الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية والطائفية بين لبنان والعراق

دارا كيلو

2004 / 9 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في الشأن العراقي, ينبري الكثيرين, ممن يعتبرون أنفسهم دعاة ديمقراطية, للحديث عن لا ديمقراطية التوجه الذي يسير فيه العراق الآن, وذلك من خلال إيراد أمثلة عن التوزيع الطائفي أو العرقي لمفاصل الحكم في العراق. ويتم أيراد حكم سلبي قطعي ونهائي غير قابل للطعن على هذا التوجه, بالقول بأن المسألة هي لبننة للعراق, وكأن اللبننة تهمة سلبية لاترد, وكأن نظام الحكم في لبنان هو أسوأ أنواع نظم الحكم الموجودة في الشرق الأوسط .
والمسألة هنا فيها مغالطة تستدعي المناقشة, بدءا من إعادة التعرف على المصطلح المعروف جدا, أي الديمقراطية. فالديمقراطية في تعريفها المصطلحي الأساسي تعني, وكما يعلم الجميع, حكم الشعب. والشعب كتلة بشرية متطورة ومتبدلة على مر الأيام, ولذلك فإن الشعب لا يمكن تأطيره في تصور نظري ما, أو البحث عنه في هذه اليوتوبيا أو تلك. وبالتالي فإن محاولة طرح تصور معين كامل شامل وتام للشعب الذي يمكن أن يحكم وشكل حكمه, يستدعي أن نغير تعريف الديمقراطية إلى حكم النظرية أو الفكرة أو التصور بدلا من حكم الشعب.
إن البشرية تُراكِم يوميا تجارب حياتية ومعارف نظرية حول شؤون حياتها, وبالتالي فإن أي فكرة أو تصور يصبح مرشحا للتجاوز بمجرد تبلوره, بالطبع لا يعني هذا أنه ليست هناك قيما وأفكارا يمكن أن تتصف بطابع الدوام, ولكن هذا الدوام نسبي, والثابت الوحيد هو الإنسان. وفيما يتعلق بحكم الشعب(البشر) لأنفسهم يمكن القول أن الثابت في هذه العملية هو الوجود البشري القادر على حكم نفسه نظرا لتميز البشرية بالعقل, أما كيفية تجسيد هذا الحكم فإنها مجال مفتوح للتصورات والتطورات مع تطور البشر أنفسهم. وهنا أهمية الديمقراطية كونها منظومة حكم مفتوحة على خيارات الشعب المتطورة, قادرة على الاستفادة من الإبداعات اليومية للبشرية, على عكس النظم السياسية الديكتاتورية والشمولية المغلقة على تصورات مكتملة لشخص أو نظرية.
لا شك أن هناك مفاهيم وممارسات ومقومات يجمع عليها في النظم الديمقراطية, كالحرية والمساواة وحقوق الإنسان والمواطنة وحكم الأكثرية .....الخ, ولكن كيف يمارس الشعب الديمقراطية ؟ وكيف يشارك في حكم نفسه؟ هذا مجال تنوع شديد, هناك دول برلمانية ودول رئاسية, ملكيات وجمهوريات, هناك من يشارك من خلال الأحزاب, ومن يشارك من خلال النقابات وجماعات الضغط ...الخ.
والسؤال المهم هنا هو لماذا تتناقض الطائفية السياسية مع الديمقراطية ؟ يقول المعارضون: لأن الطائفية تعني محاصصة توزيع المناصب السياسية الرئيسية حسب طوائف وفئات المجتمع وحصرها بهم وإغلاقها أمام منتمي الطوائف الأخرى وهذا يناقض الديمقراطية وحقوق المواطن, وكذلك فإن هذه المحاصصة تناقض مبدأ حكم الأكثرية. ونقول: أنه ومن الناحية النظرية هذا الكلام صحيح, ولكننا نتحدث عن حكم الشعب, وبالتالي لابد من الالتفات إلى الواقع أكثر. ويشير واقع منطقة الشرق الأوسط إلى أننا نعيش في دول لم تبلغ المرحلة الرأسمالية بعد, وإن كانت بعض مظاهر الرأسمالية قد نشأت هنا وهناك. ومن الطبيعي أن نجد المجتمع مقسم عموديا إلى فئات وطوائف ما قبل رأسمالية, أي أن معظم انتماءات شعوب المنطقة هي انتماءات تقليدية( للطائفة, للعشيرة, للعرق....الخ) وذلك على حساب الانتماء للوطن( ونقول وطن تجاوزا نظرا لغياب أوطان حقيقية ) والانتماءات الحديثة السياسية والمدنية. إذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعي أن نجد التعبيرات السياسية وحتى المدنية مصبوغة بلون تلك الانتماءات التقليدية, أي أن الشخص يجد أن من مصلحته المحافظة على انتمائه التقليدي وتعبيره السياسي. وكذلك فإن الأكثرية والأقلية في حالاتها الساحقة تكون أكثريات وأقليات تقليدية وليست سياسية. ذلك يعني أن الانتماءات التقليدية مازالت تلبي حاجة ما تبرر استمراريتها, بغض النظر عن موقفنا منها. هذا الواقع يضعنا أمام خيارين إما إنكاره وإقصائه, أو نفيه جدليا بالاعتراف به وإعطائه المشروعية ومن ثم انتقاده تمهيدا لتجاوزه عملا بالقاعدة الجدلية الذهبية "عدم تجاوز الشيء قبل امتلاكه" .
الخيار الإقصائي يتطلب إنكارا واستنكارا للطائفية السياسية, ومحاولة فبركة نموذج نظيف ومعقم للحكم الديمقراطي. وأعتقد أن هذا الخيار هو شمولية وديكتاتورية بشعار ديمقراطي. إن محاولة فرض نماذج متخيلة وضبط الشعوب على مقياسها, وإنكار حقيقة انتماءات وأماني هذه الشعوب وطمسها وقمعها, ممارسة ديكتاتورية وشمولية وبامتياز, وتخفي في أعماقها مشروعا خفيا لممارسة الطائفية السياسية بشكل سري. هذا الطرح وهذه الممارسة لن يؤديا سوى إلى تقوية الانتماءات التقليدية, وإن لم تعلن عن نفسها بوضوح, واتخاذها أشكال مرضية سواء لدى الحكومة أو الشعب. فتجاهل وجود أي مشكلة لا يعني سوى أنها ستستفحل أكثر.
الخيار التجاوزى الجدلي يعني الاعتراف بوجود حالة مجتمعية ما, قد تكون مرضية أو لا, ومن ثم محاولة تأطيرها وإعطائها تعبيرات ومواقع قانونية مناسبة ضمن المشاركة في إدارة الشأن السياسي, ومن ثم إلقاء الأضواء على السلبيات الناتجة عنها, ومحاولة تجاوزها بعد أن يكون الفرد قد أشبع حاجته إليها وتعرف إلى إيجابيات البديل المقترح. أي أننا هنا ننطلق من الوجود الإنساني كما هو, وباعتباره هو القيمة الأولى والثابت الوحيد, ونحاول تجاوز الحالة الراهنة, بعد امتلاكها, باتجاه الأفضل الذي تتصوره أفكارنا ورؤانا الراهنة, والذي هو في حالتنا الديمقراطية المتجاوزة للطائفية السياسية.
إن الواقع يدعم طرح الخيار التجاوزي, فدولة مثل العراق قمعت و تجاهلت, في المعلن من سياستها, الانتماءات المختلفة للعراقيين, خارج الانتماء العراقي. ماذا كانت النتيجة ؟ لقد تكشف انهيار نظام صدام عن قوة وطغيان كافة الانتماءات التي قمعت وتم تجاهلها, فمثلا الأحزاب التي تشمل العراق ككل نادرة ( ربما كان الحزب الشيوعي العراقي شاملا لكل العراق). وكذلك كان نظام صدام حكما لطائفة وفي عمقه لعشيرة رغم الشعارات, وهذا يمكن أن ينطبق على دول وحكومات المنطقة إلى درجة كبيرة, باستثناء لبنان. ولبنان هو المثال الوحيد المشرق, رغم عيوبه, ويا للمفارقة! الطائفية السياسية في لبنان مقوننة ومعترف بها وعلنية, ولبنان هو الدولة الديمقراطية الوحيدة بين الدول العربية. والمفارقة أيضا, أن من يستنكرون الطائفية السياسية وغيرهم, غالبا لا يجدون مكانا يرفعون فيه أصواتهم وينشرون أفكارهم سوى لبنان بإعلامه ومؤسساته وحرياته ... وعندما يضيق بهم القمع قد لا يجدون مكانا يلجأون إليه سوى لبنان. ولكن هل هي مفارقة ؟! بالقطع لا, إنه الواقع الذي يكذب اعتى النظريات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ