الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهزلة تشكيل الحكومة ومهزلة الانسحاب الامريكي

نزار عبدالله

2010 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش العراق في الظرف الراهن بين مهزلتين هما الاكثر تأثيرا في تاريخه الحالي: تتمثل الاولى في مهزلة تشكيل الحكومة العراقية بين الفرقاء والتي سجلت رقما قياسيا جديدا في عجز بلد ما في تأخر تشكيل الحكومة، والثانية مهزلة الانسحاب الامريكي المزعوم من العراق!
مهزلة المهازل التي نعيشها اليوم بدأت عقب انتهاء الانتخابات النيابية في آذار المنصرم، دخلنا في الشهر الثامن ولاتزال القوائم الفائزة تردد نفس الكلمات والعبارات والشعارات! باسم الشعب العراقي ومصالحه وغيرها من المزايدات يتفق الفرقاء على ان لايتفقوا، والمشهد يتكرر في الهواء الطلق وعلى خشبة المسرح، اغلب المشاهدين تنتابهم الكآبة والقصة مملة ومضجرة بدون ابطال! ممثلوها موتى، ومشاهدها تشمئز لها النفوس، في الخارج نسمع دوي انفجارات وصيحات وقتل وتعذيب وآلام ومعاناة، وفي الخشبة يمارس السياسيون الطائفيون والفئويين مهنة كسب المال والشهرة كأن شيئا لايحدث، اصواتهم لاتخرج من حنجراتهم، حركاتهم تصنعية وهزلية، تارة يمثلون باقنعة وتارة بدونها، ومن كثرة الممثلين بالكاد نعرف وجوههم، ونتعرف على شخصياتهم، فهم يتقمصون شخصيات عدة، يتوقف المشهد لبرهة ويتدخل المخرجون لاجراء بعض التصحيحات، يتم توزيع الادوار من جديد ونعود الى المربع الاول، ثم يبدأ العرض على الهواء مرة اخرى، ولكن هذه المرة اسوء من ذي قبل!
يقف المخرج الامريكي واعوانه ومستشاريه في المقدمة والمخرجين الاقليمين كايران وسوريا والسعودية وغيرها وراء الكواليس منشغلين بادارة اللعبة وتحريك الدمى وكتابة السيناريوهات المتعبة.
ولاتخلوا القصة من كوميديا على شاكلة كوميديا دانتي، الا ان القصة غريبة ليست لها نهاية، ليست حزينة ولاسعيدة، وبما انها مقسومة على صفر منذ البداية فانها، شأنها شأن الارقام الحسابية، فانها تستمر الى مالانهاية. يخرج احيانا وجه بارز من وجوهها وتنقطع اخباره ويصبح في حالة اللاوجود السياسي، اما الآخرون يواصلون المسيرة ويتشبثون بالادوار، ينافس بعضهم البعض على القوة والسلطة والدور والشهرة، دون الخروج بالطبع من طاعة المخرجين وسوطهم.
والمشهد الهزلي الثاني هو قصة الانسحاب الامريكي ومغادرة الكتائب القتالية لقوات الاحتلال، يزعمون بانه ينبغي الاسراع بتشكيل الحكومة حتى تتم عملية الانسحاب في موعدها المحدد، تخرج عدة كتائب قتالية من المسرح امام عدسات الكاميرا والشاشات التلفزيونية في بهرجة اعلامية بينما تتخندق البقية يقدر بـ 50 الف جندي امريكي في قلاعها التي تم بنتها بمليارات من الدولارات، فيما يتم ادخال قوات امنية اخرى باسماء ومسميات جديدة.
ولكن الحقيقة المرة هي ان القوات العسكرية الامريكية لم تخرج من اي من البلدان التي دخلتها ومنذ الحرب العالمية الثانية، فكل مافي الامر هو تخفيض عديد القوات العسكرية طالما تتحكم هي بالمشهد السياسي والعسكري العراقي، وتستطيع ادارته باقل الجهد والتكاليف، وطالما تحتفظ بقوات اخرى في قواعدها العسكرية الثابتة والتي تلعب دور المطرقة العسكرية في الحسابات السياسية والعسكرية المحتملة على شاكلة مطرقة كوريا الجنوبية عقب الحرب الكورية..
يضحكون على الذقون ويقولون بان الشارع العراقي يتطلع الى تشكيل الحكومة وتحقيق الانسحاب الامريكي في موعده المحدد بغية استرداد السيادة، وكأن الشارع العراقي لا هم له سوى توزيع المناصب واتفاق هؤلاء مع المحتل الامريكي ومخططاته، فبماذا ننتظر من مجموعات يتفقون مع المحتل في كل شيء فيما يتصارعون فيما بينهم على كل شيء يتعلق بتوزيع المناصب والمغانم والادوار، وحتى في حال انتهاء الخلاف اليوم وبناء حكومة شراكة فيما بينهم فستنقل صراعاتهم تلك الى مؤسسات الدولة ودوائرها واجهزتها، مما قد يصيبها الشلل والعجز في كافة مفاصلها.
لذلك لايمكن ان نتوقع من هؤلاء بناء حكومة قادرة على ان تخدم اطياف الشعب العراقي وتتصدى لمعاناة المواطنين وعلى تقديم الخدمات الاجتماعية الاساسية لهم. اما الاعتراض على تأخر تشكيل الحكومة التي تنظم هنا وهناك من قبل منظمات المجتمع المدني والاعتصامات التي تحدث فهي عديمة الجدوى ان لم ترتقي الى المطالب الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، الاجور، الخدمات الاجتماعية، الكهرباء والماء والسكن، اصلاح نظام الضمان الاجتماعي وتوفير الحريات السياسية والفردية والاجتماعية مثل حرية العقيدة والبيان حرية التعبير وحرية المرأة والشباب وغيرها، حل مشكلة الفساد وتوفير العدالة الاجتماعية.
وبما ان تلك القوى عاجزة بالفعل عن تحقيق المطالب الاجتماعية و وغرقت في وحل الطائفية والمصالح الحزبية والفئوية والقومية والاعتبارات الشخصية، فان الحل يكمن في تشكيل قوة اجتماعية اخرى تمارس دورها وتنظم نفسها وتفرض سلطانها على المفاصل الاجتماعية الاساسية، هذه القوة هي قوة المنتجين المباشرين في المجتمع، العمال، قوة الفلاحين والزراع والكسبة والمحرومين والموظفين المخلصين، ينبغي تنظيم هذه القوة الاجتماعية التي تشكل اغلبية المجتمع وباستطاعتها وقف المهزلة واعادة الامور الى مسارها اي ضرورة تنظيم المجتمع باسره من القاعدة الى القمة بشكل يوفر الاحتياجات الاساسية للانسان من الغذاء والسكن والماء والملبس والضمان الاجتماعي وتوفير الحريات والمساواة الاجتماعية وغيرها.
على الطبقة العاملة وكافة المحرومين تصعيد النضال المطلبي والعمل على تشكيل النقابات والاتحادات والتنظيمات النقابية المستقلة من الاحزاب الحاكمة والمتنفذة بغية تحسين وضعها المعاشي والخدمي وتحريك نضالاتها بهذا الاتجاه..
-------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأزمة داخلية
فيصل البيطار ( 2010 / 10 / 16 - 11:25 )
نشعر أن هناك هما وطنيا يتحكم في سطور المقالة، لكنها بحالها هذا، عجزت عن وضع اليد على مكامن الخلل في العملية السياسية العراقية، وبشكل أوضح، لم تتمكن من قراءة العلاقات الإجتماعية السائدة وإنعكاساتها السياسية مما أوقع المقالة بالكثير من المطبات والرؤى المتناقضة للحدث الواحد بنفس الوقت، كمثال: لو صحت الرؤيا حول المخرج الأمريكي والمخرجين الأقليميين فلماذا لم تر الحكومة النور حتى الآن؟
جوهر الأزمة داخلي وله علاقة حيوية في النسيج الإجتماعي العراقي لا أكثر،بتكثيف شديد .

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -