الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عماد سيد أحمد .. وحديث المحرمات

سعد هجرس

2010 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


هل مازلتم تذكرون بلداً إسمه "فلسطين"، وشعباً اسمه "الفلسطينيون" وقضية اسمها "القضية الفلسطينية"؟!!
ياااه!!
تبدو هذه المفردات قادمة من أزمان بعيدة ودنيا غير الدنيا .. بعد أن أصبح العداء بين بعض الفلسطينيين وبعضهم الآخر أكبر من العداء بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين اغتصبوا وطنهم واستعبدوا شعبهم.
وكانت النتيجة الحتمية لهذا العمى السياسى "تصفية" القضية الفلسطينية، ومن ثم اختفاؤها - عملياً - من جدول أعمال العرب والعالم.
وبالتوازى مع هذا التراجع الرهيب لمكانة واحدة من أهم وأعدل حركات التحرر الوطنى فى العالم كان طبيعياً أن يتراجع اهتمام الكتاب والمحللين السياسيين بالقضية التى كانت ذات يوم ملء سمع وبصر العالم بأسره، ومصدر إلهام وبؤرة تجمع لكل أصحاب الضمائر الحية على ظهر الكرة الأرضية.
لذلك يبدو صدور كتاب جديد عن هذه القضية "المنسية"، هذه الأيام، مفاجئاً بكل ما تعنيه الكلمة.
الكتاب هو "الفلسطينيون وسقوط المحرمات"، والكاتب هو الزميل عماد سيد أحمد، والناشر هو مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع الذى يرأسه حاليا الزميل الباحث الجاد والمفكر المحترم الدكتور وحيد عبدالمجيد.
والمحرمات المقصودة فى عنوان هذا الكتاب كثيرة، لكن أهمها الدم الفلسطينى الذى يراق ببنادق فلسطينية تكرس الانقسام الفلسطينى وتغلِّب التناقض الفلسطينى – الفلسطينى (الذى يفترض فيه أنه تناقض ثانوى) على التناقض الفلسطينى–الإسرائيلى (الذى هو بالضرورة التناقض الرئيسى).
وبطبيعة الحال فإن الفلسطينيين لم يخترعوا الانقسامات، بل إن الانقسامات التى حدثت داخل حركات التحرر الوطنى ضد الاستعمار – كما يقول وحيد عبدالمجيد فى مقدمته المختصرة للكتاب – كثيرة، "لكن الانقسام الفلسطينى ليس كغيره، إنه جديد فى نوعه، وفريد فى تاريخ النضال الوطنى التحررى". لأنه – والكلام مازال لوحيد عبدالمجيد قد "تجاوز التناقض السياسيى والايديولوجى" وأنتج فصلا جغرافيا بين المنطقتين الصغيرتين الباقيتين من فلسطين واللتين كان النضال الوطنى يهدف إلى إقامة دولة مستقلة فيهما. وبدلاً من أن يستقل الفلسطينيون عن إسرائيل "استقل" طرفان متصارعان عن بعضهما البعض وانفرد كل منهما بجزء من الأرض التى كان تحريرها هو هدف النضال الوطنى. ولكن هذه الأرض لم تحرر ولم يستقل شعبها عن الاحتلال، بل "استقل" كل من حركتى "فتح " و"حماس" عن الآخر فى "كانتون" خاضع لسيطرة الاحتلال. فأصبح الشعب المبتلى واقعا بين مطرقة الاحتلال أو الحصار وسندان قمع وقهر لم تعد أجهزة "فتح" و "حماس" تجيد غيرهما".
وكانت النتيجة – كما يقول عماد سيد أحمد فى مقدمة كتابه المهم – أن "حماس" التى كانت تطالب بدولة فلسطينية من البحر إلى النهر بات حلمها الآن فتح معبر لتبقى على قيد الحياة، و"فتح" التى كانت تدعو لدولة على أرض 1967 ذات سيادة واستقلالية باتت تحلم بعودة غزة أولاً. وتحول الأمر إلى انقسام حاد بين غزة والضفة الغربية، الأولى يسيطر عليها فريق يدعو للمقاومة المسلحة ولا يفعل، بل يلاحق من يقوم بذلك وينكل به، والفريق الثانى يدعو للسلام، والمفاوضات محلك سر لا تتقدم خطوة واحدة"!!
فيا له من مشهد عبثى
***
وياليت المسالة كانت مجرد سوء تقدير من القيادات الفلسطينية فى هذا الجانب أو ذاك.
المصيبة التى يكشف عماد سيد أحمد عنها النقاب فى كتابه، الذى هو ثمرة متابعة دءوبة ودقيقة للشأن الفلسطينى على مدار عشر سنوات، أن "الأخوة الأعداء" – سواء فى "فتح" أو "حماس" – رقصوا جميعاً على أنغام لحن إسرائيلى و" ما أقسى أن تخضع لروشتة علاج وصفها لك عدوك"!!
والمصيبة الأكبر أن الفلسطينين – من الجانبين – لم يكونوا هم وحدهم الذين ابتلعوا الطعم الذى صنع فى معامل الموساد الإسرائيلية وطرحه رئيس الوزراء السابق أرييل شارون علانية، بل إن هذه "الروشتة" الإسرائيلية المسمومة حظت أيضاً بتأييد عواصم عربية متعددة!!
وفى ظل هذا العمى السياسى المطلق ارتبكت الأولويات وغابت الرؤية الاستراتيجية، ففعلت "فتح" بنفسها ما فعلت حتى تخلى عنها أنصارها التقليديون بعد أن روعهم الفساد الذى بانت رائحته تزكم الأنوف، أما "حماس" فقد "قدمت مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن، وأرادت أن تجعل من برنامج الحركة الإسلامية برنامجاً لفلسطين"، كما جعلت من نفسها فى لحظة من اللحظات أداة لصالح إيران، فلم تفرق بين عداوتها لإسرائيل ومواقف الآخرين فى شتى أرجاء الأرض. وأصبح كل عدو لإيران عدوا لها وكل صديق لإيران صديقا لها باستثناء تناقض مواقفهما فى العراق". وكانت نتيجة ذلك أن "حماس وقعت فى الخطأ الذى تجنبته كافة الفصائل والقوى الفلسطينية على مدى عقود طويلة من تاريخ الثورة".
***
وفى خاتمة هذا الكتاب المهم يستنتج عماد سيد أحمد أن "الانتخابات هى الحل" ، بعدها "يقرر الحزب الفائز أى طريق يسلك.. "المقاومة" أم "المفاوضات"، او سيجمع بين الخيارين".
وهذا استنتتاج معقول .. لكنه – فى رأينا - يستلزم أولاً إعادة النظر فى قضايا أهم أصبحت تعتبر اليوم فى عداد البديهيات والثوابت مع أنها ليست كذلك.
وهناك بالتحديد قضيتين تستحقان التفكير والمراجعة بهذا الصدد:
القضية الأولى: هى وهم ما يسمى بـ "السلطة الوطنية"، فقد ثبت أن هذه السلطة الوهمية ليست أكثر من كعكة مسمومة لا تفتح الباب أمام تحرير الأرض الفلسطينية من براثن الاحتلال، بقدر ما تؤدى إلى اقتتال الفلسطينيين فى التكالب على نصيب من هذه الكعكة الفاسدة. وهذه الكعكة الفاسدة تخلق ازدواجية عجيبة بين مهام التحرر الوطنى وبين مهام السلطة رغم أنها مهام متناقضة.
والقضية الثانية هى استراتيجية "الدولتين"، حيث ثبت أيضاً الأن الأوضاع المادية على الأرض لا تسمح فعلياً بإقامة دولتين، ولا توفر قاعدة موضوعية لقيام دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة الفعلية ومقومات البقاء والحياة. الأمر الذى يعيد الاعتبار إلى استراتيجية الدولة العلمانية الواحدة التى تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية فى بداية كفاحها. وهو ما يتناقض مع "تديين" الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وتحويله من قضية "وطنية" وكفاح ضد استعمار استيطانى كريه إلى صراع دينى مزعوم. والمفارقة المدهشة بهذا الصدد أن يصر غلاة الصهيونية الإسرائيليين، وفى مقدمتهم بنيامين نتنياهو، على انتحال الصبغة اليهودية لدولة الاستعمار الاستيطانى الإسرائيلية، وينزلق كثير من العرب إلى الوقوع فى نفس الفخ "الدينى" الذى تريده إسرائيل.
***
كتاب عماد سيد أحمد – بالاجمال – إسهام مهم، فى توقيت مهم، يعيد التذكير بقضية مهمة، يطويها النسيان، وتحيط بها الكثير من الأوهام والأساطير، ويفتح الباب أمام إعادة التفكير فى قضية من أهم قضايا التحرر الوطنى فى العالم. والأهم أن هذه المراجعة الفكرية المطلوبة تطرح مراجعة فكرية موازية للعلاقة بين القضية الوطنية وقضية الديموقراطية.. ليس فى فلسطين المحتلة فقط وإنما فى العالم العربى برمته. فليس معقولاً أو متصوراً أن ينجح فى تحرير الأوطان عبيد يفتقرون إلى الحد الأدنى من حقوق الإنسان.
شكراً للمؤلف الجاد عماد سيد أحمد .. وشكراً للناشر المحترم وحيد عبدالمجيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم هذا هو الواقع...
فتحى غريب أبوغريب ( 2010 / 10 / 20 - 13:03 )
فليس معقولاً أو متصوراً أن ينجح فى تحرير الأوطان عبيد يفتقرون إلى الحد الأدنى من حقوق الإنسان.


2 - مقال ممتاز
محمد عبدالله ( 2010 / 10 / 21 - 00:06 )
مقال ممتاز يا استاذ سعد وبصراحة شوقتنا للكتاب , ده وانا معاك في كل كلمة قلتها , وربنا يلطف بينا وبالعرب كلهم , والشعب الفلسطيني ليه رب اسمه الكريم

اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-