الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس لدينا ما نقول

حازم صاغيّة

2002 / 7 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 

حفل الشهر المنقضي بمراجعات لانقلاب 23 يوليو 1952 المصري. المراجعات كانت كثيرة الا انها باردة. باردة جداً. وسقيمة. سقيمة جداً.

الذين دافعوا عن عبد الناصر وانقلابه تكلموا عن الماضي. بمفردات الماضي. بعقليته. معظمهم رشّح هذا الماضي ليصير المستقبل. قالوا الكلام الذي يقولونه كل عام.

الذين هاجموا عبد الناصر وانقلابه لم يكن المستقبل حاضراً في هجومهم. ساد تحسّر على تاريخ (كان ليكون) أفضل لو لم تحصل (الثورة). طغت أحياناً نزعة ثأرية. قالوا, هم أيضاً, الكلام الذي يقولونه كل عام.

أحدهما يريد أن يجعل الماضي مستقبلاً. أحدهما يريد أن يحصر هموم المستقبل في الماضي.

لم ينشأ بالتالي سجال. كانت مهاترة.

مشاركة السلطة في الاحتفال زادته التباساً وتضارباً: السلطة ناصرية في ماضيها لاناصرية في حاضرها ومستقبلها. لكنها لا تملك لغةً لناصريتها ولا تملك لغةً للاناصريتها. لم تؤوّل الماضي ولم تبلور صورة للمستقبل. (سمحت) للجميع بأن يتكلموا. تكلموا. ثم انفض الاحتفال (كأننا لم ننس شيئاً. كأننا لم نتعلم شيئاً).

الناصري المهموم بالمستقبل كان يُستحسن به أن يقول لنا ما معنى الناصرية اليوم: بعد انهيار المعسكر الاشتراكي. بعد العولمة. بعد تصلّب الوطنيات العربية وتوطّد بعضها بالضدية من البعض الآخر. بعد اتفاق أوسلو ثم انهياره بالطريقة التي انهار فيها...?

وكان يُستحسن أن يقول لنا: أي خطاب تملكه ناصرية 2002 للشبيبة. للمرأة. للأقليات. لكل تلك الملايين التي ولدت منذ 1970, سنة رحيل (الأب)? أي حل تطرحه للاقتصاد المصري الراهن بعدما استدخل التحولات البنيوية التي شرعت تستجدّ منذ 1971? ماذا عن المعونات الأميركية? كيف?

كلمة (لا) في مواجهة العولمة أو كامب ديفيد أو شارون أو المعونات... لا تقدّم ولا تؤخّر.

المناهض للناصرية المهموم بالمستقبل كان يُستحسن به, فضلاً عن تسجيل تحفظاته الضخمة عن 23 يوليو, أن يتقدم نحو الأسئلة الأصعب: كيف يُعمل على تفكيك بقايا الناصرية: في القطاع العام, في الصحافة...?, كيف يُصار الى تطوير التعددية السياسية وتعريض الطبقة الوسطى وتعزيز نفوذها? كيف السبيل الى اجتذاب رساميل? ما النظريات المطروحة على مصر في ما خص الديموقراطية والبناء الديموقراطي? كيف العمل لمواءمة الثقافة الديموقراطية مع القيم الأهلية والتراثية? ولمواءمتها مع موجة العداء الحالي للغرب, ومع تعاظُم الميل الراديكالي في مصر وسائر المنطقة?

الذكرى الخمسون لـ23 يوليو كان في وسعها أن تشكّل فرصة نموذجية لتطوير موقفين, بل مطالعتين تاريخيتين, تراجعان الماضي وتتأملان المستقبل, وتكونان وجهتي نظر عريضتين في ما خص الواقع المصري, وربما الواقع العربي.

هذا لم يحصل. هذا لن يحصل(?).

الذكرى الخمسون أعلنت أن مصر ليس لديها الكثير تقوله. أن العرب ليس لديهم الكثير يقولونه.

المناهض للناصرية قد يوافق ويضيف: لولا 23 يوليو لما هبطنا الى هذا الدرك.

الناصري قد يوافق ويضيف: بالعودة الى 23 يوليو نصعد من هذا الدرك.

الأول يصيب جزئياً. لكنه حين يعيد تدوير كل شيء في الثأر, يخطيء.

الثاني يخطيء. لكنه حين يكشف أنه لا يملك الا الماضي, يخرج من خانة الإصابة والخطأ. يغادر التاريخ. يدخل في الوعظ الميت. نستمع اليه. ننام.

الحياة
 (29/7/2002 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟