الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المسرح الموسيقى (الكوميدبا الموسيقية ).. بقلم : د/ محمدعبد المنعم -قسم المسرح بكلية الاداب - جامعة الاسكندرية

محمدعبدالمنعم

2010 / 10 / 14
الادب والفن


اصطلاح الكوميديا الموسيقية

يُطلق على الكوميديا الموسيقية كذلك "ميوزيكال Musical" نتيجة لاختصار مصطلح Musical Comedy، واصطلاح "الكوميديا الموسيقية" هو اصطلاح حديث ظهر فى الولايات المتحدة الأمريكية فى القرن العشرين، ويعنى شكلاً من أشكال التسلية الموسيقية يقدم قصة – فى الأساس – بسيطة وساذجة، تهدف إلى نقد الأحداث المعاصرة وتقديم المتعة والترفيه، لذلك فالكوميديا الموسيقية تُعتبر أقرب إلى الحياة اليومية من الأوبريت. وتُعتبر شكلاً من أشكال التسلية لما تنطوى عليه من مجموعة من فنون الغناء والرقص والألعاب، والتى تمتزج معاً فى وحدة فنية واحدة، وتتضافر جميعاً لتحمل القصة قدماً على طريق الإمتاع، مكونة شكلاً فنياً مرحاً
يقول (دليل إكسفورد إلى المسرح) عنها إنها "نوع شائع من التسلية الخفيفة تقوم على خلطة تجمع بين البرليسك والأوبرا الخفيفة، وتأخذ من الأخيرة الالتزام بحبكة بسيطة والأغانى التى تخرج من هذه الحبكة والنهايات الموسيقية الغنائية لكل فصل. أما البرليسك فتستهدف الطابع المحلى أو المتعلق بالأحداث الجارية والوقفات أو الفواصل المكونة من المشاهد الهزلية الضاحكة".( ) ويقول (قاموس الأدب العالمى) إنها "الشكل المعتاد لتطوير الأوبرا الهزلية الإيطالية Opera Buffa والفودفيل الفرنسى والأوبرا القصصية الإنجليزية .. وعلى خيط مصطنع من حبكة خفيفة (بالحوار المنطوق) تُعلق النكات والمواقف الكوميدية والأغانى التى يقدمها كورس غنائى راقص وغالباً ما يكون ذلك أمام خلفية من المناظر الفاخرة". ويُسجل معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية أنها "ملهاة خفيفة، ذات تركيبة درامية بسيطة، يمازجها غناء، وموسيقى، ورقص، ومناظر بذخية، وحيل مسرحية، ولا تفترق بهذا كثيراً عن (الأوبراكوميك، أو الأوبريت، أو الأوبرا الخفيفة)".
•• وهكذا يستطيع الباحث أن يقول إن الكوميديا الموسيقية ليست سوى مسرحية غنائية مسلية، خفيفة الطابع، كوميدية الروح، ولها حبكة روائية واضحة تتخللها الموسيقى والأغانى والرقصات والديالوج الحوارى المنطوق، وتختلف عن الأوبريت فى ارتباطها بالمحلية.


الملامح الأولى للكوميديا الموسيقية

بالرغم من أن الأوبريت هى أصل الكوميديا الموسيقية، وأن الكوميديا الموسيقية هى الشكل المسرحى الغنائى المتطور من شكل الأوبريت، بمعنى آخر أن الأوبريت حين انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحولت إلى ما يسمى بالكوميديا الموسيقية منذ مطلع القرن العشرين، ومع ذلك فإن لها ملامح أولى - قد ظهرت فى القرن التاسع عشر - تعود إلى عدد من أشكال الترفيه والمسليات المسرحية مثل الفودفيل "Vaudeville"، والبرليسك "Burlesque"، وعروض المنوعات، وكانت هذه المسليات تشتمل على خصائص المسرح الفرنسى كالبالية، وألعاب البهلوانات، والفواصل الدرامية. ويعتبر النقاد أن مسرحية "المحتال الأسود The Black Crook" التى ظهرت فى نيويورك فى سبتمبر عام 1866، أول كوميديا غنائية استعراضية حديثة وربما حدثت بالصدفة، ووصفوها بأنها تجمع ما بين الباليه الفرنسى الرومانسى والميلودراما الألمانية، وقد جذبت هذه المسرحية اهتمام رواد المسرح الدرامى الجاد، والأوبرا، وكذلك رواد الملاهى الترفيهية وعروض المنوعات، خاصة وقد نجحت نجاحاً واسعاً وقد طافت البلدان الأخرى، لكنها استمرت فى العودة إلى نيويورك مرات ومرات.

فى أواخر القرن التاسع عشر وبالتحديد فى عام 1890 حضر جورج إدواردز George Edwards بفرقته المسماة "بنات لندن المرحات London Gaiety Girls" إلى نيويورك، وقَدَّم عروضه المبهجة والتى أسماها "بالكوميديا الموسيقية Musical Comedy" كى يُفَرِّق بينها وبين عروض البرليسك الساخرة التى تنطوى على جملة متنوعة من الاسكتشات الدارمية المنوعة والأغانى التى تنتقد وتسخر من الأشكال المسرحية الأخرى.

مراحل تطور الكوميديا الموسيقية بعد أن اطلع الباحث على تاريخ الكوميديا الموسيقية الأمريكية وأشهر أعمالها وأبرز روادها، يمكنه أن يُقَسِّم مراحل تطورها فى القرن العشرين إلى أربع مراحل رئيسية هى (المرحلة المبكرة)، (بداية الازدهار)، (العصر الذهبى)، (مرحلة الانهيار)، ويـوردها فيما يلـى:


أولاً: المرحلــــــة المبكـــــــرة


تبدأ هذه المرحلة مع بوادر القرن العشرين وتستمر حتى أواخر العشرينيات، ويلاحظ الباحث عليها مدى مزاحمة الأوبريتات الرومانسية للكوميديا الموسيقية الزاخرة بالتسلية والإثارة والمرح والدعابة، فالأوبريت تميل إلى الروح الخفيفة فى المعالجة بشكل عام، وحين تحولت إلى الكوميديا الموسيقية فى القرن العشرين احتفظت بنفس الروح المرحة الخفيفة للدرجة التى لم يستطع النقاد معها وضع فروق واضحة بين الاثنتين فمثلاً رأيناهم قد اصطلحوا على أن "الأرملة الطروب" لفرانزليهار تنتمى إلى عالم الأوبريت، بينما تنتمى "فلور إدورا" لليزلى ستيوارت إلى الكوميديا الموسيقية لأنها أكثر خفة ومرحاً ودعابة.
فى بداية عصر الكوميديا الموسيقية كانت الأعمال تُكتب خصيصاً من أجل الممثلين الذين يجيدون الغناء ولا سيما الغناء الأوبرالى مثل "سكان أركاديا" فى إنجلترا عام 1909، و"حسناء نيويورك" فى أمريكا.

فى أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أخذت الكوميديات الموسيقية الأمريكية ملامحها المتكاملة فأصبحت تقوم على القصة، حقاً عادة ما تكون القصة ساذجة وسخيفة لكنها قصة وليس مجرد اسكتشات متفرقة ومجمعة كما كان الحال فى المحاولات الأولى للمسرحيات الأمريكية الاستعراضية، ويتوازى مع هذه القصة ما هو أكثر منها أهمية كالموسيقى والأغانى، وكانت كلمات الأغانى بصفة عامة فكاهية وذكية، وأصبحت شائعة جداً ومحبوبة.

وقد طرأت على الكوميديا الموسيقية الكثير من التغيرات فى غضون الحرب العالمية الأولى مع الاحتفاظ بصفاتها الأساسية، وتمثلت هذه التغيرات فى التأكيد على المؤثرات المنظرية الضخمة، والتأثير المتزايد للكورس الغنائى، وأبرزت تقدماً عظيماً عما كانت عليه من قبل خاصة حين مزجت بين الموسيقى الجيدة والحبكة القوية والبالية الذى يؤديه راقصون محترفون، فأصبحت هذه النوعية من العروض أكثر خفة ودعابة، واتسمت بالحركة الديناميكية المتدفقة من خلال الرقصات الساخنة، وابتعدت عن الرومانسية المسرفة فى العواطف الجياشة بالتركيز على الجانب الكوميدى المرح.


يذكر الباحث من رواد هذه المرحلة بعض المهاجرين الأوربيين الذين قاموا بكتابة معظم الموسيقى الشعبية الأمريكية خلال العشرينيات لهذه النوعية من العروض أمثال فيكتور هربز Victor Herbes، سيجموند رومبرج Sigmund Romberg، ورودولف فريميل Rudolf Friml بالإضافة إلى الموسيقيين الأمريكيين أمثال إرفنج بيرلين Irving Berlin (1888-1989)، جيروم كيرن Jerome Kern (1885-1945)، جورج جيرشوين George Gershwin (1898-1937)، كول بورتر Cole Porter (1893-1964)، وريتشارد رودجرز Richard Rodgers.

ومن أبرز أعمالهم فى هذه المرحلة (الأمير التلميذ) 1924، (أغنية الصحراء) 1926، (القمر الجديد) 1928 للموسيقى سيجموند رومبرج. و(روزمارى) 1924، (الملك المتشرد) 1925 للموسيقى رودولف فريميل. و(أيتها السيدة كونى لطيفة) 1924، (أوكى) 1926، (الوجه الضاحك) 1927 للموسيقى جورج جيرشوين. بالإضافة إلى (الصديقة العاشقة) التى وضعها ريتشارد رودجرز عام 1926. وفى هذه الأعمال جميعاً كان عمل هؤلاء الموسيقيين جديداً وإبداعياً، إذ تنوعت نغماتهم من النغمات المرحة إلى الأنغام المصاحبة للقصة والتى تصور التغييرات المفاجئة والتطورات فى الخط اللحنى، وتوافقت الألحان مع الكلمات توافقاً بديعاً.

ولا يمكن أن نغفل جورج.م.كوهن الأمريكى George M. Cohen (1878-1942) باعتباره أحد رواد هذه المرحلة، وهو ممثل وكاتب ومؤلف موسيقى أثرى هذه الفترة بكوميدياته الاستعراضية الرائعة التى تضمنت بعض الأغانى الخالدة مثل "عبث اليانكى المتغندر The Yankee Doodle Dandy"، "إنك علم قديم وعظيم You’re a Great Old Flag"، "هناك Over there"، "تحياتى لبرودواى Give my Regards to Broadway".

إنجازات هذه المرحلة

يرصد الباحث تحولاً واضحاً حدث للكوميديا الموسيقية مع نهاية العشرينيات وبالتحديد عام 1927 حين قُدِّمَت مسرحية "سفينة الاستعراض Show Boat" حيث أخذت الكوميديا الموسيقية منعطفاً جديداً يتسم بالمضامين الدرامية الجادة، فوسط الكوميديات الموسيقية الخفيفة المسلية جاءت "Show Boat" قصة أمريكية تماماً تعالج موضوعات جادة ومؤثرة بعيداً عن المسرحيات الكوميدية الاستعراضية الخفيفة، وضع موسيقاها جيروم كيرن، وكتب النص والأشعار أوسكار هامر ستين Oscar Hammer Stein عن رواية لإدنا فربر Idna Ferber، وتدور حول الحياة فى قارب فى نهر المسيسبى، تصور المسرحية قصة أساسية تدور حول مانوليا هواكس Mangolia Hawks، وجيلورد رافنال Gaylord Ravenal، اللذين تقابلا ووقعا فى الحب لكنهما سرعان ما ينفصلان عن بعضهما البعض بعد أن يفقدا أموالهما بسبب جيلورد الذى ينفق ماله فى صالات القمار، وقصة أخرى ثانوية وهى قصة رومانسية تصور قصة حب رائعة بين جولى (المرأة السوداء)، وستيف (الرجل الأبيض) وهما من طبقة العمال. ويُعَلِّق إدوين ويلسون على أهمية هذا العمل ومنجزاته بقوله "عندما أُفتتحت "سفينة الاستعراض" 1927 بدأ فصل جديد فى تاريخ المسرحية الاستعراضية الأمريكية. حُذف دور الكورال، وتم تناول قصة الحب بين الرجل الأبيض والمرأة السوداء على خشبة المسرح لأول مرة، وكذلك تناول بعض المشكلات التى تواجه الأفروأمريكان. أيضاً حققت انتصاراً موسيقياً عظيماً بواسطة جيروم كيرن وأوسكارهامرستين الثانى".


ومن قول إدوين ويلسون السابق وتعليقه على مسرحية (سفينة الاستعراض) يستطيع الباحث أن يوجز التطورات التى طرحها هذا العمل على حقل الكوميديا الموسيقية مع نهايات المرحلة المبكرة، بما يُعد إنجازاً أفرزته هذه المرحلة، ويورده فيما يلى:


1- التمسك بحبكة درامية قوية مترابطة ببعضها البعض.
2- التطرق إلى معالجة الموضوعات الجادة وتناول مشكلات الطبقات الفقيرة كحياة العُمال السود.
3- طرح الموضوعات بجرأة شديدة وواقعية واضحة.
4- توافق الألحان الغنائية مع الحبكة الدرامية بحيث يصبح الغناء الموسيقى جزءًا أساسياً من نسيج الحوار، بمعنى أخر تشكل الأغانى جزءًا عضوياً فى السرد القصصى والبناء الدرامى.
5- حذف دور فتيات الكورس الذى كان دائماً جزءًا لا يتجزأ من هذه النوعية من الأعمال.



ثانياً: بدايــــــة الازدهــــــــــار

يُسجل الباحث أن عقد الثلاثينيات من القرن العشرين يمثل بداية مرحلة جديدة فى تاريخ الكوميديا الموسيقية الأمريكية، شهدت خلالها أولى خطوات الازدهار والتى أثمرت عدداً من الأعمال المسرحية اعتُبِرَت نقاط تحول فى مشوار المسرحية الاستعراضية الأمريكية. وسيتوقف الباحث عند أبرز هذه الأعمال وروادها، موضحاً عناصر التجديد التى أضافتها وكانت من ثمار هذه المرحلة، ويوردها فيما يلى:


1- جائزة البوليتزر Pulitzer Prize


حصلت مسرحية "أُغنى عنك Of thee I Sing" بموسيقى وأشعار جورج وإرا جيرشوين على جائزة البوليتزر عام 1931، وتصور فى شكل هزلى مرح طبيعة السلوك فى المؤسسات السياسية والثقافية مثل انتخابات الرئاسة وانتخابات ملكة جمال أمريكا.

والجديد الذى أضافته هذه المسرحية لتاريخ الكوميديا الموسيقية الاستعراضية الأمريكية هو حصولها على جائزة مدهشة مثل جائزة البوليتزر، فكانت المرة الأولى التى تُكَرَم فيها مسرحية من هذا النوع بهذا التكريم، ولهذا التكريم دلالاته الواضحة التى تشير إلى أن هذا الشكل المسرحى أصبح محل اهتمام، وبدأ يُؤْخَذ مأخذ الجد، ويحظى بتقدير النقاد والدارسين، فحقق هذا العمل كياناً راسخاً للمسرحيات الغنائية الاستعراضية الأمريكية.


2- قوة التعبير الموسيقى عن الدراما

افتُتِحت مسرحية "بورجى وبيس Porgy and Bess" فى عام 1935، كتب النص دبوس هيوارد، وكتب كلمات الأغانى هيوارد وإرا جيرشوين، ووضع موسيقاها جورج جيرشوين، تدور فى مجتمع السود حول رجل أعرج يُدعى بورجى Porgy يقع فى حب فتاة تُدعى بيس Bess كانت عشيقة لرجل يُدعى كرون Crown. وهكذا يلحظ الباحث أن هذه المسرحية تدور حول مثلث الحب والعشق الشهير بما يوفر لها المناخ الموسيقى الخصب للتعبير عن أحداثها، وبالفعل تَمَثَّل عنصر التجديد الذى أضافته هذه المسرحية فى قدرة الألحان على التعبير الموسيقى عن القصة تعبيراً كاملاً وقوياً، حتى أصبحت ألحانها من أفضل المقطوعات الموسيقية التى كُتِبت للمسرح الأمريكى فى القرن العشرين، خاصة وقد سافر جيرشوين إلى مجتمع الزنوج وأخذ يدرس عن قرب الفولكلور الغنائى للزنوج – بعمق وبالتفصيل ولمدة خمس سنوات – قبل أن يكتب موسيقاها، ويدلل الباحث على ما يقول بتعليق تيمور أباشيدزى على جهود مؤلف موسيقاها قائلاً "درس حياة الزنوج، وطقوسهم الدينية وأغانيهم ورقصاتهم بحركاتها وعاداتهم. وأخذ يحلل طريقة كلام الزنوج ونداءات الباعة المتجولين وأصحاب الحوانيت والشحاذين وسَجَّلَ الإيقاعات والألحان والكلمات الخاصة بكل ذلك"، فكان لتقديم هذا العمل وموسيقاه أهمية كبيرة فى تطوير المسرح الغنائى الأمريكى، خاصة وقد عالج الناحية الاجتماعية والنفسية، وقَدَّم الشحاذين والتجار المتجولين والفقراء بدون مأوى وحياتهم التعسة الحزينة، بجانب الرومانسية والحب. وفى صدد تأكيد الباحث على قوة التعبير الموسيقى لهذا العمل وصدقه فى التعبير عن القصة بكل تفاصيلها، يذكر الجدل الذى أُثير حول إذا ما اُعتبرت (بورجى وبيس) مسرحية استعراضية بالمعنى المشار إليه فى السطور السابقة أو أوبرا.

3- الرقصات الجادة داخل العمل الكوميدى

تبع العرضين السابقين ظهور مسرحية "على أطراف أصابعك On your Toes" فى عام 1936، ألف موسيقاها رودجرز، وشارك فى كتابة النص أشهر مخرجى المسرحيات الاستعراضية فى أمريكا وهو جورج آبوت (1887-1995)، تدور المسرحية حول فرقة بالية روسية يقنعها أحد المنتجين لتقديم عرض للبالية الحديث . وعنصر التجديد الذى قدمته هذه المسرحية هنا هو - كما يذكر إدوين ويلسون - تقديمها لرقصات جادة رغم أنها كوميديا استعراضية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، البالية الذى قدمته والمسمى "مجزرة فى الشارع العاشر Slaughter on Tenth Avenue".

ثالثاً: العصــــــــر الذهبـــــــــى

يسجل الباحث أن الأربعينيات والخمسينيات حتى أوائل الستينيات هى الفترة التى شهدت الكوميديا الموسيقية خلالها عصرها الذهبى، فتدفقت أعمالها بلا توقف على خشبات المسارح ودور السينما، وتجاوز هذا الشكل المسرحى الأمريكى حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح يفرض نفسه على خشبات المسارح الأوروبية بشكل مجدد وأكثر تطوراً حتى أصبح فناً موسيقياً دولياً وليس أمريكياً قومياً، ولقى قبولاً وهوى لدى الجماهير، وصادف انتشاراً سريعاً حتى لقب بعابر القارات، وقد أفرزت هذه الحقبة تحديداً أروع الأعمال المسرحية لهذا الفن مثل (أوكلاهوما - قبلينى ياكيت - هاللو دوللى - سيدتى الجملية - قصة الحى الغربى - آنى احملى سلاحك - أولاد ودُمى) وغيرها من روائع الكومديا الموسيقية التى عُدت علامات فارقة وبارزة فى تاريخ المسرحية الاستعراضية الأمريكية، لذلك يشير الباحث إلى بعض هذه الأعمال وراودها حتى يستطيع أن يصل إلى خصائص هذه المرحلة وأبرز ملامحها المميزة.

1- أوكلاهوما "Oklahoma"

قُدِّمَت مسرحية "أوكلاهوما Oklahoma" فى عام 1943 فكانت بداية العصر الذهبى للكوميديا الموسيقية لعدة أسباب: أولاً لأنها تُمَثِّل العمل الموسيقى الذى يجمع للمرة الأولى بين ما هو ساخر وما هو جاد، ثانياً أنها جمعت لأول مرة بين اثنين من أشهر رواد المسرح الغنائى الأمريكى وهما ريتشارد رودجرز وأوسكار هامرستين الثانى. تحكى المسرحية قصة حب بين كورلى Curly ولورى Laurie تعترضهما شخصية تُسمى جود Jud، وأثناء تتابع الأحداث يقتل كورلى جود على خشبة المسرح.

ويستطيع الباحث أن يرصد عدة خصائص أخرى لهذه المسرحية - من خلال التعليق السابق - يعلل بواسطتها لماذا كانت هذه المسرحية هى الانطلاقة التى أعلنت عن بدء الفترة الذهبية لنصوص المسرحيات الاستعراضية الأمريكية، على النحو التالى:

1- ترابط الأغانى مع القصة وامتزاجها امتزاجاً كاملاً فى نسيج الدراما بحيث يكتسب النسيج المسرحى الموسيقى عضويته الكاملة، فلا نشعر بانتقالات مفاجئة بين الحوار والأغنية أو العكس.
2- احتواؤها على رقصات منوعة ساعدت على انتقال الأحداث وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من نسيج المسرحية.
3- تداخل أجزاء المسرحية من قصة وموسيقى ورقصات بشكل متناسق، مقدمة فى النهاية عملاً فنياً متكاملاً يندمج فيه التمثيل والرقص والغناء بمهارة ونعومة.

2- سيدتى الجملية My Fair Lady

قُدمت الكوميديا الموسيقية "سيدتى الجملية My Fair Lady" فى برودواى عام 1956، وهى رؤية استعراضية لمسرحية "بيجماليون Pygmalion" التى كتبها جورج برناردشوGeorge Bernard Shaw (1856 - 1950)، شارك فى كتابة النص كل من آلان جى لرنر Alan Jay Lerner (1918-1986)، وفردريك ليو Frideric Loewe (1904-1988)، ووضع موسيقاها ليونارد برنستين Leonard Bernstein (1918 - 1990)، وكتب أغانيها ستيفن سوندهايم Stephen Sondheim (1930- ). ويسجل الباحث أنه حين تم تحويل كوميديا شو إلى كوميديا موسيقية، فقد لاقى العرض توفيقاً منقطع النظير فى كافة مفرداته من النص والموسيقى وفقرات البالية وغيرها، وكان عرضاً متقناً رائعاً وتحفة فنية لها مذاق خاص، ويدلل الباحث على ذلك بما ذكره تيمور أباشيدزى من تعدد مرات عرض هذه المسرحية طوال الخمسينيات والستينيات وفى أكثر من بلده، فقُدمت عام 1959 فى ستوكهولم وهلسنكى وكوبنهاجن وبرلين، وفى عام 1963 عُرِضَت فى موسكو، هذا غير انتقالها إلى هوليود لتعرض على شاشات السينما.


3- قصة الحى الغربى West Side Story

قُدمت الكوميديا الموسيقية "قصة الحى الغربى West Side Story" فى برودواى عام 1957، وهى رؤية استعراضية لمسرحية (روميو وجوليت) الشكسبيرية، كتبها ليورنارد برنستين بالتعاون مع ستيفن سوندهايم، قام بإخراجها وتصميم رقصاتها جيروم روبينس. وهى من الأعمال التى نالت شهرة عالمية لدرجة أنها حين تحولت إلى شاشات السينما فى هوليود، حصلت على جائزة الأوسكار، واعتُرف بها كأحد تُحف السينما الأمريكية. تقوم هذه المسرحية على فكرة جريئة إذ تصور العداء العنصرى بين مجموعتين من الشباب مجموعة (النفاثات) التى تمثل شباب نيورك الأصلين، ومجموعة (سمكة القرش) التى تمثل شباب المهاجرين، يحب قائد المجموعة الأولى إحدى الفتيات من المجموعة الأخرى ووعدها بأنه سيكف عن العداء والمعارك المستمرة، وسيتسالم مع أعدائه، لكنه لم يفلح فى تنفيذ وعده، إذ يموت المحبان ضحية للكره الذى يسيطر على الجو العام للحياة الاجتماعية العصرية.

• إنجازات هذه المرحلة

بعد أن تطرق الباحث لأبرز النماذج التى أفرزتها الكوميديا الموسيقية فى عصرها الذهبى، يستطيع أن يشير إلى أن المسرحيات الاستعراضية التى أثمرتها هذه الفترة قد جاءت على غرار "أوكلاهوما"، إذ أصبحت هذه الأعمال تجمع هى الأخرى بين الجدية والتسلية فى آنٍ واحد، وأصبحت تحمل خصائص (أوكلاهوما) وسماتها من جرأة الموضوع والفكرة، وترابط أغانيها بالنسيج العضوى للعمل، وامتزاج الرقص والاستعراضات بالقصة، وتناسق جميع أجزاء العمل، بل ويلحظ الباحث أن هذه الخصائص قد بلغت نضجاً أكثر فى هذه الأعمال، فكان من ثمار العقدين (الأربعينيات والخمسينيات) عدداً من الكوميديات الموسيقية المتميزة التى قدمت بكثرة موضوعات متنوعة جداً، وتم تناولها بعمق، ويمكن للباحث أن يوجز إنجازات هذه المرحلة على النحو التالى:

1- تطور القصة فأصبحت تجمع بين الجدية والتسلية.
2- وضع مسرحيات موسيقية مستلهمة من مؤلفات أدبية ناجحة ومشهورة.
3- ارتفاع الموضوع والمادة الأدبية للدرجة التى أصبح من المستطاع معالجة موضوعات التحليل النفسى، واضطرابات العمال فى المصانع، ومشاكل الشباب والمراهقين، والتفرقة العنصرية.
4- التماسك الموسيقى وامتزاج الألحان بالقصة.
5- ارتباط الرقصات بالبنية العضوية للعمل.
6- واقعية الشخصيات، وشاعرية الحوار واللغة.



رابعاً: مرحلة الانهيار

تعتبر مسرحية "فيدلر على السطح Fiddler on the Roof" التى قُدمت عام 1964 هى نهاية العصر الذهبى للكوميديا الموسيقية الأمريكية، وتأتى مسرحية "شعر Hair" عام 1967 كبداية لمرحلة الانهيار الذى حل بهذا الشكل المسرحى، كتبها جالت ماكديرموت Galt Mac-Dermot، وجيروم راجنى Jerome Ragni، لم يكن لها خط قصصى حقيقى، وتصور أسلوب حياة الشباب الضائع الرافض للتقاليد فى الستينيات، بعد هذه المسرحية ازداد تجزؤ المسرح الاستعراضى وقل إنتاجه - بالرغم من ظهور بعض العروض الناجحة - للدرجة التى تجعلنا نقول إن الانهيار الحقيقى الذى لحق بالكوميديا الموسيقية قد بدأ بالفعل مع أواخر الستينيات، وكانت ملامح هذا الانهيار تتمثل فى تقديم أعمال متفرقة تقوم على أنواع رخيصة من الإثارة المفتعلة مثل مشاهد العُرى والجنس المكشوف، وتهدف إلى الإبهار الخارجى الزائف.

بقلم : د/ محمدعبدالمنعم - قسم المسرح - كلية الاداب - جامعة الاسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو