الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرد ... الدولة ... وتحديات القرن 21

فدوى أحمد التكموتي
شاعرة و كاتبة

2010 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


تصاعدت الأصوات بالمناداة ضمن كوكبة شموع الأرض , على صياغة أسلوب جديد , يتماشى وحداثة الزمن الراهن , من تغيرات سوسيواقتصادية وسياسية وثقافية , فغزت أشرعة السفن المنادية بالتغيير كل أقطار المعمور , تحت لواء جامع الرؤى وإيديولوجيات متنوعة يكتسي طابعها العام قانون منظم لها , تحت مظلة القانون الدولي الذي شرع لجميع كواكب شموع الأرض , والذي اختار من الفقه الدولي والعرف والمعاهدات والاتفاقيات المبرمة بين أضلع تلك الكوكبة نظاما قانونيا يقنن بكل وصلاحياته المحددة له تشريعا قانونيا.
فكانت مظلة الحداثة التي نادى بها هابرماس في خميسنيات القرن 20 و في نقد العمليات الفكرية وكلما ينتجه العقل, تحت الوصاية المطلقة والرقابة المحكمة بتداخل كل من العقل المختمر الذي أنتج تشريعا دوليا وأمام القاضي الذي يصدر حكما وعقابا , كما قال بول ريكور : القاضي هو الذي يحكم ويعاقب , والمواطن هو الذي يناضل ضد النسيان ومن أجل الذاكرة , والمؤرخ هو الذي يفهم ويحلل دون اتهامه أو تبرئته.
ويظل ذاك القاضي المشكل في حركية الزمن الراهن , هو الذي سيصدر حكما نهائيا إزاء ما تشكلت عنه دائرة الحداثة والتغيير الذي فرضته وظروف وملابسات العصر , ويظل المواطن أي الفرد هو الفاعل والمفعول به إزاء تصريف الفعل الذي تم التنظير والتأطير له , ضمن مجموعة محكمة من التشريعات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية منها , وينتظر المؤرخ الذي يفكك أرجوحة الفعل الذي تم الإقرار به , أن يدخله مدخة التحليل والنقد وبالتالي يعطي رؤية مستقبلية في استشراق للغد . الذي اجتمعت له سائر كوكبة العالم تحت مظلة هيئة الأمم المتحدة ورهانات العصر , متخلية عن صراعات تسلحية دائرة محورها على شن حروب إلى سباق آخر للتسلح ألا وهو سباق نحو تسلح الفرد ومشاركته في بناء الدولة عبر تصورات مبرمجة في إطار الألفية الثالثة وتحديات القرن 21.
حيث تلاقت واجتمعت الرؤى كلها , وأصبحت يدا واحدة تنادي بفعالية دور الفرد في بناء الدولة وما يتطلبه صراع الإنسان مع ذاته انطلاقا من صراعه مع الزمن , وهذا ما ذهب إليه الدكتور المهدي المنجرة في كتابه عولمة العولمة , الصادر عن سلسلة شراع لسنة 1996/1997. وهنا سنعرج إلى باب فتحته ألسنة الإيديولوجيات التي نادت بتحرير الفرد وكل شيء يدور ويحيط به , إنه الاقتصاد, فتلكم هي البنية الثلاثية لتشكلة العالم الجديد , عالم القرن 21 , عالم الحداثة وعصرنة العولمة , وفرد الدولة ودولة الفرد , لذا سنحاول تفكيك هذه الآلية انطلاقا من تحليلنا بمحورين :

المحور الأول : الفرد والدولة أية علاقة ؟
**************************

في رحم تكوين جنين الفرد * الدولة *,استطاعت أن ترعى في أحشائها فكرة التغيير والعصرنة بما يتطلبه ومقتضيات العصر , متخذة من دروس فيضانات سيل دماء على الأرض من الأرواح البشرية , واقتصاد متهالك , سقطت أوراقه تباعا ضمن سلسلة من حروب الكونية الأولى والثانية , مستفيدة من درس سباق نحو تسلح أثناء الحرب الباردة , فقررت أن تقيم تعقيما أبديا لها في رحم إنتاج الفرد , حتى يصلح ويكون ذو فاعلية في البسيطة , ويستطيع مشاركتها * الدولة * في بنائها تحت سقف التغيير , وجعله يرقى إلى درجة مواطن الدرجة الأولى بعدما كان مواطنا تباع له تذكرة الذهاب والإياب في صناعة القرار السياسي بدون أخذ الإذن منه في مكان مرواحه وغدوه.
فتمسكت الدولة بسلسلة من الأنظمة التشريعية الدولية الصادرة عن مظلة الأمم المتحدة و سالكة نهج التغيير والمصالحة الذاتية مع النفس , فقررت إعطاء كذا تأشيرة لمرور الفرد بعد أخذ مشورته في اتخاذ القرار , ومشاركته معها فيه , فأنتجت في زمن ليس بعيد مفاهيم : الحكامة – التنمية البشرية – الديموقراطية... إلى غير ذلك من المفاهيم التي أصبحت ترتكز عليها المنظومة الدولية.
فالحكامة بمفهومها الواسع اتخذت من الأنظمة الأنجلوسكسونية , وقبلها كانت عبارة عن مفهوم يرجح بين عنصرين ديني ودنيوي , فكانت الحكامة الإلهية الصادرة عن الله في ذاته وصفاته اتجاه العبد الإنسان.
والحكامة البشرية التي كانت عبارة عن صياغة أسلوب وطريق نهج في الحياة كما نظمتها نظرية العقد الاجتماعي .
لكن بتوالي الزمن أخذت الدول الأنجلوسكسونية هذا المفهوم وبلورته حتى أصبح يعطى له عدة تفاسير حسب ومفهوم كل دولة على حدة.
فهي كما عرفها أستاذ الدكتور محمد حركات *1* : المقارنة والمشاركة في بناء الدولة.
وهي أيضا تنبني على تنمية الدولة والمجتمع في إطار منظومة تصب كلها في المشاركة الفعلية مع الفرد في اتخاذ القرار, أما في الاصطلاح الفقهي الدولي يقال عنها * أي الحكامة * بالحكم الصالح أو الرشيد.
وإذا ما دققنا في هذا المفهوم سنجد أن الإدارة بعيدة كل البعد عن إجبارها في التدخل , بمعنى أن الإدارة تطبق ما تقره الحكومة لها, مع الاستقلال التام لها في اتخاذ القرار الإداري, وتكمن علاقة الدولة بالفرد في كذا اختصاص يتمثل في المرافق العامة و الإدارة العمومية وشبه العمومية , تقديم خدمات للمواطنين في أرقى المستويات مع السير نحو الإسراع في خدمة المواطن في مقابل ذلك يكون حق الدولة على المواطن الفرد في أداء كلما يستلزم من الرسوم الضريبية , واحترام الإداريين أثناء سير عملهم .* مسطرة التنظيم الإداري المغربي الصادر عن المجلة الإدارية لوزارة العدل المغربية *.
فالإدارة المغربية مثلا حذت حذو مثيلتها في العالم , حيث قامت بسياسة الترشيد العقلاني للسير الإداري في إطار حكامة جيدة وراشدة. وهذا ما يجعلها والمواطن الفرد يدا واحدة في تخليق الحياة العامة , والمشاركة في اتخاذ القرار, كما أن الإدارة استطاعت أن تتجاوز الشطط في استعمال السلطة فكانت المحكمة الإدارية هي صاحبة الاختصاص في فض المنازعات الإدارية والطعن في القرارات الصادرة عن الإدارة , وكل هذا يبنى لصالح مشاركة المواطن * الفرد* في بناء الدولة.
وكما المغرب كمثيله ضمن المنظومة العالمية ظهرت سياسة رشيدة نهجت درب الحكامة الجيدة وسياسة إعادة هيكلة بنائها الأفقي للمجتمع وذلك عن طريق التنمية البشرية التي كانت انطلاقتها منذ سنة 2005 بخطاب ملكي سامي. حيث لعب دور اقتراب الدولة من الفرد * الإدارة والمواطن * , جعل منها أن تكسب ثقة الفرد فيها ,وذلك بمشاركته في التنمية البشرية , كالقضاء على التهميش , تخليق الحياة العامة , القضاء على الفقر ودور الصفيح , نشر التعليم و الصحة المجانية , الضمان الصحي للمعوزين, السكن الاقتصادي, المشاركة في الحياة السياسية وذلك عن طريق تقريب الأحزاب من المواطنين , وتوعيتهم بضرورة المشاركة السياسية في الانتخابات , ولا أدل على ذلك في التعديل الأخير الذي صاحب قانون الأحزاب المعدل لسنة 2006.وتمكين المرأة ومشاركتها في العمل السياسي , وحصولها على مقاعد في البرلمان وكرسي الوزارة , كما أن دور المجتمع المدني له قوة التأثير في الفرد وجعله يشارك في بناء الدولة كالمنظمات الغير الحكومية والجمعيات.
فعلاقة الفرد والدولة يمكن تشبيهها بعلاقة الرحم بالجنين , حيث لا يمكن أن يولد إنسان إلى الوجود دون أن يكون في رحم صحي , وأوردة إدارية وسياسية وحكومية صالحة لنشر ثقافة المشاركة وبناء الفرد في بناء الدولة.

المحور الثاني : تحديات القرن 21.
***********************

وقد وضعت الدولة رهانات قوية لحداثة العصر , وعولمة القرن 21 , الذي غزت مرافق العالم كله سياسة تحرير الفرد بدءاً من إيديولوجيات ثقافية موروثة غير ذي أهمية في السير قُدُماً نحو مستقبل الألفية الثالثة , إلى تحديه لعصر جعلت منه , فردا منتجا تدور عجلة الإنتاج فيه في السوق الحرة , والاقتصاد المفتوح , وهذا ما جعل الدولة وعلاقتها بالفرد في القرن 21 , متحفزة إلى نشر ثقافة الوعي والإدراك نحو غد الألفية الثالثة , ومسايرة تطورات العصر , فجعلت من الفرد * أي الدولة * , من خلال ما سبق ذكره من مشاركته في بناء الدولة عن طريق التكاثف معها في التنمية البشرية , وسياسة الحكامة الراشدة للإدارة , جعلت من العولمة هدفها لمسايرة متطلبات العصر مستمدة منها قوتها ولا أدل على ذلك من أخذ المغرب في التنمية البشرية للسكن من طرف هيئة الأمم المتحدة للألفية الثالثة جائزة على ذلك لعام 2010.كما أن العولمة أضحت هي السلاح الوحيد لميزان صرف عملة التقدم وذلك عن طريق نهج الديموقراطية ونشرها وحرية الرأي والتعبير , وتحرير السوق والاقتصاد , وإضفاء شرعية التبادل الحر في إطار الشراكة المغربية الأوربية , وإنشاء منطقة التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأميركية وكندا عبر اتفاقيات دولية مع شركاء المغرب خاصة مع فرنسا في الآونة الأخيرة حول الهجرة السرية إلى غير ذلك من انفتاحات حول العالم. فالفرد في خدمة الدولة والدولة في خدمة الفرد , بمعنى كلما أنتج الفرد كلما استفادت الدولة , وكلما كانت الدولة مقتربة من الفرد كلما كان الفرد منتجا أكثر , وهذا ما نلحظه بقوة في إطار السياسة الاقتصادية للمغرب في الآونة الأخيرة و من دخول استثمارات أجنبية ناهيك عن الجالية المغربية المقيمة بالخارج واستثمارها الداخلي بالمغرب.
ولا ننسى أن العولمة هي إحدى وسائل تحديات القرن 21 , أنها استطاعت أن تخلق حيزا آخر للتقارب بين المنظومة الدولية وذلك في إطار إنشاء في يونيو لعام 2010 هيئة الأمم المتحدة للنساء التي ترأسها رئيسة الشيلي سابقا وستعمل ابتداءا من شهر يناير عام 2011 وهذه المنظمة * الأمم المتحدة للنساء * هي أكبر مقاربة في تمكين المرأة ومساوتها للرجل في الحقوق السياسية والمدنية التي صادق عليها المغرب لهيئة الأمم المتحدة في قانون حقوق الإنسان الدولية الصادرة عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة سنة 1948. كما أن هذا التحدي الذي سيُفَعل في يناير 2011 * هيئة الأمم المتحدة للنساء * جعلها تعالج أكبر القضايا التي تهم المرأة في العالم , من العنف ضدها , كالاغتصاب في منطقة دارفور , والصحة عند الأم أثناء علمية الوضع , ثم الإصابة بداء فقدان المناعة.
كل هذا جاء نتيجة عولمة العصر , والتحديات التي يراها القرن 21. لكن إذا كانت العولمة لها إيجابيات سالفة الذكر , فقطعا ستكون لها سلبيات , وهذا ما يقوله هابرماس في فكر الحداثة , لأنها * أي العولمة * صادرة عن إنتاج فكري , وكل فكر قابل للنقد , فأين يكمن نقد العولمة ؟ فإذا كان الفرد مساهما في إنتاج وبناء الدولة ألا يكون مستهلكا لقيم غريبة عنه ثقافيا مثل أخلاقيات السوق والاقتصاد كما جاء عند دوركايم وماركس ؟ ألا يكون الفرد فقط مجرد آلة مستهلِكة أكثر من كونها منتجة ؟ أسئلة ستظل قائمة ما دام هناك فكر ينتقد فكرا آخر في طرح الإشكالية .

الإحالة :
1- أستاذ القانون الدولي جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والإجتماعية سويسي وأكدال, الرباط.

فقرة من تقرير رسالة الماجيستير علوم سياسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل