الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف ورجل السلطة تبادل شخصاني.

غسان المفلح

2010 / 10 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية



الدولة الراهنة، بتاريخيتها المتداولة، لا تتعامل مع أشخاص بل مع تمثيلات قانونية ودستورية، وذا بعد مؤسسي، سواء كانت هذه التمثيلات دينية أو مدنية، طائفية أو أثنية، سياسية أو حقوقية، وخلاف ذلك يكون ما هو موجود إنما عبارة عن سيطرة غاشمة على هذه الدولة، وعلى كل تمثيلاتها، لأن هذا النوع من السيطرة المشخصنة، يعتبر نفسه ممثلا عابرا لكل المجتمع بكل تنوعاته وتفاصيله، ومصالحه، وهو لذلك لا يعترف بمفهوم الأقلية والأكثرية، فهو يفهم بالدين أكثر من العلماء، ويفهم بالقضاء أكثر من القضاة، ويفهم بالاقتصاد أكثر من الاقتصاديين، أما عن السياسة فهو يوزع خبرة سياسية على كل نخب العالم السياسية..هو ممثل لكل شيء، ومعبر عن كل شيء...أليس" هو الدولة، والدولة هو" هذه ال" هو" ليست مغفلة، بل لشدة وضوحها، وصورها تزين شوارع مدننا وقرانا ومدارسنا ومشافينا ومراكزنا الثقافية وسجوننا، ويزين بها الفقراء جدران غرفهم العارية ومطابخهم الفارغة، أيقونة على صدر ممثليات إثنياتنا وطوائفنا وأدياننا، لشدة هذا الوضوح الذي يبهر العيون، فيحجب عقل الناظر إليه لشدة النور المنبعث من جبينه...هذه الصورة هي التي تجمع بين شخصه وبين هيبته" هيبته هي المؤسسة الوحيدة في البلاد المعترف بها، فهو أقل من نبي وأكثر من قديس، يصنع المعجزات، ويهب الحظوة لمن يشاء، ويمنعها عمن يشاء، وأبناءه من سلالة نقية، ونادرة، تتوارث الهيبة والقداسة" وتختصر فيها كل ما حولها...فهو القائد والموجه والمفدى والمقدس سره والمكشوف عنه الحجاب، وهو الذي يؤرخ لوجودنا اليومي...هو كل هذا ويزيد...أبعد هذا يمكننا الحديث عن تمثيلات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية مستقلة؟ ليته يكمل قداسته، ويقبل بالمشاركة ويعلي من شأن دولة القانون والحريات و....إنه التمني السطحي والساذج...!
المثقف يحاول فهم ما يجري، محاولة تريد تنميط الواقع في نماذج نظرية، ونماذج تستحضر نماذج أخرى، وهكذا يتم توالد مستمر، ويصبح التحليل منصبا على فهم هذه النماذج وليس على الاحتكاك بالواقع المبهر، ومواجهة الصورة، عارية كما هي معلقة على جدار خلف مكتبه، فهو لا ينظر إلى الصورة، الصورة بما تحمله من دلالات، لا تحيل إلى مفهمة، بقدر ما تحيل إلى فهم هذه النماذج وليس على الاحتكاك بالواقع، ومواجهة الصورة، عارية كما هي معلقة على جدار خلف مكتبه، فهو لا ينظر إلى الصورة، الصورة بما تحمله من دلالات، لا تحيل إلى مفهمة، بقدر ما تحيل إلى اشتقاقات وخطابات لا تحيل إلا إلى متنها المتماسك عن واقع الصورة وما تمثله...
كنمذجة الواقع طبقيا، وفق الماركسية التي هي نموذج أصلا...والمفاهيم تحيل إلى مفاهيم، وتغيب الصورة عن المتون ويبقى الهامش لاتهام الآخرين إما بالجهل وهذا أضعف الإيمان- أقصد أضعف الاتهامات- وإما بالخيانة الوطنية أو الطبقية، وهذا المتداول عندنا...!
أو كنمذجة الواقع إسلامويا، الشعب المتدين دلالة على صحة هذا المعنى...لهذا عليك المثول لهذا المعنى..
هل مطلوب من المثقف أن يقول" كلمة حق في وجه سلطان جائر نيابة عن الشعب"؟ وبعدها إما أن يذهب إلى السجن أو يغادر وطنه...كيف يمكننا إدراج هذه المعادلة الأكثر من بسيطة في نمذجة ماركسية راهنة للواقع؟
إلى أي حقل طبقي تنتمي؟ وما هي درجة فاعليتها الاجتماعية، هل هي محددة أم هي نتاج تحديد آخر اقتصادي مثلا؟ أم مطلوب من هذا المثقف أن يساهم بوعيه ونشره لهذا الوعي، كي يقول الشعب كلمته بنفسه؟ الفكر النقدي عندنا يجيب" لاهذه ولا تلك مهمتي" أنا مهمتي قراءة ومفهمة الواقع العلائقي، ونمذجته نظريا...دون أن ينتبه أنه على سبيل المثال لا الحصر" كل من تناول من الغربيين وغير الغربيين المهتمين بتاريخ سورية مثلا في العقود الأربعة الأخيرة، كان محور التناول هو شخصية السيد الرئيس...
في هذا السياق أعجبني موقف للمفكر د. برهان غليون عندما يقول" موقف العالم هو لفهم الواقع. وأساسه استخدام المناهج العلمية التي تؤدي إلى بناء معرفة موضوعية مستقلة عن الرغبات الذاتية. وموقف المصلح هو التغيير، واستخدام طرائق تسمح بالتأثير على اختيارات الأفراد واعتقاداتهم من أجل دفعهم إلى تبني قيم وأفكار ومذاهب جديدة. والمعرفة الموضوعية أو العلمية ليست هدف المصلح وإنما يمكن أن يستخدمها مادة لتحقيق التأثير المطلوب، أو المرغوب" انطلاقا من تمييز د.غليون هل المثقف في بلدنا مصلح أم عالم؟ أم كلاهما معا؟ اللوحة السورية تشير أنه يحاول الجمع بين النموذجين، فتارة هو عالم لا تقبل تحليلاته الشك، ومن جهة أخرى يجب أن تنظر إليه الناس كمصلح أيضا...هل هذا التداخل هو خيار شخصي؟ ام أنه نتاج ما يواجه الحقيقة التي يمفهمها المثقف العالم؟ أم أن طبيعة الصورة وما تفرضه على كامل المجتمع، بحيث تمحو المسافة بينها وبين الحقيقة؟ في الدول الطبيعية، هنالك مؤسسات للعالم منفصلة عن مؤسسات المصلح، أما نحن فلدينا لا مؤسسات ولا منابر ولامنظمات للمصلح...لأن الصورة اختصرت كل شيئ" ففيها العالم والمصلح وفيها كل الألقاب. المثقف عندنا، عالم ومصلح ومعارض وحقوقي وناصح للسلطة، وأحيانا يكون كل هؤلاء في نفس اللحظة، هل هي نسخة عن الصورة التي خلف مكتبه أو التي يراها أينما ذهب؟
تقول للمثقف النقدي مشكلة الفقر في سورية، يحيلك إلى الفساد، تقول للمثقف الماركسي مشكلة الفقر يحيلك إلى الإجراءات الليبرالية لنائب رئيس الوزراء السوري السيد عبد الله الدردري..لا علاقة للصورة بالموضوع بتاتا..وإذا قلت له أن ما يجري ليس تحولا لبيراليا على مستوى السوق السورية، تكون ردود فعله تجاهك قاسية، فتشكره وتمضي، لأنه عالم ومصلح ومعارض وحقوقي...الخ
الخوف والفقر المولد للحاجة يعدمان الحس الأخلاقي في أحيان كثيرة، هذه شبه مسلمة انتجها تاريخ الإنسان، وبالمقابل عدم الخوف، وأحيانا عدم الخوف جراء اليأس اليومي أنتجا التسامي والتغيير والتطور في تاريخ الإنسان..إنها إحدى التقابلات التي تنغص على المثقف حياته...
المثقف الآن في سورية، أكثر أريحية من ذي قبل وأقل ضغطا بالمعنى الأمني، هذه حقيقة لا يمكننا غض الطرف عنها، فما يكتب الآن من داخل سورية، لم يكن يحلم المثقف أن يكتب مثله أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد...
ليس لأن الصورة تقوننت، بل لأنها باتت أكثر حضورا، لأن الصورة عندما تتقونن تستبدل بصورة أخرى..
وعندما تتقونن الصورة يتقونن المثقف، وتتمأسس الثقافة والحقوق...
الصورة الحالية لا تخضع لأية قوننة، وكذا الحال المثقف لا يخضع لأية مأسسة...تلك هي صورتنا جميعا...
الصورة هي الدولة... والمثقف مؤسسة...والشك بهذا التقابل أو بأحد طرفيه شبه معدوم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي


.. United Nations - To Your Left: Palestine | كمين الأمم المتحد




.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي