الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نأسف...الخدمة غير متوفرة

فاطمه قاسم

2010 / 10 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يوم السبت الماضي، اتصلت بشركة الاتصالات الفلسطينية، لكي أعرف قيمة فواتير الهاتف المتجمعة لكي أقوم بسدادها حتى لا تتجمع أكثر و يتم قطع الهاتف.

بدأت بالرقم 144، و هو رقم الاستعلامات، الذي ينبهني في البداية أن هذه المكالمة ستسجل على حسابي، ثم أعطاني الرقم 199، و هو الرقم المختص بعدة خدمات من بينها معرفة الرصيد المدين، و فعلاً اتصلت بالرقم الذي أعطاني سلسلة خيارات، إن كنت أريد كذا فلأضغط على الرقم واحد، و إن كنت أريد كذا، فعلي أن أضغط الرقم اثنان، و هكذا، سلسة من الخيارات، نفذت التعليمات بدقة، و وصلت إلى الجزء الأخير من العملية، فكانت المفاجأة، بأن الصوت النسائي الجميل الذي انبعث في أذاني من سماعة الهاتف يقول " نأسف..الخدمة غير متوفرة حتى الآن، بسبب الإصلاحات".

طبعا:
لا أقصد من رواية هذه الحادثة الظريفة أن أسئ إلى شركة الاتصالات الفلسطينية، فأنا أعرف عن قرب كم هي مؤسسة وطنية مهمة، و عالية الكفاءة، و تأخذ بكل تقنيات العصر الحديث، هي مع شقيقتها شركة جوال" الهاتف الخلوي" من مفاخر القطاع الخاص، و من منجزات رأس المال الوطني، الذي أدعو أن يتزايد نشاطه في فلسطين، و أن يغري معه رأس المال الخاص العربي و الأجنبي نحو مزيد من الاستثمار في بلادنا الحبيبة فلسطين، رغم معرفتي بالعوائق الصعبة و المستحيلة أحياناً التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي أمام نشاط القطاع الخاص كما جاء في التقرير الأخير المنصف الذي صدر عن البنك الدولي.

و إنما بدأت بهذه الحكاية الظريفة، التي تحتوي على عنصر المفارقة، لأدخل من خلالها إلى مفارقات الوضع السياسي الداخلي في فلسطين، حيث بعض فرقاء المعارضة يبنون معارضتهم على افتراضات متسلسلة، واحد، اثنان، و ثلاثة، ثم حين يتضح للمعارضة أن فرضيتها التي أقامت على أساسها الموقف، غير منطقية، و غير واقعية أو أنها لم تحدث، و أن الموضوع أعمق من ذلك ألف مرّة، فإنها ترد على كل ذلك بنهاية صادمة، فتقول، سأعارض حتى لو لم يكن هناك ما أعارضه، سأعارض لذات المعارضة.

نحن مثلاً، ننتظر موعد العشرين من هذا الشهر، مجرد أيام قليلة، اعرف من خلال بعض الأصدقاء ، انه في فلسطين هذه الأيام تحدث العديد من ورش العمل، و طاولات مستديرة، و حين ابدي في حديث لي بالتفاؤل بأنه يمكن تحقيق المصالحة، فإن بعض العيون تنظر إلي باستغراب، وكأنني من كوكب أخر ، وأخرى يكاد الشرر يتطاير منها، تكاد تنفجر في وجهي، ما هذا القول؟ ما هذا التفاؤل المريب؟ من قال لك أن تكوني متفائلة؟

تصوروا أن التفاؤل أصبح تهمة خطيرة من التهم السائدة في مجتمعنا الفلسطيني، مثله مثل العمالة، و التجسس، و الكفر، و الإلحاد، و الخيانة...الخ من هذه القائمة الطويلة التي لا تنتهي و التي يتاجر بها أشخاص مقتنعون حتى النخاع بأنهم بدون الانقسام لن يكونوا شيئاً على الإطلاق.

لهذا فان الانقسام خطير، و خطيئة كبرى، و أن كل يوم فيه نحتاج سنة للإلمام بفداحة تداعياته و أن كل تفاصيله تتحول إلى هاوية تلتف حولنا.
والسبب، كما تعلمت كباحثة في علم النفس السياسي و الاجتماعي، أن تداعيات الانقسام أو تفاصيل الانقسام، و ديناميات الانقسام، التي تجاوزت العناوين العامة ووصلت سيكولوجيا الإنسان نفسه ،فان هذا الانقسام لا يتحول فقط إلى معضلة سياسية بل إلى معضلة ثقافية و اجتماعية و نفسية، و هذا ما يراهن عليه أعداؤنا الذين خططوا للانقسام في وحدة المكان منذ النكبة، و واصلوا العمل حتى الضربة الأخيرة التي وقعت في الرابع عشر من حزيران 2007، لأن الانقسام في المكان و في القوانين، و في مناهج التعليم، كما يصفها الآخر، بغض النظر إن كان هذا الآخر، هو العدو الإسرائيلي، أم الشقيق العربي، أما الانقسام في طبعته الجديدة، فالمتهم العلني و الرئيسي فيه هم الفلسطينيون أنفسهم، في الماضي كانت الجماعة السياسية الفلسطينية " الشعب" تحتشد بطرق مختلفة، لمواجهة تلك الأنواع من الانقسام، و كان الفلسطينيون يبتدعون وسائل خارقة للحفاظ على وحدتهم النفسية، و الاجتماعية، و الوطنية،وأريد أن اذكر هنا.. من الذي أسقط مشاريع التوطين؟ إنهم الفلسطينيون و ليس أحد سواهم، بغض النظر عن الادعاءات التي يدعيها البعض هذه الأيام، و من الذي درس التاريخ الفلسطيني في المدارس، و الجغرافيا الفلسطينية في المدارس، إنهم الفلسطينيون الذين أعدوا مناهج غير تلك المناهج الرسمية التي كانت تفرض عليهم، و تسمى الأشياء بغير أسمائها الحقيقية.

هذه بعض البديهيات، حين تذكر في ندواتنا، و لقاءاتنا، و حواراتنا،وفي مقالات ننشرها هنا وهناك فإننا جميعاً نهز رؤوسنا موافقين، و لكن حين نصل إلى النتيجة النهائية، المصالحة ، الضرورية، التي تعادل الموت و الحياة، و الممكنة الحدوث فعلا، لأن الذين لديهم خلافات أكبر من خلافاتنا ألف مرة، و لديهم جراح أكبر من جراحنا مليون مرة، قد استطاعوا بعد الانقسام أن يتوحدوا، وبعد استحالة الصلح من وجهة نظر كل طرف منهم على حدا، أن يتصالحوا، أما نحن، فحين نكون موافقين على كل البديهيات، و على كل المقدمات، و نصل إلى النتيجة النهائية،بأنه لابد من المصالحة، يأتينا الصوت ليس فقط من خلال سماعة التلفون، و إنما من خلال الناطقين الرسمين، و نداءات الفضائيات، وارتفاع حجم الاتهامات،ذلك الصوت الذي يقول: نأسف.. المصالحة غير متوفرة الآن بسبب الإصلاحات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #


.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض: الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق إز


.. رصد لأبرز ردود الغعل الإسرائيلية على اغتيال القيادي في حزب ا




.. وزير الخارجية اللبناني يتهم إسرائيل بـ-الإرهاب- بعد انفجارات