الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلسل آخر الملوك تغلب فنيا على سيناريو منحرف

جاسم المطير

2010 / 10 / 19
الادب والفن


ليس غريبا أن لا ينتبه المسئولون عن انتاج المسلسل التاريخي (آخر الملوك) الى كتـــّاب عراقيين مرموقين عديدين دقوا مساميرهم النقدية على خشب المسلسل المليء بالاخطاء السياسية والاجتماعية وبتحريف الحقائق في عدد من مشاهده التي سجلت مرئيا في دراما تلفزيونية عراقية مجموعة هائلة من الانحرافات التاريخية التي صنعت خدعا لتزييف التاريخ السياسي العراقي .
المؤرخ العراقي سيار الجميل وفر من جهده اربع مقالات سلط فيها اضواء على سلامة التاريخ العراقي بإدانته الكثير من مضمون وشكل المسلسل واعتمد الكاتب مهدي شاكر العبيدي على ايضاحات تاريخية مهمة جاءت خاطئة في المسلسل اما الناقد ناطق خلوصي فقد دخل الى المسلسل بعين يقظة كاشفا بعض ما رتب في المسلسل من اخطاء فادحة .
لقد سبق وأن عرفنا قبل عامين أن نفس الاهمال وعدم الانتباه من قناة الشرقية قد حصلت حين لم تصغ ِ إلى آراء قالت أن سيناريو مسلسل الباشا الذي انتجته كان طفيليا تبرأ منه المشرف التاريخي (سيار الجميل) بإعلانين نشرا في جريدة الزمان اللندنية التي تعود بالقرابة الى قناة الشرقية وكذا فعل مخرج ( الباشا) الفنان الجريء فارس طعمة التميمي بمقال اوضح فيه ان تجربته في اخراج مسلسل الباشا قيدته تحت ضغوط غير فنية ليسهم بالعملية الاخراجية من خلال النافذة وليس من خلال الابواب الفنية .
ربما الكائنات الفنية القيادية في قناة الشرقية مثل السيناريست فلاح شاكر مؤلف ( آخر الملوك) والمنتج نفسه ومخرج المسلسل الجديد حسن حسني لم يقرأوا شيئا مما كتب عن مسلسل الباشا ، ربما تثير القراءة عندهم ضجرا ، أو ربما هم لا يحبون القراءة ، أو أنهم لا يحترمون (الرأي الآخر ) او ربما انهم لا يريدون الغوص في اعماق الحقائق او انهم يريدون ان يطفأوا نور النضال الشعبي خلال فترة الحكم الملكي في العراق 1921 – 1958 والتضحيات التي قدمها الشعب العراقي على مذبح الحرية .
لحد الان ظل مسلسل (آخر الملوك) محروما من رأي المشرف التاريخي عليه الدكتور عماد عبد السلام رؤؤوف كما اغمض المخرج حسن حسني عينيه عما كتب عن نقد المسلسل ربما انهما لا يريدان غير الصمت في الحاضر وتجاهل آراء (الاخر) لاسباب لا يعرفها إلا الراسخون في الفن ..!
أقول بصراحة تامة ان السيناريو كان قاصرا الى حد كبير عن أن يكون عملا فنيا لأن كاتبه كما تبين في ( الباشا وآخر الملوك ) لم يحترم أمانة الحقائق التاريخية في عملين دججا بالمال الكثير وبالجهد الفني الكبير لكنهما مع كل ذلك سقطا سقوطا سياسيا – تاريخيا مريعا باهتمام مؤلفهما بالكثير من الامور الثانوية ، المختلقة ، التافهة ، على حساب جوهر وقائع الفترة التي يقع ضمنها واقع المسلسلين فكان الباشا والمللك فيصل ظلان خارج الزمان ، وقد حاول حسن حسني انقاذ سذاجة سيناريو ( آخر الملوك) وتحريفاته بجهوده في الاخراج الفني وهو يملك ، فعلا ، طاقة ابداعية لا يستهان بها اثبتها بالعديد من اعماله السابقة في استغلال كفاءات الممثلين جميعا . الديكور باغلب مناظره كان سطحيا عدا مناظر قصر الرحاب حيث نجح الى حد ما في إعداد مرسوماته في ظرف مكاني ليس سهلا .
ربما يمكن القول ان مسلسل (آخر الملوك) استطاع ان يقدم نجاحا فنيا الى حدود غير قليلة . النجاح الاول هو الكشف عن طاقات تمثيلية جديدة النوع فقد لمع الفنان حسين عجاج وفرحان هادي واسعد مشاي والفنانات هند طالب وتمارة جمال وانعام الربيعي وسولاف اذ قام الجميع باجتذاب انظار المشاهدين لادوارهم المحدودة لكنها الباهرة ، كما برهن الفنان الطالع خليل فاضل خليل انه جدير ببطولة المسلسل رغم ان المخرج ، كما يبدو ، لم يدربه ، كفاية التدريب ، مثلما ينبغي على ادواره لتفجير طاقته ، مما جعله يتحرك ويتحدث بما لا ينسجم مع الثقة الفنية العالية التي يمتلكها هذا الشاب .
منذ ان لاح وجه بعض الممثلين بنجاح طلعتهم الاولى بالمشاهد الاولى حتى وقع المخرج بيقظة التركيز المكثف على ادوارهم في محاولة لكبت افكار المشاهدين عن ضعف بناء السيناريو فقد حاول المخرج استغلال المواهب التمثيلية والقدرات التعبيرية الهائلة للفنان سامي قفطان لستر عيوب السيناريو وابقائه منصبا على هذا الدور بشكل مبالغ فيه في كثير من المشاهد التي استغرقت وقتا لا يتوافق مع حقيقة الدور الذي مثله هذا الفنان باعتباره مجرد متعهد تزويد مطبخ قصر الرحاب بالمواد الغذائية .
كان المفروض ان يكشف المسلسل عن فريق عمل مدهش لأنه ضم كفاءة تمثيلية لامعة من امثال علي جعفر السعدي وعادل عثمان وذو الفقار خضر وسلام زهرة وسنان العزاوي ونزار السامرائي وفلاح هاشم ومهدي الحسيني واسماء مصطفى واحلام عرب وحسن هادي وشمم الحسن وفرحان هادي وهديل كامل ومحمد طعمة وميثم صالح وزهور علاء ومحمد مهدي الحسيني وعادل طاهر وسمر محمد وطلال هادي وانعام الربيعي ونسرين عبد الرحمن ونهال عنبر وهلا يماني ومحمد خير ونضال حماد ورضا طارش ومناف طالب وعباس حربي واحمد رافع وغيرهم ممن نالوا اجورا لا تزيد على اجور عمال الحلويات وباعة اللبلبي في دمشق الشام . كان توزيع الادوار ليس موفقا بل ان بعض الادوار كانت زائدة عن اللزوم اصلا كما ان بعض الادوار اخذت وقتا لا تستحقه مما اضعف الاخراج والمسلسل عموما . لكنني اقول هنا ايضا ان نجاح الممثلين جميعا بإداء ادوارهم غطى و(ستر) ضعف السيناريو الى حد ما . الشيء الاضافي (الساتر) للسيناريو تجسد ايضا بالدور الذي لعبه مدير الاضاءة هيثم اكرم ومدير التصوير شكيب مصطفى والمشرف على الانتاج علي جعفر السعدي كما كان هناك دور كبير للموسيقى ودورها بتخطيط الموسيقار رعد خلف في انقاذ السيناريو من الاعياء الذي كتب به .
عموما نجحت (الحيلة الفنية) للاخراج في مسلسل لم تنجح معه (الحيلة السياسية ) في السيناريو لتحريف التاريخ العراقي ولغمط دور الثقافة والمثقفين الذي كان انذاك كبيرا في التاثير الجماهيري خاصة عندما اهمل المؤلف او المخرج ـ لا ادري ـ الدور الحقيقي والثقافي في تلك الفترة الذي لعبه غائب طعمة فرمان واصحابه في ذلك الجيل انطلاقا من الشارع العراقي ومن المقهى البرازيلية في شارع الرشيد ، وليس من البارات كما جاء في المسلسل ، خاصة وانه غادر العراق للمرة الثانية عام 1954 بعد ضرب الحريات ببغداد وبعد موجة كبيرة من اعتقالات السياسيين والمثقفين وبعد اجراءات إبعاد ادباء وشعراء عراقيين من بغداد إلى ناحية السعدية من امثال الدكتور صلاح خالص ومظفر النواب مع ثمانين مثقفا آخر مما اضطر غائب طعمة فرمان لمغادرة العراق ، حيث سافر الى سوريا ولبنان ليشارك هو ومحمد غني حكمت في مؤتمر الكتاب العرب في 11 ايلول 1954 وقد انتخب فرمان عضوا في لجنة الادب الجديد داخل المؤتمر الى جانب كتاب كبار اعضاء في نفس اللجنة من امثال سعيد حورانية ورضوان الشهال وصميم الشريف وفاتح المدرس وعلي سعد وشوقي بغدادي واحمد ابو سعد وعادل ابو شنب بينما كان كاتب السيناريو او المخرج قد ابقاه مقيما في حانة بغدادية .
ترى هل تكتشف قناة الشرقية ، في المستقبل ، الجانب الهام في عمل وانتاج الدراما التاريخية لتحريك الممثلين وفق سيناريو أمين على دقة التاريخ العراقي وفق الكتابة الجماعية ، التي يشتغل بها عقل سياسي جماعي ، وليس اعتمادا على عقلٍ، غير سياسي وفردي ، كما حصل في مسلسلي الباشا واخر الملوك وهل يتحول نقد الناقدين الى قرع حاد لاجراس قناة الشرقية كي تنتج مسلسلات جديدة قادرة باساليب عمل جديدة لمنع حصول كوارث درامية في الليالي الرمضانية ..؟
آمل ان لا ينصرف ذهن المبدعين العراقيين عن اعتماد التقنية الكبيرة في العمل الدرامي التاريخي بدءا من السيطرة على سيناريو دقيق المضمون وانتهاء بتدريب الكائنات الفنية تدريبا قادرا على تجسيد عقولها وقدراتها الفنية في جعل الماضي حاضرا امام الناس لرؤيته صادقا غير منحرف وكي لا ينتاب المشاهد غير الاحساس بالبهجة الصادقة لمعرفة التاريخ الصادق مهما كانت رماحه مؤذية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه


.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد




.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??


.. الفنان سامو زين يكشف لصباح العربية تفاصيل فيلمه الجديد




.. الفنان سامو زين ضيف صباح العربية