الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأيام تجري والتاريخ الفلسطيني يعيد نفسه

تميم منصور

2010 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


العالم العربي يعيش اليوم في عصر الهبوط والتراجع وحالة من الغثيان والثورة المضادة، عندما نقول الثورة المضادة نعني اقامة المزيد من الموانع والعراقيل أمام زحف المد الثوري الوطني القومي الذي قاده الرئيس الخالد جمال عبد الناصر.

كان الهدف من البعث الانطلاقة الوطنية والقومية هذا هو شحذ وصقل هذه الأمة التي دخلت الى دور الشيخوخة رغم حداثتها في الاستقلال، فحاول عبد الناصر نفض غبار التمزق والتخلف عنها كي تصبح أمة حقيقية مثل باقي الأمم المتحضرة لها ارادتها ولها ثرواتها.

بدأت الثورة المضادة ضد حركة التحرر العربية الحديثة من المكان الذي انطلقت منه من مصر منذ سيطر السادات على الحكم، وبعد أن تخلص الشعب المصري من الطاغية السادات ازدادت الثورة المضادة قوة وعنفواناً وأكملت ما بدأ به السادات بتدمير كل منجزات ثورة يوليو، في مقدمة أعمال التدمير هذه الصلح الانفرادي مع اسرائيل والتفريط بارادة الشعب المصري وكرامته عن طريق الأذدناب لعجلة الهيمنة الأمريكية.

منذ تولي مبارك السلطة ومصر تعيش في حالة من التأكل الفكري والقومي والاقتصادي والاجتماعي، انها اليوم أكثر دول العالم فقراً وتخلفاً وفساداً، لقد فاق تدهور الأوضاع فيها الحالة التي كانت عليها الدولة العثمانية قبل سقوطها.

انتقلت أوباء الثورة المضادة من مصر الى غالبية الأقطار العربية التي كانت تقف في السابق في صف الدول العربية التقدمية، كالجزائر وليبيا والسودان والعراق واليمن، فقد غربت شمس النهضة واليقظة الوطنية والقومية داخل هذه الدول وتم القضاء على كل محاولات التطلع لبناء صروح من الاجماع القومي العربي التقدمي الحديث، بدلاً من ذلك ازدادت مساحة الانطواء والاقليمية المحلية والانعزال وارتفعت مداميك الحواجز والحدود بين الدول العربية، كما عادت الفئوية والطائفية والعشائرية تطل برؤوسها، بهذا لم يعد العرب أمة واحدة كالامة الهندية أو الاندونيسية أو الصيبينة أو الالمانية، انهم لا شيء ليسوا أكثر من دول ودويلات مبعثرة متنازعة عاجزة متطفلة فاقدة لارادتها وكرامتها.

لا أحد يتحدث اليوم عن قومية واحدة، ما يتحدثون عنه هو انتماءات محصورة ضيقة صنعتها بريطانيا فصنعت القومية الكويتية والقومية العمانية والبحرانية والقومية الموريتانية والقومية المغربية والمصرية وغيرها.

لم يخرج الشعب الفلسطيني معافى من أوباء الثورة المضادة التي وقف وراءها السادات ومبارك، لأن هذا الوبأ داهم الشعب الفلسطيني منذ فترة الانتداب حتى قيام منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1965 بمساعدة مصر عبد الناصر، في هذه الحقبة الزمنية التي تلت قيام منظمة التحرير استطاع الشعب الفلسطيني من انتزاع القرار الفلسطيني المستقل من بين أنياب الأنظمة العربية البالية منذ سنة 1965 واستمر هذا الحال حتى رحيل خالد الذكر ياسر عرفات، بعدها أعاد محمود عباس وسلطته الوطنية حالة الفلسطينيين الى نقطة الصفر، فبدلاً من الاستمرار في نهج الثورة أوقفوا مسيرتها وحرقوا كل الجسور التي تربط بينها وبين كل أمال وتطلعات الشعب الفلسطيني خاصةً في الضفة الغربية.

ان ما يعاني منه الفلسطينيون اليوم من حالة الانقسام والتصدع لا يختلف عن الانشقاقات والخلافات التي عانوا منها في فترة الثورة الفلسطينية الكبرى التي استمرت من سنة 1936 حتى سنة 1939، وهذا يؤكد أن التاريخ يعيد نفسه ففي فترة الثورة الكبرى المذكورة قامت ثورة مضادة من قبل قوى الشر والتأمر والمتعاونين مع سلطات الانتداب، اليوم وبعد رحيل ياسر عرفات قامت ثورة فلسطينية مضادة ثانية لا تقل في خطورتها عن الثورة المضادة الأولى، قاد هذه الثورة في سنوات الثلاثين من القرن الماضي من أطلقوا على أنفسهم بالمعارضة عندما رفضوا التعاون مع الثورة الفلسطينية خاصةً بعد أن ازدادت اشتعالاً بسبب اقتراحات لجنة بيل بتقسيم فلسطين.

حاول حزب المعارضة ويدعى حزب الدفاع أن يبرهن بأن الثورة التي نشبت لكنس الانتداب ما هي الا ثورة ارهابية فاشلة، جاء هذا التصرف الأحمق نكاية بالمفتي والهيئة العربية العليا.

المؤسف حقاً أن الانتصارات التي حققتها الثورة الفلسطينية الكبرى زادت من شراسة الثورة المضادة لأهداف فئوية وعشائرية، فبعد نجاح الثورة بالسيطرة على كافة المناطق في فلسطين عام 1938 أدى هذا الانتصار الى ارهاب الكثيرين من رموز الثورة المضادة من يهود وانجليز وسماسرة وعملاء فأخذوا يفرون من البلاد خوفاً على حياتهم وأملاكهم، فبدلاً من ترحيب المعارضة بهذا الانجاز التاريخي قام حزب الدفاع بالتواطؤ مع أعداء الثورة فقد حاولت المعارضة تشكيل قيادة بديلة للهيئة العربية العليا التي شردت السلطات البريطانية اعضاءها، لأن هذه السلطات اتهمت المفتي ورجاله بالمسؤولية عن استفحال الثورة، ألم يعيد التاريخ نفسه اليوم من موقف سلطة عباس من المقاومة الصامدة في قطاع غزة؟

استمرت المحاولات من قبل المعارضة برئاسة راغب النشاشيبي ومعاونوه بخلق بدائل للقيادات الفلسطينية الملاحقة، هذا ما يفعله اليوم رموز سلطة رام الله بالسلطة الشرعية التي اختارها الشعب الفلسطيني في الانتخابات الأخيرة.

استمرت الثورة المضادة ضد الثورة الكبرى عام 1938 فبعد عزل المفتي قامت سلطات الانتداب بتعيين مجلس اسلامي أعلى جديد بزعامة المعارضة كما قامت بتعيين العديد من رؤساء للبلديات كي يكونوا بديلاً لرؤساء البلديات الذين تم عزلهم وكانوا يدعمون الثورة.

وقد قامت جريدة (فلسطين) الموالية لحزب الدفاع وجريدة الصراط بتوجيه انتقادات لاذعة ضد أعمال الثوار وقد بلغ الأمر بالشيخ عبد الله القلقيلي رئيس تحرير جريدة الصراط بتحريض الانجليز بالقضاء على الثورة في اسرع وقت ممكن، هذا السيناريو يتكرر اليوم بالتعاون الوثيق بين قوات الاحتلال الاسرائيلي وسلطة عباس الأمنية.

اتهمت صحف المعارضة المفتي بأنه ارهابي كما استغلت السلطة البريطانية بما قام به حزب الدفاع من تشكيل ما أطلق عليه (فصائل السلام) لضرب الثورة في البلاد، جميع هذه الفصائل كانت تعمل بتوجيه البريطاني اليهودي شارس تيجارت (دايتون اليوم)، وقف على رأس هذه الفصائل عملاء بريطانيا جندهم حزب الدفاع (سلطة عباس اليوم)، قامت هذه الفصائل بعمليات انتقام وتخريب في بعض القرى العربية من بينها قرية نعلين.

اعترف أفراد هذه العصابات بعد أن ألقى الثوار القبض عليهم بأن من كلفهم بهذه الأعمال هم قادة الثورة المضادة بقيادة النشاشيبي وقد خصصت لهم مرتبات من السلطات البريطانية والوكالة اليهودية، وقد تولى (ابو نجم الشنطي) قيادة عصابة من هذه العصابات لكن الثوار أعدموه في ضواحي قلقيلية.

اليوم فان التاريخ يعيد نفسه ويتجدد، فقد التقت الثورة المضادة التي قادتها القوى الحاقدة والمتعاونة مع سلطات الانتداب مع قوى أكثر شراً تتعاون اليوم مع الصهيونية وريثة الاحتلال البريطاني لفلسطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر