الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يتعامل الضمير العربي والإسلامي مع الجرائم بحق الآخرين؟

باتر محمد علي وردم

2004 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


كان قدر العالم العربي والإسلامي أن يكون بؤرة لصراعات سياسية وعسكرية هائلة في النصف الثاني من القرن العشرين، وإمتد ذلك ليشمل بداية القرن الحالي. وقد مرت هذه الصراعات بحالات مفزعة من المجازر والمذابح والإبادات الجماعية والقتل على الهوية. وفي أغلب الأحيان كان العرب والمسلمون هم ضحايا هذه المجازر ولكن في السنوات الأخيرة حدث تغير في التيار ليصبح العرب والمسلمون في بعض الأحيان هم مرتكبي الجرائم بحق الآخرين.
وتحتفظ ذاكرة المنطقة بالعديد من الصور المرعبة عن المجازر، ولكن اسوأ ما فيها تعرض الأطفال الأبرياء للقتل من قبل المجرمين. وفي عالمنا العربي والإسلامي، تعرض آلاف الأطفال للموت في فلسطين ولبنان من قبل الجيش الإسرائيلي، وفي العراق من قبل الولايات المتحدة ، وفي البوسنة من قبل ميليشيات ميلوسيفتش ومجرمي الصرب، وفي الشيشان من قبل الجيش الروسي وفي أفغانستان من قبل الاحتلال الروسي والجيش الأميركي.
وفي كل هذه الأحداث، كان العالم العربي والإسلامي يغلي غضبا من الجرائم بحق الأطفال، وكنا جميعا نشعر بالغضب والحقد والقهر والكراهية لكل المجرمين الذين ارتكبوا هذه الأفعال الشنيعة بحق أطفالنا، ونستثير كل المشاعر الدينية والوطنية والقومية من أجل الحفاظ على جذوة المقاومة والحق العربي والإسلامي وتقديم المجرمين للعدالة.
ولكن في نفس الوقت، قام من يدعي الدفاع عن الإسلام والعروبة من التنظيمات الإرهابية بالكثير من الجرائم بحق الأطفال المسلمين والعرب وغير المسلمين. فقد قضى آلاف الأطفال الأكراد بالغازات السامة التي استخدمها نظام صدام في حلبجة، وأدت الجرائم والصراعات المتبادلة في لبنان إلى مقتل آلاف الأطفال كما كان قتل الأطفال عنصرا دائما في جرائم التنظيمات المتطرفة في الجزائر. وإمتدت جرائم تنظيم القاعدة في 11 ايلول 2001 لتحصد حياة مئات الأطفال في الطائرات المختطفة التي دمرت أبراج التجارة، وذهب الأطفال ايضا ضحايا لتفجيرات مدريد الإرهابية، وأخيرا الجريمة المروعة في أوسيتيا.
كل هذه جرائم لا يمكن قبولها، ولا يمكن أن يكون هناك مبرر لها. أن جريمة الجندي الإسرائيلي الوغد الذي أطلق الرصاص على الشهيد محمد الدرة تشبه تماما جرائم الجيش الأميركي في الفلوجة، وجريمة تنظيم القاعدة في الطائرات المدنية وبرج التجارة، وجريمة قصف حلبجة وقتل أطفالها الذين احتفظت عدسات الكاميرا بصورهم موتى بعيون جاحظة من الرعب، وأخيرا إطلاق الرصاص من قبل المجرمين على أطفال المدرسة في أوسيتيا قبل يومين.
ينتابنا الغضب والحقد عندما يتعرض أطفال العرب والمسلمين للقتل، ولكن يجب أن ينتابنا أيضا تأنيب الضمير عندما يرتكب بعض العرب والمسلمين هذه المجازر، وليس من الأخلاق ولا الضمير السكوت عنها أو تبريرها. أن الثقل الكبير الذي يحمله ضميرنا لدى قيام القاعدة بقتل الأطفال الأبرياء، أو حيال المشاهد المبكية في مدرسة أوسيتيا، يجب ان يجعلنا نؤمن دائما بأن قتل الأبرياء هو جريمة لا يمكن قبولها، وأن حق أطفالنا في الحياة مشابه لحق أطفال الآخرين ايضا، وأن ضمائرنا يجب أن تبقى يقظة ودائمة الحساسية تجاه تعرض الأطفال للخطر من اية جنسية أو دين.
من السهل دائما الهروب إلى الوهم وتوجيه مسؤولية الجرائم التي ترتكبها تنظيمات إرهابية عربية وإسلامية إلى الموساد والصهيونية والمخابرات الأميركية، ولكننا جميعا نعلم بأن هذا غير صحيح. أن الذين يقتلون الأبرياء في العراق بعد خطفهم، والذين حولوا طائرات مدنية إلى قنابل مدمرة، والذين فجروا قطارات مدريد براكبيها الأبرياء، والذين اطلقوا الرصاص على الأطفال في أوسيتيا هم منا. هم عرب ومسلمون، يصلون ويصومون ويطلقون اللحى، ويطالبون بارتداء الحجاب ويدعون الدفاع عن القضايا الإسلامية ولهذا فإن واجبنا جميعا أن نطلق الصوت عاليا ونتبرأ منهم ونرفض كل هذه الجرائم، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، أما الساكت عن قتل الأطفال فهو شريك في الجريمة والأسوأ من ذلك أن نستخدم نفس المعايير المزدوجة في تقييم حياة الناس كما يفعل الغرب.
أننا، في العالم العربي والإسلامي نمارس مركزية وعنصرية مشابهة تماما لما يحدث من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، لأننا نغضب للجرائم التي ترتكب ضدنا ونسكت على الجرائم التي ترتكب بإسمنا، ولهذا فنحن على وشك أن نخسر كل الأبعاد الأخلاقية في قضايا العادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة