الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عام رحل!

سميرة الوردي

2010 / 10 / 17
الادب والفن


في تأبين الشاعر علي جليل الوردي
سميرة الوردي
عام انقضى منذ رحيلك يا أبتي ، وأنا أتلظى شوقا لأحاديثك وذكرياتك الثرة ، يشدني الحنين والأسى ، فالغربة أبعدتني عنك وعن أمسياتك الرائعة ، رحلتَ وما زال في النفس أمل بالعودة كي نراك ، ونستظلُ بفيئك كما كنا صغارا ، فالأمومةُ والأبوةُ لا تشيخان أبدا .
كنتَ خيرَ أبٍ لنا جميعا نحن الثمانية ، ولم ينغصْ سعادتَنا شيء ، كنتَ جدارا متينا ، أسندْتَنا كل العمر حتى هبت سموم الفاشية فدمرت كل شيء وأول ما دُمر ، تلك الكينونة التي لاتُحس إلا بوجود الجميع متعافين سالمين .
انتهينا وتَدمرَ شملُنا منذ اختالت الأيدي المجرمة أصغر أولادِك من دون ذنبٍ أو جريرةٍ سوى انه ينتمي لك . امتصوا نَسغ حياة أسرتِنا ، من دون أن يرفَ لهم جفن أو يخالجهم أيَ تأنيب ضمير ، فقد كنتَ شوكةًً في عيون الطغاة وبَقيْتَ شوكةًًً حتى بعد رحيل أزهى سنواتِ عمرك وأبهاها .
أبي عشرُ سنواتٍ وأنا بعيدةٌ عنك ، تأكل وحشة الغربة والترحال حدقاتِ عيوننا ، خِفْتَ علينا من البقاء في الوطن ومن الغربة .
أبي ويا من سكنَ الوطنُ فيك ، كلماتي عاجزةٌ على أن تلحق بنبل مبادئك وصمودك ووقوفك مرفوع القامة أمام أعتى المصائب والملمات وأمام أعتى الطغاة الذين حولوا جنتك الوارفة الظلال إلى يباب .
رحلتَ تاركا سِفرا من الذكريات تُدين به كل من آلم وجرحَ الوطن ألسْتَ أنت الذي قلت :
ضمِّدْ جراحَكَ لايقعدْ بكَ الحزَنُ واستلهم الصبرفي بلواك ياوطنُ
هي الكوارثُ كم حطَّتْ على بلدٍ وكم تكفَّل في تخفيفها الزمنُ
والقارعاتُ امتحانٌ للشعوب وكم بالحزم والجهد نال النُّجح ممتحَنُ
وللجراح اندمالٌ بعد نكأتها لكّنه بجميل الصبر مرتهَنُ
وليصبح الأمر شورى إنها غرضٌ أوصَت بتطبيقها الأحكام والسُّننُ
ضمِّد جراحكَ لايقعد بك الحزنُ ضمِّدْ جراحك واسلمْ أيها الوطنُ*

من سيضمد جراح الوطن يا أبتي !!!
ومن سيضمد جراحنا ونحن نحيا غربتين داخل الوطن وخارجه ،
رحلت ولم تُكلفْ وسائل الإعلام نفسها بذكر رحيلك وهي التي وسع صدرها للكثير من المغمورين أن يحتلوا عناوينها .
رحلتَ أبيا عفيفَ النفس زاهدا، وأنتَ الذي خلدت بشعرك الكثير من الأحداث التي عِشتَها ،
ألست أنت من قلت عند استشهاد جعفر الجواهري
أجعفر ياقدوة الطيبين وصنو الإباء ، وترب الندى
أ أبيكيك ؟ لا ، لست ترضى البكاء ويأبى الدموع من استشهدا
ولكن سنمضي ، كما قد مضيت أبيا ، حميد الثنا ، سيدا
سنمضي فأما حياة الرفاه لهذي البلاد وإما الردى
فما بالنحيب تنال الحقوق ولا بالمدامع دحر العدا
ولكنما عن طريق النضال تداس القيود ومن قيدا
فنم هادئا ياشهيد الإباء وعش في ضمير العلى سرمدا
فهيهات هيهات أن ننثني عن الحق مهما ترامى المدا
وهذي دماك ، وقد أهدرت فشقت لشعبك نهج الهدى
رفعنا بها هيكلا للكفاح وبرج فخار به يُهتدى **
.......
آمنت بالنضال السلمي طريقا لتحقيق أحلام الشعوب فلم تبخل بمناصرتك لكل شعوب الأرض من خلال ايمانك بحق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة بأمان وسلام ، مناهضا الحروب وسفك الدماء ، فكان انتماؤك لأنصار السلام العالمي ، ولم تبخل بحياتك من أجل تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع بين ناسه رجالا ونساءً ، فكنت في طليعة المناضلين من أجل الديمقراطية وسيادة القانون في كل مفاصل الحياة فناضلت مع مناضلي الحزب الوطني الديمقراطي طوال مدة حياتك من أجل ارساء أُسس ديمقراطية حقيقية لا تفرق بين الناس وأديانهم وطوائفهم وانتماءاتهم العرقية والأيدلوجية ، لذا دفعت الثمن غاليا .
.........
فرضَ عليك غيابُ الحرية والأمان أن تحيا غريبا في وطنك
فقلت (أنا في موطني غريبٌ ) لقد أجبرتك ظروف الحياة المجحفة على الاعتزال في بيتك بعد أن كنت تحضر مجالس الأدب والشعر في بعض بيوتات نخبة من الأدباء المعروفين ، ولتغلغل بعض الوشاة إلى هذه المجالس انسحبت منها حفاظا على من تبقى من أبنائك ، وقد تسللت هذه المشاعر إلى أبيات من شعرك غير المنشور :
أنا الغريب وإن أصفى مودته لي الصديق وساقاني الهوى جاري
في غربة الروح أطوي العمر مكتئبا هيمان سأمان من نفسي وأفكاري
دنيا الأماني أترجوها مسالمة إن سالمت فهي انذار بإخطار
.....
( البيت الفارغ من الأهل موحش ولو كان في صميم الجنة )*
( ها أنت ترى ياولدي أن قلب أبيك قد تشطر إلى أفلاذ مشتته !!! فلذة تشكو عطش الغربة في صقيع روسيا وفلذة في ألمانية يؤزرها الحنين إلى أهلها ، وفلذة ضاربة في هجير صحراء الجنوب ،) ***
لم يكن في حياته مهادنا ولا مستسلما ولكن الرزايا أوجعتة ولم تُركِعْه وقد قال في أحد قصائده
أأبكي ولايشفي البكاءُ وجعا في القلب لم يرحمْ ولم يلنْ ****
الرحمة لأبٍ كان قدوة لأولاده ولكلِ من عرفه .
................
*من قصيدة لم تنشر
**ديوان ( طلائع الفجر ) من قصيدة إلى الموت ألقيت في الفاتحة التي أُقيمت تأبينا للشهيد جعفر الجواهري شهيد وثبة 1948 التي أحبطت معاهدة بورت سموث .
*** من رسائل الشاعر إلى ولده في المهجر
****من قصيدة بعد عام لم تنشر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كم كنت اتمنى
غضبان غريب ديار ( 2010 / 10 / 19 - 03:30 )
ان يصل مستوى وعي الانسان العراقي بقيمة الانسان وحقه في الحرية ونحن في عام 2010 الى ما ناضل من اجله فقيد بغداد الراحل علي جليل الوردي وسياتي اليوم الذي ينصف فيه هذا الانسان الرائع رغم كيد تجار دماء و دموع الشعب

اخر الافلام

.. سكرين شوت | الذكاء الاصطناعي يهدد التراث الموسيقي في مصر


.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ




.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-