الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصية

نعمة ياسين عكظ

2010 / 10 / 12
الادب والفن


الكرسي

لم يكن طالبا متفوقا في دراسته الاعدادية بل كان بالكاد يحصل على درجات متواضعة ولكنه مع ذلك لا يحسب من المتخلفين .... تعمد الرسوب في السنة الاخيرة من الاعدادية لعله يحصل على علامات تؤهله الدخول الى احدى الكليات الجيدة اسوة بمن سبقه من اقرانه, ومع ذلك كانت النتيجة اقل مما كان يريد .... يأكله الحسد من كل الذين يحصلون على درجات اكثر منه, وبدل ان يدفعه هذا الحسد الى الجد والمثابرة والقراءة الكثيرة كان التفكير فيهم ياخذ من وقته الكثير ... يبحث في مخيلته او يخلق نواقص عند هؤلاء لاقناع نفسه بانه الافضل والاحسن ....هذا الاحساس اخذ بالتطور شيئا فشيئا حتى اصبح جزءا من كيانه بل هو مرض مزمن اخذ بالتطور من وقت لاخر وتظهر علاماته تبعا للظرف الذي يعيشه وكان يحاول تغطية هذه الاعراض وكل انفعالاته والكره والحسد تجاه كل من هو افضل منه .... انهى دراسته الجامعية بصعوبة بعد ان تخلف فيها بضع سنين ومع كل سنة تمر تزداد علامات مرضه حتى اصبحت واضحة عند الجميع دون ان يلاحظ هو ذلك او انه يشعر به ولكن يعتبره مرضا عاديا يصيب كل البشر كما المح هو بذلك عدة مرات .
صار نصيبه التعيين في احد الدوائر الحكومية بعد ان اكمل دراسته الجامعية بصعوبة بوظيفة بسيطة اول الامر الا انه تدرج في المناصب بعد سنوات نتيجة الى تصرفاته المتملقة الى رؤسائه ليكون اخيرا اقرب الى المدير وكثر دخوله الى غرفة الادارة حيث اخذ مرضه منحى اخر وبدأ شغفه وتعلقه بكرسي الادارة لان في ذلك اشباعا لرغبته بان يكون هو المتقدم ويثبت لاقرانه انه افضل منهم باعتلاءه هذا الكرسي فكان يطيل النظر اليه كلما دخل غرفة المدير حيث ينتابه احساس بانه جالس عليه يرسم توقيعه على كدس الاوراق المرصوفة على المنضدة ويصدر اوامره الى هذا ويزجر ذاك الى ان يفيق على صوت المدير وهو يطلب منه كذا وكذا فيجيبه بنعم تأمر .!! وحتى احلامه كانت تصوره في هذا الحال ... ادرك جيدا ومن خلال عمله وبمرور الايام ان وصوله الى الكرسي ليس بمشكلة ولكن عليه ومن اجل ذلك ان يرتدي كل الاثواب التي تستوجب ذلك لا يهم اذا كانت مزركشة او ملونة طويلة او قصيرة ضيقة او واسعة ما دامت توصله الى مبتغاه وبمرور الايام ازداد شغفه كثيرا للكرسي واصبح هاجسه الوحيد الذي يشغل تفكيره دائما الى درجة انه يتحسسه ملتصقا بمؤخرته فيمرر يده على عجيزته بين فترة واخرى متلذذا بوجوده وكانه يقول للبقية ان هذا الكرسي هو من حقي ومن خلاله اصدر اوامري والويل لمن لا ينفذ ارادتي ... وفعلا فقد تحققت ارادته وجاء اليوم التالي هو يوم موعده للجلوس على هذا الكرسي وكتاب الامر الان في قبضة يده والذي قراه اكثر من عشر مرات ...
نهض من نومه قبل ساعات من موعده وبقي يجول في ارجاء البيت عادا الثواني ومكملا استعداداته لهذا اليوم ... ملابس جديدة وربطة عنق حالقا ذقنه مصففا شعر راسه صابا الروائح والعطور على جسده وملابسه توجه الى الغرفة المقررة يرد على بعض التحايا باقتضاب ويتجاهل القسم الاخر فتح العامل باب الغرفة له توقف لحظة عند الباب موجها نظراته صوب الكرسي فرآه كبيرا جدا يقبع خلف مكتب فخم هاله كبره وخاف انه لا يستطيع ان يجلس عليه .... تحسسه متلذذا قبل ان يجلس ... احتسى قدح الشاي الذي ادخله العامل حال جلوسه على الكرسي وهي يحرك الكرسي الدوار يمينا وشمالا وبدا باصدار الاوامر للعاملين وخصوصا الى من يحمل له الحقيبة في الدخول والخروج ... وبحكم ادارته لهذه الدائرة اصبح علما معروفا عند ابناء المدينة وكثر المتملقون حوله مما جعله يرى نفسه كبيرا وعظيما وهو يدرك جيدا ان الفضل يعود الى هذا الكرسي ولذلك اصبح جزءا من كيانه حيث بدأ يشعر بوجوده حتى عندما يسير في الشارع او يجلس في مقهى او يركب سيارة .... بمرور الايام تحول هذا الشعور الى واقع فاصبح الكرسي فعلا ملتصقا بمؤخرته وكان هو فرحا متلذذا بذلك بينه وبين نفسه الا انه يحاول اظهار امتعاضه من هذا الالتصاق وان يوهم الجميع بانه غير راغب بما حصل لكنه مجبر على ذلك ولا حول له ولا قوة بازالته الا ان كل المقربين له نصحوه بمراجعة الاطباء والذين ذكروا له ان ازالته سهلة جدا ولا تستوجب الخوف الا انه بقي مصرا على ان العملية خطرة وان الطب عندنا غير كفوء وهو يخاف على حياته وينسج حكايات عن اناس فارقوا الحياة بعد اجراء عمليات بسيطة لهم بسبب اخطاء الاطباء .... وجود الكرسي ملتصقا بمؤخرته سببت كثيرا من الحوادث حيث فقأ عين طفل كان يقف جنبه دون ان يشعربه وكسر يد اخر عندما اراد الجلوس في مكان ما... كسر زجاجا لمحلات او سيارات عند استدارته المفاجأة ... مما جعل الناس يضيقون ذرعا بهذا الكرسي فرفعوا الشكوى الى اهله مما اضطره الى مراجعة الطبيب لغرض اجراء العملية ....
العملية كانت بسيطة واستطاع الطبيب ان يزيل الكرسي بسهولة تامة الا انه لاحظ ان هناك اربعة مناطق مستديرة اغمق لونا من بقية مناطق مؤخرته لذلك طلب منه مراجعته بعد ايام لغرض متابعة العملية ... في المراجعة الاولى بدت هذه المناطق الاربعة اكثر صلابة ومنتفخة بعض الشيء وضع امام عينيه كل الاحتمالات واستعمل كل الادوية المتاحة لكنه لم يجد اي تأثير بل استمرت بالنمو لتأخذ شكل بروزات دائرية تنمو سريعا لم ينفع معها كل الاجراءات التي اتخذها هذا الطبيب والاطباء الاخرين الذين طلب مساعدتهم لتأخذ اخيرا شكل الكرسي الذي رفعه

النجف
اب 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل