الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة من الزجاج القابل للكسر..

جمال الهنداوي

2010 / 10 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


كأنها اشارة متفق عليها مسبقاً.. كانت تلك البراءة التي اعلنتها المملكة العربية السعودية من التصريحات التي نسبت اليها والتي تحدثت عن ترحيب سعودي باختيار التحالف الوطني لمرشحه لمنصب رئيس الوزراء في العراق..
براءة كانت اقرب الى صافرة البدء نحو الانطلاق المحموم لموجة من الاندفاع نحو الدول العربية من قبل اقطاب القائمة العراقية محاولين البحث عن دور ما عز على اشقائنا العرب ان يفلحوا في تسويقه في الداخل العراقي..مصحوبين برايات خفاقة من الاعلام الموجه والمبرمج تجاه اظهار هذا الترشيح كنوع من الاملاءات الايرانية ..مألبين محرضين شاقين الجيوب حزنا على العراق وعروبته الذين ضاعا بلا رجعة في غيابة التدخل الخارجي الاقليمي ..
على الرغم من ان التصريحات المتبرأ منها لم تصل الى مستوى التأييد والدعم والتبريك..واقتصرت على الترحيب الحذر والتمنيات المفخخة..ولكن سرعة ووضوح التنصل منها دليل على رغبة المملكة في ازالة اي التباس ممكن في تفسير موقفها المتدخل والمتخندق تماما في الجهة المناقضة للنظام الرسمي العراقي..وتأكيد حريص على تقديم اشارة واضحة للاطراف التي اختارت ان تنساق او تنسق للموقف السعودي في استمرارية التكتل والتمترس وتدعيم مواقفها الرافضة لمرشح التحالف الوطني..والاعتماد على سياسة التصلب اتكاءً على دعم المملكة المادي والاعلامي خصوصا مع توارد الانباء بضآلة المنتظر من الجبهات المضادة المنوي تشكيلها..
وهنا لا نناقش شرعية مثل هذه التدخلات من عدمها ..لعدم الرغبة في الدخول في متاهة التنظير الشعاراتي المؤدلج ..ولان مثل هذه الامور يسهل وضعها في خانات اخرى بعيدة عن الهدف الذي اوجدت من اجله..وقد لا نجانب الانصاف اذا بررنا القلق الذي قد تتحسسه احدى الدول تجاه هذا الكم الهائل من المشاكل الرابض على بعد انفاس من حدودها ..والمتداخل مجتمعيا حد التشابك مع شعبها..
وهنا ايضا لا نستثني المملكة من هذه الامر الاقرب للقاعدة منه للاستثناء..ولا نستكثر عليها دورا في المنطقة ..ولا نستنكر منها تصرفا نقره لغيرها..ولا نخصها بالرفض دون باقي دول الجوار السوء العضال..
ولكننا لا يمكن ان نغفل عن عدم وضوح المآل الذي تريدنا ان نصل اليه سياسة المملكة..والهلامية المعتمة التي تغلف النتائج المنتظرة من تدخلها..وبعبارة ادق..ضبابية المطلوب من العراقيين لكي يكونوا مؤهلين لرضا القائمين على الحكم السعودي..
فتحت مختلف الذرائع والمسميات ..تحاول الانظمة عادة ان تغلف تدخلها في شؤون الاخرين..فللبعض ثارات قديمة لم تقوى السنين على محوها..ولذلك مهمة عليا كلفته بها السماء لتوحيد الامة..ولغيره ثورة مباركة يصدرها..وللبعض-حتى ذلك البعض- نظريات اممية وطلاسم يحاول تسويقها..الا المملكة العربية السعودية..فهي الوحيدة التي لا تجرؤ على البوح بمبررات تدخلها..
فلا مبرر للمملكة في تدخلها الا الرغبة بالمحافظة على سجلها وتاريخها المتقادم من ممارسات التدخل في الازمات التي تعتري العلاقات البينية ما بين دول المنطقة..والا قدرتها البالغة على الايذاء ..ورهابها المزمن من اي تجربة ديمقراطية قد تفتح للشعب السعودي كوة ما لتلمس هواء الحرية والانعتاق..
نشفق على العراق ان يصل الى نفس النتائج التي وصلت اليها التجارب السابقة..فالمراقب لن يجد صعوبة في تمييز الضرر الكبير الذي اصاب العمل العربي المشترك من تأثير السياسة السعودية واسلوب المضي بالتقاطعات الى مستويات عالية جدا من العداء حتى التحالف مع الاضداد والتحرر من اي التزام قيمي في محاولات النيل من المناوئين ..و لا الاندفاعات التي تتجاوز النسق الطبيعي لادارة مثل هذه النزاعات.. وتميزهذا التدخل بالنفس الطويل والنهايات السائبة المفتوحة وفقدان الشعور البدوي التقليدي بعامل الزمن وعدم الالتفات الى الضريبة الانسانية الباهظة المصاحبة لمثل هذه التدخلات..ويمكننا اعتبار نتائج التدخل السعودي في الشأن اليمني واللبناني مثال صارخ على هذا التأثير السلبي البالغ على السلم الاهلي والوحدة الوطنية في البلدان المبتلاة بهذا التدخل..
نجرؤ على القول ان التدخل يجب ان يشتمل على هدف ما قابل للتحقيق على الاقل..وعلى الحد الادنى من الرغبة بتصويب فعل او ممارسة ما..او تقديم الحلول التي من الممكن ان تؤدي الى نتائج معينة لا يعيبها لو تطابقت مع طموحات الدولة المتصدية لمهمة التدخل في شؤون الاخرين..ولكننا لا نرى نهاية لما يمكن ان ينتج عن مثل هذا التدخل الا صدور قرارات واضحة باجتثاث ثلثي الشعب العراقي وخمسي الشعب اللبناني وربع الشعب اليمني ..او حرمانهم من حقوقهم السياسية على الاقل..
وان هناك بعض القيم الاخلاقية التي قد تبرر للدول بعض الحق في محاولة نقل تأثيرها الى الجوار المأزوم واهمها وجود التجربة التي من الممكن ان تكون مصدر اشعاع والهام للمحيط والتي قد تساعد على تعظيم التأثير الذي تبتغيه الدولة من تدخلها..وهنا لن يكون من خطل القول الجزم بان مثل هذه المعطيات غير متوفرة في الحالة السعودية وبافراط..وانه من العبث الممل محاولة تسويق النموذج السعودي في الحكم كتجربة قابلة للاحتذاء والتأسيس عليها ..والاكثر عبثا ان يمر في الخاطر امكانية تكرارها في اي مكان اخر في العالم..
فلا اعتقد ان هناك اموال في العالم يمكن لها ان تقدم مبررا واضحا لتسمية جماعة ما لدولتهم الفتية باسم جدهم الاكبر..وليست هناك دفاتر صكوك..او علاقات مع هذا الطرف او ذاك..او اعلاميين لبقين بلكنة لبنانية محببة قادرين على تمرير التجربة السعودية في الحكم على انها الحكم الصالح الذي من اقتدى به اهتدى..او انها الاسلوب الامثل لادارة البلدان .. فهي فتنة وقى الله ال سعود شرها خاصة..ولكن المنطقة ما زالت تدفع ثمنها حتى الان..
على المملكة ان تعي الوضع الرسالي الذي يحتمه وضعها الجغرافي في موقع الارض التي تهوى اليها افئدة المسلمين.. وانها المكان الذي ترنو عليه اعين الناس متمنين ان ييسر الله لهم السبيل اليه ولو مرة في العمر..وانه من المفيد للاستقرار والامن الاقليمي ان يستعان بالامكانيات السعودية الضخمة في تخليق اليات وبرامج على الصعد السياسية والامنية والاقتصادية تخدم توجهات دول المنطقة وتطلعاتها نحو التنمية والاستقرار ..
وهذا الموقع وهذه الارض وهذه الامكانيات نفسها تفرض على القائمين على الحكم فيها ان ينتبهوا الى مسؤوليتهم التاريخية في تحقيق الامن والسلام ونشر ثقافة التسامح واعلاء القيم الانسانية الكبرى....وان استمرار مثل هذه الفوضى السياسية والامنية المعتلة لا يمكن ان ينتج الا استمرارية دوامية مشتبكة المنتهيات لمشاكل المنطقة..ان لم تزدها تعقيدا..وهنا سيكون من المحتم وجود تضاد واضح ما بينهم وما بين كل القوى المحبة للخير وللحرية والانعتاق..وهذا سينتج عنه مجتمع زجاجي هش قابل للكسر عند اول حجارة ..وهذا مما لا نتمناه ..ومما لا تتمناه المملكة ولا القائمين عليها ..ولا يتمناه الشعب السعودي الكريم ولا جميع شعوب المنطقة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عزة.. ماذا بعد؟ | المعارضة الإسرائيلية تمنح نتنياهو -الأمان-


.. فيضانات في الهند توقع أضراراً طالت ملايين الأشخاص




.. مواجهة مرتقبة بين إسبانيا وفرنسا في نصف نهائي يورو 2024


.. الاستقرار المالي يثير هلع الفرنسيين




.. تفاعلكم | مذيعة أميركية تخسر وظيفتها بسبب مقابلة مع بايدن!