الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردود فعل بكين على منح نوبل للسلام لمنشق صيني

عبدالله المدني

2010 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


عملت القيادة الصينية جاهدة خلال العقدين الماضيين على إعطاء إنطباع جميل للآخر عن بلادها، آملة من وراء ذلك محو كل ما تعلق بالأذهان من صور مظلمة ومخيفة عن حقبة المعلم "ماو تسي تونغ" التي إتسمت بالفوضى والعنف والرعونة وإهدار الكرامة الآدمية وتصدير الأيديولوجيا إلى الجوار وما وراء البحار. وفي سبيل ذلك إعتنقت بكين فكرة أن تحقيق هذا الهدف يتساوى في أهميته مع أهمية بناء مجتمع داخلي متناغم، وقوة إقتصادية متينة عمادها التصنيع والتصدير، علاوة على قوة عسكرية مهابة. ولوضع الفكرة موضع التنفيذ، جندت الدولة وحزبها الشيوعي الحاكم وجيشها الأحمر كل ما تحت يدها من مقدرات إعلامية ومادية متنامية لمنع حدوث ما يشوه صورة الصين الجديدة، خصوصا بعدما نجحت الأخيرة في تجاوز اليابان وألمانيا وصارت ثاني أكبر إقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا، صار أكثر ما يزعج بكين ويقلق راحة زعمائها ويسبب لهم الحساسية هو تبني الإعلام الغربي أو إعلام الدول الآسيوية المنافسة لقضية داخلية صينية عبر التركيز على تفاصيلها وإستضافة رموزها. وتفاديا لوقوع مثل هذا "المحظور" (من وجهة نظر الحزب الشيوعي الحاكم)، دأبت الدبلوماسية الصينية على التحرك السريع، بل لوحظ قيامها بتهديد الجهات المعنية من عواقب إزعاج بكين، وتداعياته السلبية على الروابط البينية. وقد رأينا ذلك في مناسبات عديدة إبتداء من غضب بكين على نيودلهي لإستضافتها الزعيم الروحي للتيبيت "الدلاي لاما" فوق أراضيها، وإنتهاء بغضبها على إدارة الرئيس الإمريكي السابق "جورج دبليو بوش" لإشادته بزعيمة متمردي "الإيغور" المسلمين "ربيعة قدير" أثناء مؤتمر حول الديمقراطية والأمن في العاصمة التشيكية في يونيو 2007 ، ووصفه لها بـأنها "إمرأة موهوبة ومصدر فخر لوطنها". بل رأيناه في ديسمبر 2008 حينما إلتقى الرئيس الفرنسي "نيقولا ساركوزي" علنا بزعيم التيبيت الروحي في بولندا، ثم رأيناه مجددا في فبراير من العام الجاري حينما إستقبل الرئيس الإمريكي "باراك أوباما" الدلاي لاما في البيت الأبيض. ففي كلتا الحالتين أدار الرئيسان الإمريكي والفرنسي ظهريهما لتحذيرات بكين، ولم يكترثا بتهديداتها الناعمة.
وفي سياق المخاوف نفسها، بادرت بكين قبل عدة أسابيع إلى إرسال نائب وزير خارجيتها "فو جينغ" على عجل إلى العاصمة النرويجية لنقل رسالة إلى مدير لجنة جائزة نوبل "جير لونديستاد" تحذره فيها من مغبة منح جائزة نوبل للسلام لعام 2010 للناشط الصيني المعتقل "ليو شياو بو". وقد أكدت وزارة الخارجية الصينية لاحقا أنها مارست بالفعل ضغوطا قوية على أوسلو للتدخل من أجل رفع إسم "شياو بو" من قائمة ضمت 237 مرشحا لنيل الجائزة المذكورة التي تعتبر الأهم ضمن جوائز نوبل، بل أكدت أيضا أنها حذرت النرويجيين من التداعيات السلبية لمثل هذه الخطوة على العلاقات الصينية – النرويجية. غير أن أوسلو كررت ما فعلتاه واشنطون وباريس، فلم تعط بكين آذانا صاغية، وتجاهلت تحذيراتها كليا، وذلك حينما إختارت "شياو بو" ليكون الفائز رقم 91 بجائزة نوبل للسلام. وهذا الأمر لئن تسبب في صدمة في بكين، فإنه أيضا حمل لها رسالة أولى مفادها أن دول الغرب ليست كأقطار إفريقيا السوداء وإمريكا اللاتينية، بمعنى أنها ليست كالأخيرة لجهة الحاجة الماسة لمساعدات تقنية وقروض إنمائية وإستثمارات رأسمالية تأتيها من الصين كي ترضخ وتنفذ كل ما تطلبه منها بكين، ورسالة ثانية مفادها أن الصين – رغم صعودها المذهل - لم تبلغ بعد قوة بريطانيا العظمى في الأربعينات من القرن المنصرم، حينما تدخلت خمس مرات لمنع ذهاب جائزة نوبل للسلام للزعيم الهندي الكبير "المهاتما غاندي"، فكان لها ذلك على الرغم من وجود إسم غاندى على رأس قائمة المرشحين بسبب دوره الكبير في تجسيد مبدأ "اللاعنف".
والحقيقة أن الحدث فاجأ القيادة الصينية، لأنها كانت حتى اللحظة الأخيرة تتوقع من لجنة جائزة نوبل أن تتوخى الحذر، فلا تقدم على عمل يقلل من مصداقيتها، خصوصا بعدما تعرضت تلك المصداقية لهزة في العام الماضي حينما منحت جائزتها للسلام لرئيس منتخب للتو، لم ينجز في حياته أي عمل حقيقي في مجال السلام، ونعني بهذه الشخصية الرئيس "باراك أوباما". غير أن مالم يدركه الصينيون أو تغافلوا عنه هو أن لجنة جائزة نوبل دأبت في السنوات الأخيرة على إلتزام نهج جديد تمثل في منح جائزتها للسلام إلى شخصيات سياسية ذات تاريخ حافل داخل بلدانها في مقاومة الديكتاتورية مثل زعيمة المعارضة البورمية السيدة "أونغ سان سو كي"، أو شخصيات حقوقية ذات باع طويل في الدفاع عن المضطهدين والمحرومين مثل الناشطة الإيرانية "شيرين عبادي"، أو شخصيات ذات إهتمامات تتعلق بالمحافظة على البيئة مثل الكينية "وانغاري ماتاي".
و بما أن "المحظور" قد وقع، فإن بكين لم تجد أمامها سوى إستدعاء السفير النرويجي في بكين إلى وزارة الخارجية للشكوى من عدم تجاوب أوسلو مع المطالب الصينية (قيل أن السفير أوضح أنه ليس لبلاده سلطة إجبار لجنة نوبل على إتخاذ قرارات معينة)، ثم تجنيد أدواتها الإعلامية لشن حملة ضد لجنة نوبل ومن يديرها، مرددة ما قيل مرارا من أن العوامل السياسية تلعب دورا كبيرا في توجيه جوائزها، وأنها صارت مجرد جهاز يأتمر بأوامر الغرب المعادي لصعود الصين في كافة الحقول. بل أن الإعلام الصيني المملوك للدولة لم يدخر وسعا من أجل إثبات أن منح نوبل للسلام للدكتور "ليو شياو بو" يعد مخالفة صريحة لما أوصى به "ألفرد نوبل" قبل وفاته، بمعنى أن الفائز لا يستحق الجائزة لأنه "لم يكن يوما من دعاة السلام والصداقة بين الشعوب أو دعاة نبذ العنف والأعمال المسلحة".
على أن حجج بكين وإعتراضاتها، مهما كان شكلها ونوعها، لا يلغي حقيقة إستحقاق الدكتور "شياو بو" بجدارة للجائزة الممنوحة له بسبب عوامل كثيرة. فهذا الأكاديمي المولود في عام 1955 و القادم من بيئة فقيرة كادحة، لكن المولود لأسرة من المثقفين والنجباء، ذاع صيته منذ عام 1989 (حينما شارك في أحداث ساحة تيان إن مين الدموية) كواحد من أكثر النشطاء الصينيين حركة وعلما وإطلاعا وشجاعة وتحملا لويلات المعتقلات الصينية الرهيبة. فكان يـُودع السجن ويخرج منه ليـُودع فيه مجددا (بلغ عدد السنوات التي قضاها في السجون نحو عشرين عاما، علما بأن آخر حكم ضده بالسجن لمدة 11 عاما صدر في العام الماضي وإنتقدته شخصيات أممية وقادة دول ورموز فكرية معروفة في الشرق والغرب) بنفس التهم التي كانت تتمحور حول دفاعه الشرس عن حقوق الإنسان الصيني وحريته في التعبير، ومطالبته بصين أكثر إنفتاحا في المجال السياسي، وإنتقادته اللاذعة لهيمنة الحزب الواحد على مقاليد السلطة لأكثر من ستة عقود متواصلة، وإشتراكه مع آخرين في إطلاق العرائض المطالبة بالحرية على شاكلة ما فعله نشطاء تشيكوسلفاكيا زمن الحكم الشيوعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك