الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق التطور السياسي اللاحق في العراق..2

صباح كنجي

2010 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


انتهينا في الجزء الأول من الموضوع إلى أن اتجاهات الصراع المحتدمة في العراق تتمحور حول جملة من المفاهيم تتجلى في الموقف من الدولة والدستور والحرية ومحتوى الديمقراطية والمواطنة وفكرة المساواة والموقف من الدين.. هذه المفاهيم التي برزت وقفزت إلى الواجهة يتواصل النقاش حولها لتجريدها أو تضمينها محتوى يتطابق مع مصالح الفئات المتصارعة وتوجهاتها وارتباطاتها وأهدافها...
تبدو الأطراف المتنازعة للوهلة الأولى أنها تتصارع للتشبث بموقف لا تتزحزح عنه قيد شعرة، بحجة حرصها على قيم الديمقراطية التي تسعى لتطبيقها وتفسيرها واختصارها في حدود الانتخابات المزيفة وما تفرزه من أصوات مسروقة تؤهلها لمصادرة موقف التجمعات والكتل الشعبية والالتفاف عليها لغايات ونوايا تجسدُ أهداف بعيدة المدى، تكون المرحلة الانتقالية مقدمة ومدخلاً لها وفق ستراتيج يوظف الدين والقومية في مجرى الصراع المعقد الذي يؤشر إلى..
أولا.. توجه القوى الإسلامية غير المخفي لإعلان الدولة الإسلامية في العراق.. لا يختلف في هذا النهج والهدف أي مكون افرزهُ التاريخ الإسلامي من تسميات تعبر عن الاتجاهات الطائفية والمذهبية فيه، سواءً أكان سنياً أم شيعياً، كمقدمة ومدخل لأسلمة المجتمع وهم يختلفون على الجزئيات والتفاصيل ويتفقون في الجوهر على جملة أمور يمكن إجمالها..
ـ بمعاداة الديمقراطية واعتبارها منتجاً غربياً غير ملائماً للمجتمعات الشرقية الإسلامية..
ـ يؤمنون بدولة الاستبداد الدينية التي تفرض توظيف الدين لخدمة السلطان والقوى المهيمنة في السلطة..
ـ ممارسة الدجل والشعوذة السياسية والنفاق الاجتماعي لتزييف إرادة الجماهير من أبناء الطبقات الشعبية الكادحة واستغلالهم وتوجيههم بالضد من مصالحهم الحقيقية، وفق سياقات مؤدجلة تدعو لممارسة السياسة من اجل إرضاء الله ورسوله وبقية رموز السلسلة من "المعصومين"، ليشكل ويؤدي في النتيجة إلى ما يمكن وصفه بأبشع صور الاستغلال الذي اخذ يجرد البشر من إنسانيتهم ويحولهم إلى كتل بشرية معادية ومتخاصمة تفرز وتنتج ثقافة الموت التكفيرية التي تبيح ممارسة القتل والذبح والإرهاب ضد أتباع الأديان الأخرى وكذلك العلمانيين المفكرين والمتنورين الذين يدعون لفصل الدين عن الدولة والمساواة بين البشر..
ـ عدم الاعتراف بحق المواطنة والمساواة بين البشر ومنحهم الأفضلية للهوية الإسلامية التي اصطفاها الإله ووصف أتباعها بخير امة أخرجت للناس.. أدت تطبيقاتها التاريخية إلى انحصار رقعة مكونات أبناء الرافدين وتقليص أعدادهم واختزال تواجدهم في كافة العهود ابتداء من بدايات الإسلام مروراً بالعهدين الأموي والعباسي وما أعقبهم من سلاطين الإمبراطوريات الهمجية اللاحقة في عهد المماليك والعثمانيين وصولاً إلى العهد الملكي وجمهورية البعث الأولى والثانية وإرهاب ما بعد زوال النظام الذي يستهدف المكونات الاجتماعية غير الإسلامية بشكل واسع وخطير يكاد أن يقضي عليها اليوم، ويخطأ من يعتقد أن الأحزاب الإسلامية على اختلاف اتجاهاتها لا تبارك أو تبرر هذا القتل وهذا التجريف للأراضي ودور السكن في مختلف أحياء المدن العراقية بدءً بالبصرة وانتهاء بالموصل ممن يوصفون بالكفار الذين تبيح النصوص الدينية قتلهم والفتك بهم..
ـ يشكل الموقف من المرأة وفرض الحجاب في المجتمع وعدم الاعتراف بأهمية الحريات الشخصية وتحريم تناول الخمور نقطة تلاقي واتفاق جوهرية يؤمن الإسلاميون بتطبيقها وممارستها وتكمن خطورة هذه الثقافة في ما تحتويه من مفاهيم وقيم أخلاقية يجري دمجها في الممارسة الاجتماعية في تصنيف البشر لتصبح كل امرأة محجبة فضيلة حاملة للأخلاق وغيرها ممن لا ترديه رذيلة وسيئة بلا أخلاق.. وهكذا من لا يحتسي الخمر طاهراً شريفاً حتى لو مارس السرقة ونهب المال العام وكل الموبقات والمحتسي لهُ يستحق التأديب والجلد والعقاب والسجن..
أن خطورة هذا الاتجاه تكمن في ما حققهُ من نجاحات تشكل أساساً يُستندُ عليه وفق خطة إعادة بناء الحياة على أساس الشريعة الإسلامية كما يدعو لتطبيقها حزب الدعوة مثلا يتقدم في تطبيق أجزاء من مشروعه الديني عبر مراحل فكرية تعبوية لتكون أساساً لتسييس الدين وتكوين الدولة الدينية التي تمهد لتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو ينجز هذا الهدف ويتقدم ليصبح في المقبل القادم من الزمن حالة أصعب على الحل تفرض وجودها بقوة القانون الذي يفسح المجال لتسلط الدين وفرض نمط الدولة الدينية الاستبدادية كواقع حال ناتج عن "فوز" انتخابي..
ثانيا..التوجه الآخر الذي لا يقل خطورة عن الأول ويجاريه في الكثير من المسائل السابقة ويتطابق معه في المفاهيم لكنه يختلف معه، إذ يدعو لتشكيل الدولة وفق سياقات عنصرية قومية يكون للعنصر العربي اليد الطولى فيها على اعتبار أن المصطفين من امة الإسلام في (كنتم خير امة أخرجت إلى الناس) هم العرب.. ونمط الدولة الملائم لهذا الاتجاه البدوي/ العروبي يستند على وظيفتها الأولى في مواجهة الأعداء في المقدمة منهم جيرانهم التاريخيين" الفرس المجوس" أو كما يطلق عليهم الإعلام العروبي ويصفهم بالصفويين.. دولة قوية بمؤسسات عسكرية وجيش جرار مستعد للحروب والقتال.. دولة بوليسية تكون امتداداً للعمق العربي وحارسة لبوابته الشرقية تكون في حالة عداء أزلي مع الجيران، وان لم تتمكن من فتح معارك تاريخية معهم تتوجه لتسحق أبناء شعبها.. دولة تستند على ارث بدوي يبيحُ الغزو وسحق ودمار الآخر لا تعترف بحقوق المواطنة والتعايش السلمي بين البشر.. ليس في أجندتها أية مهام داخلية لخدمة شعبها مهمتها في الداخل إلاّ أن تكون سوطاً يسلط على رقاب الناس وتدفعهم للموت متى قرر السلطان خوض حروبه العدوانية.. دولة غير حضارية تعيش بمنطق البدو.. ولا بأس من أن تكون البداية في برنامجهم ومخططهم المطالبة بعودة الضباط البعثيين إلى مواقعهم في الجيش والشرطة وعودة بقية التشكيلات الأمنية القمعية أو التسلل إلى المؤسسات الأمنية من جديد بشتى الطرق والسبل، ولا بأس أن يكون لهم مواطئ قدم في الموصل التي طالب فيها النجيفي وقائمته (عراقيون) بالعودة إلى ما قبل التاسع من نيسان2003 علناً في حملتهم الانتخابية، أو ديالى والرمادي وتكريت، ينطلقون منها لقلب الأوضاع في بغداد.. ذلك هو الحلم الذي ما زالوا يحلمون به.. إن فكرة الانقلاب التي يؤمنون بها تجعلهم يمدون أياديهم للشيطان من اجل تحقيق غايتهم في العودة للسلطة من جديد وخطورة هذا الاتجاه لا تقتصر على التيار البعثي الذي خرج من مواقعه تحت ضغط البسطال العسكري الأمريكي.. بل في حجم التصريحات والدعوات التي يطلقها من يشارك في السلطة والبرلمان من دعاة الفكر الشوفيني العروبي الذين مازالوا ينظرون للآخرين نظرة عداء تاريخية تؤمن بخلق الدولة البوليسية لتؤجج التوجهات الحربية وثقافة أم المعارك وهم لا يخفون توصيفاتهم لأبناء جلدتهم ويعتبرونهم من العملاء للصفويين وينكرون عليهم عراقيتهم وانتسابهم للعرب..
أن الصراع في التوجه لتشكيل الدولة ومؤسساتها اليوم يبرز ويقذفُ إلى المقدمة في كل يوم المزيد من الأزمات التي تعرقل توجه الآخر في ظل تفسيرات كل طرف ونظرته لمحتوى ومفهوم الدولة وهذا ما أفرزته تطبيقات الأشهر السبعة التي تلت الإعلان عن نتائج الانتخابات وحالة الجدل العقيمة عن القائمة الفائزة ومن هي الكتلة البرلمانية الفائزة وتفسيراتها القانونية المتناقضة... ويخطأ من يتصور أن المرحلة المقبلة ستكون أسهل وأفضل من الذي نحن فيها.. أن حصر الصراع بين اتجاهين.. اسلاموي لا يملك أفقاً للتطور الحضاري، وعروبي يميني يستمد عمقه من علاقاته بدول الجوار، لا يعير مصلحة الجمهور أية اعتبارات، سيعمق من حجم المشاكل وسيدفع بالبلد من أزمة إلى أخرى ويهدد بالنكوص والعودة إلى دولة الاستبداد من جديد..
لمواجهة مخاطر الاتجاهين يكون من الضروري والملح أن تعيد القوى السياسية الأخرى حساباتها وتقييمها لمجرى واتجاهات الصراع برؤية تدفع لخلق البديل الديمقراطي الذي يستندُ على دولة سيادة القانون.. أننا بحاجة إلى إرساء دعائم الدولة الديمقراطية.. الدولة المدنية.. دولة الشراكة والمواطنة.. الدولة الفيدرالية.. دولة بمضمون ومحتوى يتلاءم مع مهمات العصر.. دولة الخدمات والانجازات الحقيقية التي تتفق مع حجم واردات العراق وخيراته... دولة تجعل من الإنسان قيمة عليا.. دولة تتحكم فيها المؤسسات التي تضمن المستقبل الأفضل..دولة تؤْمِنْ بقيم الحرية وتؤَمِنْ السلام والاستقرار في المجتمع.. دولة قادرة على معالجة مشاكل المجتمع وتذليلها.. هذا هو الخيار المطلوب أن تتضافر جهود الأحزاب العراقية حوله بمختلف اتجاهاتها العلمانية واليسارية والديمقراطية المستقلة من البصرة إلى كردستان ..
لأجل تدارك الموقف ومواجه البدائل الاستبدادية، عليها أن تعيد النظر بعلاقاتها وتستجمع طاقاتها من جديد، توحد خطابها وتتجاوز حالة الخلل في أدائها، لتفعل دورها وتزيد تأثيرها في مجرى الصراع الدائر اليوم حول شكل ومحتوى الدولة في المرحلة الانتقالية الذي يترافق مع حالة مخاض عسيرة تكثفُ وتجسدُ محتوى الصراع الاجتماعي واتجاهاته الفكرية في المجتمع العراقي..
صباح كنجي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل رائع
موريس رمسيس ( 2010 / 10 / 19 - 13:39 )
تحليك هذا رائع سيدى ، و اتمنى على كل شعب العراق الصحوة و لكن فى اتجاه العلمانية و الحداثة

اخر الافلام

.. بايدن يحث إسرائيل على التفكير في بديل آخر لضرب منشآت إيران ا


.. قصف متواصل على الضاحية الجنوبية واشتداد المواجهات جنوب لبنان




.. مشاهد تظهر فيضانا يغرق قرى في البوسنة


.. مظاهرة وسط العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية وا




.. انفجارات في الضاحية الجنوبية لبيروت