثل الثورة الدائمة أو الحسم بأن طبيعة الثورة هي اشتراكية، أو "الحرب الشعبية"، أو التطور الرأسمالي. أو حتى مفهوم الجبهة المتحدة ومفهوم التناقضات، ودكتاتورية البروليتاريا.
وبالتالي بدل المنطق "النصي" من الضروري العودة إلى الديالكتيك من أجل فهم الواقع الراهن. وهذا لا يعني بأن الماركسية لا تعيش "أزمات"، أو أنها مكتملة، بل يعني العودة إلى أساس الماركسية كنظرية الذي هو منهجيتها، هذه المنهجية التي حققت نقلة نوعية في الفهم والمعرفة وتحديد أسس التغيير. ولاشك في أن هناك العديد من الأفكار و"القوانين" التي هي خاطئة أو تجاوزها الواقع. وهناك ما هو تصور لواقع معين مضى، وهناك الأفكار التي أصبحت أساسية وفي صلب الماركسية. وإن العودة إلى الجدل المادي هي التي تسمح بأن نعيد صياغة "النظرية" على ضوء ما بات علمياً. ومن ثم إغناء الماركسية وتجريدها من كل الأفكار التي تبين أنها خاطئة أو تجاوزها الواقع. فالماركسية ككل نظرية علمية تغتني بالتجربة وبكل ما يضيفه الواقع. وهي تفرض على الماركسيين بالضرورة إعادة صياغة مستمرة، فهي ليست مغلقة ولا يمكن أن يسمح الجدل المادي لها بذلك، لأنه نقدي وينطلق من التحليل الملموس للواقع الملموس. وإذا كانت هناك أفكار تستمر لفترات طويلة فإن الرؤية لا بد وأن تعاد صياغتها باستمرار. الواقع متغير إذن الماركسية متغيرة، لكن على محور منهجيتها.
الآن، لاشك في أن كل الحركة الماركسية بمختلف تلاوينها وتناقضاتها هي في أزمة، وكل الوضع العالمي هو في أزمة. وإذا كانت أزمة الرأسمالية وحروبها تفرض تطور الصراع ضدها، فإن ذلك يفرض تقديم إستراتيجية نضال ثوري من أجل هزيمة الرأسمالية.


وبالتالي، فالمطلوب هو فهم الواقع اليوم، من أجل وضع إستراتيجية نضال تعبّر عن العمال والفلاحين الفقراء. وليس ذلك ممكناً دون تمثّل المنهجية الماركسية التي هي الجدل المادي. وهذا مطلوب الآن، لأن الرأسمالية تعاني من أزمة عميقة تفجرت منذ سنة 2008، ولسوف تؤدي من جهة إلى ضعف السيطرة الإمبريالية على العالم، ومن جهة أخرى إلى تفاقم الصراع الطبقي العالمي، وفي كل أمة. وفي هذا الوضع لا بد من رسم إستراتيجية التغيير الثوري.



5. ما هو موقف الماركسية في الوقت الحاضر من الديمقراطية التي أصبحت نمطاً عالمياً في الحكم ؟


أن تكون الديمقراطية قد أصبحت نمطاً عالمياً في الحكم فهذا ما يحتاج إلى برهان. والأهم تحديد أي ديمقراطية؟ ديمقراطية الاحتكارات أو ديمقراطية الشعب؟ أطرح هذه الأسئلة لأن الديمقراطية تُطرح منذ عقود كأيديولوجية، وتصبح كل "الحل" لكل شيء. وتصبح طريق التطور والحداثة وتجاوز الفقر والبطالة. وبالتالي تضخّم إلى حد كبير من أجل التغطية على الواقع الطبقي القائم. ولهذا يجب أن نتأنى ونحن نشير إلى الديمقراطية، وأن ندقق الفهم. ولا ننسى بأن فوكوياما الذي أخبرنا بأن الرأسمالية هي نهاية التاريخ عاد وحاول الهرب من هذا المنزلق محملاً الآخرين سوء الفهم الذي حدث لفكرته، التي لخصها في أن ما قاله هو التحليل الماركسي للمسألة، حيث يفرض التطور الاقتصادي والاجتماعي أن تصبح الديمقراطية ضرورة حاسمة. وهو محق هنا، ليس للقول بضرورة الانتظار إلى حين تحقيق التطور بل للقول بأن المسألة اعقد من أن تحوّل إلى أيديولوجية مبسطة.
ماركس تبنى الديمقراطية ضد البرجوازية التي كانت تقيم نظماً دكتاتورية، وناضل من أجل حق الانتخاب للطبقة العاملة. وحين تحدث عن دكتاتورية البروليتاريا قال أنها ضد الأقلية البرجوازية فقط، وديمقراطية للأغلبية، وهو هنا كان يعكس واقع البرجوازية ذاتها التي كانت تمارس الدكتاتورية ضد الطبقة العاملة. وحين انتقل إلى الاشتراكية كان يعتبر بأنه يعمّق الديمقراطية الشكلية المطروحة من قبل البرجوازية، ولم يدر في خلده بأن هناك من سيعتبر بأنه لفظ الديمقراطية. فالمساواة في المستوى السياسي يجب أن ترتبط بمساواة في عدم التملك لكي تتحقق واقعياً، وإلا قادت الثروة إلى حرف الديمقراطية عبر التحكم المالي.
وبالتالي لم تكن المسألة في هل أن الماركسية هي مع الديمقراطية أو ضدها، بل كان في الصيرورة التي تسمح بتحقيق الديمقراطية، الديمقراطية الحقة. ولهذا ربط ماركس بين الشكل السياسي للدولة وطبيعة التطور الاقتصادي الذي تقوم على أساسه، والوضع الطبقي الذي يحقق المطابقة بين المضمون الطبقي والشكل السياسي.
الآن، ما هو مطروح هو موجة/ موضة، بمعنى أن حرف الصراع الطبقي عن محوره الاقتصادي الطبقي فرض الركض وراء تغيير الشكل، أي التركيز على السلطة السياسية. وفي هذا الحرف لا يتشوه الصراع الطبقي فقط، بل ينحرف الصراع من كونه ضد الرأسمالية المسيطرة، والتي تنهب وتدمر وتخوض الحروب الإمبريالية، إلى الصراع ضد نظم دكتاتورية لكنها عبّرت عن ميل البرجوازية الصغيرة (الريفية) لتحقيق بعض التطور (بناء الصناعة والتحديث، وطرح المسألة القومية)، من أجل دمج البلدان التي تحكم فيها بالنمط الرأسمالي. بالضبط كما كان الأمر بالنسبة للبلدان الاشتراكية، حيث جرى استخدام الديمقراطية ليس من أجل تحقيق تطور أعلى بل من أجل التخلص من التطور المتحقق، وبالتالي فقد أصبحت تلك الدول التي كانت تحكمها الاشتراكية دولاً ديمقراطية لكن في ظل انقسام طبقي مريع.
لهذا يجب التوقف ملياً هنا، لأن هذا "الاندفاع" نحو الديمقراطية (والذي له ما يبرره لدى النخب التي عايشت الاستبداد بكل قسوته) لن يكون سوى غطاءً للسياسات الإمبريالية، دون أن يكون محكوماً بالتحقق. وهذا لا يعني رفض الديمقراطية بل يعني فهم الواقع وفهم موقع الديمقراطية في تطوره. فالديمقراطية لا تقام على بنى طائفية أو قبلية، أو متخلفة عموماً، رغم إمكانية إجراء الانتخابات وتشكيل مجلس نيابي، ووجود حريات للصحافة والأحزاب. وهي هنا تعيد إنتاج التخلف ليس غير. وبالتالي فإن الديمقراطية مرتبطة ببرنامج تغييري شامل لكي تتحقق في الواقع. رغم تأييدي لكل الأشكال التي يمكن أن تحقق الانفراج أو بعض الحريات. لكن أطرح الموضوع من زاوية ماركسية، بمعنى أن المسألة تتعلق هنا ليس بشكل الدولة بل بمضمونها كذلك.
لو كنت ليبرالياً لوافقت على هذه الأشكال التي تتعمم كمثال للديمقراطية، في مصر أو العراق أو لبنان، برغم أنها منفصلة عن العلمانية، هذه المسألة التي ليس من ديمقراطية (حتى بالمعنى البرجوازي) بدونها، لأنها الأولية التي تفرض مبدأ المواطنة وترك ظروف البشر للبشر، اللذين هما مبتدأ الديمقراطية. أو لظننت بأنه يمكن أن تقام ديمقراطية "منسجمة" (بالمعنى البرجوازي) على أرضية الرأسماليات التابعة المسيطرة. لكن التحليل الماركسي يوصل إلى أن الديمقراطية لا تتوافق مع ليبرالية الأطراف، وكل ما تفعله الرأسمالية الحاكمة فيها هو شكل ديمقراطي مشوه، ولا يفتح الأفق للتغيير بل يعيد إنتاج السلطة ذاتها. ولهذا فإن أعلى مطمح هنا هو تحقق بعض الحريات وانتخابات مزورة. وأن إمكانية تشكيل "كتلة تاريخية" (هذا المصطلح الغرامشاوي الذي بات يتعرض للتشويه) لفرض ديمقراطية حقيقية (وهنا بالمعنى البرجوازي كذلك) ليست ممكنة، لأن أولويات العمال والفلاحين الفقراء وقطاع كبير من البرجوازية الصغيرة تنطلق من أثر الاستغلال والنهب اللذين يتعرضون لهما، أي من الفقر والبطالة والتهميش. وهي أولوية لا تتوافق مع أولوية النخب، رغم عدم تعارضها معها.
لهذا، ورغم أن النضال الديمقراطي سوف يظل جزءاً من النشاط الماركسي، فإن ما يجب أن يحكمه هو، أولاً: أن الديمقراطية كنظام سياسي هي جزء من برنامج التغيير الثوري، والنظام الديمقراطي هو الشكل الذي يسعى الماركسيين لتحقيقه، وهم يعملون من أجل تحقيق التغيير الجذري في البنى الاقتصادية والوعي المجتمعي، وثانياً: وهم يرون ذلك يعرفون بأنه دون تغيير البنى الاقتصادية لن تصمد ديمقراطية تحقق مصالح العمال والفلاحين الفقراء وكل المجتمع، وثالثاً: إن الديمقراطية التي يطرحها الماركسيين تنطلق من علمنة الدولة كأساس لانسجامها، وتحاول أن تتجاوز الشكلية التي تخضع لها الديمقراطية البرجوازية دون التخلي عن قيم الديمقراطية ذاتها.
إن المشكلة التي تحكم العديد من الماركسيين اليوم في هذا المجال هي أنهم يظنون بأن الديمقراطية هي مدخل التغيير، وبالتالي أن النضال الديمقراطي هو النضال الأساسي، مراهنين على ممكنات غير موجودة سواء فيما يتعلق بحدود تنازل الطبقة الكومبرادورية عن تمسكها السلطوي، أو عن "التحاق" الطبقات الشعبية بهذه الأولوية لأنها تخدم توفير الظروف لطرح مطالبهم بعدئذ. وهما رهانان خادعان، لأن الكومبرادور لا يعطي أكثر مما أعطى سواء في مصر أو المغرب أو في شكل لبنان أو العراق، وهذه تعيد إنتاج الوضع القائم ولا تخدم تقدم المجتمع أو تقود إلى تطوير وضع الطبقات الشعبية. كما لأن الطبقات الشعبية تنطلق من وضعها وليس مما يرسمه لها مثقفون كأولوية، ووضعها يجعلها تنطلق من المعيشي، من البطالة والفقر والعجز عن التعلم أو العلاج، وبالتالي لا تميل إلى أن تلتحق بأهداف لا تمسها مباشرة. إضافة إلى أن "حسها السليم" جعلها تتلمس بأن كل الأشكال الديمقراطية القائمة لا تحقق لها شيئاً، حيث تقوم السلطة بإعادة إنتاج ذاتها عبر صناديق الاقتراع.
وهنا يجب أن يتجاوز الماركسي الوهم بأنه قادر على فرض الديمقراطية على النظم الكومبرادورية، أو تغييرها تحت شعار الديمقراطية. فالديمقراطي المنسجم يتوصل إلى أن النظم القائمة لا "تتدمقرط" سوى شكلياً، وأن طريق التغيير تتمثل في تطوير الصراع الطبقي بكل أبعاده، من النضال المطلبي، والاحتجاجي، إلى الإضرابات والتظاهر والانتفاضة، وأن النضال الديمقراطي هو جزء من هذه الصيرورة وليس أولها. وأن تأسيس نظام ديمقراطي هو جزء من برنامج العمال والفلاحين الفقراء، الذي يهدف إلى تحقيق التطوير الاقتصادي عبر بناء الصناعة وتحديث الزراعة والتعليم المجاني والضمان الصحي، والحداثة الثقافية. وهؤلاء يؤسسون النظام الديمقراطي الذي يتيح بكل الطبقات الشعبية المشاركة في تحقيق كل هذه المهمات.
المطلوب اليوم هو وضع هدف الديمقراطية في موضعه الحقيقي في صيرورة التطور، والتأكيد على أن التطور العالمي العام أصبح يفرض أن تكون النظم التي يقيمها العمال والفلاحين الفقراء ديمقراطية وليس استبدادية كما كان في تجربة القرن العشرين. لكن طريق الوصول إلى ذلك هي الثورة وليس النضال السلمي التدرجي الآمن كما بات يشاع. فهذه من أفضل ما يقدم ماركسي للطبقة الرأسمالية التابعة، حيث يحرف الصراع الطبقي عن محوره لمصلحة "نضال" لا يحقق شيئاً سوى ما "تجود" به الرأسمالية تلك. النضال السلمي التدرجي يكرس سلطة الكومبرادور ويدفع الطبقات الشعبية التي تطحنها الأزمة ويرهقها الاضطهاد والاستغلال إلى البحث عن القوى التي تحتضن توتراتها هذه، وهذا ما قوّى القوى الأصولية، وعزّز التشققات من خلال الصراعات الهامشية العنيفة.
والمطلوب اليوم هو مواجهة الإمبريالية بمشروع ديمقراطي، والماركسية معنية بأن تقود النضال الديمقراطي إلى منتهاه الاشتراكي.



6. كانت لديكم مبادرات لتقريب وجهات النظر بين اليسار السوري والعربي , من اجل التنسيق والعمل المشترك, هل كانت هناك نتائج ايجابية؟ وما هي برأيكم أسباب ضعف العمل المشترك بين تيارات والأحزاب اليسارية في العالم العربي, محليا وإقليميا؟


مع الأسف أن المحاولة كانت فاشلة، فلم تفضِ إلى أية نتيجة رغم البيان الذي صدر في سبتمبر سنة 2006، وكان يحمل آمالاً عريضة بتحقيق خطوات ملموسة، ورغم اندفاع مختلف الأطراف التي شاركت في اللقاء الأول والقوى الأخرى التي انضمت للمحاولة. حيث لم نستطع بلورة تصور عمل ولا رؤية تعبّر عن الأهداف التي نسعى إليها، كما لم نستطع عقد لقاء آخر.
ولهذا كان طبيعياً أن ينتهي إلى الفشل دون أن نحقق شيئاً غير البيان الذي صدر في البدء، وبعض التواصل.
لماذا؟ ربما لا تتوقف المسألة عند هذه التجربة فقط، فإن كل المحاولات المحلية والعربية تقريباً وصلت إلى المأزق ذاته. أي العجز عن تطوير الخطوة الأولى إلى عمل مستمر. ومن خلال ملاحظة معظم التجارب في الوطن العربي سوف نلمس بأن السبب واحد في المآلات التي تفضي إليها. فمن الواضح بأن الوضع ليس ناضجاً للتفاعل والحوار والعمل المشترك. وأن ميول الانغلاق والتمحور حول الذات، إضافة إلى اختلاف الأولويات أحياناً، أو التمسك بإرث تاريخي، هي التي تبقي العمل متوقفاً عند صدور بيان أول، ومن ثم بعض الحوارات التي هي ليست ذات معنى، وبالتالي تفاقم الخلافات.
فالمتابع لكل المحاولات التي تعلقت بتوحيد اليسار في البلدان العربية سوف يستغرب انفراطها السريع، أو استمرارها دون فاعلية. ويمكن هنا أن نبدي بعض الملاحظات على هذه المحاولات من أجل توضيح الإشكالية، وكتقييم لتجارب عديد متكررة.
فأولاً: سنلمس بأن بداية كل المحاولات انطلقت من "دعوة اليسار"، وكلمة اليسار هنا تعني كل من يعتبر أنه يساري أو كان في حزب يساري. بمعنى أن الأساس الذي يجري البدء منه هو الماضي، أي كل من كان يسارياً بمعنى ما. ولهذا كانت الدعوة توجه إلى خليط من القوى والأفراد الذين لم يبق ما يجمعهم سوى الماضي اليساري. حيث أنهم في الحاضر مختلفون بل ومتناقضون، وكان هذا في أساس فشل الكثير من المحاولات التي طُرحت لتوحيد اليسار.
لقد تفكك الماضي اليساري ولم تعد المحدِّدات السابقة قائمة، حيث هناك تيار عريض تحوّل إلى الليبرالية، وأصبح يؤسس نشاطه على انتصار الرأسمالية أو استمرار الرأسمالية القائمة (رغم أنها رأسمالية تابعة)، وهناك من حصر نشاطه في حدود النضال الديمقراطي ومن أجل دولة ديمقراطية، بينما هناك من يسعى إلى تحقيق الاشتراكية، أو سلطة العمال. وأيضاً هناك من صمم على الطريق الإصلاحي ولا يريد لا الثورة ولا العنف، وهناك من يدعو إلى الثورة والصراع الطبقي. هناك من لا يطرح التغيير أو يطرح تغيير شكل السلطة الدكتاتوري، وهناك من يطرح تغيير السلطة كسلطة طبقية. هناك من يريد النضال السلمي ويرفض العنف وهناك من يبدأ من الثورة والمقاومة.
كذلك هناك من يعتبر بأن مواجهة الإمبريالية والدولة الصهيونية أولوية وهناك من يعتبر الدكتاتورية والإسلام السياسي أولوية. هناك من هو مع المقاومة وهناك من هو ضدها.....إلى آخره من القضايا التي توضح بأن التوافق الشكلي انطلاقاً من التسمية (وهذا هو أفظع سمات المنطق الشكلي) يخفي صراعاً طبقياً بين تيارات تمثل الرأسمالية التابعة أو الرأسمالية الوطنية (الوهمية في الواقع)، أو تمثل البرجوازية الصغيرة بتقلباتها وطموحاتها المزيفة وأوهامها، وتيارات تحاول أن تمثل العمال والفلاحين الفقراء. أو كذلك يمكن أن يكون بعضها تمثيل لصراع "حِرَفي" من الدرجة الأولى في صفوف البرجوازية الصغيرة.
ولهذا لم يكن يفيد التوصل إلى توافق على أهداف، ولا الحماس لتشكيل كتلة اليسار، ولا كذلك الحل الشكلي لأزمة عميقة يطرحها الواقع تتعلق بالضرورة التاريخية لدور اليسار.
وثانياً: سوف نلمس بأن كل الجهد كان منصباً على التوافق على الأهداف، لكن الأهداف وحدها لا تكفي. لهذا كنا نلمس الحماس قبل قيام التحالف، والحماس في بلورته، ثم ما يلبث كل هذا الحماس أن يتلاشى بعد إذ. فالمسألة لا تتعلق بإعلان برنامج، الأهم هو السياسة (أو الرؤية) التي تتبع ذلك. وأقصد أن البرنامج هو لإعلان الأهداف، لكن تحقق الأهداف يفترض النشاط العملي، الممارسة، السياسة، هنا كان يبدو واضحاً بأن ليس من رؤية عملية تحكم الكل. وهو الأمر الذي كان يدفع إلى اليأس والانزواء.
إن هدف التحالف الأساس هو قيادة النضال من أجل التغيير، وهذا يفترض رؤية للمهمات العملية، أي كيف يمكن الانخراط في نشاط الطبقات؟ وكيف يمكن تنظيم نشاطها؟ أو كيف يمكن دفع العمال والفلاحين الفقراء (وأنا هنا أتحدث عن طبقات في المجتمع وليس في الذهن) إلى الاحتجاج وإعلاء الصوت، وبالتالي التظاهر والإضراب؟ وكيف يمكن دفعهم لتشكيل نقابات واتحادات؟ كيف يمكن تنظيم النشاط النسائي من أجل الحقوق؟ وكذلك الشباب؟ لأن الهدف هو الانغراس وسط الطبقة وليس انتظار التحاقها بهذا التحالف لأن اسمه يساري.
إن المشكلة هنا تتحدد في أن الأحزاب المشاركة في هذا النشاط تقوقعت في صيغة وحيدة للعمل، وهو إصدار البيانات، والتركيز على "النشاط السياسي" الذي لا يعني سوى العلاقات السياسية (أي العلاقة بين الأحزاب)، والتعامل دون إستراتيجيات للعمل، وبالتالي بردود أفعال. لهذا لن تستطيع في إطار التحالف فعل أكثر من ذلك. رغم أن عملها يجب أن يتركز على تطوير نشاط الطبقة التي يعتبرون أنهم مدافعون عنها، انطلاقاً من أن الصراع هو صراع طبقي وليس "نضال سياسي".
هنا كنا نلمس بأن نشوة الانتصار بتحقيق تحالف يساري كانت تتبدد بعدئذ، أي حين الانتقال إلى النشاط. حيث ليس من رؤية لنشاط.
وثالثاً: المسألتان السابقتان تأسستا على أساس أن التحالف أو التوحيد ينطلق من الوصول إلى توافقات سياسية بالأساس، وليس على "رؤية فكرية". هذا الأمر كان يحيّد تحديد طبيعة اليسار، كما كان يهرب من ضرورة الغوص في الجانب الفكري بحجة أن التحالف هو تحالف سياسي. وكان يسمح بخلط المتناقضات. لكن لأنه كذلك كان يصاب بالشلل العضوي، فلا يتقدم أكثر من الخطوة الأولى.
وإذا كان نجاح التحالف يفترض الارتباط بالطبقة التي يعبّر عنها فإن غياب الإطار الفكري كان يجعل العمل خارج البحث "النظري" من أجل تحديد السياسات الضرورية لذلك.
لهذا لم يكن في الوارد حل المشكلات "النظرية" التي يعيشها اليسار، التي هي وحدها ما يؤسس لتحول فعله من مستوى جزئي (سياسي ديمقراطي، شكلي) إلى مستوى عميق يرتبط بالصراع الطبقي.
وهنا كانت الخلافات أعمق، وكان يجري الهروب منها رغم ضرورتها. حيث أن هناك من هو "يساري" لكنه ليس ماركسياً، وهناك من كان ماركسياً وتخلى عن ذلك. ومن هو "ماركسي" لكنه مع البرنامج الرأسمالي. وفي هذا الوضع لا يمكن التوافق إلا على ما هو ديمقراطي. وأحياناً قليلة يمكن أن تضاف المسألة الوطنية أو "المطالب الشعبية"، لكن كمواقف وليس كممارسة، التي تبقى في حدود المطلب الديمقراطي.
وإذا كان التبرير في ذلك هو تحقيق التحالف، فإن الجوهر هنا هو أن هناك أزمة وعي، جعلت من الصعب الغوص في نقاش القضايا النظرية، لا قضايا الماركسية ولا قضايا الواقع ذاته، حيث أن قيمة النظرية هي في إضاءة الواقع، فهم الواقع. ودون فهم الواقع ليس من سياسة، أقصد ليس من ممارسة سوى الممارسة العفوية الانفعالية وردود الفعال.
بمعنى أن قصوراً في النظرية كان يحكم الأحزاب وبالتالي التجارب "الوحدوية" التي كانت تحاولها. وكان يتوضح بأن النظرية مهملة، ولا حاجة لها، رغم أن الحل نظري قبل أن يكون عملياً. لأن المطلوب هو بلورة رؤية للعمل.
في التجربة التي حاولناها حددنا الأسس التي ننطلق منها في دعوة الأحزاب، ولقد تمثلت في ألا يكون ليبرالياً أو مشاركاً في سلطة، وأن يكون مناهضاً للإمبريالية ويسعى لانتصار العمال والفلاحين الفقراء، وليس متحالفاً مع القوى الأصولية. وبالطبع أن يكون ماركسياً. وبالتالي كان الإشكال في النقطتين الثانية والثالثة، حيث بدا الاهتمام العملي ، بعد إصدار البيان الذي يدعو إلى تحالف القوى والأحزاب الماركسية، محدوداً. كما بدت الرغبة في الحوار لبلورة رؤية ضعيفة. ولهذا لم يتحقق شيء.
إن الوضع سريالي إلى حدّ ما. لكنه في الواقع مأساوي إلى حد كبير. حيث أن كل القوى باتت هامشية ودون قاعدة اجتماعية، وتشهد تشتتاً فكرياً هائلاً، والأخطر هو تراجع الوعي الماركسي، ومن ثم الانسياق خلف "الموجة الديمقراطية" وتجاهل كل المسائل الطبقية. وبالتالي التمحور حول الديمقراطية والنضال الديمقراطي. رغم أن أزمة العمال والفلاحين الفقراء، وكل الفئات الوسطى، في تعمق، وميلها للدفاع عن ذاتها يتصاعد. بمعنى أن الظرف الموضوعي يتهيأ لكن المشكلة فينا نحن.

7.تلتقي وتتعاون بعض الأحزاب الشيوعية العربية والشخصيات الماركسية العربية بالإسلام السياسي والأنظمة الدكتاتورية .. ما سبب ذلك؟


يمكن أن يوجه هذا السؤال لتلك الأحزاب، لكن يمكن ألا نعمم هنا، فهناك أحزاب شيوعية مشاركة في السلطة في نظم دكتاتورية وكذلك في نظم "ليبرالية". وليست الدكتاتورية هي مقياس محدِّد وحدها، هناك تعقيدات سياسية يجب أن تلحظ من أجل تجاوز التبسيط الذي يحدث هنا. ورغم أنني ضد النظم الدكتاتورية وضد كل دكتاتورية، فإنني أحاول رؤية المسألة في إطار الصراع العالمي والصراعات الطبقية المحلية. وأرى بان المشكلة في هذا المجال تتمثل في طبيعة فهم التحالف، حيث مورس هذا المفهوم انطلاقاً من أنه يعني التبعية والتوافق المطلق، وبالتالي غض النظر عن الاختلافات والتناقضات.
وإذا حاولت الحديث عن علاقة أحزاب شيوعية مع نظم اليوم أشير إلى أن المسألة الخطرة هي أن هذه العلاقة تقام مع نظم ليبرالية سواء كانت دكتاتورية أو كانت "ديمقراطية" (مثل المغرب مثلاً). وإذا كانت تساق بعض المبررات سابقاً فإن المسألة اليوم باتت أقرب إلى الفضيحة. وهو ما بات يعني أن هذه الأحزاب قد أصبحت جزءاً من نظم ليبرالية، وبالتالي لا يمكن توصيفها سوى أنها أحزب ليبرالية بغض النظر عن التسمية والخطاب.
أما بخصوص العلاقة مع الإسلام السياسي فيجب أن نميّز هنا كذلك، حيث هنالك فرق بين تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين وحزب الله وحماس و"المقاومة العراقية". فحين تكون هناك مقاومة لقوى الاحتلال تكون عنصراً من عناصر النظر إلى مختلف الأطراف دون تجاهل كل العناصر. ولهذا من الطبيعي أن يقام شكل من أشكال العلاقة مع حزب الله أو حماس أو المقاومة العراقية ذات الطابع الإسلامي. فهنا تحالف ضد قوى الاحتلال، لكن هذا التحالف لا يعني تجاهل كل الاختلافات، على العكس يجب أن تكون واضحة أو يكون الصراع "الأيديولوجي" أساسي هنا، لأنه يجب أن تكون الحدود واضحة من جهة، ويجب أن توضح طبيعة هذه القوى، والحدود التي يمكن أن تقاوم ضمنها، من جهة أخرى.
هنا المحدِّد هو السياسي مع استمرار الصراع الأيديولوجي، وإلا كان البديل هو التحالف مع القوى المحتلة أو التعامل بالتساوي بينهما، وهما أمران خاطئان.
لكن يمكن الإشارة إلى طبيعة الإشكالية التي تحكم النظر لدى العديد من قوى اليسار، أو التي كانت في اليسار، حيث انفرزت إلى موقفين، الأول الذي يميل إلى الليبرالية أو أصبح ليبرالياً، الذي لمس الجانب الأيديولوجي في الحالة معتبراً أنه الأساس فيها. وهو الأمر الذي يجعله يعتبر أنها العدو. وهو هنا كان ينطلق من "الديمقراطية" والحداثة والعلمانية، لكنه جعلها العدو الرئيسي، مما كان يقرّبه من "الغرب"، أي من السياسات الأميركية التي تطرح أنها تقاوم الإرهاب الأصولي من أجل الديمقراطية. وهنا سقط في حضن الرأسمالية، وهادن السياسات الإمبريالية. والموقف الثاني الذي ينطلق من أن صراعه الأساسي هو ضد "الإمبريالية"، وبالتالي وجد في هذه القوى حليفاً. ولقد تعامل من منطلق التحالف الرائج، والذي يعني التبعية في جوهره لأنه يرفض النقد وتبيان الاختلاف وحتى التناقض، وأصبح البعض منظراً لتلك القوى.
وسأشير، رغم هذا التناقض البادي بين الموقفين، إلى أن كل منهما ينطلق من الأساس ذاته: المنطق الصوري. وهو المنطق الذي يفرز المواقف إلى لونين، أبيض وأسود، وعلينا أن نقف هنا أو هناك بلا مواربة. لهذا كان موقف كل منهما يحدد موقعه بشكل مطلق، وينطلق منه لرفض معاكسه، فليس هنا سوى الموقف ومعاكسه، لأن هذا هو منطق العقل الأحادي. ولهذا يعجز هذا المنطق المتحكم بالطرفين عن تلمس تعقيد التناقضات، وتشابكها وتعددها، وبالتالي يعجز عن تحديد تكتيك صحيح ضمن كل ذلك دون أن يتخلى عن رؤيته. فإذا كان الموقف الليبرالي يعتبر بأن الأصولية هي مركز صراعه فإنه يعجز عن فهم أساس استمرارها، المرتبط بتعقيدات التطور التاريخي الذي فرضته السيطرة الاستعمارية، ثم ما بعدها، والذي منع انتقال مجتمعاتنا إلى مرحلة الحداثة عبر تصنيعها. مما أبقى البنى التقليدية والوعي التقليدي، الذي يعود كلما انتكست حركة الصراع من أجل التطور. وبالتالي يتجاهل خيبة اليسار (الذي كان منه) عن تحقيق التطور، ومن ثم انهياره. لهذا عليه أن يلمس الأساس العام الذي فرض استمرار الظاهرة، وهنا يجب أن يكون موقفه واضحاً من الإمبريالية، والسيطرة الرأسمالية، فهي من يمنع التطور، ويبقي هذا الوعي. وإذا كان الموقف المعادي للإمبريالية يندفع نحو هذه القوى فإن السؤال الضروري هنا هو كيف يمكن تبرير ليبرالية هذه القوى التي تصارع الاحتلال؟ وكيف يمكن مقاومة الاحتلال والقبول بالسياسات الاقتصادية التي يريد فرضها من خلال الاحتلال؟ أو مقاومة الاحتلال بوعي يقود إلى تفكك المجتمع عبر تصعيد "الإرث التاريخي" في الصراع بين الطوائف، أو انطلاقاً من موقف أصولي متشدد يرفض كل مخالف؟
إن العمل الماركسي يفترض تحديد الواقع أولاً، وطبيعة القوى الطبقية ثانياً، ومن ثم تحديد التناقضات، الرئيسي والثانوي ثالثاً، قبل تحديد السياسات والتكتيك الضروري في العلاقة مع القوى الأخرى. وبالتالي تحديد أشكال الصراع على مختلف جبهات التناقضات. وهو هنا يمكن أن يتوافق ويتناقض من الطرف الواحد،فالمسألة هي مسألة مصالح طبقية تفرض توافقاً لكنها تفرض تناقضاً كذلك. الواقع متعدد، والتناقضات متعددة، وأشكال الصراع متعددة كذلك، ولا يمكن أن يفيد المنطق الصوري هنا في شيء. وهو الأمر الذي يفرض تجاوز التبسيط، و"وحدنة" التناقض، وبالتالي النظر الأحادي لها التناقض.
 


8.تطرحون ماركسية - عربية - بمفهومها القومي ألا يتناقض ذلك مع الفهم الإنساني للماركسية؟


ربما يشير السؤال إلى استنتاج مما أطرح، وهو استنتاج متسرع، حيث هناك فارق كبير بين أن تتناول الماركسية كطريقة في البحث والاستنتاج واقعاً معيناً وبين أن "توصم" بطابع هذا الواقع. ربما كنت في بعض المراحل قد استخدمت تعبير الماركسية العربية، ولكن تبدو لي المسألة أعقد من هذا التبسيط. لقد درج تعبير الماركسية العربية في مرحلة معينة من قبل ماركسيين عرب كبار مثل ياسين الحافظ والياس مرقص وناجي علوش وعبد الرحمن منيف واحسان مراش، لكن يجب أن نفهم مبررات هذا الاستخدام الذي لم يأتِ عبثاً. فقد جاء كرد على طابع الماركسية الذي درج مع الحركة الشيوعية العربية، هذه الماركسية التي اسماها الياس مرقص الماركسية السوفيتية، والتي كانت مبنية على تحليل "العلماء السوفيت" انطلاقاً من كونهم هم "منظري الماركسية"، والتي كانت تتعارض مع ما يطرحه الواقع العربي من أهداف ومطامح (مثل الوحدة العربية وفلسطين)، بحيث بدت كبنية أيديولوجية "خارجية". هذه المسألة طرحت ضرورة "تعريب" الماركسية، أو ضرورة "تبيئة" الماركسية (كما أشار احسان مراش في عنوان كتاب له)، بمعنى ضرورة فهمها للواقع القائم في الوطن العربي. وكانت هذه ضرورة، ولازالت كذلك. وحين تعاملت مع هذا التعبير تعاملت معه على هذا الأساس، لكن نتيجة بعض التحسسات الموجودة في الوطن العربي نتيجة عدم تطابق الدولة والأمة، وبالتالي تحوّل "الجنسية" إلى سمة موحدة للأغلبية القومية والأقليات، بحيث يجري تعريف المواطن بالانتماء إلى الدولة الأمة (التي ستكون في كل الأحوال عربية مثل الفرنسية أو الألمانية أو الإنجليزية، وهنا يصبح هذا التعبير "محايداً" وبالتالي يسم الكل)، بت أميل إلى استخدام تعابير مثل الماركسية في الوطن العربي، وأقصد الماركسيين الذين ينشطون في الوطن العربي.
أما الماركسية فهي فكر، والفكر عالمي بالضرورة، ولا يمكن حصره في أمة. لكن يجب أن نلاحظ الفارق بين الفكر بالمعنى المجرّد والتوضع الفكري في تكوين معين. أقصد بأن الماركسية هي تجريد، وهي بالأساس منطق تفكير (وهذا هو الطابع الفلسفي فيها)، إضافة إلى منظومة من القوانين والمفاهيم والمقولات، وإلى الرؤى للواقع والتاريخ، وهي بهذه السمات فكر، لكن هذا الفكر هو المدخل الذي يوجه "العقل" لفهم الواقع المحدَّد، وبالتالي فإن نتاج هذه العملية هو الفكر الخاص بأمة معينة وبالعالم. وهذا ما يمكن أن نستخدم إزاءه تعبير أيديولوجية، التي تعني الأفكار والوعي المعبر عن مصالح طبقية تخص طبقة عاملة معينة في أمة محدَّدة، وفي زمن محدَّد. هنا يصبح الفكر جزءاً من الفعل السياسي القائم على الصراع الطبقي، وبالتالي لا يمكن له أن يكون مجرّداً، بل يجب أن يطرح مشكلات واقعية ويتناول أهداف محدَّدة. هذا المستوى الثاني هو ما كان يُقصد بالماركسية العربية، لأن هؤلاء الذين طرحوا التعبير كانوا يعون الفارق بين المجرد والمشخص.
ولهذا ما أطرحه هو أن الماركسية هي منهجية، طريقة تفكير، هي الجدل المادي، الذي يفرض علينا ضرورة أن نبحث في الواقع العالمي الراهن، وأن نفهم واقعنا الخاص، من أجل أن نستطيع بلورة بديل يعبّر عن العمال والفلاحين الفقراء في الوطن العربي. وإلا ظللنا في "التجريد"، وظل الواقع عصيّ على فهمنا. بالتالي الماركسية هي الماركسية وليس هناك لون قومي لها مادامت هي الفكر، ككل التيارات الفكرية التي لا يمكن وصمها بطابع قومي معين. لكن الماركسية تطرح مشروعاً للتطور وتحقيق مصالح العمال والفلاحين الفقراء، وهؤلاء متعينون وليسوا تجريداً عاماً، وإذا كان مفهوم الطبقات مفصلي في الماركسية ولا يمكن تجاهله فإن مفهوم الأمة يجب أن يوضع في مكانه في إطار التطور التاريخي. بمعنى أن العالم هو طبقات وأمم وليس طبقات فحسب. وهذه مسألة إشكالية في الماركسية التالية للينين، وفي الماركسية السوفيتية خصوصاً، لأن الميل "الإرادوي" لتجاوز الوضع الذي كان قائماً في الاتحاد السوفيتي كونه يتشكل من أمم، كما لتحويل الدولة السوفيتية كمركز للصراع العالمي وكمقرر لسياسات الأحزاب الشيوعية، كان يفرض الميل لتجاهل مسألة الأمة وتشويه المسألة القومية، وبالتالي الحديث عن أممية مفرغة من وجودها الموضوعي، كون الأممية (حتى بالمعنى اللفظي لها) هي تعبير عن اتحاد أمم، وبالتالي تحويلها إلى كوزموبوليتية (مواطنية عالمية موهومة). لهذا أصبحت السياسة التي تنبني على "الماركسية" تفترض تجاهل مسألة الأمم وكل المسألة القومية، وتنطلق من شن هجوم أيديولوجي ضد التعصب القومي. وبالتالي تقع في مستنقع السياسات الاستعمارية التي فرضت التجزئة في الوطن العربي، حيث ليس من نضال "أممي" مجرّد، بل هناك نضال أممي يجري في واقع معين، وهذا الواقع يمكن أن يكون دولة أمة، أو أمة مستعمَرة، أو امة مجزأة. ولهذا تأسست هذه "الأممية الزائدة" على أساس الدولة القطرية، وبالتالي بدل أن تعزز الأممية عززت التجزيء والقطرية، وأصبحت في صراع مع كل الميول القومية.
لهذا حذار من الاستمرار في هذا الفهم المبتذل لتصور الماركسية للمسألة القومية، الذي يجب أن يُشدَّد النقد ضده لأنه كان من أسباب فشل الحركة الشيوعية في البلدان العربية. الماركسية التي تنطلق من صراع الطبقات تفهم بأن هذا الصراع لازال يجري في أمم، لهذا أشار ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي إلى أن الطبقة العاملة تناضل ضد برجوازيتها أولاً، ولهذا كرر إنجلز في المقدمات التي كتبها للبيان الشيوعي التأكيد على ضرورة المسألة القومية: الاستقلال القومي والوحدة القومية، فالعالم، إلى اليوم، هو عالم أمم، وليس من الممكن تجاوزه إلا بتحققه كذلك. وبالتالي على "الماركسيين" الكف عن "شيطنة" القومية والمسألة القومية لتبرير سياسات كانت تقوم على التبعية للمنطق السوفيتي الذي كان يتحاشى القومية، وعلى التذيل للبرجوازية التي كانت تتشكل في البلدان العربية، والتي كانت تعي بان وجودها قائم على وجود الدولة القطرية، فهذه هي المساومة التي أقامتها مع الرأسمالية الأوروبية آنئذ. وبالتالي كانت تجعلهم يتكيفون مع النمط الرأسمالي العالمي وهم يعتقدون بأنهم يناهضونه، ويسعون إلى تغييره.
ما أطرحه، وما أسميته أنت المفهوم القومي لماركسية عربية، هو انه لا يمكن لماركسي أن لا يرى الواقع بأبعاده المتعددة، والمسألة القومية العربية هي احد هذه الأبعاد المهمة. فالعرب أمة تشكلت في التاريخ وليس في الأوهام، وتفككت في مراحل عديدة، وعملت الرأسمالية وهي تسعى للاحتلال والسيطرة على رسم تصور إستراتيجي لما يجب أن يكون عليه الوطن العربي، سواء فيما يخص التطور الاقتصادي أو التشكيل "الدولتي"، لأنها كانت تهدف إلى منع تطوره الصناعي (وهو ما ظهر في مواجهتها لتجربة محمد علي باشا في مصر والمنطقة)، وعدم تحوّله إلى دولة موحدة قوية في موقع إستراتيجي يمكن أن يشل سيطرتها على آسيا (طريق الهند). هذا الأمر هو الذي فرض تكريس التجزئة التي كانت قائمة في نهاية الدولة العثمانية من جهة وتجزيء الباقي من جهة أخرى، ثم إقامة كيان حاجز هو الدولة الصهيونية. وكما اشرنا فإن في عمق هذا الصراع مصالح طبقية تخص الرأسمالية الأوروبية الناهضة.
وهو الأمر الذي جعل الصراع الطبقي يتداخل مع الصراع القومي بحيث ليس من الممكن الفصل بينهما. ولهذا ليس على الماركسي الذي يريد هزيمة الرأسمالية سوى أن يجعل المسألة القومية جزءاً جوهرياً من سياساته. فليس من إمكانية لبناء صناعة تؤسس لتعامل متكافئ على الصعيد العالمي دون السوق القومية، وليس من هزيمة للسيطرة الإمبريالية إلا من خلال الصراع في الإطار العربي (ببعده العالمي).
أظن بأن هذا الطرح يتوافق مع الفهم "الإنساني" للماركسية، ما دام هدف ذلك هو تحرير الإنسان وتطوير قدراته.



9. ما هو الموقف الماركسي تجاه مسألة الأقليات القومية في العالم العربي ؟ وهل تؤيد حق تقرير المصير لها والانفصال عن الدول العربية التي تعيش فيها؟ الأكراد في سوريا والعراق مثلا.


ربما كانت مسألة الأقليات القومية من المسائل التي جعلت النقاش حول المسألة القومية العربية مشوشاً، حيث أصبح حق العرب في الوحدة يعني هضم حقوق الأقليات القومية التي تعيش في الوطن العربي، وأصبح حتى الحديث عن وطن عربي يعني تجاهل وجود هذه الأقليات، وبالتالي بات الميل لشطب أو تمييع هذا التحديد (بالقول مثلاً العالم العربي، رغم أن ذلك لا يلغي ما يتحسس منه البعض بحجة الأقليات القومية، لأنه يخص العربي بتحويلهم من امة إلى عالم، وبالتالي يبقى الطابع العربي هو المحدِّد لهذه المنطقة سواء أسميت وطن أو عالم). وربما كانت الميول لدى جزء من الحركة القومية العربية لتجاهل وضع الأقليات أو حتى إلى ممارسات "تعصبية" ضدها، هو الذي يدفع إلى ذلك، لكن الحركة الشيوعية التي تجاهلت المسألة القومية العربية تجاهلت كذلك مسألة الأقليات القومية، واستعاضت عن ذلك بالدولة القطرية التي باتت هي "السمة القومية الموحدة". أي بدل العرب والأكراد نقول العراقيين أو السوريين، وبدل العرب والأمازيغ نقول المغاربة أو الجزائريين. ولتتحول هذه الدول إلى "أمم" تتكون من أصول متعددة قومياً.
الآن، حين أتحدث عن المسألة القومية فإنني أتحدث عن شقين: المسألة القومية العربية التي تتعلق بالتوحيد القومي، ومسألة الأقليات القومية وأجزاء من أمم تعيش في الوطن العربي أو في مناطق ضُمت إلى دولة من دوله. حيث أن حل مشكلة الأغلبية لا يجب أن يهمل مشكلة الأقليات. وحق القومية الأكبر في الوحدة والاستقلال لا يجب أن يلغي حقوق الأقليات. وانطلاقاً من ذلك أعتقد بان مسألة الأقليات القومية في الوطن العربي تنقسم إلى شقين، الأول: هو ذاك المتعلق بأجزاء من أمم وقعت مع التقسيم الاستعماري في حدود دولة من الدول العربية، وهنا بالخصوص الأكراد، والثاني هو ذاك المتعلق بالأقليات القومية التي سكنت ولازالت على الأرض العربية.
في الحالة الثانية، لاشك في حق هذه الأقليات، طبعاً إضافة إلى الحق الطبيعي في المواطنة، هذا الحق الذي يشمل كل من يحمل جنسية الدولة الأمة، حقها في التعبير عن لغتها وثقافتها ومدارسها وتراثها، وصولاً إلى "الحكم الذاتي" أو أي شكل للإدارة الذاتية.
في الحالة الأولى، يكون من حق هذه الأجزاء أن تكون جزءاً من دولتها القومية.
طبعا هناك حالات أخرى مثل جنوب السودان حيث يشكلون مجموعة قومية، وهناك مجموعات هي استمرار لمراحل حضارية تاريخية مثل الآراميين والسريان والكلدان والأمازيغ، هناك التباس في العلاقة بينهم وبين العرب في سياق التطور التاريخي. وبالتالي يمكن التوافق هل يمكن وضعهم في إطار الأقليات القومية أم هم جزء من العرب.
من هذا المنطلق فإن حق تقرير المصير هو لأجزاء الأمم التي هي جزء من دولة عربية، أما الأقليات القومية فليس من حقها ذلك لأنه حق يخص الأمم، وهذه مسألة يجب الانتباه إليها لأن تجاهل أن الماركسية تطرح حق تقرير المصير للأمم يقود إلى فوضى وتفكك، وبالتالي لا يعود من معنى لهذا الحق. لقد صيغ هذا الحق كحق للأمم لكي تستقل وتتوحد.
أما حول الأكراد، ورغم أشارتي السابقة حول كونهم جزءاً من أمة، أشير هنا إلى أنه ليس كل وضع الأكراد متشابه، فهم في العراق على أرضهم التاريخية(رغم بعض الخلافات حول الأرض)، لكنهم في سورية ليسوا كذلك لأن وجودهم في الجزيرة السورية حديث، وجزء كبير منه في السنوات الأربعين الماضية. وبالتالي فإن الحل في سورية هو غيره في العراق. في العراق من حقهم الاستقلال طبعاً، أما في سورية فهم أقلية قومية وبالتالي لهم حقوق الأقلية القومية.
سأشير هنا إلى أن المسألة القومية في الشرق متشعبة نتيجة طابع الجغرافيا السياسية التي تشكلت خلال عشرات العقود وخصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى. لهذا فقد تجزأ العرب، وضمت تركيا ما بعد الإمبراطورية أجزاء من أمم مثل الأكراد والعرب والأرمن، وكذلك إيران. وفي هذا الوضع يبدو أن العرب والأكراد هم من سُحقت قضيته القومية. وبالتالي فإن الأفق المستقبلي يجب أن يتضمن حلاً للمسألة القومية بين شعوب هذه الأمم، وبالأخص من قبل العمال والفلاحين الفقراء، وهو حل يقوم على إعادة بناء الجغرافيا السياسية على أساس مبدأ الدولة الأمة. وهذا الوضع الذي يجب أن يتوافق على أساسه ماركسيو هذه الأمم، وأن يؤسسوا تحالفهم المشترك من أجل انتصار الاشتراكية في كل الشرق لبناء شرق جديد: اشتراكي.
 


10. الكثير من الفصائل اليسارية العربية تدعم - المقاومة العراقية - بالرغم من طابعها الإسلامي-البعثي القومي والديني المتعصب والعنيف , وتخون معظم فصائل اليسار العراقي لإدانتها تلك - المقاومة- , ما رأيكم في ذلك؟


المشكلة أن المسألة التي تناقش هنا هي الموقف من المقاومة وليس الموقف من الاحتلال، ولكي أقطع الطريق على من يقرأ سطر ويتجاهل الموضوع أقول بأنني ضد كل أشكال الإرهاب الذي يمارس ضد العراقيين، وأظن أن جهات متعددة تقف وراءه من بعض أطراف "المقاومة" إلى بعض أطراف العملية السياسية إلى الولايات المتحدة التي دربت منذ ما قبل الاحتلال أفراد "عراقيين" على ممارسة الإرهاب، إضافة إلى الشركات الأمنية التي هي في خدمة الاحتلال. كما أنني نبهت من الطابع الطائفي للمقاومة منذ بداية سنة 2004، ونبهت من خطر القاعدة والزرقاوي، ومن الانحدار بالمقاومة إلى صراعات طائفية (والمقالات موجودة على موقعي الخاص في موقع الحوار المتمدن لمن يريد العودة إلى ذلك).
لكنني أؤيد المقاومة، وأرى أنه ليس ماركسياً من لا يؤيد مقاومة الاحتلال. إن مقاومة الاحتلال هي أساس رؤية الوضع، وأساس تقييم القوى والأحزاب. إنها حد أول كما يمكن أن أنبه. ومن هذا المنطلق فإن الصراع يُفرَز على أساس وجود الاحتلال. المسألة لا تحتمل الحيادية هنا، ولا يمكن أن ننظر إلى أي من السياسات الأخرى إذا لم تقم على أساس مقاومة الاحتلال، حيث إن تحقيق الاستقلال هو الأولوية بالضرورة.
وإذا كنت لا أستخدم كلمات مثل التخوين لأنني أعتقد بأنها تقع في مجال القانون ولا مكان لها في السياسة، فإنني معني بتحليل الأسباب التي جعلت الحزب الشيوعي العراقي يندمج في الترتيب الأميركي لوضع العراق منذ البداية، وأن يركز الهجوم على المقاومة كونها إرهاب، خالطاً بين الإرهاب الذي يحصل ومقاومة القوات الأميركية والقوات العراقية التي تبنى للحفاظ على المصالح الأميركية. وبالتالي مبرراً مشاركته في الوزارات وهيئات الدولة، الطائفية من جهة (كونها قامت على أساس المحاصصة الطائفية) والخاضعة للاحتلال من جهة أخرى. هل يمكن أن ننظر بحيادية للسيطرة الأميركية وللنهب الذي تمارسه في العراق؟
هذا الوضع سوف يسمح لمن هم ضد الاحتلال تخوين هذا النمط من اليسار، الذي برأيي لم يعد يساراً ولا شيوعياً. فإذا كان المشروع الشيوعي قام على أساس تغيير النمط الرأسمالي ومناهضة الإمبريالية بالمعنى العام (وأنا هنا أشير إلى عمومية الأفكار لأن الوضع لم يكن كذلك إلا جزئياً في الحركة الشيوعية العربية كما أشرت قبلاً) فإن الأمر الآن هو التكيف مع سيطرته، واخطر مع احتلاله، هذه المسألة التي كان الموقف الماركسي منها حاداً إلى أبعد حد. لقد انتهى نظام صدام حسين ولقد تشكل الوضع الجديد على أساس الوجود الاحتلالي من جهة، وعلى سيطرة مافيات طائفية من جهة أخرى، فكيف يمكن أن يكون "الماركسي" مشاركاً في هذا الوضع؟
من هنا أقول بأن هؤلاء ليسوا ماركسيين حكماً، ولم يعودوا من القوى التي تناضل ضد الرأسمال والإمبريالية وتسعى إلى الاستقلال. وهم، كما في تاريخ الحركة الشيوعية منذ ما بعد فهد وسلام عادل، يمثلون فئات من البرجوازية الصغيرة التي تميل إلى التكيف مع سيطرة الرأسمال. ولقد كانوا دوماً مع "التطور التدرجي" المنطلق مما هو قائم ولم يكونوا مع التغيير إلا كاستثناء مفروض عليهم.
لهذا سيكون موقف معظم اليسار العربي في معظمه من "معظم فصائل اليسار العراقي" طبيعياً حينما يكون اليسار العربي في صراع مع الإمبريالية ومع التحرر.
أما بالنسبة للمقاومة العراقية فإن مشكلتها أنها اتخذت طابعاً دينياً، وبدت أنها مرتبطة بأعضاء من حزب البعث الذي مثّل النظام الذي يُنظر إليه كأقسى الأنظمة القمعية. وطبعاً لقد أشرت إلى أنني ضد الميل التعصبي الطائفي والديني والقومي، ولا أرى في القاعدة قوة مقاومة بل هي جزء من القوى التي تسهم في تكريس الاحتلال من خلال تركيزها على المنطق الطائفي المغرق في تعصبه وتحويلها الصراع ضد الشيعة إلى صراع يحظى بالأولوية (وهذا طبيعي وحتمي لمنطق تشكل قديماً على أساس تكفير كل من يخرج على الملة)، فهذا ما يريده الاحتلال، أي تفكيك المجتمع إلى طوائف وملل، وتحويل الصراع فيما بينها إلى صراع يومي. ونتيجة كل ذلك تراجع وضع المقاومة في السنوات الثلاث الأخيرة.
لكن، ألا يجب أن نسأل، لماذا كانت هذه القوى هي التي قاومت؟ ولماذا لم يتقدم اليسار الصفوف في المقاومة؟
أظن بأنه لا يجوز لنا أن نصدر الأحكام على الظواهر بعد أن تنشأ ولا ندرس لماذا نشأت، وبالتالي لا نطرح السؤال حول ما هو دورنا. لا يكفي أن ندين "المقاومة الصدامية" أو "الإرهاب التكفيري"، بل يجب أن نفهم لماذا كان هؤلاء هم المقاومة؟ ببساطة لأن هؤلاء هم من مارس المقاومة وليس الحزب الشيوعي الذي ركض لكي يتحصل على مقعد في مجلس الحكم ثم في الوزارات المتعاقبة. ومع الأسف أن كل أطراف اليسار الأخرى لم تفكر في الأمر إلا هوامش ليست فاعلة، وبعضها انجرف خلف هذه المقاومة التي تتخذ طابعاً طائفياً.
لهذا يجب أن نحدد بأن العراق محتل، وأن المقاومة هي الأسلوب الرئيسي في هزيمة الاحتلال، وأن القوى الماركسية هي التي يجب أن ترسم إستراتيجية المقاومة، وأن تطور صراع الطبقات الشعبية ضد الاحتلال والسلطة الاحتلالية، سواء عبر الكفاح المسلح أو عبر كل الأشكال الممكنة، لأن الشكل الذي صاغه الاحتلال من خلال تشكيل دولة تابعة وفئات مستفيدة من السلطة يفرض كل أشكال الاحتجاج، الإضرابات والتظاهر. أما أن نبقى في موقع الرفض للمقاومة لأنها بعثية أو طائفية فلا معنى له، لأن دورنا يتأسس على وجود الاحتلال وليس على هذه الأشكال من المقاومة (وأقصد هنا قوى المقاومة ضد الاحتلال بغض النظر عن خلفياتها). ووجود الاحتلال يفرض علينا المقاومة وليس المشاركة في "العملية السياسية" التي هي عملية تشكيل حكومة خاضعة للاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النظام السوري
امل رحيم ( 2010 / 10 / 10 - 10:41 )
شكرا للحوار المعمق
السؤال الاول

ادنت النظام البعثي في العراق
ماهو موقفك من النظام البعثي في سوريا؟

السؤال الثاني
هل ترى تحالف بعض قوى اليسار السوري مع حزب البعث صحيح مبدئيا؟


2 - رد الى: امل رحيم
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 11:31 )
لا أظن بأن المسألة هي مسألة ادانة أو عدمها، لقد حللت وضع، وأظن بأن وضع العراق ينطبق على وضع سورية حيث سيطرت فئات من البرجوازية الصغيرة الريفية على السلطة، ومارست بشكل متشابه. وهنا يجب أن نعرف السبب الذي سمح لهذه الفئات أن تصل الى السلطة، وبالتالي مآلات محاولتها تحقيق تطور، في ظل نظم دكتاتورية. لهذا قلت أن المسألة هي ليست مسألة ادانة، لأن الوضع اعقد من أن يختصر في حكم أخلاقي هو ضروري من زاوية الممارسة الدكتاتورية لكنه ربما يخفي جوهر المحاولة التي كانت تجري لتحقيق التطور في وضع عالمي يمنع كل تطور. وبالتالي أن نتجاهل الطابع المواجه الذي عبر عن تناقضها مع السيطرة الإمبريالية. وأيضاً أسباب فشلها وعجزها عن تحقيق الأهداف التي طرحتها، ومن ثم تحوّلها الى الليبرالية وهيمنة -رجال أعمال جدد- هم في الواقع كومبرادور. أو تكسيرها عبر الحرب والاحتلال.
بمعنى أنني أعتبر أن ما جرى في سورية والعراق ومصر والجزائر كتجربة واحدة لما أسمي الحركة القومية العربية، أو حركة التحرر العربي.
بالنسبة لمشاركة الأحزاب الشيوعية في السلطة في سورية، ربما كانت هناك أوهام في بداية سبعينات القرن العشرين حول طبيعة هذه النظم، لكن الآن أصبحت الأمور واضحة، حيث سيطرت الليبرالية بشكل كامل ولم يعد لـ -الاشتراكية- التي كانت تطرح أي موقع حتى في الخطاب الدعائي. وبهذا كيف يمكن أن نفسر مشاركة -حزب شيوعي- في سلطة ليبرالية؟ سوى أنه فقد شيوعيته.


3 - عن الماركسية دوما..
دهام حسن ( 2010 / 10 / 10 - 11:21 )
الأستاذ سلامة كيلة.. تحية وبعد.. أريد أن أشارك بمداخلة لا بصيغة سؤال.. هي بمثابة أفكار وردت في بعض مقالاتي حول الموضوع ذاته.. لقد أكد ماركس وإنجلز أن بناء الاشتراكية ستأتي بعد أن تستنفد الرأسمالية الصناعية نهوضها.. أي أن تتطور الرأسمالية (تطورا صناعيا ضخما) وروسيا كانت دولة متخلفة.. فهذه كانت إحدى التجاوزات..يقول تروتسكي لقد كان لينين على حق عندما تنبأ بعودة الرأسمالية إلى روسيا وفترة حكم ستالين هي تمهيد لعودة الرأسمالية، وهذا ما تحقق اليوم.. ولينين قبيل وفاته المبكر قال : لقد فشلنا كنا نعتقد يمكن بناء الاشتراكية بصيغ سحرية ولكن يبدو أن الاشتراكية بحاجة إلى عدة أجيال وعشرات السنين..ويؤكد في مجال آخر بما معناه أن ثورة أكتوبر ستخفق إذا لم تستنجد بالحالة الثورية في القسم الأوربي المتطور .. هذه مجرد أفكار..فانهيار التجربة الاشتراكية المشوهة في الاتحاد السوفييتي جاءت ضربة قاسية للفكر الاشتراكي الماركسي.. وأن الماركسية سوف تجدد نفسها لكن بعد فترة نقاهة .. فما رأيك.. وشكرا


4 - رد الى: دهام حسن
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 11:54 )
الأستاذ دهام تحياتي، في كتاباتي حاولت أن أخرج النقاش من هذه الصيغة التي تطرحها، لأنها تنطلق من منطق نصي يعتمد على ما قاله ماركس وما ارتآه ااوصول الى الاشتراكية، حيث أن الوضع الذي كان يناقشه ماركس فيما خص الرأسمالية اختلف جدياً بعده، وتبين أن التطور الصناعي قد استنفد نهوضه لأن الرأسمالية بدأت بالتمركز نتيجة المنافسة بدل التوسع، كما أنها سيطرت على العالم المتخلف ومنعت تطوره الصناعي لكي يكون سوقاً لبضائعها، ومورداً للمواد الأولية. ولا يجب أن ننسى بأن الصناعة تتسم بفيض الإنتاج الذي كان يقود الى هذين العنصرين (التمركز والسيطرة العالمية). وبالتالي توقف التوسع الصناعي عالمياً وتشكل عالم استقطابي، صناعي في المراكز ومتخلف في الأطراف، وأيضاً محجور عليه التطور الصناعي. بالتالي جرى تجاوز تصورات ماركس في هذا المجال لأنها أصبحت قديمة، وبات من الضروري البحث في الوضع الجديد وآفاق تطوره.
هنا كان دور لينين الذي -حرف- الماركسية (كما جرى اتهامه)، حيث أصبحت مهمتها تحقيق ما حققته الرأسمالية في أوروبا، أي المهمات الديمقراطية قبل الانتقال الى الاشتراكية. ولقد حلل الوضع العالمي في كتابه -الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية-. في هذا الوضع كانت مهمة الماركسية هي -ردم الهوة- و-اللحاق- أكثر منها تحقيق الاشتراكية. وعكس ما أشرت لم يكن لدى لينين أوهام حول ذلك، حيث كان واضحاً لديه أنه يحقق المهمات الديمقراطية وليس الاشتراكية. وهذه قابلة للارتداد. وهنا أشير الى أن ما تناولته حول أقوال لينين ليس دقيقاً.
بمعنى أن الثورة وفق ما قال به ماركس أصبحت غير ممكنة، وأن الثورة باتت تتمركز في الأطراف وليس في المراكز التي سيطرت فيها الفئات الوسطى بدل توسع الطبقة العاملة كما كان يعتقد ماركس، وهي الطبقة التي لا تحمل، ولا يمكن لها أن تحمل المشروع الاشتراكي.
بالتالي يجب أن نلمس بأن صيغة التطور باتت مختلفة، وتقوم على تحقيق تصنيع وتحديث الأطراف في سياق الانتقال الى الاشتراكية، وهذا الوضع يجعلها ترتد كما جرى. لكن يجب أن نلمس بأن التجربة قد نقلت روسيا الى دولة صناعية حديثة، وهذا أمر مهم في وضع الأطراف.


5 - اسرائيل ام الدولة الصهيونية؟
يعقوب ابراهامي ( 2010 / 10 / 10 - 11:31 )
انت تتحدث عن الدولة الصهيونية. فتشت في الأطلس ولم اجد دولة بهذا الأسم. وجدت دولة باسم دولة اسرائيل. هل نحن امام ظاهرة النعامة؟ هل هذا يليق باليسار؟


6 - رد الى: يعقوب ابراهامي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 13:12 )
أنصح بان تمعن في البحث في الأطلس لأن ذلك مفيد، وإذا راجعت أطلس آخر نشر في زمن آخر سوف تجد دولاً قد زالت وأخرى نشأت، فالتاريخ مليء بهذه التحولات. فأطلس ما قبل سنة 1948 كان يحوي في المكان ذاته منطقة اسمها فلسطين. على كل المسألة تتعلق ليس بالشكل بل بجوهر هذه -الدولة- التي اسمها على الخارطة -إسرائيل-، حيث أنها دولة صهيونية استيطانية طائفية، وجزء من مشروع إمبريالي للسيطرة على الوطن العربي. غنها -قاعدة عسكرية- إمبريالية، لكن مغلفة بـ -دولة-. أليس من المخجل ألا يرى شخص يقول أنه ماركسي هذه الحقيقة ويتعلق بما هو مكتوب على الخريطة؟ أليس هذه هي التعمية؟ أنصح بألا تظل تميل إلى المناكفات التي لا طائل منها.


7 - مقاربة ماركسية لاشكالية وجود اسرائيل 1
د. حسن نظام ( 2010 / 10 / 10 - 14:56 )
تحياتي الاخ المحترم سلامة كيلة
لم أكن انوي الدخول المبكر في ما قد تسميه مناكفة- على مادار بينك وبين اخينا يعقوب- كنتُ بصدد أمور واسئلة مركزية اخرى، تتعلق بصلب النظرية الماركسية ! ولكن كنتُ افضل النقاش بعد لأيٍ من مطارحاتك واجوبتك على القراء! إلا أن حدث وشاكسك، بل استدرجك اخونا يعقوب-قبل الأوان- وجعلك تكشف عن فهمك (العاطفي والقومي)، غير الموضوعي- كبقية اليعاربة المتمركسين الاخرين- للمسالة الاكثر حساسية الا وهي وجود اسرائيل كحقيقة قائمة ووضع موضوعي لافكاك منه، الا الاعتراف المتبادل وحق الدولتين-حسب قرار التقسيم- في العيش بسلام جنبا الى جنب! بمعنى انه لايوجد حل واقعي آخر غير هذا، لا في الافق المنظور ولا في اللآمنظور


8 - رد الى: د. حسن نظام
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 15:45 )
د. حسن، أود السؤال:ما هي المقاربة الماركسية التي تفرض الاقرار بوجود الدولة الصهيونية -كحقيقة قائمة ووضع موضوعي لا فكاك منه-؟ والتي تفرض الاعتراف المتبادل؟


9 - الحزب الشيوعي العراقي
عبد الرحمن دارا سليمان ( 2010 / 10 / 10 - 16:37 )
الأستاذ الفاضل سلامة كيلة ...تحية طيبة

ورد في سياق جوابكم عن السؤال الثالث : - ..فالحزب الشيوعي العراقي أصبح -ديمقراطيا-وتخلى عن الصراع مع الإمبريالية وعلى العكس فهو مشارك في سلطة إحتلال ...- . والواقع لا أعرف ماهي المنهجية التي تعتمدون عليها في التحليل والتي تسمح لكم بالفصل بين معاداة الإمبريالية من جهة ومهام النضال من أجل الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية من جهة أخرى ؟ . أليس النضال من أجل تكريس السيادة الوطنية والعمل على عودة المظاهر المدنية الى المجتمع والدفاع عن الحقوق والحريات العامة ومحاربة الفساد ، هو جزء لا يتجزأ من النضال ضد المخططات والإستراتيجيات الغربية الموجهة نحو المنطقة العربية عموما والتي إستهدفت ومازالت تستهدف إذلالها وتركيعها وإستتباعها وحرمانها من أي شكل من أشكال المقاومة الممكنة ؟؟
الأمر لا يعود بتقديري، الى تخفيض سقف المبادئ والمبدئية أوالتخلي عنها، ولا الى تبني مواقف سياسية جديدة تمليها الأوضاع الجديدة على الحزب الشيوعي، وإنما الى الإعتقاد الراسخ بتعدد أشكال النضال ووسائله وأساليبه والأهم إمكانياته العملية المتاحة ضمن أوضاع خربت ودمرت فيها كل البنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية بفعل السياسات الداخلية الهوجاء التي مهدت للإحتلال والأوضاع الراهنة الحالية . كما لا أعتقد ولا أظنكم تعتقدون بأن معاداة الإمبريالية ومواجهة العولمة الليبرالية الجديدة ، لا تتطلب قاعدة إقتصادية وإجتماعية وثقافية سليمة ومعافاة، تمكّن المجتمعات من السيطرة والتحكم بسياساتها وقراراتها الداخلية كمدخل أولي وضروري لا غنى عنه في سبيل المواجهة والتحدي لضمان الأمن والإستقرار ، الاّ إذا إعتبرنا أن موجة الديمقراطية التي إجتاحت العالم خلال العقود الثلاثة الماضية وغيرت الكثير من النظم السياسية والإجتماعية التي كانت ترزح تحت وطأة الإستبداد والطغيان وقبضة الحزب الواحد ، حين تهبّ رياحها على منطقتنا العربية ينبغي أن تمرّ على شواهد القبور.....تقبل التحية والإحترام



10 - رد الى: عبد الرحمن دارا سليمان
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 21:01 )
الأستاذ عبد الرحمن تحياتي، لا يشير جوابي إلى الفصل بين معاداة الإمبريالية ومهام النضال من أجل الديمقراطية، ولم أكن أقصد ذلك على الإطلاق، حيث أنني أنطلق من تعدد أشكال النضال، وأصرّ على ضرورة ذلك. لكن حين التطرق إلى الحزب الشيوعي العراقي، والى وضع العراق، أرى أنه يجب تحديد طبيعة التناقض الذي بات يحكم الوضع في العراق من أجل تحديد مركز الصراع وأشكاله. ولاشك في أن التناقض الرئيسي في العراق هو مع الاحتلال الذي يجثم منذ نيسان 2003، وبالتالي مع القوى التي أتى بها إلى السلطة، والتي عاثت فساداً ونهباً، وأغرقت العراق في الصراعات الطائفية، وسهّلت للاحتلال السيطرة على النفط، والاستحواذ على -عقود الاعمار- (الذي لم يتحقق)، ونهبت مع الشركات الأميركية مليارات الدولارات.
لهذا يجب تحديد الشكل الرئيسي للصراع على ضوء ذلك، وهو شكل المقاومة المسلحة بالضرورة، فلم يُطرد احتلال دون مقاومة. ومن ثم الصراع بمختلف الأشكال الممكنة ضد السلطة التي أقامها (رغم أنها باتت تتجدد من خلال الانتخابات القائمة على أساس التقسيم الطائفي). وهنا يمكن تطوير كل أشكال النضال الشعبي، من الاحتجاج إلى التظاهر إلى الإضراب إلى الانتفاضة. وحيث ليس من تفاهم مع كل هذه القوى التي باتت هي السلطة في ظل الاحتلال.
أما نقدي للحزب الشيوعي فقد انطلق من أنه شارك في مجلس الحكم الذي صاغه الاحتلال، وكان ولازال مشاركاً في الحكومة التي تنفذ سياسات الاحتلال. وبالتالي فقد تجاهل الاحتلال واهتم بـ -النضال الديمقراطي- في إطار سلطة ملحقة بالاحتلال، وتجاهل مقاومة الاحتلال بمختلف الأشكال، حتى البسيطة منها، وتحالف مع القوى الطائفية والفاسدة، والتي تشكل أدوات للاحتلال. ماذا نقول عن كل ذلك؟ الرفيق فهد اعتبر –في وقته- بأن صراعه مع الاحتلال الإنجليزي والسلطة التي يقيمها، وهذا هو الموقف الشيوعي الحقيقي، كما كان في فيتنام والهند الصينية عموماً، وفي كثير من بلدان العالم التي وقعت تحت الاحتلال.
هنا ليس من موقع للنضال الديمقراطي بمعناه في بلد مستقل. وأيضاً لاشك في أن معاداة الإمبريالية تفترض بناء قاعدة اقتصادية قوية، لكن ذلك لا يتحقق سوى من خلال طرد الاحتلال وسيطرة الحزب الشيوعي على السلطة من أجل تحقيق التطور والتحديث. وهو الأمر الذي لا يفكر فيه قادة الحزب الشيوعي، لهذا لا يعدون ما يجعلهم قوة قادرة على الانتصار.
أما عن موجة الديمقراطية التي تحدثت عنها فهي التي جلبت شواهد القبور أضعاف ما كان قبلئذ، حيث أسست لحرب طائفية طاحنة، وقامت قوات الاحتلال بالتدمير والقتل العشوائي والتخريب، وأسس لـ -ديمقراطية- طائفية أوجدت سلطة هشة قابلة للتحكم بها، ومجتمع مفتت على أساس طائفي. وإذا كنا ندين جرائم صدام حسين فإن ما يجري هو أبشع بما لا يقاس.




11 - الف باء التحليل الماركسي 2
د. حسن نظام ( 2010 / 10 / 10 - 16:53 )
لم اكن انوي-كما اسلفتُ سابقا- في الدخول الى مشاحنات حول شرعية اسرائيل او عدمها مبكرا قبل ايلاجك بامور وتفاعلات اخرى مع قرائك الاعزاء. ولكن مادمتَ سالتَ يا أخي الكريم عن المعيار الاولي للمقاربة الماركسية لاي امر، وخاصة لواقع موضوعي لايمكن تجاوزه او انكاره كوجود الدول على سبيل المثال .. هو الآتي: انت تعرف ان الماركسية-قبل اي شئ- لاتنطلق من الاخلاقيات ان كانت هذه العملية او الصيرورة التاريخية محقا او غير محق، عادلا او غير عادل..الخ.. بل تنطلق بالاعتراف بالواقع الذي تشكل تاريخيا،والتعامل معه في حدود الحقائق الموجودة عى الارض من سياق زمني ومكاني من معايير عديدة مثل ميزان القوى، مصلحة الكادحين-ليس منها المصلحة القومية الصرفة- التجرد من الرغبات ..الخ.. ومقارعته كما هو ليس كم نريده اونبتغيه ان يكون.. بمعنى انه لو اننا -انا وانت وغيرنا- اعتبرنا وجود اسرائيل الحقيقي على الارض، كاي دولة اخرى او بلد اخر، قد تكون في تشكيله الكثير من الغبن والعسف ضد طرف آخر، اعتبرنا هذا الواقع زائفا وغير معترفا به! لا يغير مواقفنا الاخلاقية وتسمياتنا لها (كيان صهيوني عنصري..الخ ) من الحقيقة المرة :انها دولة موجودة معترف بها من العالم اجمع! إن الوقع-ما فتئت- يصفعنا سواء شئنا او ابينا! ومن هنا فان موقفنا هو :عاطفي قومي-غير طبقي- انارخي (عدمي) لا علاقة له بالموقف الماركسي العلمي، موقف حاد عصبوي ، يريد ان او يحاول-عبثا- لّيّ ذراع الواقع العنيد الذي لايستسلم لرغباتنا مهما كانت مواقفا عادلة او مثالية! كما ترى يا اخي اننا نتكلم لغتين مختلفتين ولم نبرح بعد عتبة التحليل الماركسي الابتدائي لاية ظاهرة بشرية


12 - رد الى: د. حسن نظام
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 21:03 )
الأستاذ حسن، الماركسية لا تنطلق من أخلاقيات لكنها تتضمن كل ما هو أخلاقي. وهي لا تنطلق من الاعتراف بالواقع، وإن كانت ترى الواقع، وإلا لم تعد تهدف إلى التغيير، حيث أن الاعتراف بالواقع يعني القبول بما هو قائم وليس تغييره. ولهذا أرى أن ما تطرحه يقوم على ما يناقض الماركسية. فالدولة الصهيونية موجودة في الواقع، وأعرف أنها مثبتة على خرائط الأطلس، لكن ما هي طبيعة وجودها، وماذا تمثل؟ هل هو وجود طبيعي أم أنه غير ذلك؟
يبدو أنك لم تقرأ تحليل إنجلز الرائع لفكرة هيغل أن كل ما هو واقعي هو عقلاني، وأن كل ما هو عقلاني واقعي. حيث كل ما هو واقعي سينقلب إلى أمر غير عقلاني، وبالتالي يستحق الزوال. وبالتالي ليس كل ما هو واقعي هو عقلاني وليس كل ما هو عقلاني يمكن أن يكون واقعياً. والمسألة هنا لا تتعلق باعتراف العالم بوجود الدولة الصهيونية، ولا بكل قوتها الراهنة، وميزان القوى المختل لمصلحتها، بل تتعلق بأن وجودها ذاته هو الذي يؤسس للتناقض العميق معها، ويفرض تطوير الصراع ضدها، وبالتالي انقلاب ما هو واقعي الآن إلى شيء يستحق الزوال.
طبعاً أعرف بأن كل ميل للاعتراف بالدولة الصهيونية ينطلق من -الأمر الواقع-، لكن هذا يتناقض مع الماركسية، ومع منهجها بالذات، لأنه يجب تلمس التناقضات وميول تطورها، والتراكم فيها. الماركسية تنطلق من الواقع، ولكنها تنطلق منه من أجل تغييره وليس للاعتراف به وإلا لم تعد فلسفة تغيير وثورة وتراكم ونفي نفي. ولم تعد طرح على ذاتها تغيير العالم.
الدولة الصهيونية قائمة، لكن ذلك لا يعطيها لا الشرعية ولا الحق، لأنها قامت كجزء من السيطرة الإمبريالية على الوطن العربي، وبالتالي فهي أداة إمبريالية تقوم بدور الهراوة لمنع التطور والتقدم. وبالتالي فهي جزء من تناقض العمال والفلاحين الفقراء (إذا كنا نتحدث ماركسياً) مع الطغم الإمبريالية التي تسيطر على المنطقة بأشكال متعددة، منها الوجود العسكري المباشر (سواء بقواعدها الخاصة أو بالدولة الصهيونية كقاعدة عسكرية) كما من خلال النظم الكومبرادورية المسيطرة. هذا هو جوهر التناقض في المنطقة، الذي لا حل له سوى بانتصار العمال والفلاحين الفقراء.
أنا لا أنظر، كما ترى، للدولة الصهيونية كحل لمشكلة اليهود، بل أرى أنها مشكلة لليهود وللمنطقة معاً لأنها تزج كل القادمين لاستيطان فلسطين في حرب طويلة الأمد. بل أرى أن هذه الدولة هي مرتكز سيطرة للرأسماليات الإمبريالية، وهي ملحقة بها، ولا تستطيع العيش بدونها، وبالتالي بدون دورها العسكري.
بالتالي ليست المشكلة فقط في احتلال فلسطين، بل المشكلة في أن هذا الاحتلال أوجد قاعدة عسكرية إمبريالية سوف تظل في صراع مع العرب.
آمل أن تتلمس بأنك تنطلق مما يناقض المنهجية الماركسية، ولا يظهر أنك تعتبر بأن الماركسية تؤسس لصراع عميق مع الإمبريالية، وأدواتها. وأنها تتناقض مع الدولة القائمة على الدين والقتل والسيطرة. بغض النظر عن الواقع الراهن، فالواقع متغير كما تقول الماركسية، وميزان القوى يتغير عبر تطوير الصراع.


13 - عين ترى وعقل يفكر
يعقوب ابراهامي ( 2010 / 10 / 10 - 17:38 )
انت تسأل د. حسن السؤال التالي: ما هي المقاربة الماركسية التي تفرض الاقرار بوجود الدولة الصهيونية -كحقيقة قائمة ووضع موضوعي لا فكاك منه-؟
اسمح لنفسي ان اجيب بالنيابة عنه (لا باسمه طبعاً) كما يلي

لا اعرف ماذا تعني بالمقاربة الماركسية، لكن الأقرار بوجود الدولة الصهيونية (اي دولة اسرائيل) كحقيقة قائمة ووضع موضوعي يحتاج فقط الى عين ترى وعقل يفكر

ليس هناك قوة في العالم تستطيع ان تمنع المرء من ان يخدع نفسه. هذا حقه. لكن ليس من حق المرء ان يخدع الآخرين

هناك طبعاً حل آخر غير حل الدولتين وهو ان يتحارب الشعبان حتى آخر عربي فلسطيني وآخر يهودي اسرائيلي. أهذا هو ما يريده اليسار العربي؟

هل يريد اليسار العربي ان يبقى ذيلاً للقوميين العرب وللأسلام الفاشي؟


14 - رد الى: يعقوب ابراهامي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 21:05 )
(3) الاسم و موضوع التعليق عين ترى وعقل يفكر
يعقوب ابراهامي التاريخ Sunday, October 10, 2010 - No.:171324
التعليق والملاحظات :
انت تسأل د. حسن السؤال التالي: ما هي المقاربة الماركسية التي تفرض الاقرار بوجود الدولة الصهيونية -كحقيقة قائمة ووضع موضوعي لا فكاك منه-؟
اسمح لنفسي ان اجيب بالنيابة عنه (لا باسمه طبعاً) كما يلي

لا اعرف ماذا تعني بالمقاربة الماركسية، لكن الأقرار بوجود الدولة الصهيونية (اي دولة اسرائيل) كحقيقة قائمة ووضع موضوعي يحتاج فقط الى عين ترى وعقل يفكر

ليس هناك قوة في العالم تستطيع ان تمنع المرء من ان يخدع نفسه. هذا حقه. لكن ليس من حق المرء ان يخدع الآخرين

هناك طبعاً حل آخر غير حل الدولتين وهو ان يتحارب الشعبان حتى آخر عربي فلسطيني وآخر يهودي اسرائيلي. أهذا هو ما يريده اليسار العربي؟

هل يريد اليسار العربي ان يبقى ذيلاً للقوميين العرب وللأسلام الفاشي؟

الأستاذ يعقوب، المقاربة الماركسية هي نقل عن عنوان رد د. حسن لو دققت قليلاً، وأنا لا أعرف مثلك معنى المقاربة لهذا سألته. وربما يكون جوابي السابق على د. حسن يطال ما قلت، فأنا أرى، لكن أن ترى هي غير أن توافق وتقبل بالأمر الواقع، ولأنني أرى أقول بأن الدولة الصهيونية هي جزء من مشروع إمبريالي ولا أقول بأنها حل لمشكلة اليهود كما جرى الادعاء. هناك فارق بين أن أقبل لأن ميزان القوى مختل أو لأن قوة كسبت في لحظة، وبين أن أرى الواقع وأعمل على تغييره لمصلحة ما يخدم الشعوب ويهزم الإمبريالية. ليس كل واقع معقول، وما هو معقول يتحوّل عبر الصيرورة إلى واقع. الدولة الصهيونية هي واقع لكنه غير معقول، وما تتوهم أنه غير معقول سوف يصبح واقعاً.
تشير إلى حل الدولتين، هل هناك تنازل أكثر مما قدمت السلطة الفلسطينية؟ لذلك لماذا تصرّ الدولة الصهيونية على رفض الحل وتمعن في الفاشية، والتوسع و.. ألخ مما ترى ولا ترى؟ يمكنك أن تقول بأن القوى اليمينية هي التي تسيطر، لكن هل من الممكن أن تسيطر قوى تريد إنهاء الصراع؟ المسألة تتعلق بتكوين عليك أن تراه كما هو وليس كما تتوهم.



15 - الماركسية المصدرة ومحاولة زراعة بلدية متواضعة
محمد الامين ( 2010 / 10 / 10 - 19:39 )
الاستاذ العزيز
تحية طيبة وبعد
ان تاريخ الاحزاب الشيوعية العربية مع الاحترام الكبير لكل المؤوسسين ومع احترامي
للظرف الموضوعي للتاسيس كانت دائما تعاني من غربة واضحة من قبل ناسها والفكر
الطليعي حعل الشيوعيين والماركسيين كأنهم مثقفين فوق المجتمع مع معرفتي ببعض
الاستثناءات كتجربة الحزب السوداني مثلا لا حصرا وبالطبع كان هناك محاولات من
بعض الافراد لمحاولة مقاربة الفكر الماركسي بشكل قد تكون مقاربة تحترم الواقع
كنت احب اسمع رأيي حضرتكم بفكر ياسين الحافظ
ولكم مني كل الاحترام


16 - رد الى: محمد الامين
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 10 - 22:00 )
الأستاذ محمد، تحياتي، أولاً أود التوضيح بان مشكلة الأحزاب الشيوعية لم تكن في أنها تشكلت من مثقفين، على العكس كانت هذه الأحزاب طاردة للمثقفين، وهذه هي مشكلتها، حيث باتت عفوية، و-شعبوية-، ولقد ضمت فئات شعبية أكثر مما ضمت مثقفين، وكانت مشكلتها في ذلك، حيث كانت هذه الشعبية بين العمال والفلاحين بحاجة إلى -عقل- قادر على فهم الواقع وتحديد الآليات التي تفضي إلى تغيييره. لقد نشطت، كما أشرت في الرد على أسئلة الحوار المتمدن، في إطار مطلبي دون طموح في الوصول إلى السلطة، ودون برنامج طبقي بديل، لأنها كانت تراهن على انتصار البرجوازية معتبرة أن المرحلة هي مرحلة ديمقراطية برجوازية. عن تبعيتها للمركز السوفيتي الذي كان يعتقد بأنه غير قادر على حماية انتصار هذه الأحزاب في حال استلامها السلطة، جعلتها تقبل فكرته بضرورة عدم التفكير في السلطة والتكيف مع المطالب البرجوازية.
هذه الأحزاب لم تكن معزولة بل كانت أحزاب مهمة، ولها جماهيرها ومقدرتها على الفعل في المجتمع، لكن طموحها كان هزيلاً، ولقد عبّر عن طموح برجوازي صغير أكثر مما عبّر عن طموح العمال والفلاحين الفقراء.
بالنسبة لياسين الحافظ، لاشك في أنه من أكثر الماركسيين العرب اهمية، ولقد حاول وعي الواقع بمنظور ماركسي، وقدّم تصورات مهمة. ربما كانت إشكاليته تكمن في أنه راهن أكثر مما يجب على عبد الناصر، رغم تلمسه لواقع النظام المصري.


17 - علمية الماركسية
عبد الكريكم شوطا ( 2010 / 10 / 10 - 21:16 )
ألا زال في الإمكان ـ السيد الأستاذ الفاضل ـ الحديث اليوم عن علمية الماركسية ، خصوصا في الوقت الذي انهارت فيه العديد من اليقينيات حتى على مستوى العلم ذاته ، وفي الوقت الذي أصبحت فيه النظرية علمية لأنها قابلة للتكذيب ، لا لأنها قادرة على تحليل الواقع تحليلا لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه؟ .. .ألا يجعلنا الحديث عن علمية الماركسية نحولها إلى مقدس جديد ومطلق ينضاف إلى قائمة المقدسات والمطلقات في عالمنا العربي والإسلامي ؟
ألا يجعل ذلك من الحركات الماركسية حركات أصولية بمعنى من المعاني ؟ ..ما دامت تمارس التقديس اتجاه نصوص عفا عليها الزمن وتعمل على ترديدها بشكل ببغاوي لا يكلف صاحبه عناء النقد وإعادة النظر في المسلمات؟
ثم أليس الحديث عن - ديكتاتورية البروليتاريا - حديث غير ديمقراطي بله تنصيبه على أرض الواقع؟ ..
ثم أليس الحديث عن مرحلة اشتراكية هي خطوة أولى في سبيل الشيوعية نوع من الخرف والهذيان؟ .. .. ..


18 - رد الى: عبد الكريكم شوطا
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 20:10 )
الأستاذ عبد الكريم، لاشك في أن الحد الفاصل بين العلم والدوغما خط دقيق، لكن كل علم يحوي على يقين ما، وليس من الممكن أن يكون علماً دون هذا اليقين، حتى وإن كان هذا اليقين مؤقتاً. وحين أتحدث عن علمية الماركسية لا أقصد كل ما ينسب إلى الماركسية، بل أقصد أولاً وأساساً المنهجية التي تأسست على ضوئها، أي الجدل المادي. وهذه المنهجية علمية لأنها تنطلق من الواقع، من الوقائع، ولهذا من الصعب أن تتقولب في رؤية يقينية مطلقة. حيث يجب البحث في الواقع في تغيره المستمر، وما يمكن أن يكون صحيحاً الآن سوف لا يكون كذلك بعد لحظات. رغم أن هناك -إطارات عامة- يمكن أن تبقى صحيحة لفترات ربما تكون قصيرة أو طويلة، وهي ما يمكن أن تسمى القوانين.
إن كل علم ينحكم لمنهجية توجه البحث، وهي صحيحة لكن لفترات طويلة، أي إلى أن يُكتشف ما يتجاوزها. والجدل المادي هو من هذا الصنف، حيث أن المنطق الذي حكم العقل البشري لقرون طويلة (ولازال في كثير من المواقع) هو المنطق الصوري الذي أرسى أرسطو أسسه، فهو الذي كان يوجه العقل في بحثه. الجدل المادي هو المنطق الذي تجاوزه، وأصبح هو المنطق العلمي، لأنه ينطلق من البحث المادي، ومن أن الوجود هو الأساس، والوعي هو نتاج هذا الوجود. رغم أن قوانينه تبلورت ضمن المسيرة الفلسفية الطويلة. وهو يبتدئ من فكرة أن الصيرورة هي المطلق، أي التغير هو الأساس، وأن السكون هو لحظة فيه.
لاشك في أن الماركسية أعيدت إلى أسر المنطق الصوري لهذا تحولت إلى -نص مقدس-، وأصبح مطلوباً لوي الواقع لكي يخضع لهذا النص. هذه ارتدادة إلى الخلف حدثت في الماركسية، لهذا فشل هذا النمط من الماركسية. هنا لقد تخلت الماركسية عن علميتها لمصلحة -نص لاهوتي- ينحكم لمنطق صوري.
بالتالي يمكن مناقشة كل ما يبدو أنه ماركسي، وكل ما قيل أنه قوانين، وبالأساس يجب البحث في الواقع لأن ما توصل إليه ماركس أو إنجلز أو لينين أو ماو أو غيرهم، هو نتاج تحليل الواقع في لحظة عاشوها، لكنهم رحلوا وتغير الواقع، ومن ثم علينا أن نبحث في الواقع الجديد الذي قد يقود إلى نتائج جديدة. لكن ما يحكم البحث الجديد هو المنهجية، التي هي أطر عامة لآليات نشاط -العقل-، تنطلق من كشف الواقع، وتحليله وفق قوانينها للوصول إلى نتائج.
أما حول دكتاتورية البروليتاريا فلاشك في أن التطور الديمقراطي، وتوسع القيم الديمقراطية قد جعلت تعبير الدكتاتورية -فضيحة-، لكن ما كان يُقصد حين جرى تكرار هذا المصطلح من قبل ماركس خصوصاً هو مواجهة دكتاتورية البرجوازية، حيث كانت البرجوازية تحكم وفق نظم دكتاتورية بدكتاتورية الطبقة العاملة، أي مواجهة دكتاتورية الأقلية بدكتاتورية الأكثرية، هذه الأكثرية التي تؤسس نظامها الديمقراطي. واعتقد بأن الأهم هنا البحث في طبيعة النظام الذي تقيمه الطبقة العاملة، حيث يجب أن يكون ديمقراطياً. من هذا المنطلق لا أرى أن استمرار استخدام مصطلح دكتاتورية البروليتاريا صحيحاً، ويجب تجاوزه باعتبار أنه نتج عن ظرف محدَّد كانت الدكتاتورية سمة عامة لكل النظم البرجوازية.
هل أن القول بأن الاشتراكية هي مرحلة أولى نحو الشيوعية هو خرف وهذيان؟ هنا يبدو أنك يا صديقي فقدت العلمية التي تشير إليها، طبعاً من حقك ألا ترى ذلك، لكن دون أحكام من هذا القبيل، لأن ما تختلف معه هو رأي آخر.


19 - لك تحياتي اساذ سلامة
عايض السراجي ( 2010 / 10 / 10 - 21:17 )
هل ترى ان الصين شوعية محدثة قدرت ان تتماشى مع الراس مالية لماذ حققت الصين هذه الانجازات الاقتصادية التي عجزت عن تحقيقها دول اوروبا الشرقية والدول الشوعية الاخرى يقول بعض المحللين الاقتصادين لو عملة دول اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق كما تعمل الصين الان لبقية الشوعية ولم تنهارفي تلك البلدان


20 - رد الى: عايض السراجي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 20:22 )
الأستاذ عايض، تحياتي، لا أظن بأن المسألة تتعلق باختلاف كبير بين الصين والدول الاشتراكية الأخرى المنهارة، بمعنى أن وضع الصين لم يحسم بعد: أي هل سوف تصبح رأسمالية أو سوف تتطور في الإطار الاشتراكي؟ البعض يرى أنها أصبحت رأسمالية، وبالتالي ما عادت اشتراكية ككل النظم الأخرى.
هنا يجب أن نلحظ بأن مستويان يتداخلان في هذا الموضوع، المستوى الأول يتمثل في نمط الإنتاج الذي يسود، والمستوى الثاني يتعلق بالتطور الذي حققته هذه التجارب. من حيث نمط الإنتاج، فقد تحول الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية إلى الرأسمالية، والصين إذا لم تكن قد تحوّلت فهي في صيرورة تحوّل نحو الرأسمالية. وبالتالي بغض النظر عن الشكل الذي جرى ويجري فيه التغير من الاشتراكية إلى الرأسمالية فالنتيجة واحدة. أما في مستوى التطور فقد تحق التطور الضروري لتأسيس مجتمع صناعي حديث في روسيا والمنظومة الاشتراكية، وتسير الصين في هذا المسار. وبالتالي فإن النتيجة واحدة كذلك.
لكن ما يلفت هو أن الصين تتحوّل الآن إلى قوة اقتصادية هائلة مقارنة بروسيا أو باقي البلدان الاشتراكية السابقة. لكن أظن بأن التحولات لم تصل إلى نهايتها بعد، فروسيا أكثر تطوراً من الناحية الصناعية من الصين، وهي الآن تعود لكي تفرض ذاتها كقوة -عظمى- من جديد. ونتيجة الوضع المأزوم للبلدان الرأسمالية القديمة، يمكن أن تصبح روسيا والصين وبعض البلدان الأخرى في عداد عالم متعدد الأقطاب، أو على الأقل قوى مكافئة في الصراع العالمي، لكن بين رأسماليات.


21 - المقارعة الاجدى 2
د. حسن نظام ( 2010 / 10 / 10 - 23:01 )
اعتقد انك -يا اخي الكريم- تدرك ان عشرات الدول لتي ترفرف اعلامها فوق مبنى الامم المتحدة، قد وُجدت بشكل غير طبيعي وباكثر الطرق قسوة وعنفا، بدون ا ية مشاعر انسانية من العدل والاخلاق..( سير التاريخ لايرحم). واكثرها اوجدها الاستعمار والامبريالية او ساعد على ذلك ، من أجل الحفاظ على مصالحه الحيوية الحالية والمستقبلية..فإسرائيل ليست لوحدها انشئت لهذ الغرض بل ان بعضا من دولنا العربية والاسلامية ( على رأسها السعودية) قد تكونت لتلك الاغراض! ..باكستان-على سبيل المثال- كانت طعنة خنجر بريطانية في ظهر شبه القارة الهندية وُجدت باسم ديني ( ليست اسرائيل لوحدها انشات بخلفية دينية)! باكستان اليوم هو سرطان ومصنع للارهاب الديني، اكثر خطورة من اسرائيل على مصالح العرب والمسلمين ومستقبلهم!
كان قصدنا من -المقاربة الماركسية: هو بالضبط التعامل الامثل والاقرب الى العلم والموضوعية مع الوقائع العصية على الفهم والمنطق الصوري (استعارة من عندكم) بمعنى فهم هذا الواقع حقا وبالتالي محاولة طويره وتغييره نحو الافضل اي في سبيل مصلحة الكادحين وتقدمهم- العرب وغير العرب !. والآن .. ما ذا يريد معشر الماركسيين من اسرائيل؟! وكيف يجب أن يقارعوا اشكالية وجودها؟!..من الواضح ان هناك نهجان متعارضان يقارعان هذا الواقع العصي على الهدم او السد المنيع المسمى اسرائيل! : 1. نهج عاطفي عروبي اسلامي معاد لليهود اساسا قوميا ودينيا (ينكر حق اليهود كونهم شعب كبقية خلق الله، بل يؤولهم الى دين فحسب!!).. أصحاب هذا النهج ( منهم الكثَر من الماركسيين-المتمركسين- العرب) يحلمون بغموض مستقبلي او يعملون من اجل هذا الهدف الجنوني المستحيل وهو انهاء هذا -الكيان المزيف- -المصطنع- والقضاء عليه وعدم الاعتراف بحقيقة واقعه بعناد نهيليستي عجيب ومدمر، وبشكل عصبوي لا علاقة له بالماركسية ومنهجيتها الجدلية والتحليل الماركسي! 2 . ونهج عقلاني آخر ينطلق من واقع ان اسرائيل حقيقة يجب ان- نبلعها- بحيث لايمكن محوه من الخريطة ( باية طريقة او زاوية ننظر اليها) ونعتقد ان هذا هو النهج الماركسي والعلمي والاممي الصحيح ( عدم جدوى عناد الواقع ومناطحته او الركون الخيالي لعامل الزمن والرهان عليه) أي قبول اسرائيل كدولة من دول الشرق الاوسط والاعتراف المتبادل والمصلحة المتبادلة بينها وبين الدول العربية وأهم من كل ذلك : تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة انطلاقا من قرار التقسيم ( السئ الصيت) ..-من الجدير بالملاحظة ان تأسييس اسرائيل نفسها ناقصة الشرعية قبل بروز دولة فلسطين بجانبها -وفرض السلم والتصالح والتخلص الابدي من هذا النزيف المزمن والمضر والمعيق لتقدم العرب ( السبب الاساس في اعادة انتاج الاستبداد العربي على الدوام..هذا هو بالضبط الفخ الاستعماري الغربي!) والمفضي لمصالح الكادحين العرب واليهود والاقيات الاخرى في نهاية المطاف، الامر الذي سينهي-سيقلل- الارباط المصلحي والعضوي بين اسرائيل والقوى الغربية! بتقديرنا هذا هوالسبيل الاسلم والاجدى بدل النار المشتعلة-المقدسة- والابدية، التي تحصد الاخضر واليابس!


22 - رد الى: د. حسن نظام
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 20:48 )
د. حسن، انت تفتي باسم الماركسية، وما تقول يتناقض مع أوالياتها، حيث أنك تنطلق من الإقرار بالأمر الواقع والماركسية تنطلق من رفض الإقرار بالأمر الواقع، رغم أنها ترى الواقع. وهي لا تقف عن ما فرض في الواقع بل ترى التناقضات في الواقع وتؤسس عليها من أجل نفي الواقع هذا. فليس ما يفرض الآن هو منتهى الوجود، وليس ما تقرره موازين القوى في لحظة هو النهاية، ليست الماركسية هي التي تقبل الخنوع للأمر الواقع، إنهاء مبدأ -تمرد- على الواقع، لهذا أشار ماركس إلى أن الفلاسفة عملوا على تفسير الواقع بينما المطلوب تغييره، وليس القبول به.
ثم أن حدوث كل هذه الوقائع التي أشرت إليها، لكل الدول التي ترفرف أعلامها في الأمم المتحدة، من باكستان إلى السعودية إلى ماشئت، إن حدوث ذلك لا يعطي مبرراً لأحد، ولا وجودها يفرض الإقرار النهائي بها، بل أن وجودها هذا هو الذي يؤسس لتناقضات واقعية تفرض تجاوزها. ولقد أشرت إلى باكستان وكيف أنها باتت مصنعاً للارهاب، وهو أمر طبيعي لدولة قامت على أساس ديني، وعملت بتنسيق عالٍ مع المخابرات الأميركية في تصنيع الإرهابيين، وكل دولة تقوم على أساس ديني تخضع للمعيار ذاته، ومنها الدولة الصهيونية، التي تمعن في إنتاج الإرهاب، إرهاب الدولة، والتعصب الديني، وليس آخر ذلك القوانين الجديدة.
كما يبدو أنك في قمة الحماسة للدولة الصهيونية لهذا تكرر تعبيرات مفخمة، من مثل واقع عصي على الهدم، ويجب أن نبلعها ولا يمكن محوها من الخريطة. هذه الإطلاقات التي تتنافى بالمطلق مع الماركسية لأن كل واقع متغير، وكل ما هو موجود قابل للفناء. ويبدو أنك لا تملك من منطق الإقناع إلا هذه التأكيدات التي تكررها.
أخيراً هل اليهود شعب؟ أولاً من المنظور الماركسي التي تعتقد بأنك تنطلق منه، لم يقل لا ماركس ولا لينين بأن اليهود شعب. ماركس تعامل مع اليهودية كدين، واعتبر اليهود هم جزء من الأمم التي يعيشون فيها، لهذا طالب باندماجهم. ولينين اعتبر بأن الحركة الصهيونية حركة رجعية، وأن اليهودية دين، ورفض. وأظن بأن كل البحوث الحديثة تؤكد ذلك حتى من قبل يهود و-إسرائيليين- مثل شلومو ساند إذا كنت قد سمعت به، فآخر كتاب له عنوانه -كيف جرى اختراع الشعب اليهودي؟-
وثانياً إذا كانوا شعب ما دخلنا بهم؟ لماذا زحفوا إلى فلسطين التي لم يكن أجداد أجداد أجدادهم (في متوالية لعشرات أو مئات القرون) قد سكنوا فيها. على فكرة شلومو ساند حين سئل عن اليهود الذين كانوا يقطنون فلسطين في العصور الغابرة، وهو ينفي النفي، قال أنهم هم هؤلاء الفلاحين الفلسطينيين، الذين أصبحوا مسيحيين ثم مسلمين. إذن، أرجو أن تريحنا من مسألة هي واضحة إلى هذا الحد.


23 - هل من بديل لأزمة إنتاج المعنى في عصرنا ؟
عبد الجبار الغراز ( 2010 / 10 / 11 - 03:05 )
تحية تقدير و احترام للأستاذ سلامة كيلة
,و بعد , فلقد حاول العديد من المفكرين العرب , في العقود الماضية , استلهام التراث الماركسي معرفيا و منهجيا , لتقديم نموذج تحليلي , يتعامل مع المجتمعات العربية و خصوصياتها التاريخية و الثقافية و الحضارية , بنوع من المرونة في التحليل للبنيات العتيقة ماقبل راسمالية , فجاءت تحليلاتهم على شكل صورة طبعها الجمود العقائدي في تمثلهم للنظرية الماركسية . فمع اندحار المنظومة الاشتراكية , و تراجع الفكر الاشتراكي أمام تنامي مد العولمة , بدأنا نرى , في السنوات القليلة الماضية , أن أدوار المثقف العربي قد تقلصت و تراجعت , هي الأخرى , ليظهر على مستوى الإنتاج الفكري و الفلسفي , على الخصوص , و الإنتاجات الأخرى الفنية و الأدبية , على العموم , نوع من تصفية الحسابات مع ماضيها و إرثها التقدمي في وجهه الماركسي . إنتاجات باتت تعبر , في اللحظات الحاسمة و الحرجة التي تمر منها المجتمعات العربية في مواجهتها لتحديات العصر , عن , ما أسماه الجابري , بأزمة إنتاج المعنى , التي اجتاحت ساحتنا الفكرية , بشكل صارخ , حيث استكان الفكر العربي إلى أجوبة العولمة , و لم يعد معها يطرح , الأسئلة المؤرقة التي تقض المضاجع ..
سؤالي هو كالآتي : هل من بديل لهذا الوضع المأساوي الذي بدأ يتخبط فيه الفكر العربي , الذي سيأخذ بعين الاعتبار , الأدوات التحليلية الماركسية , التي ستعيد للمنظومة الفكرية طابعها النسقي تشمل قضايا المجتمع و الإنسان , دون السقوط في الانتقائية كفكر و كممارسة ؟ و شكرا لفضيلة الأستاذ على تفضله بالإجابة , تنويرا للعقول .


24 - رد الى: عبد الجبار الغراز
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 21:07 )
الأستاذ عبد الجبار تحياتي، أوافقك على طبيعة التحليلات التي حكمت البحث في الواقع في العموم، وأوافق على حالة الارتداد التي حدثت والميل إلى تصفية الحساب ما الماضي. وأظن أن العجز عن تملك الماركسية، والتعامل السياسي (او الشعاراتي) معها هو الذي جعل انهيار المنظومة الاشتراكية ينعكس ارتداداً مريعاً، وردحاً لماض كانوه. وكما أشرت فإن منطق الماركسية لم يكن قد أصبح منهجية للبحث عندنا، وبالتالي استحكم المنطق الصوري الشكلي.
أما هل من بديل؟ أظن نعم، وإلا لما حاولت الإضاءة على كل هذه المسائل. ربما كانت المشكلة التي حكمت تسرّب الماركسية إلى الوطن العربي تتمثل في عنصرين، الأول أنها دخلت من باب السياسة، والصراع العالمي ضد الرأسمالية التي كانت تمثل بالنسبة لشعوبنا استعمار ينهب ويدمر في مجتمعاتنا. لهذا اصبح الاتحاد السوفيتي هو البديل، وأصبح ما يطرح هو المثال. بالتالي تسربت السياسة باسم الماركسية، أي تسربت المواقف السياسية والشعارات السياسية كونها هي الماركسية. هنا لم يحدث تمثّل معرفي للماركسية. والعنصر الثاني يتمثل في الماركسية كما صيغت في الاتحاد السوفيتي، حيث أصبحت أيديولوجية سلطة، وجرى تحويرها، و-قوننتها- في -نص مقدس-. وكان أخطر ما شهدته هو -نزع- منهجيتها، أي الجدل المادي، سواء من خلال تحويره بنزع بعض عناصره (مثل قانون نفي النفي)، أو من خلال تحويله إلى -فلسفة-
بالمعنى السابق لماركس، أي إلى نشاط ذهني تأملي، وهو ما كان ينفّر -المناضلين- الذين أصبحوا ماركسيين لأنهم يريدون العمل من أجل التغيير.
الآن، نحن بحاجة إلى -نقد فلسفي-، إلى عودة إلى ماركس من أجل تمثّل منهجيته، إلى القطيعة مع المنهجية التي نتوارثها والتي هي المنطق الصوري، أي إلى القطع مع الإمام الغزالي الذي زرع الخوف من قراءة الفلسفة، وبسط لنا العلم بما هو -علوم الدين- القائمة على اللفظ والشكل والحس.
لهذا أصرّ على أن الماركسية هي أولاً وبالأساس الجدل المادي، ومن لا يستطيع تمثّل الجدل المادي لن يصبح ماركسياً، ولسوف يظل خاضعاً للمنطق الصوري.


25 - انتصار الرأسمالية
برهم برهومه ( 2010 / 10 / 11 - 05:55 )
يقول كيله أن الاشتراكية السوفياتية نقلت البلاد من نظام انتاج قروسطي متخلف إلى نظام صناعي متقدم حديث ثم يقول عادت الرأسمالية وانتصرت في هذه البلاد وكأن النظام الإجتماعي بجره وجريرة في جيب رئاسة الأركان، تنتصر في المعركة فتخرج رئاسة الأركان النظام من جيبها وتفرضه بأمر رئاسي على الأمة. هذا تصور مريض لا يتصوره من له أدنى معرفة بالماركسية وبنقد الإقتصاد السياسي. مشكلتنا نحن العرب هي أنه ليس لدينا ماركسيون حقيقيون. النظام الإجتماعي هو معمار تاريخي لا يولد بشهر وشهرين وسنة وسنتين وعقد وعقدين. وإذا كان كيله لا يعلم ذلك فما الذي يعلمه؟


26 - رد الى: برهم برهومه
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 21:14 )
الأستاذ برهم تحياتي، لم أفهم مما قلت شيئاً، ربما لأنني لم أفهم الماركسية كما تلمح. لكن ما دخل هيئة الأركان سوى أنك فهمت مما قلت بأن الانتقال إلى الرأسمالية تحقق بانقلاب عسكري؟ طبعاً ربما تفاجأ بأنني أعرف بأن -النظام الاجتماعي هو معمار تاريخي- ولهذا حاولت تحليل صيرورة انتصار الرأسمالية ليس انطلاقاً من انقلاب من هيئة الأركان بل من خلال طبيعة تكوين المجتمع والمهمات المطروحة فيه، وبالتالي آليات انهيار الاشتراكية والتحول إلى الرأسمالية. وهي مسألة حدثت خلال أكثر من سبعين سنة.
لكن إذا كان الهدف مما قلت توضيح أنني لا أعرف شيئاً فشكراً لك، لازلت لا أعرف الكثير، لهذا لا اصدر أحكام القيمة دون أن أوضح فكرة بسيطة.


27 - أسئلة
صالح الطائي ( 2010 / 10 / 11 - 06:50 )
الأستاذ الفاض
تحياتي الحارة
راهن الفكر الماركسي على أن النظام الرأسمالي سيستنفذ مقومات وجوده وينهار وتنتصر الإشتراكية ويعم خيرها العالم كله.
لكن كما تعرفون تعجل النظام الماركسي الرحيل ولا أقول الهزيمة وترك النظام الرأسمالي لاعبا وحيدا في الساحة
السؤال: أين يكمن الخلل هل في منظومة الفكر الماركسي أم في قوة الفكر الرأسمالي؟
وهل تتوقع للفكر الماركسي أن يلقى في المستقبل قبولا كما هو في بداية نشوئه أم انه سيتحول إلى مجرد موروث فكري إنساني لا أكثر؟


28 - رد الى: صالح الطائي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 22:20 )
الأستاذ صالح تحياتي، أود التوضيح أولاً بأنه ليس الفكر الماركسي هو الذي راهن على أن يستنفذ النظام الرأسمالي مقومات وجوده وينهار، بل أن فكرة لدى ماركس فهمت كذلك من قبل قطاع كبير من الماركسيين في الأممية الثانية، ثم لدى الماركسية السوفيتية وأتباعها، وكان في ذلك خطأ كبير، حيث لا تأتي الاشتراكية هكذا عفوياً نتيجة انهيار الرأسمالية، بل أن تعفن الرأسمالية يعني دمار عام دون وجود البديل. وهذا ما أشار إليه لينين الذي انطلق من مبدأ الصراع الطبقي، ومن أن تجاوز الرأسمالية يكون عبر الصراع ضدها، وأن أزماتها تساعد على تفاقم الصراع لكنها لا تقود ميكانيكياً لانتصار الاشتراكية.
أما عن انهيار الاشتراكية فقد أشرت في الرد إلى أنه يجب أن نلحظ وضع الأمم التي انتصرت الاشتراكية فيها، حيث كانت أمماً متخلفة لم يتطور وضعها إلى الوضع الذي أوجدته الرأسمالية، من حيث قوى الإنتاج (الصناعة) والحداثة. ولهذا كانت الاشتراكية في هذه البلدان تحقق اللحاق بالتطور الذي أصبح صورة مستقبل كل الأمم المخلفة كما أشار ماركس. هذا اللحاق الذي هو ضرورة لانتقال حقيقي إلى الاشتراكية. لكنه كان يتضمن إمكانية الانتكاس والتحوّل رأسمالياً لأن وعي الملكية الخاصة كان يخترق الطبقات كلها، في وضع كانت الطبقة العاملة فيه ضعيفة. وبالتالي أصبح التطور خاضعاً لميول طبقية تخترق الدولة الاشتراكية، تعززت خلالها الميول نحو الرسملة. لكن هذه الصيرورة كانت قد حققت انتقال المجتمعات المتخلفة التي انتصرت فيها إلى مجتمعات صناعية حديثة ومتطورة.
ربما نقول هنا مع هيغل: هذا هو مكر التاريخ، حيث كان هذا الشكل من التطور ضروري من أجل تحقيق هذه الانتقالة المهمة في التطور. بالتالي هنا ليس ضعف الفكر الماركسي ولا قوة الرأسمالية من فرض ذلك بل الواقع ذاته الذي كان يفرض تحقيق هذه الانتقالة في مجتمعات كانت قروسطية في الغالب. ولهذا نجد اليوم أن الرأسمالية كذلك قد دخلت أزمة عميقة وطويلة، سوف تفرض تحقيق تحولات كبيرة في الوضع العالمي. وسوف يكون ممكناً العودة إلى انتصار الاشتراكية في العديد من الأمم.
بالتالي لا أعرى بأن الماركسية سوف تندثر، فأولاً هنالك فارق بين الفكر والتجارب التي تتحقق على ضوئه، لأن التجارب تخضع ليس للفكر وحده، وإلا عدنا مثاليين، بل تخضع أكثر للواقع ولممكنات الواقع، وللحدود التي يمكن أن يتطور فيها. ولقد أشرت إلى كون جوهر الماركسية، أي الجدل المادي، هو الشكل الأرقى لتطور الفكر (بينما يمكن أن نتجاوز كثير من الأفكار التي قال بها ماركس أو إنجلز أو لينين أو الآخرين). وكما ظل منطق أرسطو قروناً طويلة مستقراً سوف يبقى الجدل المادي كذلك مستقراً لعقود طويلة. وثانياً الماركسية كرؤية مبنية على هذه المنهجية هي المعبر عن كل الميول التي تنشأ عن وجود الرأسمالية والأزمات التي توجدها.
وما دامت الرأسمالية في أزمة سوف تجري العودة إلى ماركس، ولسوف تنشأ أجيال تعيد التأسيس لماركسية تعبّر عن العمال والفلاحين الفقراء في سعيهم لانتصار بديلهم. خصوصاً أن هذه الأزمات توضح أكثر كم كان ماركس محقاً في تحليله للرأسمالية، وكم هي ضرورة دعوته لانتصار الاشتراكية.
لكن يجب أن نتنبه إلى أن المسألة تتعلق ليس بتكرار ما قال بل باستخدام منهجيته من أجل وعي واقعنا الراهن، ووعي آليات تغييره.


29 - قواعد مستقبلية لقراءة الماركسية
فاديا سعد ( 2010 / 10 / 11 - 10:38 )

مازلت في قراءتك للنظرية الماركسية، وقبل أن أتم الحوار سأقول انطباعي حتى قبل، أن أرى النقاشات:

سيكون من المحزن أن نمر على هذا الحوار دون أن نقرأه بشكل عميق وجيدا، واسمح لي أستاذ سلامة نقل ما وجدته قاعدة مستقبلية:



لكن كل ذلك سوف يطوِّر في الواقع ما يحتمله الواقع ذاته وليس ما تحمله الأحلام والرغبات.

إن ما تقوله الماركسية هو استحالة التطابق بين الرؤى والأفكار وصيرورة الواقع رغم تأثير الأفكار في الواقع

لهذا كانت أفكار لينين الديمقراطية والثورية عموماً تتراجع حتى قبل وفاته، ولهذا كان شخصاً مثل ستالين هو -ضرورة-، ضرورة يفرضها الواقع رغم تنافيها مع العقل والماركسية.

البحث في كيف يمكن أن تتبلور رؤية اشتراكية أرقى مسألة مطروحة بحدة، من أجل تجارب أرقى وأغنى، ولا تفضي إلى الانهيار. هذا البحث هو ما يمكن أن يضيف إلى الماركسية ويغنيها، وليس الندب على الانهيار والتحلل من التجربة، والعودة إلى تكرار أفكار متقادمة حول ضرورة الرأسمالية، وحتمية استمرارها في الوقت الراهن.

إن احتمالات عودة الاشتراكية قائمة في العديد من البلدان الاشتراكية السابقة، وفي بلدان أخرى كما يجري في أميركا اللاتينية

وعن الأحزاب الشيوعية العربية:
. إنها لا تهدف إلى التغيير ولا تتخلى عن -النضال السلمي-، لكن ما -تغيّر- لديها هو تراجع الخطاب الطبقي المطلبي لمصلحة تضخم الخطاب الديمقراطي، وتراجع الخطاب المعادي للإمبريالية لمصلحة التراخي أو حتى التكيف معها. ولهذا أشرت إلى أن معظمها في الوطن العربي أصبح ديمقراطياً، وأصبح النضال الديمقراطي هو كل نشاطه، وتمحور السعي من أجل تغيير شكل السلطة الدكتاتوري لمصلحة شكل ديمقراطي، دون لمس الطبقة المسيطرة التي هي الكومبرادورية.

، حيث تلبّست -ماركسية- صورية أكثر من المنطق الصوري ذاته.. فالنظرية -تتشخصن-، أي تتجسد في أشخاص، لأنها وحدها صامتة، هي كلمات. ولا يكون لهذه الكلمات نسق ومعنى إلا من خلال الأشخاص.والأشخاص هم متوضعون في الطبقات وليسوا -أحراراً-.

ماركس توصل إلى -نقلة نوعية- تخص منطق التفكير. هذه النقلة هي التي سمحت بان يقدّم فهماً جديداً للتاريخ، للواقع، وأن يقدّم الآليات التي تسهم في تغييره من ضمن الممكنات الموجودة فيه. لكن هذه المرة بشكل واعٍ. وهو انطلاقاً من هذه النقلة أعاد صياغة الأفكار التي كانت سائدة في عصره، وطورها بحيث تصبح جزءاً من منظومة -نظرية- تعبّر عن رؤية الطبقة العاملة.

لم يحن بعد زمن الاشتراكية لأن الرأسمالية لازالت تتطور، وسوف تتطور أكثر. حيث بعد إذ، بعد أن تستنفذ إمكانية تطورها يمكن الانتقال إلى الاشتراكية.
وحين وجداه قد أصبح مجافياً للواقع قبلوا الواقع، أي انتقلوا من تغيير الواقع الرأسمالي نحو الاشتراكية إلى تطوير الرأسمالية وانتظار نضجها وتعفنها.
. وهذا ما جعل بيرنشتاين يقول بأن الهدف النهائي هو لا شيء، الحركة هي كل شيء.

فشلت كل الأحزاب التي اعتمدت على رصيد الاتحاد السوفيتي وليس على رصيدها،
والتي بدت كجزء من السياسة السوفيتية أكثر مما كانت تعبّر عن صراع طبقي محلي.

. فالرأسمالية تزداد تأزماً، وربما تتعفن، لكن لم تتبلور الرؤية التي تؤسس لنضال حقيقي يقود إلى تجاوزها..

وحتى متابعة هذا الحوار المهم لك تقديري واحترامي..


30 - رد الى: فاديا سعد
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 22:23 )
شكراً العزيزة فاديا على أمل تلقي ملاحظاتك بعد اكمال القراءة، التي سوف استفيد منها بالتأكيد.


31 - الارتفاع بالحوار
سلام السعدي ( 2010 / 10 / 11 - 11:19 )
تحية لموقع الحوار المتمدن على هذه الحوارات، وتحية للأستاذ سلامة على مجهوده الفكري ومحاولاته لاعمال ادوات المنهج الماركسي في الواقع العربي المتدهور، وأرجو من بعض المداخلين الابتعاد عن المناكفات البسيطة، خصوصا هؤلاء الذين لديهم حساسية مفرطة من ابداء تحليل عميق ومنهجي لوجود الدولة الصهيونية، لقد قدم الأستاذ سلامة فكرة منهجية حاسمة في فهم العلاقة مع الدولة الصهيونية عندما أشار الى تحليل إنجلز لفكرة هيغل أن كل ما هو واقعي هو عقلاني، وأن كل ما هو عقلاني واقعي،حيث كل ما هو واقعي سينقلب إلى أمر غير عقلاني، وبالتالي يستحق الزوال، وبالتالي ليس كل ما هو واقعي(كوجود اسرائيل) هو عقلاني.... وهي مقاربة منهجية عميقة لا تستحق ان تقابل برد ساذج من قبيل -عين ترى وعقل يفكر-!!، ان تبسيط وتسطيح الأفكار لا يجدي في المسائل المركبة، اتمنى الارتفاع بمستوى الحوار ليكون منتجاً للفكر وشكرا لكم


32 - رد الى: سلام السعدي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 11 - 22:25 )
شكراً العزيز سلام، واتمنى أن يظل الحوار في مستوى يقدم معرفة ولا يخضع لميول تهدف الى فرض أفكار، وتمرير سياسات.


33 - تساؤل
fakir adil ( 2010 / 10 / 11 - 19:19 )
عرف العالم بعد الحرب العالمية الثانية عدة اشكال من الاستعمار المباشر والغير المباشر الا ان اعتى الانظمة الاستعمارية التى ظهرت ابان هده الفترة يمكن حصرها فى نظامين استيطانيين عنصريين هما نظام الابارتايد في جنوب افريقبا واالكيان الصهيوني فى فلسطين
فى حالة الاول نعرف ما حصل سؤالي هو التالى
لمادا فشلت حركة التحرير الفلسطينية فيما نجحت فبه نظيرتها الجنوب افريقية


34 - رد الى: fakir adil
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 12 - 20:35 )


الأستاذ fakir تحياتي، لاشك في أن الظروف مختلفة كثيراً بين وضع جنوب أفريقيا وفلسطين، رغم وجود بعض التشابه، حيث أن الدولة الصهيونية ارتبط تأسيسها بمشروع إمبريالي طاول الوطن العربي كله، فقد ارتبط بالتجزئة السياسية والتفتيت الذي لحق بالوطن العربي، وحيث ارتبط بالسيطرة الإمبريالية على العديد من الدول العربية. بمعنى أن الصراع مع الدولة الصهيونية هو صراع مع النظام الرأسمالي ككل. ولقد انتصرت جنوب أفريقيا حينما تراجع الدعم الإمبريالي لنظام التمييز العنصري بعد تصاعد النضال الثوري في جنوب أفريقيا. وحيث كان ممكناً للدول الإمبريالية أن تكفّ عن تأييد النظام العنصري دون أن تخسر شيئاً مهماً في أفريقيا، خصوصاً بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وقبول المؤتمر الوطني الأفريقي بمساومة تبقي السيطرة الرأسمالية بعد إلغاء السيطرة العنصرية.
في فلسطين ليس من الممكن أن تتخلى الدول الإمبريالية عن الدولة الصهيونية لأنها مرتكز السيطرة الإمبريالية، هذه السيطرة التي تهدف إلى ضمان وضع اليد على النفط أولاً، والأسواق ثانياً، من خلال تكريس نظم تابعة، كما من خلال مواجهة أي تطور -دراماتيكي- ثوري مثلما شهدنا مع نهوض الحركة القومية العربية. ولقد كانت الدولة الصهيونية هي أداة المواجهة خلال كل ذلك الزمن، ولازالت كذلك، لكن الآن بالتنسيق مع الوجود العسكري الأميركي. وكما أشرت فإن الدولة الصهيونية هي قاعدة عسكرية تلبس دولة، وتستجلب -سكان-، لكنها أولاً وأخيراً قاعدة إمبريالية.
ولهذا هزمنا في فلسطين في اللحظة التي هزمت فيها الحركة القومية وانهار المد التحرري. فقد فشلت النهضة الثانية التي كان مؤملاً منها أن تحقق الاستقلال والتوحيد القومي وتطوير الصناعة والثقافة، وتأسيس دولة صناعية حديثة.
طبعاً أشرت لأسباب الانهيار هذا، حيث مالت الفئات الطبقية التي قادت النضال إلى تحقيق مصالحها في اللحظة التي أصبحت هي السلطة وتستحوذ على مليارات، هي ملك عام. ولكن أيضاً بفعل الضغط الإمبريالي، ثم الاحتلال الجديد، وهي لم تكن تقوى على مواجهة ذلك، خصوصاً أنها انحصرت قطرياًً، وأسست لقطيعة مع الطبقات الشعبية نتيجة استبدادية النظم التي أقامتها.
الآن، في الوضع الفلسطيني، وهو المقصود بالسؤال، يجب أن نتلمس مشكلة -حركة التحرر الفلسطينية- ذاتها. طبعاً أشرت إلى تعقيد القضية ليس من أجل الوصول إلى القول باستحالة حلها، أو ربط الفشل في ذلك، بل للقول بأنها تفترض، لكي يتحقق الانتصار، وجود -قيادة- في مستوى هذا التعقيد، ويمكن القول بأن أزمة النضال الفلسطيني كانت في كل المراحل بطبيعة القيادة التي تصدرت هذا النضال. حيث سنجد بأن مؤسسي حركة فتح هم من الفئات التي كانت مع حركة الإخوان المسلمين، والمتداخلة مع أمراء الخليج، وإذا كان هناك تحليل ينطلق من أن وطنيتهم هي التي دفعتهم للنضال من أجل تحرير فلسطين، سوف نلمس بأن الرؤية التي انطلقت منها، والتي ربما تكون قد توضحت في وقت متأخر، كانت تقوم على هذا التداخل في مواجهة الحركة القومية العربية من أجل -سحب- القضية الفلسطينية من تلك النظم القومية، بهدف إضعاف النظم أكثر من تحرير فلسطين. لهذا كانت الخطيئة الأولى هي فلسطنة القضية وربطها بالفلسطينيين الذين يعيشون أوضاعاً لا تسمح لهم التهيئة لمقاومة حقيقية ضد الدولة الصهيونية إلا على أرض عربية (دول الطوق) وبالتالي الصدام مع النظم ذاتها وليس مع الدولة الصهيونية. وكما كانت تشير حركة فتح بأن هدفها هو توريط هذه النظم في الحرب، وهي تعرف النتائج، أو تستعجل الصدام قبل أن يتهيأ وضع مناسب.
ثم، كان هذا الوضع الذي جعل الفلسطينيين في مأزق نتيجة الصدام مع النظم، مدخلاً للقول بقبول -دولة مستقلة- في الضفة وقطاع غزة من خلال المفاوضات، التي أوصلت إلى أوسلو فالوضع المرعب الراهن.
ويمكن تلمس مشكلات الشكل الذي أسست فيه المقاومة في الخارج، والذي حوّل المناضلين إلى موظفين في مكاتب، والمقاتلين إلى شرطة في بيروت، وحراسات على مكاتب لا دور لها سوى استهلاك الوقت. وحيث كان كل ذلك يحتاج إلى مليارات الدولارات التي تكفلت الدول النفطية تغطيتها، مما حوّل كل زخم المقاومين إلى قوات شرطة ذهبت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أوسلو لكي تلجم النضال الفلسطيني هناك.
وإذا تجاوزنا الإجابة على سؤال هل أن هذه القيادة كانت تعي ما تفعل أو أن وعيها هو الذي فرض هذا الشكل، فإن النتيجة واحدة وتتمثل في أنها لم تكن تعي وضع القضية جيداً وأنها مارست بشكل عشوائي، ودمرت زخم النضال.
في المقابل سيكون من الضروري السؤال حول دور الشيوعيين، حيث أن جل الثورات المنتصرة كانت بقيادة شيوعية، فلماذا كانت سياسات الحركة الشيوعية تنطلق من إقناع الشعب بالسلام العالمي، والاعتراف بـ -دولة إسرائيل-، والتعايش؟ حين أشرت لوضع القضية في الوطن العربي، كنت أقول بأن هذا الوضع الذي يقوم على الصراع مع النمط الرأسمالي بمجمله يفترض دوراً لقوى جذرية في صراعها مع الرأسمالية، وليس أي قوى أخرى، إن الطبقات التي قادت النضال العربي لا ولم يكن بإمكانها أن تفعل سوى الهزيمة.


35 - نورنا الله ينورك
سالم الساعدي ( 2010 / 10 / 12 - 03:55 )
من هي القوى الطائفية التي تحالف معها الحزب الشيوعي العراقي ؟ نورنا , فربما نحن نجهل المجريات مع اننا في وقت الكلك , تكلك على الخبر فتخرج لك متعلقات لا حصر لها


36 - رد الى: سالم الساعدي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 12 - 21:31 )
الأستاذ سالم تحياتي، لأننا في زمن الكلك نرى السياسة التي سار عليها الحزب الشيوعي العراقي منذ احتلال العراق، فقد شارك في مجلس الحكم بالصفة الطائفية لأمينه العام، وتحالف مع القوى الطائفية في الوزارات المتتالية منذ ذاك الوقت، ماذا نسمي ذلك؟ ثم أنه متحالف مع القوى -القومية- الكردية، والتي تتسم بالتعصب القومي على ما أظن. هذا وضع يعني أولاً التحالف مع قوى طائفية، وثانياً المشاركة في سلطة تحت الاحتلال.


37 - سلامات صديقي
غسان المفلح ( 2010 / 10 / 12 - 06:41 )
..

من الملاحظ أننا إزاء تاويلات لا متناهية للماركسية، وهذه التأويلات وكل منها، يضع أمامنا مقدمة لا تقبل النقاش، وهي علمية هذا التأويل لكونه يستند على علمية، ما أسميته أنت- الجدل المادي- ببساطة صديقي، إن مختبر العلم هو التجربة، والتجربة دوما تعتمد على مقدمات مسبقة، إيا كانت هذه التجربة، أقصد لا يوجد عالم يدخل مختبرا دون ان يكون له تحصيلا علميا ما، كأن نقول، عندما دخل ماكس بلانك المختبر الفيزيائي وانتج بالتجربة فيزياء أو مكيانكا الكم، واحدث نقلة علمية، بالتأكيد كان لديه خلفية في فيزياء نيوتن، متجاوزا او مصححا- لا فرق كثير هنا- تجربتها التي كانت علمية تماما حتى تلك اللحظة، التجربة تأويل يثبت بالتجربة، هذا ما يمكننا ان نستخلصه وفق منطق تأويلات الماركسية المتحورة حول ثبات- الجدل المادي- عن أي تجربة نحن نستطيع ان نتحدث؟ أية أدوات علمية تمكننا من مركسة- او جدلنتها ماديا- الظواهر العلمية التي نشأت بعد ماركس أو- عبر إعادة -نقد الاقتصاد السياسي- الكائن الماركسي الأكثر ديمومة-، أم بعد جدليات الطبيعة لأنجلس الذي أصبح ميراثا لا يعتد به كثيرا؟ فالوقوف عند جدليات ماركس، هي تماما كوقوف الليبراليين الذين تشتمهم صباح مساء عند عصر التنوير الغربي القرن الثامن عشر وما بعده بقليل..حتى أن العلم ذاته لا يقول بهذا...
لا يوجد أيديولوجيا في عصرنا الراهن لا تحاول علمنة مقولاتها والاستناد على علموية منتقاة، بما فيها الأيديولوجيا الإسلاموية في الزمن الراهن...العلم للجميع، ولكن العمل من أجل نموذج اجتماعي هو الذي يحدث الشقاق، ولماذا؟ ولكن هل يحدث هذا في العلم؟
وفي آخر هذه التساؤلات، أود ان أطرح تأويلا متسائلا- عن تجديد -العلم المادي للجدل- وفق تأويلك المتمسك به، سيتم بأدواته المعرفية ذاتها أم بأدوات معرفية جديدة، من داخل- نسقه العلمي- أم من خارجه؟
وشكرا لك


38 - رد الى: غسان المفلح
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 12 - 23:20 )
سلامات وتحياتي، لم أفهم كثيراً ما أشرت إليه، فالماركسية خضعت لتأويلات عديدة، وانحكمت لميول كثيرة، بعضها كان نتاج خطأ معرفي، وبعضها انحكم لميول طبقية هي نتاج اعتناق فئات وسطى لها. فمثلاً استحكم الميل الاقتصادوي في الماركسية، واصبح -الفهم العام- ينطلق من أنها علم الاقتصاد قبل كل شيء. وهذا ما عزَّز من الميل التطوري فيها، وكرّس مادوية مبتذلة. وهناك من رأى أنها تقول بأن الرأسمالية لازالت تتطور وأن الاشتراكية تُطرح حال تعفنها، ولهذا يجب الشغل على الإصلاح وليس على الثورة، وعلى تأجيل الثورة الاشتراكية الى أن -تتوفر الظروف-. وفي كل ذلك ميول طبقية وأخطاء معرفية.
حين نقول بأن الماركسية علمية ننطلق من طابعها المادي ومنهجيتها في تحليل الواقع. فبالتأكيد ليس من بحث دون -مسبقات-، لكن الفارق هو في هذه المسبقات: هل هي أفكار و-قوانين- او قانونيات منهجية عامة؟ فالماركسية تنطلق من الوقائع وليس من الأفكار، ومن الحوادث اليومية، لكن لكي تكشف ما خلفها ولماذا حدثت. هنا دور المنهج، وهنا علميته.
والجدل المادي هو هذا المنهج، أما أنه لم يعد يعتدّ بكتاب جدليات الطبيعة لإنجلز فهذا من بديهيات الأمور لأن العلم تطور كثيراً بعد إنجلز، وبالتالي ما طرحه في هذا المجال أصبح من الماضي. اما الجدل الذي أوضحه إنجلز في كتاب -ضد دوهرنغ- فلازال أساسياً في فهم المنهجية الماركسية. وهنا الفارق بين اعتبار الماركسية هي الاقتصاد السياسي أو حتى نقد الاقتصاد السياسي وبين انطلاق من أن الإضافة الجوهرية لماركس كانت في المنهج، أي في الجدل المادي. وسف نلمس بأن كل الذين رفضوا الجدل كونه أثر هيغلي لدى ماركس وانطلقوا من الاقتصاد قبلوا بالمنهج التطوري التراكمي، وبالتالي قبلوا باستمرار الرأسمالية متخلين عن مشروع التغيير. بينما كان الجدل المادي هو المؤسس لفهم أعمق للواقع ولآليات تغييره.
من هذا المنطلق نلمس -الشقاق- حول -النموذج الاجتماعي-، حيث بان عن ميول طبقية تقوم على تكريس الرأسمالية بدل تغييرها مقابل ميل لكي تلعب الماركسية دور فعل التغيير اعتماداً على العمال والفلاحين الفقراء. وهذا ما شرحته في سؤال سابق من القابلة.
السؤال الذي تطرحه حول التأويل والنسق لم يكن واضحاً، حيث أن الجدل المادي هو منهجية، وهي منهجية علمية، لكنه ليس علم بالمعنى الذي يمكن ان يطلق على علم الفيزياء، هو -طريقة في التفكير-، أو آليات -ذهنية- للبحث في الواقع. وهذه الآليات يمكن تجاوزها حينما يُكتشف ما يفرض ذلك، في الطبيعة والمجتمع. لكن كما أشرت مراراً، إذا كان منطق أرسطو قد استمر قروناً طويلة وهو لازال مستمراً، فإن المنطق الجديد سوف يستمر كذلك لأن تلعقل البشري لم يراكم بعد ما يؤسس لتجاوزه كمنهجية. إنه في أول الطريق بعد.
على كل حين ترى في نقدي لليبرالية والليبراليين شتماً يكون من الصعب توقع لمس ما قلت.


39 - لينين!
برهم برهومه ( 2010 / 10 / 12 - 19:16 )
يا ويلك وشحار ليلك يا لينين أثاريك عملت خطة لتحويل روسيا من دولة نصف رأسمالية إلى دولة مكتملة الرأسمالية وأخيراً فضحك كيله ولم يعد ينفعك الإختباء وراء دعاويك الإشتراكية البائسة. يا ويلك وشحار ليلك فقد فضحك كيلة!!


40 - رد الى: برهم برهومه
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 12 - 22:46 )
الأستاذ برهم، يبدو أنك لم تمسك بما قلت رغم الشرح الطويل حول الموضوع. فأنا لم أمسك لينين متلبساً بتحقيق الرأسمالية، وليست هذه هي المسألة، وإلا لما كنت أدعو لما دعا إليه لينين. المسألة تتعلق بوضع الأمم المخلّفة التي لم يصبح صناعية، وظلت زراعية أو مهمشة ريعية، وكيف يمكن أن تتطور. هنا قلت بأن لينين قدّم الصيغة الضرورية لتحقيق هذا التطور، لكن هذا التطور لم يكن اشتراكياً لأنه ليس من الممكن أن تنتقل مجتمعات مخلّفة الى الاشتراكية في بنى اقتصادية مهمشة. لكنه تطور ضروري وليس من الممكن أن يتحقق إلا من خلال الدور الذي تلعبه الماركسية ارتباطاً بالعمال والفلاحين الفقراء. وهو الوضع الذي يمكن أن يقود الى الانتكاس نحو الرأسمالية أو يمكن أن يتطور نحو الاشتراكية. ولقد انتكست التجارب السابقة نحو الرأسمالية، وبالتالي علينا أن نستفيد من تجاربها من أجل ألا يحدث الانتكاس مرة أخرى.
على كل، لينين لم يكن متوهماً وهو يعمل على استلام الطبقة العاملة للسلطة بأنه يحقق الاشتراكية، ولقد ظل الى وفاته يقول بأنه يجب أن تتحقق المهمات الديمقراطية كخطوة نحو الاشتراكية.


41 - دعوة جادة
احمد دحموس مدير تحرير اسبوعية شيحان ( 2010 / 10 / 12 - 19:44 )
تحية واحترام الى استا ذ نا الفاضل
من خلالكم وعبر الحوار المتمدن اسالكم وباختصار ووضوح لماذا لايتقدم الماركسيون الاشتراكيون الشيوعيون بتاسيس وانشاء معهد او كلية كمرحلة اولية يتم من خلالها تدريس الفكر الماركسي كمنهاج تعليمي يمنح الطالب الدارس شهادة رسمية معترف بها كشهادة دبلوم متوسط سنة او سنتين ومن ثم تطوير وتوسيع ذلك الى شهادة جامعية اكاديمية وبراي ليس هناك ما يمنع من تسجيل هكذا مؤسسة تعليمية في اوروبا او حتى امريكا او تسجيلها اوف شور

في احدى دول الكاريبي او الجزر المعروفة


42 - رد الى: احمد دحموس مدير تحرير اسبوعية شيحان
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 12 - 22:51 )
الأستاذ أحمد تحياتي، ليست المشكلة في تأسيس مدرسة لتعليم الماركسية، حيث كانت هناك مدارس كثيرة في فترة الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وليست المشكلة كذلك أن تصبح الماركسية فرعاً أكاديمياً، فهذا ما لا يضيف عليها شيئاً، المشكلة تتمثل في كيف تصبح هي وعي العمال والفلاحين الفقراء في سعيهم لتغيير الواقع، وهذا لا يكتسب في مدارس بل في القراءة والممارسة معاً في الصراع الطبقي. فالماركسية هي ليست اقتصاد فقط، ولا علم اجتماع فحسب، ولا كذلك فلسفة أو علم سياسة، هي كل ذلك في ترابط لا ينفصم. وهي لذلك تدرس ككل من أجل فهو الواقع وتغييره.


43 - التجربه الصينيه
محمد العزاوي ( 2010 / 10 / 12 - 20:25 )
الاستاذ القدير
تحيه طيبه
ارجو توضيح رايكم بالتجربه الصينيه وهل لازالت ملتزمه بالنهج الاشتراكي
مع فائق تقديري


44 - رد الى: محمد العزاوي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 12 - 22:58 )
الأستاذ محمد تحياتي، اشرت في رد سابق حول وضع الصين، حيث الوضع مختلط بالنسبة لي، هي تنحو نحو الرأسمالية، لكن هل سيطرت الرأسمالية تماماً؟ هذا ما يجب ملاحظته في التطور الواقعي. طبعاً هناك من بات يجزم بأنها أصبحت رأسمالية، وهناك من يشير الى استمرار الطابع الاشتراكي في الزراعة، والى عدم إمكانية تحويله رأسمالياً، وهذا يوضح الاختلاط أكثر مما يسمح بالجزم، رغم أن الدولة الصينية تتعامل في الإطار العالمي ضمن حدود النمط الرأسمالي، وفي إطار القوانين التي تحكمه.
إن مشكلة المجتمعات المخلّفة تكمن هنا، حيث يجب أن يقاد التطور من خلال الحزب الشيوعي لأنه ليس من الممكن أن يتحقق التطور في شكل آخر، لكن التطور ذاته يفتح الأفق أمام فئات فلاحية ووسطى وحتى عمالية لعبت هي الدور القيادي في تحقيق التطور لكي -تكتشف- أن بإمكانها أن تصبح راسمالية. بمعنى أن -غريزتها- التي توجهها نحو الملكية الخاصة تنهض في اللحظة التي يكون التطور قد بدأ يؤتي ثماره. هنا يحدث التحوّل.


45 - تحية رفاقية
عذري مازغ ( 2010 / 10 / 13 - 02:15 )
أختلف معك الرفيق سلامة في قضية نصوص ماركس، الكثير منها لم يفهم جيدا، أنا أحد طلاب مهدي عامل العصاميين، أي أني تعلمت الماركسية عن كتاباته، في الأيام الأخيرة وانا أعيش بأوربا، عشت موجة العودة إلى كتابات ماركس, وانا واحد ممن اعادوا قراءته لفهم الأزمة الإقتصادية، وجدت أن كثيرا مما قاله ماركس لا زال ساريا، إنما بلغة اليوم، وعلى عكس بعض المعلومات الواردة في حوارك، فالتكتلات الإقتصادية عبرت عنها قبلك روسا لوكسامبورع، لا أدري هل انتم لا تقرأون للنساء؟ هي تكلمت عن هذه الشراكات في القرن الماضي،ولها رصيد متميز من إنتاجها الماركسي، وهي كانت تخالف لينين في كثير من القضايا، على الأقل موقفها من إلغاء الجمعية العامة، اعذرني إن لم أتذكر جيدا اسم الجمعية، من طرف لينين،ماركس اعتمد صراع الطبقة العاملة للتعجيل فقط بالثورة، لكن ماركس قال أيضا بان المجتمع الراسمالي يحمل في ثناياه موته وانا اتفق كثيرا مع هذا الطرح، لكن ونحن في زمن تتلاشى فها الطبقة العاملة،بفعل هيمنة الإنتاج الآلي،الأزمة الحالية الفقاعة المالية كما يعرفها الإقتضاد السياسي الحالي، هي بتعبير ألتوسير أزمة بنيوية، من معادلاتها وفرة المنتوجات وقلة اقتنائها، من خلا ل التنصيص الماركسي الذي بدا لي انك ترفضه، الثورة ستبدا من هنا كما قال ماركس اي من المركز الرأسمالي، وليس من الهامش الذي مازال متخلفا عن فهم الكثير من القضايا: التلوث البيئي، الإيمان بالتخريب الطبيعي،الإستغلال البشع لثروات الطبيعية، بعبارة أخرى أتفق كثيرا مع أطروحات سمير أمين، مازال الغرب يعيش رفاهه من استغلال العالم المهمش، الاحزاب الشيوعية الأوربية تعيش انا هذا الرفاه، ولا يجرأ احد بكشفه، هل هو الخوف منا ام ماذا؟ الأحزاب الشيوعية العربية،اتفق معك في تحليل حالتها، وانا من جيل الماركسيين الاخير كنت اعرف انها كانت تعبئ لانضمام المثقفين الاكاديميين أكثر من اضمام الطبقة العاملة، كانت أحزاب نخبوية تحتكر الثقافة الماركسية ،،


46 - رد الى: عذري مازغ
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 13 - 16:54 )
الرفيق عذري تحياتي،
أولاً لست أدري كيف توصلت الى أنني أشطب كل نصوص ماركس، حيث أنني أحاول التمييز بين المنهجية التي هي الجدل المادي أولاً، والعديد من الأفكار التي أصبحت بمثابة القوانين ثانياً، وبالتالي مجمل ما كتب ماركس، حيث هناك ما مثّل تحليلاً صحيحاً لواقعه، وهناك ما بدا أنه خاطئ، وثالث لازال يمتلك قدراً كبيراً من الصحة. ولقد أشرت في كتابات مختلفة الى ما أعتقد بأنه خاطئ. وأظن أن تحليل الرأسمالية لازال صحيحاً وأساسياً.
ما قلت أنه لم يعد صحيحاً، او كان خاطئاً يتعلق بطبيعة فهم الثورة الاشتراكية، حيث انطلق ماركس من واقع طبقي كان يحكم البلدان الرأسمالية، أو كانت هذه البلدان تسير فيه، لكن هذا التطور سار في سياق آخر، ولاشك أن عديد من القوانين التي اكتشفها ماركس تفسر هذا التحوّل، منها مثر قانون المنافسة والتحول الى الاحتكار، منها قانون فيض الإنتاج، ومنها كذلك الاستعمار. هذا التحول فرض تكويناً للعالم مختلف عما توقع ماركس، وبالتالي أسّس لتناقضات جديدة. وهذا ما شرحته في الإجابة السابقة. وأوضح بأن هذا لا ينتقص من ماركس، ولا يؤكد خطأ الماركسية، حيث أنه ليس من الممكن إمتلاك الحقيقة المطلقة.
ثانياً بالنسبة للتكتلات الاقتصادية لم أدعِ أنني أول من أشار إليها، ولاشك في أن روزا لوكسمبورغ بحث في هذا الموضوع، كذلك لينين، وكاوتسكي، وهيلفردينغ وهوبسون، لكنني أشرت الى التكوين الراهن للتمركز الاحتكاري، وكيف وصع الى مرحلة أعلى. ولاشك في أن قراءة روزا مهمة هنا (وفي كل كتاباتها التي لاشك في أنني قراتها). ما يهم الآن هو متابعة هذا التحليل، ورؤية الواقع الجديد للرأسمالية، التي أشرت إليه أنت، حيث هيمن -المال- (وليس الرأسمال المالي) على الإنتاج.
ثالثاً هل لازالت الثورة الاشتراكية سوف تحدث في المركز الرأسمالي؟ أظن بأن تحولات العالم قد نفت ذلك، حيث يجب دراسة التكوين الطبقي في هذه البلدان، وتلمس المصالح التي تحكم كل طبقة، فلا يكفي أن تكون هذه البلدان متطورة لكي تكون أساس تحقيق الثورة الاشتراكية. فهي لاشك متطورة، وحديثة، لكن واقعها الطبقي لا يشير الى إمكانية لثورة اشتراكية فيها. فالطبقة العاملة محدودة العدد وتتهمش أو تتلاشى كما تشير. والفئات الوسطى هي الطبقة الأوسع. وإن نهب العالم هو الذي يسمح بتشكيل هذا التكوين، وبالتالي ليس من الممكن أن يتغير هذا التكوين إلا بتحرر العالم، وتحقيقه التطور الصناعي الضروري لتأسيس عالم متكافئ. هنا نعود الى الأطراف، حيث يتفاقم التناقض مع الطغم الإمبريالية، وتسعى الشعوب للتحرر وتحقيق التطور.
هذه المسألة الأخيرة هي التي حاول مهدي عامل التعبير عنها، وهي ما يجهد د. سمير أمين للبحث فيها. وهما يعرفان بأن انتصار الاشتراكية منوط بتحرر الأطراف.


47 - النشر في الصحف الصفراء
نارد جميل ( 2010 / 10 / 13 - 05:25 )
السيد كيلة
السلام عليكم
تنشر في الصحف الخليجية الممولة من قبل امراء النفط , من نهب مال شعوبها , الحياة مثلا
اليس ذلك تناقض مبدئي مع المباديء الماركسية التى تطرحها؟ , ومن الموكد ان تستلم مقابل مادي منها


48 - رد الى: نارد جميل
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 13 - 14:49 )
شكراً للأستاذ نارد، فعلاً أنا أنشر في جريدة الحياة وأقبض مقابل ذلك، لكن أين المشكلة في ذلك؟ هل أكتب ما يناقض ما أقول في أماكن أخرى؟ أو هل أن التحليل الذي اكتبه هناك لا يستند الى الماركسية أو لا يطرح موقفاً واضحاً من الإمبريالية وسيطرتها وحروبها، وكذلك من الدولة الصهيونية، أو من التطور والحداثة؟ حين ألمس بأنه ليس بإمكاني التعبير عن رأيي فلن تجد لي مقالاً هناك.


49 - صباحك ياسمين سلامة
غسان المفلح ( 2010 / 10 / 13 - 07:15 )

هذا الحوار الذي خلقه لنا الحوار المتمدن مشكورا فرصة لنا جميعا لكي نستفيد، ونتعلم من روادنا...
العلم والأيديولوجيا حقلان بينهما من الاتصال والانفصال، مساحات لا يمكن لنا أن نغفل عنها مطلقا، العلم ينطلق من مسبقاته، لكنه يرضخ للتجربة حتى لو أتت منافية لهذه المسبقات، أما الأيديو لوجيا فهي كذلك لأن هنالك جانبا تأسيسيا فيها، وهو ثباتها على مسبقات محددة، او مقدمات لا تحول ولاتزول لا بفعل الزمن ولا بفعل التجربة..وهذا ما يسميه بعضنا بالارثوذكسية، وبعضنا يختار تعبيرا ليس موفقا، وهو الدوغمائية، الذي لا أميل إلى استخدامه في حيز الأيديولوجيات الكبرى، ومنها الماركسية..لأنها تبذل محاولة ان تتواصل دوما مع العلم، لدرجة انها تأخذ مكانه عند بعضنا في بعض الأحيان، انطلاقا من هذه المقدمة السريعة، العلم لا يعترف برسم نماذج متخلية، إلا بعد أن تختبر لديه، عندها تصبح عنصرا تكوينيا في تاريخه، لكن الأيديولوجيا تقبلها، وتتحول في لحظة ما ليس إلى جزء من تاريخها بل تتحول إلى مرشد عمل، كأن نقول- النموذج الشيوعي للمجتمع الإنساني- مرشد عمل بمعنى أنه يشد كل ما لدينا نحوه، وتتحول- أدواتنا المعرفية- إلى خادم لنموذج يراد الوصول إليه، وتتحول تفاصيل الواقع إلى مقدمات ضرورية للبناء عليها من أجل الوصول إلى هذا النموذج..وبذلك يتحول كل الواقع إلى حمولة أيديولوجية، يشدها الحلم، لدرجة أحيانا تصبح معها حتى تفاصيل العلم رغم ما يمكن أن يكون مناقضا لها، خادم لها، كيف؟! ولدينا ثوابت في الماركسية، مفاهيم كثيرة منها- العدالة، الدولة، الحزب، الثورة...- كلها نلمسها هنا لديك صديقي، كيف يمكننا قراءة هذه المفاهيم الآن؟ والأجيال الجديدة في العالم، لم تعد معنية اصلا بقراءة ماركس كله، والعلم الآن، هو منتج رأسمالي في النهاية، ومنتجاته هي التي تقع بيد هذه الأجيال وتراها وترى ما يفيدها بين يديها، والعلم يقول لها قولا واحدا- العيش الآن وفي هذه اللحظة، أو على أبعد تقدير العيش في سن التقاعد...حتى على مستوى الذائقة الأدبية تجد الآن الأكثر قراءة هي الروايات التي تستمد تفاصيلها مما يعرف بالخيال العلمي...هذا على صعيد الدول المتطورة..
أما على صعيد دولنا نحن فالقصة أعقد بما لايقاس بكثير، ولكن لا يطرح الواقع عليهم أو لم يعد يلح هذا الواقع عليهم في قراءة ماركس، ولا حتى يشعرون بالحاجة إليها...رغم توفره وتوفر كتبه في كل مكتبات بلداننا...فهل هذا يعود فقط إلى قصور النخب الماركسية؟ أم إلى تطور واقع تجاوز ما تنتجه هذه النخب، وبقيت هي ترواح في مكانها، دون أي أثر يذكر...؟ ثمة أمر آخر....مفهوم العدالة لم يعد مرتبطا بنموذج ماركسي سواء كان واقعيا وقد سقط.دول المعسكر الشرقي..أو متخيلا يراد الوصول إليه، ربما الخروج من مقدماتنا والنظر قليلا إليها من الخارج يجعلنا ندرك مدى التفارق غير الخصب الذي لازلنا نسجن أنفسنا فيه! ما رأيك؟..وللحوار بقية... لأنني لم اتطرق لمفهوم الحرية في الفكر الماركسي الآن.. ...


50 - رد الى: غسان المفلح
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 13 - 18:13 )
أود أولاً أن أتناول المصطلحات، فماذا يقصد بالعلم وبالأيديولوجية؟ كما يبدو يوضع العلم مقابل الأيديولوجية، لكن هذا يتجاهل المعنى المستخدم لكلا المصطلحين. فهل نقصد بالعلم العلم الطبيعي أم العلم الاجتماعي؟ وهل نقصد بالأيديولوجية المعنى السلبي، أي الوعي الزائف، أو المعنى الآخر الذي يعني الوعي الطبقي عموماً سواء كان مطابقاً أو مفارقاً؟
ولاشك في أن كل علم ينطلق من مسبقاته وهو يبحث، لكن كيف نتعامل مع هذه المسألة في المجتمع وليس في الطبيعة؟ هنا يجب أن نحدد ما هي -المسبقات-؟ هناك مسبق -حتمي- لدى كل البشر، هو الآليات الذهنية التي تحكم النظر الى المسائل. كما هناك -مسبقات- تتحدد في كل -علم-، مثل -علم الاقتصاد- أو -علم الاجتماع- أو -علم السياسة-. لكن هذه المسبقات تخضع لمسبق أعلى هو المنطق، المنهج العام، والذي يتحكم في المناهج الجزئية التي تمثل مسبقات في كل -علم-.
الآن، في الماركسية الجدل المادي هو هذا المنهج الذي حل محل منطق أرسطو (رغم أن منطق أرسطو الصوري ظل الخطوة الأولى في هذا المنهج)، وبالتالي هو -المسبقات- التي تحكم النظر الى الواقع. مع ملاحظة أن هناك -مسبقات- إضافية لكل مستوى من مستويات الواقع (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، والوعي).
الأيديولوجية هي نتاج تحليل واقع محدد انطلاقاً من هذا المنهج، هذا التحليل الذي يقود الى بلورة رؤية تعبّر عن مصالح طبقة، وعن البديل الذي يحقق هذه المصالح. وكلما كان فهم الواقع دقيقاً كان البديل دقيقاً. هنا يمكن الإشارة الى أن تحليل الواقع هو الذي يخضع لـ -التجربة- من خلال الممارسة، حيث يمكن أن يكون صحيحاً أو يجري تعديله. وبالتالي لا تتضمن الماركسية نموذجاً، وكل نمذجة تقود الى إعادة الماركسية الى المنطق الصوري، أي تجاوزها رجوعاً الى الخلف. من هذا المنطلق لا تقول الماركسية بأنه يجب أن يكون لدى الماركسي -بنية منمذجة- تحكم الممارسة كما كان، ولازال، يجري لدى الكثير من الماركسيين. فهذا هو المنطق النصي، الذي يلخص العالم في -بنية نظرية-، وتصبح المهمة هي تطبيقها.
لهذا قبل الحديث عن تجاوز الماركسية يجب أن تزال هذه النظرة الى الماركسية. فما كان يحكم كل -الماركسيين- لم يكن الماركسية بل منظومة ملخصة قيل أنها الماركسية. هذه البنية يجب وضعها جانباً والعودة الى الماركسية.
ثانياً هل أن -الأجيال الجديدة في العالم، لم تعد معنية أصلاً بقراءة ماركس كله-؟ أسمح لي يا صديقي أن اقول لك بأن هذا شلف، رمي الأفكار على عواهنها. فكيف عرفت ذلك؟ ويبدو أنك لا تتابع الإعلام، أو لا تحب أن تضطلع على ما يقوله الإعلام، لأنك وصلت الى قناعة بأن -تطور الواقع تجاوز- الماركسية. فما قيل، على ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية عن ماركس ورأس المال يشير الى عكس ما تقول. ربما كان الاضطلاع على الماركسية قد تراجع خلال التسعينات وبداية الألفية لكن لا يمكن أن نقول ذلك الآن.
وتبقى المشكلة ليست في ذلك بالتحديد، بل في طبيعة فهم الماركسية، وكيفية التعامل معها.
أخيراً أشير الى أن مفاهيم العدالة والدولة والحزب والثورة هي ليست اختراعاً ماركسياً بل هي موجودة في الواقع قبل ماركس وبعده، وما فعلته الماركسية هو تقديم تصور حول هذه المسائل. ومن يعتقد بأنها خاطئة عليه أن يقدم تصوره، والحياة تستوعب كل الآراء.


51 - ماذا قال لينين؟
يعقوب ابراهامي ( 2010 / 10 / 13 - 07:56 )
في ردك على د.حسن نظام (22) قلت ما يلي: لينين اعتبر بأن الحركة الصهيونية حركة رجعية
لا شك لدي انك تستند الى ما قاله او كتبه لينين. سؤالي إذن هو: متى واين قال لينين، او كتب، شيئاً عن الصهيونية؟
متى واين قال لينين إن الحركة الصهيونية حركة رجعية؟
مع تحياتي


52 - رد الى: يعقوب ابراهامي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 13 - 14:45 )
جميل ألا تسأل عن موقف ماركس، وهذا يعني أنك تعرفه. أما حول موقف لينين فيمكنك العودة الى كتاباته سنوات 1902- 1903 في الصراع حول موقف البوند، حيث رفض تشكيل حزب مستقل للبروليتاريا اليهودية. وإذا كنت تود النصوص يمكنني ان أسرد بعضها. يقول لينين أن -الحركة الصهيونية تمثل تهديداً مباشراً لنمو التنظيم الطبقي للبروليتاريا أكثر من اللاسامية-. ويقول -بالمقابل فإننا لا نستطيع أن ننكر الطابع المبدئي لحجة البوند الثالثة المستندة الى فكرة أمة يهودية. ومن سوء الحظ أن هذه فكرة صهيونية خاطئة تماماً ورجعية في جوهرها-. ويستشهد بكاوتسكي الذي يقول- إن يهود عاليسيا وروسيا طائفة أكثر منهم أمة، والمحاولات المبذولة لتأسيس الجماعة اليهودية في أمة محاولات تأبين لطائفة-. ويقول -إن اليهود في العالم المتمدين لا يشكلون أمة-. ويمكن أن أسرد نصوصاً كثيرة، لكن يمكن العودة الى كتابات لينين ذاتها، بأي لغة من اللغات، أو يمكن العودة الى كتابه -نصوص حول المسألة اليهودية- إصدار دار الطليعة بيوتط1/ 1972. وأيضاً كتاب ناجي علوش -الماركسية والمسألة اليهودية- دار الطليعة بيروت ط3/ 1980. وكذلك الكتاب المهم للمفكر الماركسي أديب ديمتري -الماركسية والدولة الصهيونية- الصادر عن دار الطليعة كذلك. وهذا الموضوع بحث جيداً في الوطن العربي نتيجة إشكال الموقف الخاطئ للأحزاب الشيوعية، وبالتالي سيبدو أي موقف مؤيد للصهيونية أو مقرر بوجود -أمة يهودية- أو -شعب يهودي- بعيدين عن الماركسية. وعادة للهروب من هذه الإشكالية يجري الإتكاء على فكرة القبول بالأمر الواقع التي ناقشتها قبلاً.


53 - لماذا لا نُزاوج بين الجيد من الأفكار والتطبيق
ضياء المفرجي ( 2010 / 10 / 13 - 09:22 )
لقد كنت في رحلة عمل في أوكرانيا قبل شهرين ووجدتُ بنية تحتية عظيمة في هذا البلد الجميل، وكنت أستفسر عن كل شئ وأحاول أن أجد تفسير لما جرى وكيف أنهارت النظم الأشتراكية بعد أن كانت قوية جداً؟ تبين لي أن الموضوع هو عبارة عن أتفاق بين الأشترامية والرأسمالية والموضوع فكري لا علاقة له بالتطبيق لا من قريب ولا من بعيد، أفل نجم الأشتراكية وأنتهت حقبتها وأنتهى العمل بها ولكن في عين الوقت أنتهى العمل في غريمتها الرأسمالية أيضاً! الموضوع فكري بحت، الرأسمالية كفكر والأشتراكية كفكر كنا نسميهما معسكرين والآن معسكران أيضاً، المعسكر الديمقراطي والمعسكر الجديد (ولاية الفقيه) والتناحر (المزعوم) بينهما واضح ولكنه تمثيل في تمثيل، ولاية الفقيه الآن أقوى من ذي قبل مع كل ما جرى من حروب وحصارات وغيرها من أرهاصات، الجماعة متفقين.
بالنسبة للمعسكر الأشتراكي السابق كما يحلو لي أن أسميه، كان أفضل من اليوم حتماً كحياة للشعوب في البلدان التي كانت ترزح تحت وطأة تلك الأنظمة واليوم مجاعات في تلك البلدان والقيادات القديمة أصبحت عصابات سيطرت بعدما قتلت ونهبت فأصبحت تمتلك المعامل والمصانع والبنايات التي كان يمتلكها النظام في تلك البلدان.


54 - رد الى: ضياء المفرجي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 13 - 18:17 )
الأستاذ ضياء تحياتي، لاشك في أن الوضع الآن أسوأ كثيراً لقطاع كبير من الشعوب التي تعيش في البلدان الاشتراكية السابقة. فقد حققت الاشتراكية تطوراً مهماً في هذه البلدان، لكن طبيعة تشكل السلطة، ونشوء النخب التي عملت على تحقيق مصالحها هو الذي قاد الى هذا التحوّل. لقد كان التطور المتحقق يفترض سلطة ديمقراطية لكن دكتاتورية السلطات دفعت الى الانهيار، وبالتالي خسارة الشعوب ذاتها.


55 - قول على قول
دهام حسن ( 2010 / 10 / 13 - 17:25 )
الأستاذ الكريم قلت في ردك على مداخلتي مايلي:
(وعكس ما أشرت لم يكن لدى لينين أوهام حول ذلك، حيث كان واضحاً لديه أنه يحقق المهمات الديمقراطية وليس الاشتراكية. وهذه قابلة للارتداد. وهنا أشير الى أن ما تناولته حول أقوال لينين ليس دقيقاً....) إليك ردي هذه المرة موثقا بما قاله لينين عن فشل الثورة

لا أقول أن لينين أصيب بالإحباط بل أقول أنه تناول الواقع ببصيرته العلمية فوجد عن إمكانية بناء الاشتراكية في دولة رأسمالية متخلفة متعذرة
.. لهذا رأيته يقر بفشل الثورة يقول:
(كنا على يقين تام من أن انتصار الثورة البروليتارية في روسيا مستحيل دون مساندة الثورة العالمية، قبل الثورة كما بعدها، كنا نقول: إما أن تنفجر الثورة في البلدان الرأسمالية الأكثر تطورا فورا، وإلا عاجلا، وإما أن يحتم علينا الهلاك.. ورغم هذه القناعة، فقد جهدنا كل جهد للمحافظة على النظام السوفييتي مهما كلف الأمر، وفي كل الظروف، لأننا كنا نعلم أن عملنا ليس فقط في مصلحتنا، بل في مصلحة الثورة العالمية). من كتاب نصوص حول الثورة الدائمة ص120
في عام 1920يسأله صحفي ياباني هذا السؤال : (أين يمكن أن يتوفر للشيوعية المزيد من احتمالات النجاح في الغرب أم في الشرق) فيرد لينين دون تردد (لا يمكن بعد للشيوعية الحقيقية أن تحرز نجاحا إلا في الغرب)لينين في 10 مجلدات الطبعة العربية ج10 ص14 أما حول الفشل فيقول التالي بالحرف (من الواضح أننا فشلنا كنا نريد بناء مجتمع جديد بواسطة صيغة سحرية في حين أن مسألة كهذه تستلزم عشرات السنين وعدة أجيال) الأصوليات المعاصرة لروجيه غارودي ص23
أنت تريدين التأكيد على الثورة في الأطراف فأنا لا أستطيع أن أنفي وأنت لا تستطيعين أن تؤكدين.. وهذه بالأساس فكرة سمير أمين.. لكن الذي جعلني أن أكتب ثانية لا من أجل الجدل لكنك قلت ما نقلته أنا عن لينين ليس دقيقا فها أمامك النصوص.. ولي مقالة منشورة عن (ثورة أكتوبر البدايات) في الحوار المتمدن يمكن للأخوة الرجوع إليها.. وشكرا


56 - رد الى: دهام حسن
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 13 - 22:36 )
الأستاذ دهام، ليس من عادتي ان أجادل في النصوص، لأن أي نص هو مجتزأ من رؤية، وبالتالي لا يعبّر عن هذه الرؤية. ولهذا غذا عدنا الى النص الذي استشهدت به سوف نلمس بانه مجتزأ من رؤية بهدف دعم تصور تروتسكي أكثر من توضيح تصور لينين. ولو عدت الى المرجع ذاته التي استندت إليه (أقصد نصوص حول الثورة الدائمة) ستجد نصاً للينين يدعم ما قلت قبلاً، حيث يشير لينين الى -أن مهمة الثورة في روسيا، المباشرة والقريبة، كانت مهمة ديمقراطية برجوازية قوامها القضاء على بقايا القرون الوسطى، وإزالتها الى الأبد، وتنظيف روسيا من هذه البربرية، من هذا العار، مما كان يعيق الى ما لا حد له كل ثقافة وكل تقدم في بلادنا- (ص 65- 66). وكل الصفحات من 62 الى 70 تتضمن رأي لينين، الذي يمكن العودة إليه في كل الكتابات التب تلت ثورة أكتوبر.
طبعاً، لم أنفِ بأن لينين راهن على انتصار الثورة الاشتراكية في الغرب، لكنه توصل الى فشل هذا الرهان بعد فشل الثورة الألمانية، لهذا توجه الى الشرق. ولن أنفي هنا بأنه كان لدى لينين -أوهام- ما حول الثورة الاشتراكية في الغرب لكن ما كان يراه في روسيا هو ان مهمة كبيرة تسبق الاشتراكية تقبع أمام الحزبن فهو يشير الى افجراءات التي بُدء بها فيقول -غذا نظرنا إليها في مجملها وتطورها، نرى أن هذه افجراءات تشكل انتقالاً نحو الاشتراكية، التي لن تقام في روسيا مباشرة، دفعة واحدة، دون إجراءات انتقالية، إلا أن تحقيقها ممكن تماماً ويفرض نفسه بالحاح اثر تدابير كهذه- (ص64).
أما حول انتصار الشيوعية في الغرب وليس في الشرق فلا شك في أن تصوره يجب تمحيصه، خصوصاً بعد التطورات التالية، فليس من الممكن الانتقال الى الشيوعية قبل انتصار الاشتراكية على صعيد عالمي، وهذا يعني انتصار الأطراف وتطورها نحو الاشتراكية.
اما النص المنقول عن غارودي فاتمنى أن يعاد الى مصدره في كتابات لينين، لنه يتنافى مع ما قرأت من هذه الكتابات.


57 - تحياتي استاذ سلامة.
عايض السراجي ( 2010 / 10 / 13 - 18:49 )
استاذ سلامه انهارت كل الانظمة الاشتراكية ولم يبقى من رموزها سوى فيدل كاسترو في كوبا و كاسترو الان على فراش الموت وكوريا الشمالية تحت الحصار الدولي لدي سؤاليين السوال الاول:هل تنتهي الاشتراكية في كوبا بمجرد وفاة كاسترو الزعيم الذي صمد في وجه اميركا عقود من الزمن ان هناك شوعيين شبان يخلفون كاسترو ويبقون كوبا على نمطها الاشتراكي بعد رحيل كاسترو ؟
السوال الثاني:هل تدخل كوريا الشمالية في وحدة مع جارتها الجنوبية حليفة اميركا بعد وفاة زعيمها الحالي و سقوط الرموز الشيوعية المتشددة هناك ؟


58 - رد الى: عايض السراجي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 13 - 22:38 )
الأستاذ عايض تحياتي، الخيار الممكن هو التحول نحو الرأسمالية، إلا إذا صمدت الى فترة تعود الصراعات الطبقية العالمية فيه الى فرض الاشتراكية كبديل من جديد. وبالتالي ليس من الممكن لي أن اتكهن.


59 - صباح الخير
غسان المفلح ( 2010 / 10 / 14 - 04:42 )
لن أتوقف عند قضية السؤال عن المفاهيم، فقد وضحت هذه القضية، لأنني لو كنت اعترف أن هنالك- علما اجتماعيا- على الطريقة الوضعية - الكونتية- كالعلوم الفيزيائية وغيرها، لما وضعت هذا التقابل النظري الإجرائي بين العلم والأيديولوجيا، ولما تحدثت عن الانفصال والاتصال بين العلم والأيديولوجيا، وتساند وتفارق الحقلين..
أما العلوم التي ذكرتها في الحقل الاجتماعي والتي تسمى أكاديميا -بالعلوم الإنسانية- حتى هذه العلوم لم تحسم امرها كعلم! بالمعنى الطبيعي...فلازالت ترزح تحت كل الحمولات الأيديولوجية، وخطابها لازال يعمل على أدواته نفسها...اي ان علمنة هذه العلوم لازالت إشكالية فلسفية وعلمية...وفي تساؤلي الأول تحدثت عن ديمومة نسبية لنقد الاقتصاد السياسي الماركسي، ليس لأنه علم محض، بل لأن الحياة الراسمالية لازالت قائمة ولازالت تبث فيه الحياة...ومع ذلك فهو ليس فرقة علمية ناجية لا قبلها ولا بعدها، فهو ثمرة من الاقتصاد السياسي الانكليزي..من كل ما تقدم أردت القول، العلم لا يحتمل الشقاق إلا عندما ينزل على قاعدة أيديولوجية ...والأيديولوجيا ليست منهج يحلل واقع محدد فقط بل هي أحلام وآمال وتراكمات من الحس العملي والخبرة العفوية...الخ كلها تنخرط ماركسيا بوصفها علم، أو على الأقل في ماركسية سلامة..وهذا لا يستقيم علميا أيضا.. إن التنميات الحقيقية للماركسية، تعتمد العمل على أدوتها- المعرفية- الآن وقبل أي شيء آخر..ولأنها في النهاية قضية أيديولوجية، تعددت الماركسية وأصبحت ماركسيات والحياة تستوعب كما قلت يا صديقي..
اما موضوعة الشباب واهتماماته في العالم، فأنا ساتجاوز قضية- الشلف- كاتهام...ولكن أقل مؤشر من المؤشرات التي يمكن لنا استخدمها هنا، هي نتائج الانتخابات في البلدان الأوروبية، التي تشير أكثر حتى مما ذهبت إليه أنا في كلامي، مجتمع- المشهد والفرجة- هذا- والتعبير ليس من عندي- باتت أدوات الماركسية التقليدية عاجزة عن لملمة قراءته في نسق أيديولوجي منمط، الماركسية الآن هي عنصر في تاريخ الفكر العالمي يطلع عليه طلاب الجامعات في كليات الاقتصاد والسياسة والفلسفة، أما الأحزاب التي تعتبر أن الماركسية مرشد عمل ومنهج، فالشبيبة في هذه البلدان، لم تعد تراها معبرة عن مصالحها، واهتماماتها، ونذهب لبلداننا كيف هي أوضاع الماركسية لدى جيل الشباب في سورية والأردن ومصر؟...وحتى في أمريكا اللاتينية رغم الخصوصيات الأخرى التي يمكن ان تكون لعبت دورا في بروز- دورا جديدا لليسار- ونجح في بعض المجتمعات، هذا يسار لا يخص الماركسية، بل يخص مجمل الأوضاع هناك والمتناسبة مع يسار الراسمالية المتحررة في تلك البلدان، المتحررة من كونها حديقة خلفية لأمريكا، أكثر بكثير من كونه يسارا شيوعيا او حتى ماركسيا بالمعنى المطروح في قراءة- ماركسيينا العرب- ...وليست مهمة الفكر النقدي طرح بدائل جاهزة هذا ما أعتقده.. وأشكر سعة صدرك...


60 - رد الى: غسان المفلح
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 14 - 16:39 )
يبدو ان ما حاولت توضيحه حول العلم والأيديولوجية ظل ملتبساً، حيث أنني لم اقل أن الأيديولوجية التي هي الرؤية التي تطرحها طبقة من خلال فهم الواقع ووضع بديل وآليات لتغييره هي علم كما فهم غسان. ما قلته هو أن المنهجية الماركسية علمية لأنها تنطلق من فهم الواقع، من البحث في الواقع، بغض النظر عن النتائج الممكنة، لأن العلم تطور من خلال ضلالاته كما أُرّخ لتاريخ العلم الطبيعي، فكيف بعلم المجتمع؟ وما أقول هنا يتناقض مع -الطريقة الوضعية - الكونتية-، لأنه يتجاوز المنطق الحسي الى المنطق العقلي المحدَّد في الجدل المادي.
والجدل المادي هو أس الماركسية لأنه وحده الأواليات التي يجري الانطلاق منها في البحث في الواقع. وبالتالي حين اعتبار أن ما بقي من الماركسية هو الـ -ديمومة نسبية لنقد الاقتصاد السياسي الماركسي، ليس لأنه علم محض، بل لأن الحياة الرأسمالية لازالت قائمة-، نكون لازلنا في إطار المنطق الصوري، حيث هذا باقٍ لأن الرأسمالية باقية، وسينتهي حال نهاية الرأسمالية بالتالي. على كل هذه نتيجة جيدة، لكن سوف تؤسس لمنطق اقتصادوي هو الذي حكم الفه -الماركسيط في العقود الماضية. وهو المنطق الذي يقود الى الوضعية، والى التعامل مع الاقتصاد كعلم كما علم الفيزياء.
لا يا صديقي حتى العلم يحتمل الشقاق غذا كنت تربط بين العلمية وعدم الشقاق، وتاريخ العلوم يشهد الكثير من المسائل الخلافية. وبالتالي فإن تعدد الماركسية لا يشير الى لا علميتها بل يشير كما أوضحت منذ البدء الى، إما خطأ معرفي او ميل طبقي. ولقد خضعت حتى العلوم لهذين الخطئين. لكن في الواقع تنتصر الماركسية التي تحقق التغييرن لأنها تكون قد فهمت الواقع وعرفت آليات تغييره.
أما حول قراءة الماركسية، فلم أقل أن قراء الماركسية اصبحوا أغلبية، وليس كل من يقرأ الماركسية سوف يصبح ماركسياً، قلت بأن الميل الآن هو نحو العودة الى الماركسيةز ولاشك في أن عدم التمييز بين نقطة التحول ووصولها الى مرحلة التغير النوعي مسافة زمنية. الذي يحصل الآن هو نهاية الانهيار الذي حدث على ضوء وانبنى على انهيار الاشتراكية والبدء بالتحوّل نحو العودة الى الماركسية. وهذا لا يظهر في الانتخابات التي لا يمكن أن تعبّر عن أي ميل حقيقي نتيجة التداخلات التي تسكنها.
وحين اشرت الى الشلف (على فكرة أنا استعير هذا المصطلح من ياسين الحافظ) اشرت لأن في ما تقول شلف، من مثل الحسم بأن -الشبيبة في هذه البلدان (الرأسمالية) لم تعد تراها معبرة عن مصالحها-، كيف توصلت الى ذلك، غير الانتخابات؟ فهذه ذو علاقة بالموقف الذاتي لهذه الشبيبة، لهذا أسأل كيف توصلت الى ذلك. هل من استبيانات؟ هذه رغبتك، لكن أقول لك بأن ميل الشباب لقراءة الكتب الماركسية في تزايد، وهذا يظهر من الطلب على هذه الكتب من المكتبات ودور النشرن ومن سؤال الشباب.
أن لا ترى في الماركسية نظرية علمية فهذا لك، وأن تنقد وترفض فهو لك كذلك، لكن حين التحدث باسم الآخرين يجب أن يبنى الحديث على ما هو علمي.


61 - سأقول هنا ما أعتقده صحيحا
فاديا سعد ( 2010 / 10 / 14 - 09:45 )
ماركس تبنى الديمقراطية ضد البرجوازية التي كانت تقيم نظماً دكتاتورية، وناضل من أجل حق الانتخاب للطبقة العاملة. وحين تحدث عن دكتاتورية البروليتاريا قال أنها ضد الأقلية البرجوازية فقط، وديمقراطية للأغلبية، وهو هنا كان يعكس واقع البرجوازية ذاتها التي كانت تمارس الدكتاتورية ضد الطبقة العاملة.
سأبدأ من هنا أستاذ سلامة لو سمحت لي: في واقع تلك الأيام كان اصطفاء الطبقات واضحا، ولذلك فقد كانت الديمقراطية مطلب الطبقة العاملة التي كانت قد حرمت من المشاركة السياسية وحقوقها الأخرى في التعبير عن طبيعتها .
ورغم أني لست من أنصار الديمقراطية كأيديولوجيا إلا أنها الطريق الأكثر واقعية لمشاركة الطبقات في إدارة الحكم، حسب ما يفرضه واقع كثافة نضال كل جهة وقوة ضغطها، وهذا ما يجعلها مرة تعبير عن قوى متخلفة قد تكون دينية ومرة تعبير عن قوى بورجوازية وقيمها، ومرة تعبير عن المهمشين كالقوى العاملة، وقد يكون هذا هو السر في أن نراها مرة تشكل خطرا محدقا ومرة توسع هامش الأمل بالعدالة حسب من وصل الحكم من تلك القوى المطروحة على الساحة .

لا يكفي باعتقداي أن نرفض الديموقراطية إذا لم تتوفر وفق معايير ماركس، أي إذا ما خلت ساحة الصراع من طبقة عاملة بمفهوم صراع الطبقات في أوروبا، فالسؤال ماذا تفعل الماركسية العربية حين لا تجد شروط النظرية متوفرة؟

اعتقد أن الجواب سيكون في النظر إلى ما في أيدينا وهذه الطريقة هي من صلب التفكير الليني الخلاق.

وإذا ما اتفقنا ونحن كذلك- بأنه ليس لدينا كدول عربية طبقة عاملة بالمعنى الواضح الماركسي، فإن الرقعة المحلية طرحت طبقات مختلفة النمط والتعبير، عسكري رعوي، وعسكري ريفي، وحتى الشكل البورجوازي له طابع مختلف.
فالديمقراطية هنا ستكون مختلفة الشكل والمضمون ولكنها واقعية وفق معايير الواقع الذي نعيش فيه.

ما هو مخيف في مسألة الديمقراطية كطريق أننا سنشهد عبرها وصول قوى دينية غيبية حد العماء وعدم وجود مقاليد سياسية لديها بالمعنى الخلاق، أو سنرى قوى عسكرية وتوابعها.

سأقول هنا ما أعتقده صحيحا، بأن النظم العربية وعلى جثتها ستسمح بنشوء طبقة عاملة بالمعنى الماركسي، والقوى الدينية الغيبية ستسمح بنشوء قوى عاملة وفق قناعاتها بالحلال والحرام وإذ ذاك ستكون (هذه الطبقة العاملة) ألعوبة جديدة تشتتنا أيما تشتيت، ولهذا أيضا يبدو أن الليبراليين أكثر واقعية في طرحهم لمسألة الديمقراطية ومحاولة التوفيق بين الفلسفات والنظريات لكن وفق واقع متخلف وغير منسجم...

أرجو ألا أكون قد أطلت لكن ما تطرحه يستحق النقاش من زوايا عدة.

احترامي ومودتي


62 - رد الى: فاديا سعد
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 14 - 16:53 )
العزيزة فاديا تحياتي، المسألة لا تتعلق برفض الديمقراطية لأنها -لم تتوفر وفق معايير ماركس-، الديمقراطية ديمقراطية دون معايير من خارجها. وليس في جوابي على السؤال حول الديمقراطية ما يشي بأنني أربطها بمعيار ماركسي، ما أقوله يتعلق بتحليل ممكنات تحققها في الواقع. فانا مع الديمقراطية في اي سيطرة طبقية تحققت، لكن هذا لا يكفي لأن علينا أن ندرس الواقع وممكناته لكي لا نساق خلف وهم يؤدي انكشافه الى الانتقال الى ما يناقض الديمقراطية كما جرى مع الاشتراكية.
في الوطن العربي لا توجد شروط تحقق الديمقراطية لأن الطبقة المسيطرةن اي الرأسمالية التابعة، ليست معنية بأن تؤسس دولة ديمقراطية لأن مصالحها تتناقض مع هذا الشكل من الحكم، وما تقوم به هو شكل هزلي للديمقراطية. بالتالي كيف ستشارك القوى المختلفة، وكيف تضغط، إذا كان الشكل الديمقراطي مزوّر؟ بمعنى أن المشكلة ليست في المطلب الديمقراطي بل في كيف نطرحه؟ وأي الطبقات التي نراهن عليها من أجل تحقيقها؟
المسألة الأخرى تتعلق بالطبقة العاملة، هل فعلاً ليس لدينا طبقة عاملة؟ هذا كلام لا ينطلق من بحث في الواقع، طبعاً ليس لدينا طبقة وفق الصيغة -النظرية المجردة- التي ترد في الكتب الماركسية، لكن من قال بأن هذه هي الصيغة الواقعية للطبقة العاملة؟ الطبقة العاملة التي كان يتحدث عنها ماركس كانت في زمنه لازالت من الحرفيين، لكنه تحدث عن الطبقة العاملة. ما نحتاجه هو البحث في واقعنا من أجل فهم وضع الطبقات، وسوف نجد بان نسبة 20- 30% من السكان هم طبقة عاملة.
طبعاً فيما تقولين تداخل بين التطور الرأسمالي الذي يفضي الى نشوء طبقة عاملة، وبين الديمقراطية كنظام سياسي. التطور الرأسمالي مغلق، أما الديمقراطية فهي هدف راهنن لكن من تنسجم مصالحه مع تحقيقها؟ هذا هو السؤال.


63 - ملاحظة للتوضيح فقط وشكرا
غسان المفلح ( 2010 / 10 / 14 - 19:49 )
إحصائيات في أوساط الشباب تشير إلى أن 78% من الشباب يشاهدون الكليبات والأغاني الهابطة، 7% يشاهدون برامج دينية، 10% رياضة، 3% أخبار، 2% أفلام كرتون عينة من أعداد قناة الجزيرة، أحد حلقات فيصل قاسم حول مشكلة الشباب العربي...رغم أن الدراسات حول أوضاع الشباب منتشرة بكثرة وبإحصاءات موثقة...
وهذه إحدى الدراسات عن واقع الشباب العربي.
http://www.mokarabat.com/moa1.htm
للدكتور كريم أبو حلاوة...
أشكرك سلامة على إضاءاتك ورحابتك...


64 - رد الى: غسان المفلح
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 09:57 )
تحياتي، أولاً لا اعتدّ كثيراً باحصاءات فيصل قاسم، حيث أن مفهوم الكليبات الهابطة مختلف فيما يتعلق بالأغاني. في المقابل يمكن أن نلحظ بأن حغلات الغناء لشخص مثل مرسيل خليفة او احمد قعبور أو زياد تحظى باهتمام شديد من قبل الشباب. ثم أنني رجعت الى ما كتب الصديق كريم ابو حلاوة فوجدت بان مراجعه تعود الى نهاية القرن الماضي وأوائل هذا القرن، بالتالي فقد باتت قديمة، حيث أن ما قلت هو أن تحولاً بدأ منذ اواسط هذا القرنن وتصاعد بعد الأزمة المالية العالمية نحو قراءة الماركسية. وهذا واضح في أوروبا وفي الوطن العربي كذلك من خلال الطلب على الكتب الماركسية في المكتبات.
مع الود


65 - السؤال اليوم هو : هل يمكن تفعيل دور اليسار ال
صباح زيارة الموسوي ( 2010 / 10 / 15 - 05:42 )
كنت قد كتبت مادة متواضعة بتأريخ 2005 / 6 / 1 : الماركسية بين التطور الموضوعي والجمود العقائدي والتحريف: أفكار وتساؤلات عامة (أزمة اليسار العراقي مثالاً) جاء فيها

لقد ترجم يوسف سلمان يوسف (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، ترجم الماركسية في برنامج وطني، استهدف تحويل المجتمع العراقي من مجتمع شبه إقطاعي مستعمر إلى مجتمع حر حديث، ورغم قلة المصادر الماركسية آنذاك، فقد تمكن فهد من تأسيس حركة ثورية، تحولت إلى قوة جماهيرية كبرى، أصبحت نواة للحركة الوطنية العراقية، خصوصاً حين ترجم فهد مفهوم قيادة الطبقة العاملة للتغيير الثوري عبر شعار ملموس وواضح (قووا تنظيمكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية) باعتبار القيادة الثورية عمل خلاق لا مجرد شعار يفرض فرضاً.

حين رفع فهد شعار (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق)، يكون بذلك قد وجه ضربة قاصمة للفكر الديني الذي يقرن الاستشهاد بالجنة، هذا الفكر الذي يدعوا الناس للشهادة من أجل الحصول على الحياة الأخرى في جنات النعيم. فقد اختصر الشهيد فهد الفكر المادي التاريخي بفعل ثوري استشهادي دون ان يضطر للتعرض للدين وعلاقته بالماركسية المادية.

إن يوسف سلمان يوسف (فهد) يعتبر قائد وطني ثوري من الطراز التاريخي، مثله مثل هوشي منه القائد الفيتنامي الذي حول الفكر الماركسي إلى فعل كفاحي شعبي تحرري عبأ فيه جموع العمال والفلاحين و المثقفين الثوريين في أكبر حركة كفاح مسلح شهدها التاريخ الحديث، محققا النصر التاريخي على أعتى القوى الرأسمالية فرنسا أولاً وأمريكا لاحقاً.

إن دور الفرد في التاريخ يمثل أهمية خاصة، حينما يتعلق الأمر بالوعي الفكري الصحيح للمدرسة التي يمثلها هذا القائد، إن لينين مثلاً قد تبنى وطور الماركسية في ساحة الصراع الطبقي، مترجماً الماركسية ومطوراً لها وفق الظروف الموضوعية لروسيا القيصرية، حيث طور فكرة ماركس القائلة (بحتمية قيام الثورة الاشتراكية في بلد رأسمالي متطور) إلى (إمكانية قيام الثورة الاشتراكية في الحلقة الأضعف في الدول الرأسمالية). فلم تكن الماركسية بمثابة دين مقدس غير قابل للتطوير، بل إن الماركسية لدى لينين كانت وفق هيغل نفسه (النظرية رمادية اللون أما شجرة الحياة فخضراء)، وهي واحدة من المقولات الرمزية الدالة على قدرتها على التطور المتواصل في خضم الحياة الإنسانية، ذلك هو سر ديمومة الفكر الماركسي رغم ما تعرض له من حملات التحريف والتشويه، والقسر الذاتي لقانون الجدلية التاريخية. لقد أعلن ماركس منذ البدء بأن الماركسية تستهدف التغيير لا التفسير فقط.

إن طموح لينين بتحويل روسيا بعد انتصار ثورة أكتوبر العظمى إلى مركز للثور العالمية، هذا الطموح قد اغتيل مبكراً جداً باغتيال قائد الثورة بعد سنوات خمس فقط من انتصارها، لقد اغتيل لينين في عمر لم يبدأ بعد على صعيد تطوير الثورة المنتصرة، ما مهد الطريق إلى ظهور قائد من طراز مناقض تماماً أي ستالين الطامح لإقامة إمبراطورية روسية تهيمن على العالم باسم الثورة الاشتراكية. إن ستالين وعلى ضوء التجربة التاريخية اللاحقة شكل الحاضنة الفكرية لنشوء (ظاهرة الزعامات الدكتاتورية في العالم الثالث) خصوصاً تلك التي أصبحت تعرف بزعامات الأنظمة التقدمية.

إن متزمتي الفكر الماركسي اليوم، لم يتخلصوا بعد من عقلية الجمود العقائدي ذي الصبغة الدينية المتزمتة، بل إنهم يسقطون إخفاقاتهم في الصراع الطبقي المحلي على موضوعة أزمة الماركسية عالميا، إنهم يمثلون الوجه الأول للمدرسة التحريفية، القائل بصواب وصحة الماركسية دون تدقيق في معطيات التطور الهائل الذي حدث في القرن العشرين.

لقد تساءل لينين في الذكرى الثلاثين لوفاة ماركس: إن الرئيسي في مذهب ماركس، هو أنه أوضح دور البروليتاريا التاريخي العالمي، بوصفها بانية المجتمع الاشتراكي. فهل أكد مجرى الأحداث في العالم بأسره صحة هذا المذهب منذ أن عرضه ماركس؟

أجاب لينين على التساؤل هذا بالقول: لقد صاغ ماركس هذا المذهب للمرة الأولى في عام 1844، و«البيان الشيوعي»، الذي كتبه ماركس وأنجلس، والذي صدر عام 1848، يعطي عن هذا المذهب عرضا كاملاً منهاجياً، هو خير عرض لهذا المذهب حتى اليوم. ومذ ذاك ينقسم التاريخ العالمي بوضوح إلى ثلاث مراحل رئيسية: 1) من ثورة 1848 إلى كومونة باريس (1871)؛ 2) من كومونة باريس إلى الثورة الروسية (1905)؛ 3) ابتداء من الثورة الروسية.

وبعد أن يقيم لينين المراحل المشار إليها أعلاه، يتوصل إلى رأي يقول بصحة رؤى ماركس، مما دفع أعداء الماركسية إلى التبرقع بها، إذ سجل: إن ديالكتيك التاريخ يرتدي شكلاً يجبر معه انتصار الماركسية في حقل النظرية أعداء الماركسية على التقنع بقناع الماركسية.

إن إحدى المحاولات الجادة الجارية وسط اليسار العربي، في دراسة الماركسية ومصيرها عربياً وعالمياً، هي تلك التي يجريها نخبة من الرفاق في سوريا (حوارات ماركسية) والتي حددت موضوعات الحوار بالتالي: أولاً: المسألة القوميةثانياً: قضايا الإمبريالية الرأسمالية الاقتصادية -السياسية والثقافية وما يسمى -عولمة الإمبريالية. ثالثاً: قضايا الماركسية (المنهج الديالكتيكي، والنظرية، نقدهما وضرورتهما، مع إعادة الإنتاج الموسع للنظرية الماركسية كنظرية اجتماعية هنا).رابعاً: نقد تجارب الانتقال نحو الاشتراكية خاصة الديمقراطية السوفييتية في الاتحاد السوفييتي المتفكك. خامساً: المسألة الوطنية سادساً: الموقف النقدي من التراث القومي ومن الدين. سابعاً: المسألة الأممية.ثامناً: الديمقراطية والمهام الديمقراطية. تاسعاً: الاشتراكية الماركسية كخيار اجتماعي تاريخي.

إن اليسار العراقي التقليدي، نعني به مدرسة ما بعد انقلاب 8 شباط 1963 الأسود، قد فسر الماركسية على مدى الأربعة عقود الماضية تفسيراً سوفيتياً، في كل ما تضمنه من انحراف وإرادوية، بدءاَ بالخرشوفية القائلة بحل أحزاب الطبقة العاملة وانصهارها بأحزاب البرجوازية الصغيرة، مرورا بالبريجنيفية وموضوعة التطور اللارأسمالي، التي ترجمت بالتحالف الذيلي للبعث ، وانتهاء بالغورباتشوفية وبيريسترويكتها التي لم


66 - رد الى: صباح زيارة الموسوي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 16:03 )
الرد التالي


67 - السؤال اليوم هو: هل يمكن تفعيل دور اليسار الع
صباح زيارة الموسوي ( 2010 / 10 / 15 - 05:49 )
التي لم تنقذ البناء السوفييتي البيروقراطي، بل عجلت في انهياره التاريخي، ليدخل مرحلة هي أعلى قمة الانتهازية، عبر الارتماء في أحضان المشروع الإمبريالي الاحتلالي، في إعلان عن التخلي عن الفكر الثوري باسم الماركسية اللينينية !! ليمهد الطريق بذلك لتقدم جاد لعملية بلورة اليسار العراقي الجديد، الوريث الشرعي للتراث الثوري لفهد وسلام عادل ورفاقهما.

إن المهمة الرئيسية التي تمتثل أمام اليسار العراقي الوطني الديمقراطي، هي الربط بين عملية تشكيل الحزب الثوري الجديد وعملية الكفاح من تحرير العراق من الاحتلال الإمبريالي. ان البحث النظري في الموقف من الماركسية وتجربتها على مدى القرن العشرين. أي منذ 1917 عملية بحثية كفاحية متواصلة، ينبغي ان تشكل لها لجان اختصاص، تبحث في سياق النضال الواسع الشامل ضد الرأسمالية الغازية لبلادنا، فالغزو الإمبريالي للعراق خير دليل على صواب الماركسية ورؤيتها للرأسمالية العالمية بالتحليل الشهير(إذا كانت النقود تجئ إلى الدنيا وعلى خدها دم الولادة، فأن رأس المال يولد وهو ينزف دما من جميع مسامه من رأسه

حتى قدميه. إن رأس المال يرعبه انعدام الربح مثلما قالوا. إن الطبيعة تمقت الفراغ: ان ربحا مناسبا يجعل رأس المال جريئاً، و10% تدفعه للعمل، و20% تزيد اندفاعه، و50% تجعله طائشاً متهوراً و100% تجعله يدوس بالأقدام كل القوانين البشرية و300% لن يتورع عن ارتكاب الجرائم حتى لو عرضت مالكه لحبل المشنقة.
(المصدر: كارل ماركس -رأس المال- كارل ماركس، بؤس الفلسفة).

السؤال اليوم هو : هل يمكن تفعيل دور اليسار العربي بشقيه التقليدي والتجديدي بين صفوف الطبقة العاملة والفلاحين والفئات الكادحة والمثقفين وفق برنامج طبقي ووطني تحرري؟


68 - رد الى: صباح زيارة الموسوي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 14:40 )
لاشك في ان المطلوب هو إعادة بناء القوى الماركسية أولاً، إن وضع القوى القائمة لا يسمح بأن تلعب دوراً حقيقياً في المرحلة الراهنة أو القادمة نتيجة ما أشرت إليه. وبالتالي من الضروري إعادة بناء الرؤية التي تقوم على الارتباط بالعمال والفلاحين الفقراء، وللتعبير عن مصالحهم وعن برنامجهم، وليس الاكتفاء بالتسمية أو بالإشارة الى الانتماء للطبقة العاملة. ولهذا ما ادعو إليه هو تأسيس جديد.


69 - تساؤلات حول المرحلة الجديدة للشيوعيين
عاطف الكيلاني / موقع الأردن العربي ( 2010 / 10 / 15 - 09:52 )
الصديق والمعلم الكبير الأستاذ سلامة كيله ... والرفاق المعلقين
تحية للجميع ... اريد أن أتطرق في مداخلتي هذه ( التي هي عبارة عن بعض التساؤلات والأسئلة الموجهة الى رفيقنا سلامه كيله ) ... كنت أتمنى لو تطرق الأستاذ سلامه الى الحركات ( اليسارية ) الجديدة في بعض البلدان العربية... وهل في مقدور هذه الحركات أن تشكل البديل التاريخي للأحزاب الشيوعية العربية التقليدية ؟ وعن رأيه بحركة اليسار الإجتماعي الأردني ... ثم ... ما رأي الأستاذ سلامة في وحدة اليسار العربي ( على المستوى القطري ) ؟ ثم رأيه في تشكيل ( الجبهة الوطنية العريضة) ... والسبب في طرحي لهذه الأسئلة ، هو أنه هناك اجتهادات كثيرة لإيجاد بدائل للصورة النمطية التقليدية ( للحزب الشيوعي )، في ظل المعطيات الجديدة لطبيعة الصراع بين مختلف القوى الإجتماعية ...


70 - رد الى: عاطف الكيلاني / موقع الأردن العربي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 16:21 )
الصديق عاطف تحياتي، لاشك في ان ازمة الأحزاب الشيوعية فرضت البحث عن بدائل منذ ستينات القرن العشرين إذا لم نشأ الإشارة الى ما قبل ذلك. وهذا ما توضح مثلاً في نشوء -اليسار الجديد- بعيد هزيمة حزيران والتحوّل لدى فئات قومية الى الماركسية، أو ميل قطاعات شبابية الى الماركسية بتأثير الشيوعية الصينية والفيتنامية، لكن سنلمس اليوم أنها باتت تعاني من الأزمة ذاتها التي عاشتها الأحزاب الشيوعية، ولاشك في أن -التثقف- على الماركسية السوفيتية أو بالبقاء في الإطار النصي للماركسية كان يوصل الى ذلك.
لكن بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والانزياح الكبير نحو الليبرالية بدأت تظهر اتجاهات تدعو الى اليسار الديمقراطي أو الاشتراكية الديمقراطيةن واليسار الاجتماعي كما في الأردن، انطلاقاً من التخلي عن -الأيديولوجية- والتوافق على افكار عامة يسارية أو يُعتقد بأنها يسارية. كانت الهدف شكلاً هو التخلص من الطابع العقيدي للشيوعية، والتخلي عن تجربة فاشلة. قطاع كبير بات ليبرالياً، وبالمعنى العقائدي كذلك، وقطاعات لازالت تحاول أن تنشط في إطار يساري.
أظن بأن كل هذه التجارب هي مرحلة وسطى بين النمط الشيوعي وبدائل لم تتبلور بعد، حيث أنه ليس من الممكن التخلي عن -الأيديولوجية- (وهنا الماركسية) لأن ذلك يعني اعتناق أيديولوجية أخرى 0من خلال الوعي أو على الطبيعة). ولهذا تحوّلت قطاعات الى الليبرالية، وأخرى لازالت تراوح دون هدى. وبالتالي ليس من الممكن أن تشكل بديلاً في كل الأحوال، البديل يجب أن ينطلق من عنصرين، الأول فكري يتعلق بوعي عميق بالماركسية، وإعادة صياغة تصوراتها لكي تعبّر عن الوضع الراهن، وتؤسس لآليات تغيير تنطلق من الصراع الطبقي الآن. والثاني يتعلق بالارتباط بالعمال والفلاحين الفقراء، أي الخروج من جحيم البرجوازية الصغيرة، والسعي لتطوير صراعها الطبقي.
لهذا لا أعرى أهمية لما يسمى وحدى اليسار، الذي هو تجميع لقوى عاجزة، سواء على المستوى القطري أو العربي. الأساس هو إعادة بناء حزب العمال والفلاحين الفقراء، ربما بمشاركة قطاعات من القوى الموجودة.
أما عن الجبهة العريضة فمن غير الممكن أن يشارك من هو في وضع الهزيل في جبهات عريضة، أولاً يجب العمل على إعادة بناء الحركة الماركسية. رغم أن ذلك لا يمنع المشاركة مع قوى أخرى في نضالات معينة محدَّدة الهداف.
مشكلة الماركسيين اليوم هي في غياب حزبهم، ومشكلة العمال والفلاحين الفقراء تكمن في غياب الوعي الذي يبثه الماركسيون، وغياب البرنامج الذي يبلوروه، وأيضاً غياب السياسات التي تسمح بتطوير نضالاتهم.


71 - هل انهارت الاشتراكية؟
أنور نجم الدين ( 2010 / 10 / 15 - 10:06 )
كلا، ليست الاشتراكية هي التي انهارت، فقد انهارت بقايا الأوهام بخصوص الدولة الاشتراكية، ونتائج العلاقات القديمة التي لم تبلغ بعد من التأزم درجة التناقضات الحادة في المستوى الأممي، وانهارت الأوهام عن الاشتراكية اللينينية، انهارت أعداء الكومونة، وعادة الأمور الى طبيعتها، أي الى ما كان يتصورونه الماديون في القرن التاسع عشر.


72 - رد الى: أنور نجم الدين
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 14:48 )
الأستاذ أنور لم أفهم شيء مما قلت مع الأسف، فالاشتراكية كمفهوم لم تنهر وستبقى أمل البشرية، لكن هناك تجربة اشتراكية قد انهارت، إلا غذا كنت ترفض تسمية هذه التجربة بالاشتراكية، وهذا يفرض أن تقول لماذا. أتابع ما تكتب حول تناقضات الماركسية ورفض اللينينية، وهذا ربما يحتاج الى نقد، لكن أرجو الايضاح كيف عادت الأمور الى طبيعتها التي كان يتصورها ماديي القرن التاسع عشر؟ هل أنك تقف عند مادية القرن التاسع عشر؟


73 - يكفي أن يصبح الشارع أصولي
فاديا سعد ( 2010 / 10 / 15 - 10:18 )

أود الاشارة إلى أن قوة الضفط ليس بالضرورة حالة مادية ملموسة ، ولكن يكفي أن

يصبح الشارع أصولي حتى، ينعكس على مؤسسات الدولة، والدوائر الحكومية، وعلى وزارة التعليم، وعلى أداء وزارة الثقافة والاعلام، وقس على ذلك..، والعكس صحيح

في عصرنا هذا هكذا تتجلى قوة الضغط

هي بعض إضاءات لا أكثر.


74 - رد الى: فاديا سعد
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 14:58 )
العزيزة فاديا تحياتي، لكن هناك مسائل لا تتنازل عنها النظم مهما كانت قوة الضغط، لنها تهدد مصالحها. فقوة الضغط هي جزء من تطوير الصراع من أجل تغيير الطبقة الحاكمة.


75 - تراب خلقكم السومري عُمِدَ بالإستبداد
فيثاغورث أفلاطون ( 2010 / 10 / 15 - 16:22 )
تراب خلقكم السومري عُمِدَ بالإستبداد

من البداية كانت إستبداية اي تراب خلق هذه الطوائف البدوية للصحاري البابلية والأمازيغية والقبطية الفرعونية وصحاري النقب الكنعانية وصحراء بدو الآراميون السوريون و الأشوريون نعم تراب جدهم أدم السومري عُميدَ بالكلمة فهذه الكلمة كانت إستبداية اي كن فيكون فكل حرف من كلمة كون فيكون يشع منها الإستبداد فبدأ الإستبداد من العائلة البيتية وحتى القصر الجمهوري مروراً بمحطة الحوار المتمدن المستبدة والتي ترفض آراء الأخر وكما رفضت أسئلة وتعليقات كاتب هذه السطور الذي ما زال ضحية هذا الإسبداد الأبدي لهؤلاء البداوه الآراميون والكنعانيون و البابِليون الأشوريون( الماركسية والاشتراكية والواقع العربي) لا يوجد ماركسية ولا واقع عربي ولكن يوجد صحاري لعينة إستبدادية متوترة و بداوه و تراب أدم الإستبدادي السومري لعنة إيل إيليا الله على هذا التراب والنفخة المستبدة
 


76 - رد الى: فيثاغورث أفلاطون
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 16:37 )
فيثاغورس افلاطون وربما غداأ أرسطو يحتج على عدم نشر تعليق له أرسله أكثر من مرة، لهذا قررت نشر هذا الاحتجاج لأوضح بأن السبب هو اللغة ذاتها التي ترد هنا، حيث يحمل تعليقه أحكام قيمة واتهامات وتسخيف، من مثل صراصير وحمير وأفاعي، وبدو، وشتم للفلاحين. وهو ما لم أتعود على الموافقة على نشره ما دام القرار لي، لنه يخفض من مستوى الحوار ولأنه سباب لا يليق باي حوار. وكان يمكن أن أنشر ما أورده لو كان حمل فكرة تحتمل الحوار، ولقد فعلت ذلك مع آخرين خلال هذا الحوار، لكن ان يتضمن التعليق أحكام قيمة فليس مفيداً نشره. طبعاً لم تكن الأحكام عني بل الأسواء عن المجتمعات والشعوب كما يظهر في النص.


77 - تقديم إستثناء العنف وجعلة قاعدة
مثنى حميد مجيد ( 2010 / 10 / 15 - 19:13 )
في أغلب تحليلاتك التي تتبنى فيها الماركسية تقدم دائما إستخدام العنف ، المقاومة المسلحة كطريق لمواجهة الإحتلال.ألا يتعارض إستنتاجك هذا مع الماركسية كفكر وخاصة مع القراءة اللينينية لماركس فإستخدام العنف كان إستثناء مقننا ومحدودا جدا عند لينين بغض النظر عن الطبقة التي تستخدمه وتاريخيا العنف قرين الدولة المستبدة وقد أثبتت المرحلة الستالينية الضرر الكبير الذي يلحق الحركة العمالية من تقديم إستثناء العنف وجعلة قاعدة عامة بل وسمة توسم بها الشيوعية.ومع تقديري وتعاطفي مع قضيتك العادلة ألا ترى أنك تتناقض مع منهجك الماركسي؟إن شعوبنا المنهكة بالإرهاب والحروب والقتل المستمر والإستبداد والتخلف أحوج ما تكون إلى سلام وهدنة وجر نفس ؟لماذا لا نستنتج مثلا أن السلام حتى لو كان مجحفا يشكل رعبا لإسرائيل وإمتحانا لها أكثر من الحرب.تحيتي وتقديري لك.


78 - رد الى: مثنى حميد مجيد
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 15 - 21:12 )
الأستاذ مثنى تحياتي، أولاً لينين كان يتحدث عن الصراع الطبقي في الإمبراطورية الروسية، حيث يكون شكل الصراع هو النضال المطلبي عبر افضراب وكل اشكال الاحتجاج مطوراً الى انتفاضةن ويمكن أن تكون انتفاضة مسلحة. وأميل الى أن الصراع الطبقي يجب أن يكون كذلك، حيث يجري البدء من المباشر والبسيط والمقبول من العمال والفلاحين الفقراء، ليتطور الى اشكال احتجاج أعلى، مثل التظاهر والإضراب، وصولاً الى الثورةن او الانتفاضة التي تقود الى تغيير الطبقة المسيطرة.
لكنني هنا أتحدث عن الاحتلال، عن سيطرة دولة على بلد آخر، من أجل نهب ثرواته وتحويل سوقاً لسلع شركاتها الإمبريالية. هنا -وعدا حالة الهند التي اتبعت النضال السلمي- لم يتحرر شعب دون المقاومة المسلحة. وهذا هو المنطق الذي حكم الشيوعيين الصينييين في مواجهة الاحتلال الياباني، والشيوعيين الفيتناميين في مواجهة الاحتلال الفرنسي ثم الأميركي.
حيث هنا ينتقل الصراع من مستواه الاقتصادي الطبقي الى مستواه السياسي مباشرة، وهنا ليس من إمكانية لقهر قوة محتلة سوى عبر المقاومة المسلحة، وحرب التحرير الشعبية كما أسميت في الصين والفيتنام.
إذن، يجب التمييز الدقيق بين الحالتين وإلا جرى غتباع شكل نضالي في غير مكانه. فالقوة المحتلة اتت بقوتها العسكرية، وهي تؤسس قوى محلية عميلة تعمل تحت سيطرتها، وليس من الممكن هنا طرد هؤلاء إلا من خلال المقاومة المسلحة، بعكس الصراع الطبقي الذي يفترض نهوض العمال والفلاحين الفقراء وكل الطبقات الشعبية في ثورة تسقط الطبقة المسيطرة وتنهي سلطتها. وهنا أحياناً يجب ممارسة -العنف- كما أشار لينين.
أما ستالين فالوضع مختلف، حيث أن السلطة هنا تتحوّل الى سلطة استبدادية تمارس القهر على شعبها.
وبالتالي فكما تلاحظ لا اتناقض مع الماركسية (رغم قضيتي العادلة التي هي قضيتك كذلك للسباب التي أشرت إليها قبلاً)، على العكس من ذلك أرى أن سياسة الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي هي التي تتناقض مع الماركسية بعكس ماركسية الصين والفيتنام وكاسترو وجيفارا، وهذا من اسباب فشلها المريع. الماركسية تنطلق من أن شكل النضال يخضع لطبيعة الوضع، وحين يكون الوضع هو وضع احتلالي لن تجد سوى المقاومة المسلحة طريقاً للتحرير. وأظن بأن كل التعبئة التي كانت تمارسها هذه الأحزاب من أجل -السلم العالمي- كانت تخدم استمرار الوضع كما هو، وتفرض تجاوزها من قبل قوى تمثل فئات وسطى وربما متخلفة، والآن اصولية. السلم لا يتحقق إلا بهزيمة الإمبريالية وإنهاء كل احتلال، وليس من طريق سوى المقاومة (بغض النظر عن كل الالتباسات التي تحيط بها الآن، والتي اشرت إليها قبلاً). واشير الى ان المنطق السلمي الذي حكم الأحزاب الشيوعية كان هو التجسيد لسياسة التعايش السلمي التي أقرها الاتحاد السوفيتي، وهي التي أفضت الى اتخاذ موقف سيء من القضية الفلسطينية، ومن كل مقاومة للاحتلال في الوطن العربي.
طبعاً لاشك في أن شعوبنا منهكة واحوج الى السلم، لكن المسألة لا تتعلق بنا فقط، المسألة لا تتعلق بنظرة ذاتية للوضع، بل يجب تلمس التناقضات في الواقع. فمثلاً القيادة الفلسطينية قدمت اكثر بكثير مما يقبل الشعب الفلسطيني لكن الدولة الصهيونية لم تقبل التنازل عن شيء، وهي ماضية في إستراتيجيتها. وبالتالي لا يتعلق الموضوع بنا فقط، وهنا يجب أن نفهم طبيعة الدولة الصهيونية وعلاقتها بالإمبريالية وبسياساتها للسيطرة على الوطن العربي جيداً وإلا لن نفهم طبيعة الصراع وموجباته.
ولأن الدولة الصهيونية هي جزء من السياسة افمبريالية للسيطرة فهي لا تريد السلام ولا تقبل به، وهي التي تفشله لأن السلام يعني نهاية الأساس الذي قامت على اساسه، ويعني أن المستوطنين اليهود سوف يتعايشون مع المنطقة ويندمجون بها، مما يخرجهم عن -الجيتو الأيديولوجي- الذي صاغته الحركة الصهيونية بالتعاون مع الراسمالية الإنجليزية أول مرة.
وحين ذاك لا تكون هناك دولة صهيونية. لهذا لا الإمبريالية الأميركية تريد إنهاء الصراع والقبول بحل ينهي الدور الإمبريالي للدولة الصهيونية، ولا الرأسمالية الصهيونية تقبل بهذا المصير. لهذا تستمر في التوسع الاستيطاني والسيطرة على الأرض، والآن فرض -يهودية الدولة- (أي فرض دولة طائفية).
نحن أحوج ما نكون السلام لكن لتحقيق ذلك يجب أن نخوض الصراع الذي يفرض سيطرة العمال والفلاحين الفقراء، وهزيمة الإمبريالية وأدواتها، من الدولة الصهيونية إلى النظم العربية.


79 - الاستاذ سلامة كيلة – مداخلة 72
أنور نجم الدين ( 2010 / 10 / 15 - 19:57 )
بعد ان حدث انعطاف أممي في دارات رأس المال، البالغة عشر سنوات، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فأدت الاستطالة الطبيعية لدارات رأس المال في السوق العالمية بين الأزمة والازدهار، إلى دفع الثورة القارية الى الوراء في القرن التاسع عشر، ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر، كانت الدارات تبلغ خمس سنوات في أوروبا الصناعية، أمَّا في النصف الثاني، فبلغت كل دارة، عشر سنوات تقريباً.

أنَّ التغيرات في السوق العالمية، ألغت الفرصة المواتية لانطلاق ثورة أممية إلى أجلٍ غير معروف في التاريخ، لأنَّ البؤرة الأساسية للأزمات، أي البلدان الصناعية، انتهزت فرصة استبعاد خطورة الأزمات العنيفة المتكررة، من حدودها الضيقة، وكما يقول ماركس فـ (فقدت الأزمات على هذا النحو، نصيباً كبيراً من قدرتها الانفجارية، رأس المال).
ولكن العالم بدأ يستقبل من جديد، دارات اقتصادية شبيهة بدارات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي البالغة عشر سنوات، في المستوى الأممي، وترتفع بموجبها القدرة الانفجارية للأزمات في العالم من أقصاه إلى أدناه، مثال: الأزمات الشاملة في (1970، 1982، 1990، 2000، و2008)، الأمر الذي يتناسب عكساً مع خرافة أزلية الرأسمالية.

وهكذا، فعاد الأمور الى طبيعتها، وبدأنا نحس من جديد ان الثورة الشيوعية ذات طبيعة أممية، اما الحديث عن الأممية لا يعني الحديث عن حب البشر لبعضه البعض، بل يعني بكل بساطة أنَّ التطور للقوى الإنتاجية الرأسمالية يجري على صعيد التاريخ العالمي لا المحلي، كما يقول ماركس -أي الماديين القرن التاسع عشر- وهو شرط عملي مطلق الضرورة للتعامل العمومي بين البشر، التطور الذي يجعل من بعدُ كلَّ أمةٍ رهناً بتطور وثورات الأمم الأخرى، الأمر الذي يلغي بصورة طبيعية الشيوعية المحلية، فلا تكون الشيوعية ممكنة تجريبياً إلاَّ على اعتبارها فعلاً أمميا، فالشيوعية تفترض بصورة مسبقة التطور العمومي للقوى الإنتاجية والتعامل العالمي الوثيق الصلة بالشيوعية. هكذا قال ماركس، واذا نظرنا الى حركة التاريخ بكاملها، فسنجد ان التاريخ يثبت هذه الاستنتاجات، فالاشتراكية اما غير موجودة واما ظاهرة اممية، وانها لا تتحقق من خلال الأفراد الموهوبين والأحزاب الحديدية مثل حزب لينين، بل تتحقق بفعل تطور القوى الانتاجية، والتضامن الأممي.

وهكذا، فليست الاشتراكية هي التي انهارت، فلقد انهارت الأوهام، والتصورات، وهلكت بقايا التقاليد مما قبل الثورة، فالثورة الشيوعية تشق طريقها الشاق لحد الآن صوب هدفها. ولم تكن الاشتراكية السوفيتية سوى محاولة لعلاج أمراض المجتمع الرأسمالي، فلا يمكن ان ينهار اسلوب انتاجي اشتراكي، لان ظهور هذا الاسلوب في الانتاج أمر غير ممكن ما لم يقضي المجتمع سلفا على أسس الاختلال الاقتصادي، فالاشتراكية تعني القضاء على القوانين الاقتصادية التي تسبب الاختلال، فماذا يعني اذا انهيار الاشتراكية؟

خالص تحياتي


80 - رد الى: أنور نجم الدين
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 16 - 01:19 )

الأستاذ أنور تحياتي وشكراً لملاحظتك، وأود القول بأنني ألمس فهماً ميكانيكياً للموضوع المطروح، وآسف لهذا الحكم المسبق (الذي ربما كان اضطلاعي على كتاباتك في الحوار المتمدن قد أوصلني إليه والذي يبدو واضحاً هنا. فأولاً حين تناول -دارات رأس المال- أو الدورات الاقتصادية ، أشرت إلى أنها انتقلت من خمس إلى عشر سنوات منذ بداية القرن التاسع عشر إلى نهايته، وأن ذلك قد دفع -الثورة القارية إلى الوراء- فألغت -الفرصة المؤاتية لانطلاق ثورة أممية إلى أجل غير معروف-. وتشير إلى أن هذه الدارات عادت من جديد. المسألة كما يبدو لي لا تتعلق بزمن الدارة بل بطبيعتها، وهنا سنلمس الفارق بين الأزمات القديمة والأزمة الراهنة، حيث أن الأزمة الراهنة لم تعد تحدث كل عشر سنوات بل باتت أزمة مستمرة، خصوصاً منذ أزمة سنة 2008. والسبب هنا يتمثل في التغير الذي حدث في تكوين الرأسمال، وبالتالي في تكوين الرأسمالية. وليس غير المنطق الصوري هو الذي يعتبر بأن الأزمة الراهنة هي تكرار للأزمات التي كانت تحدث في القرن التاسع عشر (سواء تلك التي كانت تحدث في أوله أو في آخره). فقد كانت الأزمات آنئذ هي أزمات تتعلق بفيض الإنتاج فقط، وهذه الأزمات هي التي كانت تحدث بشكل دوري، أما اليوم فالأزمة مركبة، فقد كانت ولازالت أزمة فيض إنتاج من جهة، لكنها من جهة أخرى أزمة من نوع جديد يتعلق بوجود فيض المال الذي لم يجد طريقاً للنشاط سوى المضاربة والبحث عن أشكال جديدة تنحصر في القطاع المالي. وهو هنا لم يعد رأسمال بل بات مالاً مضارباً. وهو يغرق العالم في أزمة مستعصية لأن لا حل له، كما كانت توجد حلول لأزمات الكساد. هنا الأزمة مختلفة، وعميقة، وأكثر خطراً من كل الأزمات السابقة.
بالتالي ليس من الممكن القول بأننا عدنا إلى مادية القرن التاسع عشر، حتى وأنت تشير إلى ماركس، حيث الوضع بات مختلفاً بشكل كبير. رغم أنها تتفجر في كل العالم، وتطال كل الشعوب التي سوف تتعرض للنهب. وهي لحظة ثورية لا بد من مسكها من أجل تحقيق تغيير عالمي شامل أو جزئي.
ثانياً، أشرت إلى أن تحوّل الدارات دفع الثورة القارية إلى الوراء، لماذا؟ أليس لأن سيطرة الرأسمالية على العالم عبر الاستعمار قد أدت إلى تحول قانون الإفقار المطلق إلى إفقار نسبي من خلال نهب العالم؟ وهو الأمر الذي فرض تحولاً عميقاً ليس في موقف الطبقة العاملة فقط بل وفي مجمل التكوين الطبقي في هذه البلدان، جعل إمكانية الاشتراكية توضع بين مزدوجين، وأصلاً وضع الثورة بين مزدوجات. هل عاد الوضع الطبقي إلى ما كان وقتئذ؟ على العكس فإن التحوّل المالي فرض تراجع أكبر في حجم الطبقة العاملة، واسهم في ذلك التطور التكنولوجي الذي حدث خلال العقود الثلاث الماضية.
طبعاً يمكن تلمس بداية صراع طبقي جديد في هذه البلدان، لكن ما هي آفاقه؟ وهل يمكن أن يتجاوز الطابع المطلبي الذي انحكم له منذ نهاية القرن التاسع عشر؟
ثالثاً، تطرح العودة إلى وضع القرن التاسع عشر كنقيض للخيار الذي طرحه لينين، لكن ماذا فعل الاستعمار في الأمم التي لم تصبح رأسمالية؟ أليست السيطرة الإمبريالية هي التي منعت التطور نحو بناء قوى الإنتاج في هذه الأمم؟ لاشك في أن تطور القوى المنتجة الرأسمالية يجري على صعيد عالمي، لكن بشكل غير متكافئ، حيث تتمركز الصناعة في المراكز وتظل الأطراف زراعية أو تتحوّل إلى مجتمعات مهمشة. لأنها يجب أن تبقى مصدراً للمواد الأولية الرخيصة من جهة، وسوقاً للسلع التي يفرض فيض الإنتاج البحث عن أسواق لتصريفها. وتصريفها يعني منع بناء صناعة في تلك الأمم لكي تضمن السوق. ولقد ألغت المنافسة أولاً من خلال القوة وهي دول مستعمرة، ثم من خلال الفارق الهائل في التطور والتمركز بعدئذ وبعد أن فرضت سيادة اقتصاد السوق الحرة.
وهذا الوضع كان يفرض الصراع في الأطراف التي تفقر طبقاتها وتهمش، والتي أصبح اللاتكافؤ عنصراً جوهرياً في إمكانية تحوّل الرأسمال المحلي إلى التوظيف في الصناعة، هذه الصناعة التي هي عماد كل التطور الحديث. وبالتالي يمكن القول بأن التناقض الأساسي بات يتمحور هنا بعد أن كان في القرن التاسع عشر يتمحور حول الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية. والخيارات لحل هذا التناقض باتت ضيقة نتيجة أن البرجوازية المحلية تكيفت مع الرأسمال الإمبريالي، وقبلت بالتكوين الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضه، ومن ثم لم يبقَ سوى الخيار -غير البرجوازي- لأن الصراع هو مع الرأسمالية في المراكز وفي الأطراف معاً. هل من خيار للتطور غير ذلك، أو هل نبقي هذه الأمم دون تطور إلى حين انتصار الاشتراكية في المراكز؟ لكن أشرت إلى أن الثورة الاشتراكية قد تراجعت في تلك المراكز، إذن ما الحل؟
هنا نستحضر لينين الذي تقدّم بخيار جديد متلمساً الوضع الذي بات يتشكل العالم فيه، وهو ما صاغه فيما بعد في كتابه -الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية-. ولقد أشرت إلى كل ذلك في ردي على سؤال أساسي في المقابلة ولا أود التوسع من جديد في هذا الموضوع، لكن أشير إلى أن الرأسمالية قد صاغت العالم بما يسهم في ضبط تناقضاته، لهذا أسست تكويناً طبقياً لا يدفع نحو الثورة في المركز، وفرضت استمرار التخلف والنظم الكومبرادورية في الأطراف. وبالتالي أصبحت الأطراف هي -الحلقة الضعيفة-، لأن نهبها هو الذي يسمح بحفظ التوازن في المراكز. وهو ما يجعل تفجر الثورات هو في الأطراف، فهل ننتظر إلى أن تحل أزمة المراكز؟ لكن حل أزمتها مرتبط بحل أزمة الأطراف، أي إلغاء النهب الإمبريالي، وتحقيق التطور الضروري الذي يوجد التكافؤ من خلال بناء مجتمعات صناعية.
هذه المسألة قامت بها الرأسمالية في أوروبا وأميركا واليابان، ولم تعد من اهتمام الرأسمالية في الأطراف. وإذا كنت تنطلق من أن الاشتراكية -لا تتحقق من خلال الأفراد الموهوبين والأحزاب الحديدية مثل حزب لينين، بل تتحقق بفعل تطور القوى الإنتاجية، والتضامن الأممي-، فسيكون السؤال كيف يمكن أن تتطور القوى الإنتاجية؟ حيث يجب أن تتحقق من قبل طبقات، وهي لا تتحقق بشكل عفوي، أو قدري. على الأقل لينين قدّم خياراً، ولقد نجح هذا الخيار كما نلحظ في وضع روسيا وكل البلدان التي كانت اشتراكية. هل من الممكن المراهنة مرة أخرى على دور للرأسمالية، سواء رأسمالية المراكز أو الرأسمالية المحلية في هذا المجال؟ تاريخ القرن العشرين لم يوضح ذلكن والمم التي تنافس في المجال الصناعي اليوم هي البلدان التي كانت اشتراكية.
ثم هل يمكن أن نحقق -الثورة الشيوعية الأممية- دون تطور هذه الأمم وتحوّلها إلى مجتمعات صناعية حديثة؟ طبعاً سوف اوافق على ان الشيوعية هي غير ممكنة -تجريبياً- -إلا على اعتبارها فعلاً أممياً- لأنها تفترض -بصورة مسبقة التطور العمومي للقوى الإنتاجية والتعامل العالمي الوثيق الصلة بالشيوعية-. لكن لا لينين ولا ماركس من قبله قال أننا اليوم في مرحلة تحقيق الشيوعية، وماركس قبل لينين قال بأننا نعمل على تحقيق الاشتراكية التي هي المقدمة للشيوعية. وإذا لم نلتقط هذا التمييز فلسوق نقع في الخلط، حيث أنه ليس من الممكن الانتقال إلى الشيوعية في ظل وجود النمط الرأسمالي، وقبل أن تتطور القوى المنتجة في كل العالم. إذن قبل -الثورة الشيوعية ذات طبيعة أممية- يجب أن نبحث في كيف يمكن للقوى المنتجة في الأطراف أن تتطور؟ بالتالي نحن حتماً ما قبل -ثورة شيوعية أممية-، ما العمل في هذا الوضع؟ انتظار التطور؟ وهذه هي العفوية بكل جلالتها، أو طرح السؤال حول كيفية تطور المم المخلّفة ماركسياً، ووضع إستراتيجية لتحقيق ذلك؟
ما يجب أن يكون واضحاً هو أنه دون هذا التطور في الأطراف فلن ينفتح أفق الثورة الاشتراكية (وليس الشيوعية بعد) في المراكز. وهو الوضع كذلك الذي ينفي المنطق الذي يقول بأنه إما الثورة الشيوعية الأممية أو ليس هناك ثورة اشتراكية. فاختلال العالم يفرض صيغاً مختلفة للصراعات الطبقية، ولأهداف العمال، واختلافاً في الأولويات. مما يفرض لمس الصيرورة -الحلزونية- للتطور، وليس الصيغة التي ترى التطور مستقيماً على طول الخط. أو يرى إما الأقصى أو لا شيء. هنا نلمس العقل الميكانيكي بينما الوضع يحتاج إلى منظور جدلي.
أخيراً، لاشك في أن مطابقة الاشتراكية والشيوعية هي التي أفضت إلى القول بان -الاشتراكية إما غير موجودة وإما ظاهرة أممية-ز و القول بأنه لا يمكن لأسلوب إنتاج اشتراكي أن ينهار -لأن ظهور هذا الأسلوب في الإنتاج أمر غير ممكن ما لم يقضي المجتمع سلفاً على أسس الاختلال الاقتصادي، فالاشتراكية تعني القضاء على القوانين الاقتصادية التي تسبب الاختلال-، بينما كان ماركس يرى استمرار الاختلال في المرحلة الاشتراكية.
بالتالي ليس من ثورة شيوعية عالمية أو لا ثورة في عالم غير متجانس أصلاً، وعدم التجانس هو الذي يفرض سياقات تطور مختلفة فيما بين المراكز والأطراف وفي الأطراف ذاتها. وهو الذي يفرض أن تكون الأولوية هي لتطوير القوى المنتجة وتحديث المجتمعات المخلّفة في سياق الانتقال إلى الاشتراكية. ومن لا يفكر في ذلك سوف يفشل كما فشلت الأحزاب الشيوعية التي ظلت تنتظر انتصار الرأسمالية في بلدانها طيلة ثلاثة أرباع القرن العشرين إلى اليوم.
هنا أهمية لينين، وأهمية الإضافة التي قدّمها. أقول التطور صيرورة وليس انتقال من/ إلى وفق المنطق الصوري. ولهذا ما يبدو نهاية مسار يجب أن يربط بصيرورة الوصول إليه دون أن يحوّل لبداية لا تحتمله. ولهذا فإن انتظار ثورة أممية سوف لا يعني سوى عدم انتظار شيء.
عودة إلى الأزمة الراهنة أقول بأنها سوف تفجر صراعات طبقية في كل البلدان، لكن يمكن أن تنتصر الاشتراكية في البلدان التي نضجت فيها قوى ماركسية ثورية، وتفشل في أمم أخرى. لنعود إلى دورة جديدة تحقق التطور الصناعي في عديد من الأمم المخلّفة في إطار اشتراكي


81 - حول طبيعة النظام السوفيتي
محمد المثلوثي ( 2010 / 10 / 15 - 21:01 )
في جانب من مداخلاتكم، استاذ كيلة، تتحدثون عن سقوط ما تسمونه بالتجربة الاشتراكية. وفي جانب آخر تتحدثون عن أن ما قام به لينين هو ما تسمونه بالمهام الديمقراطية اي انجاز التطور الاقتصادي وخلق قوة اقتصادية ضخمة في روسيا، اي في النهاية تحقيق التطوير الراسمالي نفسه الذي لم يكن ممكنا تحقيقه برايك من طرف البورجوازية ذاتها. هكذا فأنتم تتحدثون من ناحية عن تجربة اشتراكية، أي نظام اشتراكي في روسيا. وتتحدثون من ناحية أخرى عن التطوير الرأسمالي. فما هي برايكم طبيعة الاتحاد السوفيتي السابق الاقتصادية زمن لينين أو ستالين هل هي اشتراكية أم رأسمالية؟


82 - رد الى: محمد المثلوثي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 16 - 01:59 )
الأستاذ محمد تحياتي، هنا يكمن الفارق بين الأحلام والمطامح وما يتحقق في الواقع، فقد كان الوضع العياني في روسيا يفرض تحقيق المهمات الديمقراطية، أي تحديث روسيا وتحقيق التطور الصناعي، وهو ما -يوازي- ما حققته الرأسمالية في أوروبا. لكن عجز البرجوازية فرض أن تلعب الطبقة العاملة بالتحالف مع الفلاحين الفقراء هذا الدور، ولمصلحة كل هؤلاء. ولقد تحقق ذلك في إطار -نزع- الملكية الخاصة، أي في إطار اشتراكي. لكن النهاية التي وصلت إليها التجربة أوضحت بأن هذا التطور المتحقق آل إلى قوى رأسمالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية.
في هذا القول ليس من تناقض إلا إذا كانت نظرتنا ساكنة، حيث أن المجتمعات لا تستطيع القفز عن صيرورة ارتقائها، لكن شكل تحقيق هذا الارتقاء مختلف. ولهذا حين النظر إلى التجربة الاشتراكية من منظور الصورة التي رسمت للتطور والاشتراكية في الماركسية الرائجة سوف لن تلمس سوى التناقض، أما من منظور فهم الواقع وفهم الآليات الضرورية لتحقيق تطوره فلسوف تكون الأمور واضحة. فالحياة صيرورة وليست نقلات ساكنة، أو انتقالات من طرف إلى آخر. ولهذا فإن تحقق الاشتراكية هو صيرورة، تبدأ بخطوات هي إجابة على أسئلة الواقع، وتتطور إلى مرحلة أرقى بعد أن تكون المهمات السابقة قد أنجزت.
وأشير إلى أن طبيعة النظام كانت اشتراكية من زاوية غياب الملكية الخاصة (بغض النظر هنا عن طابع الملكية الجديدة، هل هي ملكية دولة أو ملكية عامة). ولا شك في أن الخطوة الأولى لتحقيق الاشتراكية هي إلغاء الملكية الخاصة، أو حسب تعبير ماركس حل التناقض بين الطابع الخاص لملكية قوى الإنتاج والطابع الاجتماعي للعمل. أما اتساقها وتكاملها فيتحقق عبر التطور ذاته. إن تأسيس المجتمع الطبقي قام على نشوء الملكية الخاصة، ومغادرة المجتمع الطبقي تبدأ بإلغاء الملكية الخاصة. ومن ثم ينفتح الأفق لتطورها في مستوى تشكيل الطبقات، ومستوى الوعي، وكذلك مستوى طبيعة الدولة. أي تميل لأن تتشكل في تكوين متكامل.
أما المشكلة التي كانت تحكم الوضع في روسيا، كما في الصين وكل التجارب التي تحققت في أمم مخلّفة، فكانت في أن تناقضاً كان يحكمها، فمن زاوية يجب أن تقاد من قبل العمال والفلاحين الفقراء، وأن تحقق التطور الصناعي والتحديث المجتمعي، ومن زاوية أخرى لا يزال -الشره- للملكية الخاصة يستحكم في قطاع كبير من هذه الطبقات، ومن التكوين المجتمعي، خصوصاً في ظل هيمنة أغلبية ريفية. وهو التناقض الذي يبقي احتمالات الانتكاس قائمة كما حدث بعد تحقيق التكوين المجتمعي الصناعي والحداثي، لكن المحكوم بسلطة -قروسطية- في تعاملها، وتعمم أيديولوجية تستند إلى منطق صوري محض.
وهو الوضع الذي قاد إلى نشوء التناقض بين الطبقات الحديثة والسلطة البيروقراطية المتسمة بسمات قديمة، وتعمم وعياً أيديولوجياً صورياً. والذي حسم ضد الملكية الخاصة ومن أجل الرأسمالية.
هل هذا هو المصير الحتمي لتجارب مماثلة؟ ربما، ولكن لكي لا يكون هذا المصير حتمياً من الضروري فهم إشكاليات هذه التجارب من أجل بلورة بديل أكثر تقدماً. خصوصاً وأن هذا الطريق هو الطريق الوحيد الممكن لتطور هذه المجتمعات، وبالتالي لفتح أفق لتطور عالمي نحو الاشتراكية.
حول لينين، أشرت إلى أن لينين كان يعي بأن المهمات التي يحققها هي المهمات ذاتها التي حققتها الرأسمالية الأوروبية، لكنه كان يرى بأن الرأسمالية الروسية جبانة ومتداخلة مع الإقطاع، ولا تريد الثورة على العلاقات الطبقية القائمة. بالتالي تقدّم لكي يحققها. وكان يعي بأن عليه أن ينقل روسيا إلى -الحضارة-. أما هل أنه كان يعي المآل الأخير فربما لا، حيث كان يطمح إلى أبعد من ذلك، لكن لا يحقق الواقع إلا ما يستطيع تحقيقه بغض النظر عن كل نوايا.
وفي كل الأحوال فإن تطور روسيا الصناعي جعلها قوة رأسمالية منافسة، وكذلك الصين، وهو ما يعمق من مشكلات النمط الرأسمالي، ويزيد في تناقضاته. حيث كلما توسعت الصناعة عالمياً كلما تعمقت الأزمة البنيوية للرأسمالية.


83 - Socialism
musab Abdulmajed Muhammad Ali ( 2010 / 10 / 15 - 21:14 )
i am still believe that socialism is best and ideal way to develop any community in the world


84 - رد الى: musab Abdulmajed Muhammad Ali
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 16 - 17:09 )
الأستاذ مصعب تحياتي، أتفق معك على ما تقول، وهو أمر من الضروري التركيز عليه وشرحه.


85 - أسباب أخفاق الأحزاب الشيوعية
عمّار ديّوب ( 2010 / 10 / 16 - 06:23 )
الأستاذ سلامة كيلة: أمل أن تجيبني عن أسباب أخفاق الأحزاب الشيوعية
العربية، بعيداً عن سبب التبعية للسوفييت، باعتبارك تعتبر الواقع أقوى من
الأحزاب ويفرض رؤيته في النهاية كما تشير حين كلامك عن ظاهرة ستالين.
وثانياً: هل يمكن أن تقوم في الوقت الراهن أحزاب شيوعية عربية قويّة
مادام الواقع غير عقلاني وناضج موضوعياً.ولماذا لا يُبرز واقعنا العربي
أحزاب ماركسية جديدة.
أشرت إلى أن الاشتراكية أفضت إلى الرأسمالية، فهل مصير الاشتراكية مساعدة
الرأسمالية فيما لم تستطع هي فعله، أي تطوير تلك الدول.
هناك نقد كثير للماركسية، ومنها عدم وضوح رؤيتها للنظام السياسي بعد
الثورة، فهل تحدد لنا أسباب فشل الانتقال نحو نظام ديمقراطي ماركسي.
ثم إذا كانت الماركسية أهم نظرية في مشروع الحداثة، فهل تستطيع الماركسية
مجدداً إحياء مشروع الحداثة الاشتراكي وليس الرأسمالي من جديد سيما وان
الأزمة الحالية، تكاد ألا تجد لنفسها مخارج رأسمالية فعلية، وهل أنت
متفائل بولادة نظام عالمي جديد غير رأسمالي.


86 - رد الى: عمّار ديّوب
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 16 - 13:01 )
الصديق عمار أراك تطرح كل الموضوعات مرة واحدة، وهذا بحاجة الى كتابة أكثر من تعليق. على كل بالنسبة للأحزاب الشيوعية ربما كان تركيزي في النقد ينصبّ على العلاقة مع السوفيت ودور الماركسية السوفيتية، وهذا حقيقي. وسأوضح المسألة على الشكل التالي: يمكن تقسيم الموضوع إلى مستويين، الأول هو توصيف الأزمة، والثاني يتعلق بكيف حدثت، هل نتيجة وضع خاص بالمنطقة أو بتأثير فعا خارجي؟ لاشك في أن الحركة الشيوعية في سنواتها الأولى كانت تعمل على فهم الواقع العربي، وتحديدي السياسات الضرورية لتغييره، ولقد اتخذت على عاتقها قيادة النضال من أجل الوحدة والتحرر والتطور الاقتصادي. وكانت تتبلور كأحزاب فاعلة وثورية. لكن تحوّلاً حدث منذ أواسط ثلاثينات القرن العشرين، فتحولت سياساتها ورؤيتها، نحو الصيغة التي أشرت إليها في الإجابة على السؤال حول أزمة الحركة الشيوعية.
بمعنى أنه ليس الوضع الداخلي هو الذي فرض هذا التحوّل بل التأثير الخارجي الذي ارتبط بسيطرة ستالين على الحزب والدولة، وعلى الحركة الشيوعية العالمية. حيث أخضعت لتكتيك الدولة السوفيتية. هل هناك وضع داخلي سمح بهذا التحوّل؟ نعم، وهنا الخلاف مع الشيوعية الصينية والفيتنامية، التي رفضت الخضوع لسياسات وتكتيكات لا تطابق وضع بلادها. ما هو هذا الوضع الداخلي؟ هذا ما يجب أن نبحث فيه، لكن يمكن الإشارة إلى ارتباط الثقافة الماركسية منذ البدء بالمعاهد السوفيتية، والانبهار بالتجربة السوفيتية، هذا الانبهار الذي كان يمنع تلمس التحوّلات التي تجري، ويحدّ من إمكانية الاختلاف مع المركز السوفيتي. حيث يجب السؤال عن السبب الذي فرض الانضواء في إطار السياسة السوفيتية رغم أن العديد من السياسات كان واضحاً تناقضها مع ما يجب أن يطرح عربياً، مثل الوحدة العربية، أو دور البرجوازية، ثم الدولة الصهيونية. في كل الأحوال كان كل مختلف مع التكتيك السوفيتي في هذه الأحزاب يطرد.
بالتالي لا أحمّل السوفيت كل المسؤولية، المسؤولية هي مسؤولية الماركسيين العرب، لكن الإشارة إلى التبعية ضروري من أجل -قطع حبل السرّة- لكل تبعية، وللتأكيد على العودة إلى الماركسية، ماركسية ماركس وإنجلز ولينين، ولفظ كل ما تعلمناه من ماركسية من السوفيت.
أما هل ستعود الأحزاب الشيوعية قوية في ظل الظرف الراهن الذي يتسم بتفاقم الصراع الطبقي؟ ليست رافضاً عودتها، ولا تتعلق المسألة بموقف ذاتي، كل المسألة تتمثل في مقدرة هذه الأحزاب، التي تبدأ بمستوى وعيها الماركسي ومقدرتها على فهم الواقع، مروراً بطبيعة بنيتها البيروقراطية المتكلسة، وصولاً إلى هل هي قادرة على الغوص مع العمال والفلاحين الفقراء في أتون الصراع الطبقي من أجل تطويره لكي يتحوّل إلى انتفاضة أو ثورة تسقط الرأسماليات التابعة؟ لدي شك كبير، رغم أنني لا أصدر حكماً شاملاً بل أرى عن هناك من هذه الأحزاب من يستطيع كأفراد أو مجموعات لعب دور جديد.
وهذا يتربط بتكملة السؤال حول عدم بروز أحزاب ماركسية جديدة. فقد برزت أحزاب ماركسية منذ نهاية الستينات لكن مآلها لم يختلف عن الأحزاب الشيوعية في الغالب. أما لماذا؟ فهذا يعود إلى طبيعة الصراعات الطبقية التي كانت تحكم الوطن العربي، فلقد أحدثت التغييرات التي قامت بها النظم القومية خلخلة في التكوين الطبقي في بلدانها وفي البلدان العربية الأخرى، وبالتالي لم يكن هذا الوضع يسمح بنشوء أحزاب حقيقية، وكل ما حصل هو تمردات على الأحزاب الشيوعية التقليدية من جهة، وعلى فشل الأحزاب القومية من جهة أخرى. وهي تمردات قادتها البرجوازية الصغيرة وظلت محصورة بها. أما اليوم فربما يكون الوضع أفضل نتيجة -استقرار- التكوين الطبقي، على أساس الانقسام إلى أقلية بالغة الثراء وأغلبية مفقرة، ووجود عمال وفلاحون فقراء بدأوا يخوضون النضال الطبقي في العديد من البلدان العربية. لكن تبقى الأزمة في نشوء ماركسية بديلة، في بلورة رؤية لواقع الصراع الطبقي وللمهامات المطروحة اليوم، كما لدور الأحزاب الماركسية فيها. نحن إزاء هذا التحدي، وكل الحوارات التي تجري يمكن أن توصل إلى ذلك.
أما حول الاشتراكية وأن ما حققته هو الرسملة فقد أشرت في رد سابق إلى هذا الموضوع، فليس قدراً أن توصل إلى الرسملة، ما حدث هو هذا، أما ما هو مطلوب اليوم فهو الاستفادة مما حدث من أجل بلورة رؤية تقود إلى انتقال أعلى في الاشتراكية وليس إلى الارتداد إلى الرأسمالية. هذا ما يجب أن نستفيده من التجارب المنهارة من أجل عدم تكرار الانهيار، والوصول إلى الاشتراكية الحقة. طبعاً ربما كان عدم الانتقال إلى نظام ديمقراطي في ظل الاشتراكية هو الأمر الذي يجب أن نستفيد منه أكثر من غيره. وهذا يقتضي معالجة الأسباب التي أفضت إلى تكلس الفئة الحاكمة وتبقرطها، ومن ثم تشكل -مصالح خاصة- تخصها.
وحيث أن نشوء هذه الفئة هو الذي منع الانتقال إلى الديمقراطية لأن حفاظها على مصالحها كان يفرض التعمية على كل المجتمع.، وكبت الأفكار ومنع النقد، ورفض الاحتجاج، وما إلى ذلك. ولاشك في أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث أوفى.
أخيراً، لاشك في أن الأزمة العالمية الراهنة تفرض التفكير العميق في دور الماركسية، حيث سوف تتصاعد الصراعات الطبقية في كل العالم. وكما أشرت ليس من أفق غير ذلك.


87 - الاستاذ سلامة كيلة
أنور نجم الدين ( 2010 / 10 / 16 - 09:31 )
أجزل الشكر لبذل هذا الجهد الكبير لرد مواضيعنا.
اسمح لي استاذ ان اشير اولا الى ان العالم الرأسمالي كان دائما عالم غير متجانس، فعدم التجانس هو كان في الواقع التركيب الطبيعي للرأسمالية حتى في عصر ماركس.

إنَّ كلاً من ماركس ولينين، يبحثان نفس الحقبة التاريخية من تطور الإنسانية، ولكن بطريقتين متناقضتين، وفيما يخص التفاوت الاقتصادي، فيقول ماركس:

-من البديهي أنَّ الصناعة لا تبلغ ذات المستوى من الإحكام في جميع البلدان، ولا في جميع أقاليم البلد الواحد .. إنَّ البلدان حيث تتطور الصناعة الكبرى، تؤثر بطريقة مماثلة في البلدان التي تفتقر أكثر أو أقل إلى الصناعة، وذلك بقدر ما تنجرف هذه البلدان غير الصناعية بفعل التجارة العمومية، في تيار صراع المزاحمة العمومية .. إنَّ المزاحمة مع البلدان الأكثر تقدماً صناعياً، المترتبة على امتداد التعامل الدولي، كافية لإنتاج تناقض مماثل حتى في بلدان ذات صناعة متخلفة – كارل ماركس-.

هذه هي نظرة الماديين إلى التاريخ، فالماديون يبحثون (التفاوت الاقتصادي – التطور اللامتكافئ) بطريقة مادية وبوصفه بديهياً للمجتمع الرأسمالي العالمي، وعلى الأخص في عصر كانت تزحف الصناعة فيه، نحو هدم آخر بقايا الحياة المشاعية في العالم، وجرِّ كلِّ الحضارات القديمة نحو تيار المدنية.

وهكذا، فلا تغير استقلالية الدول من طبيعة الرأسمالية بوصفها نظام عالمي، فكيف تأثرت مثلا استقلالية أمريكا على مجرى التاريخ العالمي؟

ان البلدان الصناعية تؤثر على بلدان غير صناعية، وهذا ما يثبته التاريخ بصورة واضحة، ولا تتمركز الصناعة في -المركز- كما ولا تبقى بالضرورة -الأطراف- مصدرا للدول المنتجة للمواد الأولية، وبعد أمريكا واليابان، فانظر الى الصين، والتي كانت في يوم من الأيام، مصدر المواد الخام الرخيصة لأوروبا الصناعية، فهي تقف اليوم على قدميها في السوق المنافسة العالمية بوصفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهل تراكم تعلمون، أنَّ الاقتصاد العالمي، حقق ارتفاعاً في معدل النمو في عامي (2006)، (2007)، (2008) و(2009) بفضل النمو في اقتصاد الصين (11%) والهند (9%)؟

فالخيار اللينيني اذا ليس سوى اختلاق العقل، فهو ليس نتاج الواقع، ولم يقم لينين الا بخدمة القومية الروسية، فالازدهار القومي هو حجر اساس فكر وأعمال لينين.

وهكذا، فانتقال الفائض في الإنتاج (الفائض في الوسائل الانتاجية، والبضائع، والمال، والأيدي العاملة) في الدوائر الإنتاجية المنعزلة والبلدان المتفرقة، أي من الفائض النسبي للانتاج، إلى فائض الإنتاج المطلق، كما يسميه ماركس، سوف يشمل بالضرورة كلَّ القطاعات المختلفة وأهم دول الصناعية في العالم، ابتداءا من الولايات المتحدة الأمريكية، وعبورا بأوروبا واليابان، وانتهاءا بالصين، وسوف يهاجم الزمن آنذاك بعنف الزراعة كما الصناعة، والبنوك كالشركات المساهمة، إلخ ...

هذه العملية تتكرر دورياً ما لم يتحول الإنتاج إلى إنتاج مبرمج في المستوى الأممي، أي الى انتاج اشتراكي –كوموني.

أما فيما يخص أسباب دفع الثورة القارية الى الوراء في القرن التاسع عشر، فقدم ماركس في زمنه صورة رائعة عما يسمى بالمركز والاطراف، فهو يقول:

-... وقناة السويس هي وحدها التي فتحت بحق، شرق آسيا وأستراليا أمام التجارة البحرية، وزمن تداول السلع المرسلة إلى آسيا والذي كان عام (1847) إثنا عشر شهراً على الأقل، يمكن أن يرتد الآن إلى عدد مماثل من الأسابيع تقريباً، وهذا الانقلاب في وسائل المواصلات قد قرب ما لا يقل عن (70) إلى (90) بالمئة، البلدان الصناعية في أوروبا من المركزين الكبيرين لأزمات (1825 – 1857) وهما أمريكا والهند، وجعل هذه الأزمات على هذا النحو، تفقد نصيباً كبيراً من قدرتها الانفجارية، لقد اختصر زمن دوران مجمل التجارة العالمية بهذا المقدار، وتضاعفت قدرة رأس المال الذي تستخدمه على العمل أو بلغت ثلاثة أمثالها، وبديهي أنَّ هذه الواقعة لم تبقَ دون تأثير على معدل الربح – كارل ماركس-.

وهكذا، فالاختلال –هبوط معدل الربح- وإعادة التوازن، أي الأزمة والازدهار، أمر محتوم في الإنتاج الرأسمالي، أما الانتقال الى فائض الانتاج المطلق، يعني بكل بساطة تكثيف الدارات اكثر فاكثر، وتكرارها في أوقات زمنية محددة في المستوى الكلي للعالم بصورة منتظمة -عشر سنوات مثلا-، والقصد هو دارات اقتصادية أقصر فأقصر في مستوى العالم، وكلُّ تقصير في هذه الدارات سيجر العالم كلَّه نحو الاصطدام بالمركز، أما المركز فهو العالم كله. وبفعل هذا التطور، سوف يختفي كليا كل فكرة بخصوص الاشتراكية القومية.


88 - رد الى: أنور نجم الدين
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 16 - 20:19 )
الأستاذ أنور تحياتي، شكراً للاستشهادات بماركس التي تصبّ فيما أقول، حيث أن السيطرة على العالم، والمقدرة على تصريف السلع أفضت إلى -حلّ أزمة- فيض الإنتاج، وإن مؤقتاً، وبالتالي تراجعت الأزمات الدورية، لكن أيضاً تغيّر الوضع الطبقي، وهذا ما تحاول تجاهله رغم أهميته في تحليل ماركس، وكل تحليل ماركسي.
وبالتالي أود التوضيح بأنني لم أقل بأن عدم التجانس تحقق بعد ماركس، على العكس فقد حققت الرأسمالية نقلة نوعية أوجدت فجوة في العالم، حيث انقسم إلى عالم صناعي حديث، وآخر زراعي أو بدائي متخلف. لكن ما أشرت إليه أنه حين تشكل النمط الرأسمالي كنمط عالمي نهاية القرن التاسع عشر قام على أساس اللاتكافؤ، فقد تكرس الانقسام السابق، ولقد عملت الرأسمالية على تكريسه بكل قوة جيوشها التي غزت مناطق شاسعة من العالم. وأوافقك بأن -عدم التجانس هو في الواقع التركيب الطبيعي للرأسمالية حتى في عصر ماركس-. لكن هذا التحديد يقود إلى استنتاجات مهمة، تتمثل في اخلاف طبيعة الصراع بين المراكز والأطراف، والى تحوّل التناقض مع المراكز إلى تناقض أساسي لأنها تمنع التطور وتفرض هذا الشكل من الصياغة للأطراف، سواء بالقوة كما في المرحلة الأولى وعند الضرورة أو من خلال تشكيل عالم -موحد- في إطار سوق مفتوح ينحكم لاختلال في ميزان القوى لمصلحة الرأسمال الإمبريالي، حيث ستكون المنافسة هي حتماً في صالح الأقوى.
لهذا حين نتطرق إلى ماركس ولينين ندخل في عمق هذا الموضوع. فإذا كان ماركس قد عاش مرحلة نشوء الرأسمالية في بلدان متعددة (أولاً في إنجلترا ثم فرنسا، ولم تتطور ألمانيا إلا في المرحلة الأخيرة من حياته)، فقد عاش لينين في مرحلة اكتمال الرأسمالية وتشكلها في نمط عالمي، ولاشك في أن الوضع في المرحلة الأولى يختلف عن الثانية، وهو ما ظهر في أوروبا ذاتها، وتشير أنت إليه (وإن من زاوية الدارات). لكن أيضاً سوف نلمس بأن ماركس عاش أوروبا التي تتطور صناعياً، ولقد بنى تصوراته حول التغيير انطلاقاً من الآليات التي كانت تسير فيها، أو وفق توقعه لهذه الآليات، بينما عاش لينين في بلد إمبراطوري لكنه لازال إقطاعياً، ولم تكن الرأسمالية سوى هامش فيه، وبالتالي من الطبيعي أن يرى الأمور من زاوية أخرى (وليس من -اختلال العقل-) لأنه لم يكن دوغمائياً، بل استند إلى منهج ماركس. لقد عاش لينين مرحلة تراجع الثورة الاشتراكية في البلدان الرأسمالية (رغم أوهامه بإمكانية حصولها)، وتصاعد الصراع ضد الرأسمالية، ومن أجل التطور، في الأطراف.
ما يمكن أن يؤخذ على ما تقول هو التالي:
أولاً: أنه ينطلق من الدارات الاقتصادية في تحديد الثورة الاشتراكية، فيشير إلى أنها ابتعدت بعد ماركس وها هي تعود، لكن القول بأن الثورة القارية تراجعت نتيجة ذلك يشي بميكانيكية في الفهم، لأن تسهيل التجارة البحرية، الذي أفضى إلى تصريف السلع، وبالتالي ازدهار الصناعة، أفضى إلى تحولات في التكوين الطبقي الداخلي هي التي فرضت تراجع الثورة، ولا يمكن أن نفسر الموضوع من خلال الربط الميكانيكي بين الأزمات الاقتصادية والثورة. لقد مرّت الرأسمالية بأزمات كبيرة لكنها لم تفضِ إلى الثورة، أكبرها أزمة الكساد العظيم سنة 1929. هنا سنلمس المادية الميكانيكية، مادية القرن التاسع عشر واضحة. وكما أشرت فإن نهب العالم فرض تطور الصناعة وتغير الواقع الطبقي في المراكز، وفي الوقت ذاته إفقار الأطراف وتهميش الطبقات، وبالتالي دفعها إلى الثورة.
ثانياً: لم يلحظ التحوّل في نظرة ماركس، وقبلها في الواقع الذي أوضح بأن الرأسمالية لا تجرّ كل الحضارات إلى تيار المدنية بل تكرّس تخلفها، من خلال دعم الأيديولوجية التقليدية فيها، وتكريس النظم الإقطاعية آنئذ، ومن ثم الرأسمالية التابعة، والأخطر تدمر الحرف دون السماع لتطور الصناعة، وهذا ما لمسه ماركس في سنوات حياته الأخيرة. وبالتالي هذه الفكرة المأخوذة من البيان الشيوعي لم تعد صحيحة، بل أثبت الواقع ما يعاكسها. وهنا سوف نلمس الحكم الميكانيكي عبر الإتكاء على نص قديم.
ثالثاً: ليؤكد الفكرة السابقة يورد الأستاذ أنور الصين كمثال على التطور الصناعي، حيث -أن البلدان الصناعية تؤثر على البلدان غير الصناعية، وهذا ما يثبته التاريخ بصورة واضحة، ولا تتمركز الصناعة في –المركز-، كما ولا تبقى –الأطراف- مصدراً للدول المنتجة للمواد الأولية- كما يقول في سياق رده على ما أوردت. لكن لم يلحظ أنه هنا يؤكد رأيي وليس ما يقول، حيث أن الصين تطورت وأصبحت دولة صناعية انطلاقاً من الرؤية اللينينية، أي من خلال قيادة الحزب الشيوعي للصراع ضد القوى الإقطاعية المحلية، وضد الاحتلال الياباني، واستلامه السلطة. والحزب الشيوعي هو الذي أسس للتطور الصناعي ولتحديث الصين، وجعلها قادرة على التحوّل إلى قوة اقتصادية كبيرة. هذا ما أقوله، وهو الخيار اللينيني، حيث لا إمكانية لتطور هذه الأمم إلا في الصراع مع الرأسمالية والاستقلال عنها، وبالتالي فتح الطريق لبناء الصناعة ونشر الحداثة.
أخيراً، لاشك في أن تمسك الأستاذ أنور بمادية القرن التايع عشر، يعني التمسك بالمادية الميكانيكية، وليس بالمادية الماركسية. وهو لا يخفي رفضه للجدل. لكن ليس صحيحاً بأن ما يقوله هو ما قاله ماركس، وإلا يحوّل الماركسية إلى اقتصادوية محض، تنحكم لمنطق ميكانيكي، وهي غير ذلك تماماً.


89 - تعقيب على المداخلة 82
محمد المثلوثي ( 2010 / 10 / 16 - 18:33 )
أستاذ كيلة: في معرض ردكم على سؤالنا حول طبيعة نظام الاتحاد السوفيتي تقولون الآتي -لكن عجز البرجوازية فرض أن تلعب الطبقة العاملة بالتحالف مع الفلاحين الفقراء هذا الدور، ولمصلحة كل هؤلاء. ولقد تحقق ذلك في إطار -نزع- الملكية الخاصة، أي في إطار اشتراكي.- فما هو جوهر الملكية الخاصة المعاصرة؟ وكيف يمكن القضاء عليها؟ بحسب ماركس فجوهر الملكية الخاصة ليس سوى العمل المأجور، وبالتالي فالقضاء على الملكية الخاصة لا يعدو أن يكون القضاء على العمل المأجور نفسه. اما تحويل ملكية وسائل الانتاج الى ملكية الدولة فانه لا يغير من طبيعة أسلوب الانتاج بل هو مركزة للراسمال بيد الدولة لدفع عملية التراكم الراسمالي نفسه في ظروف تاريخية محددة من هذا التراكم. وهكذا تظهر لنا الاشتراكية (تحويل الملكية الخاصة الى ملكية جماعية) غير ممكنة بدون الغاء مسبق لجوهر ومفرخ الملكية الخاصة أي العمل المأجور. ويظهر لنا كيف ان ما قام به لينين من استيلاء الدولة على وسائل الانتاج انما هو اعادة تجديد للعلاقات الراسمالية لا غير، فهل من الممكن تسمية ذلك بالاشتراكية أو خطوة باتجاهها أو مثلما عبرتم كتطور راسمالي في اطار اشتراكي؟ وهل من الممكن أصلا أن نتحدث عن تطور رأسمالي في اطار اشتراكي؟
ان خطأكم أستاذنا يكمن في فصلكم بين طابع الملكية وأسلوب الانتاج، ذلك ان ما يحدد طابع الملكية انما هو طبيعة اسلوب الانتاج وتقسيم العمل الاجتماعي وليس الشكل الحقوقي للملكية. فاذا كنا ندور في دائرة أسلوب الانتاج الراسمالي اي عبودية العمل المأجور فان طابع الملكية لا يمكن أن يكون سوى الملكية الخاصة ولا يمكن تجاوز هذا الطابع الخاص للتملك الا بتغيير في أسلوب الانتاج نفسه. اذ كيف يمكن للبروليتاريا أن تستولي على الملكية الخاصة بدون القضاء على نفسها كعبيد للعمل المأجور. وماذا يعني الغاء العمل المأجور ان لم تكن الشيوعية نفسها. أي ادارة كمونية للانتاج. فهل كان ممكنا الحديث عن استيلاء العمال والفلاحين في روسيا على الملكية الخاصة وتحويلها الى ملكية جماعية بدون القضاء على الأصناف الاقتصادية الراسمالية الأخرى (العمل المأجور، التبادل، التداول النقدي..الخ)فعندما تتحدثون عما يسمى بسلطة العمال فكأنكم تتحدثون عن سلطة العبيد، فهل ممكن للعبيد أن تكون لهم سلطة في مجتمع يقوم على أسلوب انتاج عبودي، كما هل ممكن الحديث عن سلطة الأقنان في أسلوب انتاج اقطاعي؟ فمثلما أن السيادة في مجتمع عبودي لا يمكن أن تكون لغير مالكي العبيد والسيادة في مجتمع اقطاعي لا يمكن أن تكون لغير النبلاء وملاك الأراضي، كذلك ففي مجتمع يسوده أسلوب الانتاج القائم على العمل المأجور لا يمكن أن تكون سوى لممثلي راس المال سواء كانوا متحلقين حول شركات مساهمة أو حول الدولة نفسها. وهكذا فسلطة العمال التي تتحدثون عنها في روسيا لم تكن سوى سلطة راس المال باسم العمال
تقولون أن لينين لم يكن يستطيع أن يفعل سوى دفع حركة التطور الراسمالي بالنظر لظروف روسيا في زمنه. طبعا هذا صحيح تمام الصحة اذا انطلقنا من وجهة نظر الرأسمال، أي من وجهة نظر البورجوازية الروسية. فالبورجوازية لا ترى أفقا تاريخيا آخر غير نظامها الاجتماعي وضرورة تطويره. لكن هل للبروليتاريا مصلحة فعلية في ذلك التطور ام ان بؤسها الحقيقي يكمن في ذلك التطور نفسه؟ فماذا يعني التطور والتقدم الرأسمالي؟ انه يعني مزيد مراكمة الثروة لدى البورجوازية ومزيد البؤس للبروليتاريا. وكلما تطور راس المال كلما ازداد اغتراب العامل وتبعيته لراس المال. وهكذا فالبروليتاريا ومنذ توجد كطبقة اجتماعية فانها طبقة معارضة للتطور والتقدم الراسمالي. لأنه بالنسبة للبروليتاريا ليس مايضمن تحررها وتحرير البشرية مزيد تطوير قوى الانتاج والصناعة وازدهار التبادل فهذا لا يقود الا لمزيد تبعيتها واستعبادها، بل ان تحررها يكمن في تغيير أسلوب الانتاج السائد. فماذا فعل لينين سوى بث الوهم في صفوف العمال حول ان التقدم الصناعي والنمو الاقتصادي سيحقق لهم الرفاه وسيقود في النهاية الى الشيوعية طالما أن الحزب الشيوعي هو من يمسك السلطة وطالما لينين قادر بفهمه الصحيح للماركسية أن يكيف التاريخ وفق خطة معدة سلفا متمثلة في النظرية الثورية للماركسية اللينينة


90 - رد الى: محمد المثلوثي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 16 - 21:08 )
الأستاذ محمد، لا أعرف في أي كتاب وجود أن ماركس يقول أن جوهر الملكية الخاصة ليس سوى العمل المأجور، آمل أن ترشدني لعلي سهوت. ما أعرفه هو أن الملكية الخاصة والعمل المأجور هما مفهومان مختلفان، حيث أن الملكية الخاصة وجدت منذ وجد المجتمع الطبقي، أو أن المجتمع الطبقي وجد بوجودها، أما العمل المأجور فهو مفهوم -حديث- يرتبط بالرأسمالية. ولاشك في أن الملكية الخاصة هي التكريس القانوني لحيازة الشخص على الأرض أو المال أو الصناعة، وبالتالي فهي تعبير قانوني عن تقسيم واقعي، ولا يمكن زوالها إلا بزوال الشكل القانوني هذا. لكن ذلك لا يعني القضاء على العمل المأجور، الذي سوف يستمر في الاشتراكية، لهذا فرّق ماركس بين -لكل حسب عمله- في المرحلة الاشتراكية، و-لكل حسب حاجته- في المرحلة الشيوعية. هنا في هذه المرحلة ينتفي العمل المأجور كما تطرح الماركسية وليس في المرحلة الاشتراكية.
طبعاً، وكما أشرت في رد لي على الأستاذ أنور نجم الدين، يبدو الخلط واضحاً بين مرحلة الاشتراكية ومرحلة الشيوعية. في الاشتراكية -تستعير- البروليتاريا، كما اشار ماركس العديد من -منتوج البرجوازية-، منها الدولة والعمل المأجور، وفائض القيمة، أما حين الوصول إلى الشيوعية فالأمر يتطور إلى سياق آخر.
ونحن الآن نناقش الاشتراكية وليس الشيوعية، بالتالي فإن إلغاء الملكية الخاصة لا يفرض حتماً إلغاء العمل المأجور، ولا يلغيه البتة، بل يعني تنظيم السيطرة على الملكية، التي تصبح ملكية عامة (وليس لا ملكية) من خلال سيطرة البروليتاريا على السلطة، لمصلحة البروليتاريا.
النقطة الأخرى، تشيرون إلى أن الخطأ الذي أقع فيه هو الفصل -بين طابع الملكية وأسلوب الإنتاج، ذلك أن ما يحدد طابع الملكية إنما هو طبيعة أسلوب الإنتاج وتقسيم العمل الاجتماعي وليس الشكل الحقوقي للملكية-. وأرى أن في ذلك قلب للموضوع، حيث أن أسلوب الإنتاج هو مجموع عناصر التكوين الاقتصادي الاجتماعي والسياسي، وبالتالي فإن الملكية هي عنصر في تحديد الأسلوب وليس العكس. فمثلاً، -أسلوب الإنتاج الإقطاعي- تحدد على أساس ملكية الإقطاعيين للأرض، و-أسلوب الإنتاج العبودي- تحدد على أساس ملكية الأرستقراطية للعبيد (أشير إلى ذلك رغم أن لي رأي في هذه الأنماط)، والرأسمالية تحددت على ضوء مركزية الرأسمال الذي تستحوذ عليه البرجوازية. فما دامت الملكية الخاصة هي مفصل نشوء الطبقات لا يمكن إلا أن تكون عنصراً في كل أساليب الإنتاج السابقة على الاشتراكية وما بعد تشكل المجتمع الطبقي، وما كان يغير أسلوب الإنتاج هو وسيلة الإنتاج بالتحديد.
لهذا ما تقوله حول لينين لا يعدو أن يكون خلطاً (مع الاعتذار المسبق)، وهو مبني على تشوش فكري عالِ. وهو الأمر الذي يجعل إمكانية وعي صيرورة التطور في وضع كوضع روسيا أو كل الأمم المخلّفة أمراً صعباً. فمثلاً تقوّلني -أن لينين لم يكن يستطيع أن يفعل سوى دفع حركة التطور الرأسمالي-، لكنني لم أقل ذلك بل قلت أن لينين عمل على تحقيق المهمات الديمقراطية التي قامت بها الرأسمالية الأوروبية في سياق سعيه لتحقيق الاشتراكية، وهذه غير تلك. كما أنني أشرت إلى المآل الذي سارت فيه التجربة حيث أنتصرت الرأسمالية. فهناك إذن فارق بين مطامح لينين ومآل التجربة، لأن الواقع هو الذي منطقه في النهاية وليس أفكار الفرد أي كان. ولقد شرحت معنى كل ذلك.


91 - حول مداخلتكم 90
محمد المثلوثي ( 2010 / 10 / 16 - 22:57 )
أستاذ كيلة،عندما يتحول التاريخ الى مجموعة ارادات لينينية وماوية...الخ يمكنها قولبة التاريخ وضبطه وفق مخططاتها، فسيكون من الممكن طبعا ان يتحول كل شيئ الى تاملات ايديولوجية وحيل نظرية للتبرير وليس للفهم الفعلي الواقعي للتاريخ. ومن أجل التبرير يكون من الممكن تحويل النقاش الى جدال عقيم. فأنا قلت لكم أن جوهر الملكية الخاصة المعاصرة هو العمل المأجور فرحتم تبحثون في موضوع آخر. لكن ما هي الملكية الخاصة المعاصرة؟ انها الرأسمال وما هو جوهر الرأسمال؟ انه العمل المأجور بلا شك. وما هو العمل المأجور؟ انه علاقة اجتماعية تربط طبقة البورجوازيين بطبقة العمال. ولا يمكن الغاء الملكية الخاصة هذه (اي في شكلها كراسمال) الا بالقضاء على تلك العلاقة الاجتماعية التي هي العمل المأجور. فالراسمال (الملكية الخاصة) والعمل المأجور يشترط أحدهما الآخر ولا يمكن باي حال فصلهما عن بعضهما.ماركس يقول:إن جوهر الرأسمال، ليس في كون العمل المكدَّس وسيلة للعمل الحي من أجل تحقيق إنتاج جديد، بل في كون العمل الحي وسيلة لحفظ قيمة العمل المكدَّس التبادلية ولزيادتها.(العمل المأجور وراس المال) وهكذا فالراسمال (الملكية الخاصة المعاصرة) ليس مجموعة القوى الانتاجية التي يستعملها المنتج من أجل تحقيق انتاج جديد، بل هو المنتج وقد تحول الى أداة لحفظ قيمة قوة العمل الماضية وزيادة قيمتها. ومن هو هذا المنتج الذي تحول الى أداة لتفريخ القيمة الزائدة؟ بالطبع انه العامل الأجير بالذات. وهكذا فنحن لا نستطيع أن نفهم راس المال الا كعلاقة اجتماعية وليس مجموعة مكائن وآلات ومواد أولية...الخ فكل هذه لا تتحول الى راس مال الا في اطار وجود العمل المأجور ولا يمكن تخيل تحويل تلك الأدوات والمكائن والمواد الأولية..الخ الى ملكية جماعية بدون القضاء المسبق على العلاقة الاجتماعية القائمة على العمل المأجور والتي هي الأساس المادي للتملك الخاص في آخر أشكاله التاريخية أي في شكل الرأسمال. اذا فحديثكم عن ملكية جماعية مع وجود العمل المأجور أمر يناقضه التاريخ بغض النظر عن أوهام هذا أو ذاك بما في ذلك ماركس نفسه، رغم أن سياق حديث ماركس عما يسميها المرحلة الانتقالية غير السياق الذي تتحدثون فيه عن الاشتراكية كمقدمة تاريخية للانتقال الى الشيوعية ولا يمكن أن نعثر لدى ماركس عن تحقيب تاريخي مثلما تفعلون وهو يتحدث عن الاشتراكية ليماثلها مع الشيوعية ولقد تخلص هو وأنجلز في مرحلة متأخرة عن مصطلح الاشتراكية واعتبراه لم يعد ملائما للتعبير عن الأهداف التاريخية للبروليتاريا (راجع مقدمة أنجلز للبيان الشيوعي) اما في جانب آخر تقولون أن طابع الملكية هو من يحدد أسلوب الانتاج وليس العكس وهنا أعيدك ببساطة لماركس الذي يقول:ان الدرجات المختلفة في تطور تقسيم العمل هي في الوقت ذاته أشكال مختلفة للملكية أي أن كل درجة من تقسيم العمل تحدد كذلك العلاقات بين الأفراد وفقاً لموقفهم من مادة العمل وأدوات العمل ومنتوجات العمل.(الايديولوجية الألمانية) فما هو تقسيم العمل الذي يحدد العلاقات بين الأفراد؟ انه بالطبع أسلوب الانتاج. وما هي العلاقات بين الأفراد؟ انها ولا شك علاقات الملكية. وهكذا فعلاقات الملكية تحددها طبيعة تقسيم العمل وتقسيم العمل مرتبط بدرجة وطبيعة قوى الانتاج. ومثلما يقول ماركس فان اكتشاف سلاح ناري جديد يعيد تشكيل العلاقات داخل الجيش. فملكية الاقطاعيين محددة بأسلوب الانتاج الاقطاعي التي اعتمدت أساسا على الانتاج الزراعي بينما ملكية الراسماليين محددة بظهور أسلوب الانتاج الجديد أي العمل المأجور والذي هو مرتبط بظهور الأدوات الصناعية الجديدة وتطور التبادل والتجارة العالمية. انك استاذنا بطرحك هذا حول طابع الملكية وعلاقتها باسلوب الانتاج وتقسيم العمل تعيدنا ليس لما قبل ماركس بل لما قبل الاقتصاد السياسي نفسه ويؤسفني أن أقول انك تسقط في الاقتصاد السياسي المبتذل
أخيرا أنت تقول أن لينين لم يقم بتطوير راسمالي بل أنجز ما تسميه بالمهام الديمقراطية. رجاء أن توضح لنا ما هو الفرق بين هذه وتلك؟
مع الشكر الجزيل على سعة صدركم


92 - رد الى: محمد المثلوثي
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 17 - 16:42 )
الأستاذ محمد تحياتي، أولاً لا أعرف ما الذي أقحم مسألة أن التاريخ يتحوّل إلى مجموعة إرادات لينينية وماوية، فقد كنا نناقش في مكان آخر، أليس كذلك؟ على كل يبدو واضحاً أن التأكيد على الفهم اللينيني الذي يفرض أن تلعب الماركسية دوراً محورياً في تحقيق التطور هو الذي يستجلب هذا -الهجوم- على الإرادة التي -يمكنها قولبة التاريخ وضبطه وفق مخططاتها-، ليكون ممكناً أن -يتحول كل شيء إلى تأملات أيديولوجية وحيل نظرية للتبرير وليس للفهم الفعلي الواقعي للتاريخ--. وهو ما يوضح عدم الدقة في قراءة ما كتبت، أو الميل لعدم التدقيق فيما كتبت، حيث أن خلافنا على -فهم الواقع- وعلى صيرورة تطوره. وبالتالي سأشير إلى أن حكماً مسبقاً يطال لينين وماو غير مبني على تحليل واقعي. فقد قلت بأن لينين حلل الواقع انطلاقاً من فهمه المادي الجدلي بأن المطلوب هو -التحليل الملموس للواقع الملموس-، فتوصل إلى هذه الصيغة من التطور انطلاقاً من ممكنات الواقع ذاته، وليس انطلاقاً منفكرة قالها ماركس قبل ذلك بربع أو نصف قرن.
نحن في هذا الموضوع نختلف حول معنى الإرادة، وكما يبدو لي أن المنطق الذي يحكم النظر لديك (كما لدة الأستاذ أنور نجم الدين كما أوضحت وسأوضح تالياً) هو -ضد الإرادة- أي العفوية والميكانيكية، أي التطور الطبيعي الذي لا يفترض تدخل البشر، ولا يلحظ أي دور لهم. فالاقتصاد يتطور على سجيته، وتنتقل المجتمعات إلى الرأسمالية هكذا بلا جهد بشري، ودون وعي يفرض تحديد دور الطبقات والبشر. ولهذا حين التطرق إلى التجارب الاشتراكية سوف نلمس بأن الإرادوي هو الذي يعمل على فرض رؤية لا تتطابق مع الواقع، سواء في السعي لتغييره أو في عدم الإقدام على تغييره حين يكون التغيير ضرورة في الواقع. ولاشك في أن نجاح ثورة أكتوبر هو دليل أن الواقع كان يقبل هذا التغيير وليس لأم إرادوية لينين فُرضت من خارج الواقع بقدرة إلهية. إن النظر الميكانيكي المادوي يعتقد بأنه يمكن أن تتدخل قوة خارجية قاهرة من أجل وقف مسار تطور، أو حرف القطار عن سكته. فالسكة تجبر القطار على السير وفقها، لهذا ليس من تغير في الخط دون فعل قاهر. أما الواقع فهو مجموعة ترابطات تنتج صيرورة، البشر جزء من هذه الترابطات، وبالتالي فإن دورهم مؤثر في الصيرورة، وكلما وعوا الواقع كان بإمكانهم تحديد دورهم بدقة أعلى من أجل تحقيق التطور. وهنا أقول بأن الواقع في النهاية هو الذي يحدد هل أن البشر قد طرحوا ما هو ممكن أو أنهم غالوا. لهذا يقول ماركس بأن ما يتحقق في الواقع هو ما يحتمله الواقع ذاته.
ثانياً نعود إلى العمل المأجور والرأسمال، يبدو أنك لم تدقق فيما قلت، وظل هاجس الدفاع عن فكرتك هو الذي يحكم هذه القراءة. فأنا لم أدخل في -جدال عقيم- بل تناولت جوهر الفكرة المطروحة. تسأل: ما هي الملكية الخاصة المعاصرة؟ وما هو جوهر الرأسمال؟ وتجيب -العمل المأجور بلا شك-، ويبدو من إجابتك، رغم استنادك إلى كراس ماركس العمل المأجور والرأسمال، أنك لا تميز بين ما هو مادي وما هو -مثالي-، بين المادة والفكرة، بعكس كل الدعوة إلى مادية القرن التاسع عشر (التي هي على فكرة كانت تحمل كل هذا التشوش). فالعمل لا يملك يا صديقي، العمل يؤجر، وحسب تدقيق ماركس قوة العمل وليس العمل. العمل نشاط يباع بسعر معين، من أجل إنتاج سلعة، عبر العمل في مصنع هو ملك الرأسمالي. هنا الملكية هي للمصنع وليس للعمل المأجور، ولولا وجود المصنع المملوك للرأسمالي لما احتاج إلى قوة العمل. هل قرات مثل ذلك لدى ماركس؟ وفي الكراس ذاته الذي تستشهد به. غذن ما يمكل هو النقد والعقار ووسائل الإنتاج، اما العمل فيقوم على التعاقد بين العامل والمالك.
وبالتالي حين تقول بأن إزالة الرأسمالية تفترض إزالة العمل المأجور حتماً، تتجاهل بأن المصنع سوف يصبح ملكاً عاماً، وأن العامل سوف يبقى يعمل فيه بأجر وليس بدون أجر. وهذا ما اشرت إليه بأن ماركس ميّز بين مرحلتين، الأولى تقوم على مبدأ -لكل حسب عمله-، أي أجر، والثانية تقوم على مبدأ -لكل حسب حاجته-. ولقد شككت بأن ماركس أشار إلى ذلك لهذا سأضطر إلى الاستشهاد بهذا النص، يقول ماركس -يظل تساوي الحقوق، رغم هذا التقدم، ضمن حدود طور برجوازي، فحق المنتج فيه متناسب مع العمل الذي يقدمه. وتنحصر المساواة هنا في الاستخدام بوصفه وحدة قياس مشتركة- (نقد برنامجي غوطة وايرفورت، ص28). أما حول المرحلتين فيقول -غير أنه لا يمكن اجتناب هذه الشوائب في المجتمع الشيوعي اثناء مرحلته الأولى في حالة خروجه من المجتمع الرأسمالي بعد مخاض مؤلم وطويل. ولا يمكن أن يرتفع الحق إلى مستوى أعلى من الوضع الاقتصادي للمجتمع ومن درجة الحضارة المساوية له.
وعندما يصبح المجتمع الشيوعي في مرحلة عليا، ويتوارى نظام تجزئة العمل الذب أذل الأفراد، ويختفي معه التناقض بين العمل الفكري والعمل اليدوي عندما لا يظل العمل وسيلة للعيش، ويضحى في حد ذاته حاجة الحياة الأولى، عندما يتزايد تطور الأفراد، وتتضاعف قوى الإنتاج أيضاً، وتتفجر جميع منابع الثروة التعاونية بغزارة، حينئذ يمكن تجاوز أفق الحق البرجوازي الضيق نهائياً، ويستطيع المجتمع أن يكتب على راياته –من كل حسب طاقاته، ولكل حسب حاجاته-- (ص29/30).
إذن، سيبقى -الحق البرجوازي- في المرحلة الأولى يا صديقي كما يقول ماركس، ولا بد من المرور بمرحلتين لأن المجتمعات لا تنقلب من الأسود إلى الأبيض، بل تنبعث من الرماد. لهذا يكون الانتقال من نمط إلى نمط ليس قطعاً من نمط وتأسيس آخر جديد كلياً. الذي يرى أن التاريخ هو قطع وليس صيرورة يكون لازال منحكماً للمنطق الصوري الذي يقوم على الأبيض/ أسود، خير/ شر، أي نمط ثم فجأة نمط آخر لا يمتّ بصلة للنمط السابق، لا يولد منه.
ثالثاً حول أسلوب الإنتاج والملكية، اسلوب الإنتاج هو التكوين العام لجملة عناصر، ويتحدد بها، وهو اسم تجريد لواقع يتضمن هذه العناصر، التي تربطها علاقة محدَّدة، وبالتالي لا يمكن له أن يحدِّد هو المجرّد شكل الملكية بل على العكس فإن شكل الملكية هو الذي يسهم في تحديد أسلوب الإنتاج. خذ مثلاً الأسلوب المشاعي، الم يتحدد بغياب الملكية الخاصة من جملة عناصر اخرى؟ وكنت قد أشرت إلى الإقطاع فكانت الإجابة بأن -ملكية الإقطاعيين محدَّدة بأسلوب افنتاج الإقطاعي، التي اعتمدت أساساً على الإنتاج الزراعي-، لكنك يا صديقي توقف الإقطاع على رأسه، حيث أن ملكية افقطاعيين للأرض سابقة لتشكل النمط الإقطاعي، وهذا الشكل من الملكية هو الذي جعل ماركس (وربما آخرون قبله) يطلق على هذا النمط النمط الإقطاعي. كذلك في الرأسمالية، حيث تشكل النمط الرأسمالي بعد أن تحوّل التجار وبعض كبار ملاك الأرض للتوظيف في الصناعة التي كانت قد اكتشفت للتو. أي بعد أن امتلك الرأسمال المصانع.
لهذا أراك، أنت، تدخل في سفسطات (لكنها جميلة). فأجدك تعتمد على كتاب الأيديولوجية الألمانية لماركس لكي تدخلنا في محاكمة تبسيطية لا توضح شيئاً إلا ما تريد أن توصلنا إليه. تقول -فما هو تقسيم العمل الذي يحدد العلاقات بين الأفراد؟ إنه بالطبع أسلوب الإنتاج. وما هي العلاقات بين الفراد؟ إنها ولاشك علاقات الملكية- لتصل فوراً إلى الاستنتاج الذي تريد -وهكذا فعلاقات الملكية تحددها طبيعة تقسيم العمل وتقسيم العمل مرتبط بدرجة وطبيعة قوى الإنتاج-. لو وقفت على قدميك لما توصلت إلى هذه النتيجة، على العكس لتوصلت إلى ما يناقضها، كيف؟
تقول بأن أسلوب الإنتاج هو الذي يحدِّد العلاقات بين الأفراد التي تؤسس لتقسيم العمل، هذا المقدمة الأولى. ثم تقول أن علاقات الملكية هي التي تؤسس العلاقة بين الأفراد، وهذه مقدمة ثانية. لتصل إلى الاستنتاج الأرسطي، إذن تتحدد الملكية بأسلوب الإنتاج. من حيث المنطق الصوري لقد نجحت، فقد استخدمت هذا المنطق بأفضل شكل. لكن سوف أناقش ما قلت من زاوية منطقية، فما هو أسلوب الإنتاج؟ هو التعبير الذي أطلقه ماركس على مجمل التكوين الاقتصادي الاجتماعي لعصر معين. غذن هو تجريد، لهذا لن تجد أسلوب إنتاج يمشي في الشارع، لكن ستجد أفراد، وستجد مصانع، وكذلك علاقات اقتصادية قائمة على قوانين تفرضها الدولة. بالتالي فإن اسلوب الإنتاج هو تجريد لتكوين واقعي، هو التحديد الماركسي لتكوين واقعي. فكيف إذن يمكن للمجرّد أن يحدّ الملموس؟ كما أشرت فإن ماركس درس الملموس لكي يتوصل إلى هذا المجرد. فبحث في السلعة والعمل والصناعة والملكية والأجر، لكي يقول بأن هذا نمط رأسمالي. وبالتالي فقد حدد النمط بعناصره وليس العكس.
أقول حول هذا الموضوع بأن الملكية الخاصة موجودة منذ نشوء المجتمع الطبقي، لكن الذي اختلف هو وسائل الإنتاج التي تصبح ملكية للطبقة المسيطرة. هنا نعود إلى نقطة البدء، حيث أن جوهر النمط الرأسمالي هو الصناعة والعلاقات التي تقوم على تملكها، والعمل المأجور هو نتاج حاجة العامل للعمل في مصنع. وأعود إلى المقتطف الذي أوردته من ماركس، فالحق -البرجوازي- سوف يحكم المرحلة الأولى من الشيوعية، وهي المرحلة التي يظلق عليها الاشتراكية. ولنعود إلى أساس النقاش، فإن استمرار العمل المأجور لا يلغي الطابع الاشتراكي، بل أن إلغاء الملكية الخاصة هو الذي يفتح الطريق لتطور النمط من مرحلته الأولى إلى الثانية.
أخيراً، أعجبت بتأكيد الأستاذ محمد أن ماركس وإنجلز قد تخلصا -في مرحلة متأخرة عن مصطلح الاشتراكية واعتبراه لم يعد ملائماً للتعبير عن الأهداف التاريخية للبروليتاريا-، ويرجع إلى مقدمة إنجلز للبيان الشيوعي. ويبدو أنه مرّ سريعاً على مقدمة إنجلز ففهم ما يريد وليس ما قاله إنجلز ذاته. فإنجلز كان يتحدث عن سنة 1848 وليس -في مرحلة متأخرة-، حيث كان يشرح لماذا سمى ماركس وهو البيان بالبيان الشيوعي. ثم أنه يقول بأنه في هذه المرحلة المتأخرة، سنة 1887، كانت الاشتراكية في القارة الأوروبية -تنطبق كلها تقريباً على ا


93 - ممكن اخذ من وقتكم دقائق فقط؟
أنور نجم الدين ( 2010 / 10 / 17 - 08:22 )
استاذ العزيز! الأمر يتعلق بكيفية أثر الصناعة المتقدمة على الدول ذات الصناعة المتخلفة، فهل بمستطاع دولة لينين قطع صلتها مع العالم وقوانينه المادية وضوابطه الاقتصادية؟
اذا كان الجواب نعم، فلا فائدة لكتاب (رأس المال)، أي المادية التاريخية، فيجب شطبه بوصفه وهم من اوهام القرن التاسع عشر.

اذا كان الصين قد تطورت حسب الخيار اللينيني، فكيف تطورت ألمانيا، وأمريكا، واليابان، والسويد، والنرويج، وفنلندة، ودانمارك، والهند، والتايوان، و، و، و؟
وهل تعرف يا ساتاذ العزيز ان هذا الاستنتاج ليس سوى دحض استنتاجات ماركس؟ فمن حقكم بالطبع ان لا تصدق ابحاث ماركس، ولكن ليس من حقكم الحديث باسمه، وتفسير ما يسمى باستنتاج لينين كتطوير لابحاث ماركس، فلينين في (الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية) يستند الى أوهام هوبسن البرجوازية لا تفسير ماركس الاقتصادي – التاريخي، وهو يستخدم منهج هوبسن لا ماركس.

اقبلوا تحياتي الخالصة


94 - رد الى: أنور نجم الدين
سلامة كيلة ( 2010 / 10 / 17 - 17:19 )
الأستاذ أنور، كلما قرات لك ألمس المنطق الصوري بكل جلاله. لهذا وجدتك تسألني -هل بمستطاع دولة لينين قطع صلتها مع العالم وقوانينه المادية وضوابطه الاقتصادية؟-، هل المسألة هي إما قطع العلاقة أو ما يتحقق هو الرأسمالية؟ أعرف بأن -أثر الصناعة المتقدمة على الدول ذات الصناعة المتخلفة- مختلف، ولهذا فإن مهمة الدولة العمالية أن تضبط هذا الأثر بما يحقق مصلحة التطور المحلي، وهذا هو الدور الذي قامت به الدولة السوفيتية. حيث يجب ضبط الفائض المحلي، وعدم السماح بنهبه. كذلك يجب أن يصبّ في سياق التطور الاقتصادي المحلي. لكن ستبقى علاقة مع السوق العالمي، وفي بعض اللحظات يمكن -الخضوع- لبعض الاشتراطات.
طبعاً اعرف بأنك تهدف إلى القول بأن الشيوعية إما أممية أو هي ليست شيوعية، ولقد ناقشت ذلك قبلاً، وبالتالي لا أود تكرار ما قلت. لكنك هنا تظهر كم أنت خاضع للمنطق الصوري، حيث تخضع لمنطق إما، أو، ولا تلمس صيرورة تحوّل الأشياء. والتطور التاريخي كله صيرورات تحوّل وليس انقلابات من نمط إلى آخر. لكن في المقابل ما تقوله يقود إلى القول بأن الاشتراكية ليست راهنة، وأنه يجب ترك الأمور للتطور -الطبيعي- في ظل الرأسمالية. هذا هو المنطق الميكانيكي كما أظن. وهو منطق لا يقود سوى استمرار نهب الأمم المخلّفة، وتدفعها إلى التأخر أكثر، وربما تدميرها وتفكيكها. فمن هو معني بالمواجهة ومنع ذلك هو من يكون ضد الرأسمالية، وليس من خيار أمامه سوى تحقيق الاستقلال القومي، وتحقيق التطور انطلاقاً من الظروف القائمة.
وتشير إلى أنه -إذا كانت الصين قد تطورت حسب الخيار اللينيني، فكيف تطورت ألمانيا، وأمريكا، واليابان، والسويد، والنروج، وفنلندة، ودانمارك، والهند والتايوان، و، و،-. طبعاً يمكنني أن أنطلق من أنك تسأل للمعرفة، وبالتالي يمكن أن أشرح كيف تطور كل بلد من هذه البلدان، لكن المسألة تتعلق بدحض أفكار، ولهذا اسمح لي بأن أصدر حكماً عاماً في البدء، حيث أنك هنا توصف أو تسرد وقائع، فهذه الدولة فعلاً أصبحت صناعية، وبالتالي فهي متشابهة. والتوصيف هو من أخص خصائص المنطق الصوري كما تعلم، لكن يجب السؤال كيف وصلت هذه البلدان إلى ذلك؟ وفي أي مراحل تاريخية؟
ما يوضح الإنحياز في طرحك أنك تجاهلت روسيا التي هي دولة صناعية كذلك، وهي أكثر تطوراً من الصين من حيث التطور التقني الصناعي. ولاشك في أن إيراد هذا البلد سوف يشير إلى -الخيار اللينيني-، لأنها تطورت وفق التصور الذي حكم البلاشفة، ومن خلال الدور الذي قام به الحزب الشيوعي، ووفق الآليات التي اقتضتها الاشتراكية. والصين لم تتطور من خلال برجوازية محلية، أو عالمية، ولا من خلال الطريق -الكلاسيكي- لتطور الرأسمالية، لقد تطورت من خلال الحزب الشيوعي والاشتراكية. بينما تطورت البلدان الأخرى (فيما عدا الهند والتايوان) رأسمالياً خلال القرن التاسع عشر.
إذن، يجب أن نقرّ بأن هناك شكلان التطور الصناعي حدثا خلال القرنين السابقين، الشكل الأول هو الشكل الكلاسيكي، أي من خلال دور طبقة رأسمالية، أو عبر لعب الدولة دور معين لاطلاق التطور الرأسمالي، في إطار سوق حرة ونهب خارجي. والشكل الثاني هو الشكل الذي بدأ مع لينين حينما أقحم العمال والفلاحين الفقراء في الصراع من أجل تحقيق المهمات الديمقراطية، وبناء الصناعة والحداثة، على أمل أن يكون ذلك خطوة نحو الاشتراكية. والعالم اليوم إما رأسمالي صناعي أو مهمش، وطريق تطور الأمم المهمشة ليس غير الدور الذي يجب أن يلعبه الشيوعيون في تطوير الصراع الطبقي وصولاً إلى استلام السلطة.
انت تعتبر بأن هذا الاستنتاج هو دحض لأبحاث ماركس، وأنه ليس من حقنا الحديث باسمه، لكن هل أنت ماركسي أولاً؟ ما كتبته من أطروحات نشرت في الحوار المتمدن لا تشي بذلك، بل تشي بمنطق ميكانيكي صوري. وهو الأمر الذي جعلك تعمل على تفكيك الجدل المادي والتركيز على مادية القرن التاسع عشر، التي هي المادية التي نفاها ماركس، مقيماً إياها بأنها مثالية، وأن مثالية هيغل أكثر جدارة منها.
على ربما أتناول كل ما كتبت في وقت ما.

اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز