الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتاج الإسلام الإرهابي

أحمد عدلي أحمد

2004 / 9 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


يبدو أنني سأكون من آخر جيل من المسلمين يسمع في طفولته عن قيم مثل الرحمة واحترام قيمة الحياة ، والعفو عند المقدرة باعتبارها قيم يحض عليها الإسلام ، وبدلا من ذلك سوف لا يسمع الأطفال المسلمون من الآن وصاعدا سوى الجهاد في مفهومه الحديث باعتباره أي عمل عنيف يمارس ضد غير المسلمين بوصفه القيمة العليا في الإسلام بالإضافة طبعا إلى قيمة إخفاء المرأة التي يبدو أنها من القيم القليلة التي ستتوارثها الأجيال القادمة من الإسلام الذي نعرفه اليوم . إنني أنبه لخلل جوهري يحدث في المضمون القيمي للإسلام ويبدو أنه لن ينتهي قبل أن يشكل إسلام جديد يحمل أبشع سمات الأيدلوجيات اليمينية المتطرفة.
في البداية أحب أن أوضح أن التفرقة بين النظرية والتطبيق بشأن الأديان والتيارات الفكرية بعامة هي فكرة سطحية وغير تاريخية ، فالواقع أن البحث عن مسيحية عصر المسيح لا يهم سوى الأكاديميين في تخصص علم الأديان أما في الواقع فليس أمامنا سوى الكاثوليكية ، والأرثوذكسية ، والتيارات البروتستنتية المختلفة وفي تجلياتها المعاصرة باعتبارها العقائد الدينية المؤثرة في المجتمع والسياسة والتاريخ ، وكذا فإنه لا يهودية مهمةمن وجهة النظر الإجتماعية إلا اليهوديات التي يؤمن بها اليهود اليوم ، وبهذا المعنى يمكن أن نفهم عدم الدقة في جملة تتردد كثيرا بعد كل جريمة إرهابية وهي " الإسلام الحقيقي يدين هذه العمليات" ، ففي الوقت الذي تحدث فيه هذه الجرائم بشكل يومي تقريبا في جميع أرجاء المعمورة تحت مسمى الجهاد الإسلامي وسط غياب لتشكيل مفهوم مغاير للجهاد ، ووسط عملية تبرير بل وتنظير لهذه الجرائم من التيار الرئيسي المشكل للفكر الإسلامي وقبول موسع لهذه الجرائم باعتبارها مقاومة من قبل القطاعات العريضة من الجماهير الإسلامية تصبح هذه الجملة من قبيل الكوميديا السوداء مثل جملة أخرى لا تقل سطحية هي أن "التطرف والأصولية واقعان في جميع الأديان المجودة في العالم حاليا"، والواقع أن الأصوليات المسيحية واليهودية لا تزال تشكل حتى في أقوى مظاهرها تيارات هامشية قد تثير الكثير من الجدل والمشكلات في مجتمعاتها لكنها ليست أكثر من زوبعات في فنجان ، بينما الأصولية الإسلامية تتسرب وتجذر نفسها داخل صلب التيار الرئيسي للإسلام ، والأهم من ذلك أنها أصبحت حدث عالمي عابر للحدود ، وأصبح ضحاياها يسقطون يوميا من المسلمين ومن غيرهم ، بالإضافة لذلك فإن الثقافات الأخرى تسهم في الحضارة العالمية بالعديد من الإسهامات المادية والفكريةة ، بينما توقف المسلمون تماما عن الإنجاز ، واكتفوا بصناعة الإرهاب الذي فاض عن حاجة الاستهلاك المحلي وأصبح السلعة التصديرية الأولى في العالم الإسلامي. كل ذلك يجعل من التطرف والإرهاب الإسلامي ظاهرة فريدة لا يجوز مقارنتها بشبيهاتها في العالم.
المحلل للخطاب الإسلامي المنتج حول العمليات الإرهابية سوف يذهل من أن الـتأييد لها هو المسيطر على هذا الخطاب على مستوى المنطوق و المسكوت عنه كليهما و إذا كانت القاعدة والمؤيدين لها من الفقهاء صرحاء في صياغة الإسلام الإرهابي ، فإنني سوف أستعرض هنا بعض الآليات الخطابية التي تمارسها تلك الفئة التي يطلق عليها التيار الإسلامي المعتدل لنفهم كيف يتم تأييد الإرهاب على مستوى المسكوت عنه في خطاب يبدو من القراءة السطحية له أنه يعادي الإرهاب:
يبدأ هذا الخطاب بضرورة التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة حيث يعتبر{ وإلى الآن لا خلاف معه} أن العنف قد يكون مبررا للدفاع عن الأرض والعرض والوطن ، ثم يأتي دور التطبيق والذي يكون عادة في القضية الفلسطينية حيث يؤكد الخطاب على شرعية العنف الذي يمارسه الفلسطينيون باعتباره دفاع شرعي عن النفس ، وهنا يصطدم هذا الخطاب بالعمليات التي يمارسها الفلسطينيون ضد المدنيين الإسرائيليين ، فتكون الإجابة بأن العمليات {الإستشهادية} هي وسيلة الفلسطينيين الوحيدة في المقاومة في ظل الفارق الشاسع في ميزان القوى ، وبأنه لا يوجد مدني إسرائيلي باعتباره محتل يعيش على الأراضي الفلسطينية وبالتالي يتحمل مسئولية وجوده على الأراضي الفلسطينية ، ثم ينتقل الخطاب إلى التذكير بالمظالم التي يتعرض لها الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية ، و بالضحايا الذين يسقطون من المدنيين الفلسطينيين، والمشكلة أن المسلم المتعاطف للغاية مع الفلسطينيين والمعبأ بكراهية الإسرائيليين يقبل هذه الاعتذارات ومعها يقبل المبادئ التالية:
• المبدأ الميكيافيللي في السياسة باعتباره مبدأ إسلاميا فغاية تحرير الأرض تبرر استهداف المدنيين طالما هو الوسيلة الوحيدة المتاحة في ظل توازن القوى.
• مبدأ الثأر الجماعي بمعنى أن ارتكاب شخص ما لجريمة يبرر الثأر منه باستهداف شخص أو أشخاص ليسوا على علاقة مباشرة بالجريمة طالما كانوا من دينه أو عرقه أو عشيرته
وبما أن القضية الفلسطينية ليست الوحيدة التي بتعرض لها المسلمين فيسهل تعميم هذه المبادئ لتبرير الإرهاب في روسيا و العراق وأحداث 11/9 طالما أن قضايا تحرير الشيشان والعراق أو مواجهة الطغيان الأمريكي في العالم ليست قضايا أقل عدالة من القضية الفلسطينية ، وبتطبيق المبادئ السابقة فإن تحرير الشيشان أو العراق يبرر أي شيء طالما أن المواجهة العسكرية المباشرة مع القوات الروسية والأمريكية غير ممكنة في ظل توازن القوى ويقدم سقوط قتلى شيشانيين وعراقيين في الشيشان والعراق قتل أي مواطن روسي أو أمريكي سواء كان صحفيا أو موظفا أو تلميذا ذاهبا لمدرسته
والحق أن الخطاب " المعتدل" لا يصرح بذلك ، ولكنه باستخدامه هذه الحجج لدعم إرهاب الجماعات الفلسطينية يقدم تلقائيا المبرر لإرهاب الشيشان وأمريكا والعراق ، فهذه الحجج التي أصبحت الجماهير مقتنعة بها تتمدد تلقائيا لتقدم مبررات للإرهاب الإسلامي في كل مكان خاصة مع سيطرة عقدة المسلم المضطهد على عقول المسلمين والتي أصبحت الموازري الإسلامي لليهودي التائه ، فالخطاب الإسلامي يعيد تفسير الواقع والتاريخ ليصور المسلم باعتباره المضطهد الوحيد حيث يتم الربط بحرفية شديدة بين صراعات سياسية ذات أسباب جد مختلفة وفي بلدان متباعدة من شبه القارة الهندية إلى البلقان إلى القوقاز إلى الشرق الأوسط لا رابط بينها أن أحد الأطراف في جميع هذه الصراعات يدينون بالإسلام ليصور للجماهير وجود المؤامرة المزعومة ضد الإسلام حتى الاستعمار الذي طال معظم العالم يصور بأنه حرب صليبية جديدة كل ذلك مع التجاهل التام لقضايا غير المسلمين والإضطهاد الذي يتعرض له بعضهم ، وبالطبع التجاهل التام للجرائم التي تمارسها بعض النخب الحاكمة والطوائف المسلمة ضد المسلمين أو غير المسلمين وإخاؤها ،أو إنكار حدثوها أو التقليل من شأنها كما قي نموذج دارفور مثلا، والأخطر أن الخطاب الإسلامي الملقب بالمعتدل يتقدم خطوة أخرى بتقديم المبررات المغلفة للإرهاب في وسائل الإعلام المختلفة ، وأكتفي هنا بذكر مثالين :
في أحد الفضائيات العربية ظهر أحد أعضاء هيئة علماء المسلمين ليتحدث عن وساطات الهيئة لفك أسر الرهينتين الفرنسيين ، و أثناء حديثه قال إن الأوضاع التي خلقها الاحتلال هي التي أدت لهذا النوع من العمليات خاصة أن حرية مقاومة الاحتلال حتى بالطرق السلمية هي الحرية الوحيدة الغير متاحة حاليا ، وبالطبع هناك شيء من الصحة في كلامه عن مسئولية الأوضاع التي خلقها الاحتلال من تسريح الجيش والشرطة وخلافه عن هذه الأوضاع ، ولكن الجملة في سياقها تذكرني بقولة معاوية عندما قتل "عمار بن ياسر" على يد جيشه وكان النبي {ص} قد تنبأ له أن تقتله الفئة الباغية حين قال: "إنما قتله الذين أخرجوه"
مثال آخر وهو من باب التأييد على مستوى المسكوت عنه: في التعليق على عملية المدرسة الروسية نجد المعلق في الجزيرة يبدأ بالحديث عن ما يسميه مأساة مدرسة بيسلان وكأن سقف المدرسة قد سقط على التلاميذ أو أن زلزالا قد اسقط المدرسة ، ثم ينتقل سريعا للحديث {بحق}عن خطيئة القوات الروسية باقتحام المدرسة ، والتي تسببت بالكارثة ، ولكننا نلاحظ أن المعلق لم يستخدم لفظة إرهابيين لوصف الخاطفين ، ولم يصف العملية بالجريمة مثلا ، ولم يدن الخاطفين أو يحملهم المسئولية التي أصبحت فقط من نصيب القوات الروسية ، ومرة أخرى أجد نفسي أتذكر قولة معاوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا