الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل لن تبقي ولن تذر

ناجح شاهين

2004 / 9 / 11
القضية الفلسطينية


تقريباً أود أن أعلن اليأس الشامل. وهو للأسف البديل الوحيد الذي أحوزه في مواجهة نظريات التفاؤل المطلقة والتي لا يردعها أي شيء يحصل باعتبار أن الحياة ممكنة من حيث المبدأ مهما جرى وحصل. وهذا النوع من التفاؤل هو كما لا يخفى على المستبصرين بالأمور يستند إلى حدس أنطولوجي عميق، ولا علاقة له بالتاريخ أو السياسة. إنه يشبه الحزن في مواجهة النهايات الفاجعة: هم أنطولجي بشري لا يرتكز على معطيات الواقع المعاش في خضم المجتمع. هنا مثلاً يمكن أن ينتابني الأسى لمقتل جلادين من صفوف الأعداء قاموا بتعذيب أهلي أو أصدقائي أو تعذيبي شخصيا. هنا لا مجال للشماتة إذ لا مكان لها مع الموت.
نخشى أن هذا هو على وجه الدقة منبع حكاية التفاؤل الفلسطينية المنتشرة منذ غرة أسلو حتى الساعة. فالناس لم يعد يفت في عضدهم أية انهيارات تأخذ مكانها في واقع حياتنا المستلبة بنزع الأراضي والاعتقال والقتل والإذلال على الحواجز. لكن كل ذلك لا يهم فلا بد أن نهاية النفق تحتوي وعداً غامضاً وجميلاً من قوى ميتافيزيقية مرهونة بإرادة حكام البيت الأبيض وحكام شارع بلفور في القدس الغربية –أو الشرقية إذ أن لي أن أعرف جغرافيا القدس التي لا أجرؤ على التطلع نحوها رغم أنها تبعد عني أقل من نصف ساعة بالسيارة، إنها البعيد القريب على حد تعبير أغاني العرب العاطفية.
لا أرغب في مراجعة التاريخ. فالأمريكيون عمليون ونفعيون وبراغماتيون نظرياً وواقعيا وقلبا وقالبا ولا وقت عندهم للذكريات وجلسات كوانين النار الشتوية. إنهم يشتعلون بالسرعة والحرب ولا صبر لديهم. يريدون استغلال الوقت ونهبه حتى أخر ثانية وثالثة بل حتى كل جزء من المليار من الثانية. لذلك لا أرغب في إضاعة الوقت فالتاريخ مضى وانقضى وما فات مات وعفا الأمريكيون عما سلف. لكنني فقط أفكر في " مكان تحت الشمس " إن كان يحق لي ذلك، أما إن كان هذا الحق كله ينتمي للماضي فلا داعي له. ومن هذا الباب أتساءل: هل يوجد بقية باقية من الأرض يقال لنا خذوها ونحن نضمن لكم نهائياً أن أحداً منا أو من أولادنا أو أحفادنا لن يمارس لعبة "قد مساحة الجلد قد" فأخذ يقد الجلد حتى ابتلع " حبرون " كلها. هذا أبونا إبراهيم المقدس أو هكذا هو إبراهيم كما يقدمه إرث التوراة ليتغذى عليه الغزاة المنتصرون في هذه الأيام من غزة إلى النجف إلى كابول.
لا بد أنني خلطت الحابل بالنابل، وأنصار السلام لا يحبون ذكر العراق وأفغانستان لأن نظرية السلام الفلسطينية تقوم فيما أحسب على كاهل النوايا الأمريكية في إعطاء الفلسطينيين دولة في نهاية المطاف. وقد وعد بذلك جورج بوش الحالي بالذات. وهو رجل " إيده طايله "، ولو أراد أن يملأ لنا البحر مقاثي ولوز وسكر لفعل ما أعجزه عن ذلك معجز. لكن الرجل للأسف يغير نوياه طوال الوقت. وهو ما يجعل الفلسطينيين التعساء يلهثون وراء وعوده المتتالية ويذكروه بها حتى ينسونها هم أو يملونها فتبدأ مطاردة الوعود الجديدة، لكن إلى متى؟ وأين ستصل بنا هذه الطريق المتعرجة التي لا تلوي على شيء؟
يظن أنصار التسوية أن لكل أمر نهاية وبالتالي فإن هذه الوعود لا بد أن تنتهي في النهاية على شيء. والمطلوب فقط هو أن يقدم الفلسطيني ما يثبت أنه أهل للتعايش مع دولة إسرائيل المحبة للسلام. ونتذكر في هذا السياق مسلسل الأيام والأسابيع المطلوب من الفلسطينيين أن يمارسوا الهدوء على امتدادها مهما كانت أفعال إسرائيل الدفاعية مؤلمة لهم في بعض الأحيان. كثيراً ما يحدث في بعض الأحيان أن الفلسطينيين ينفذ صبهم ويضربون حجرا يثبت أن الإرهاب متأصل في طبيعتهم، ولذلك فلا بد من مزيد من الاختبارات حتى نتيقن من شفائهم النهائي من علل الهمجية والبداوة والغدر والميل إلى العنف. وهنا علي أن أسجل مآثر البيض جميعا في تمويل آلاف المشاريع الهادف إلى معالجة الفلسطينيين من أدران الشرور الإرهابية بكافة تلاوينها وطعومها.
المحزن في ملحمة التاريخ أنه درامي بكل معنى الكلمة، وتطور الحدث يغير النيات الأصلية مهما كانت مخلصة. وغني عن البيان أن المرء مهما أخلص في أيمانه المغلظة بخصوص المستقبل فإن مسيرة الواقع هي وحدها التي تحدد في النهاية ما سيفعله تبعا للقوة التي يكتسبها أثناء تسارعه في صيرورة الحدث. لذلك لا يركن العقلاء كثيراً إلى النوايا والوعود ويعملون على بناء الوقائع باتجاه يخدم تحقيق ما يريدون إن خيراً فخيراً أو شراً فشرا. ومن لا يفعل ذلك لن ينال شيئاً على الإطلاق حتى لو قدم خديه للصفع في اليوم عشر مرات متتالية. فلا فائدة أبداً من أن تكون مسيحيا في حياة البشر. الغريب أن أحدا من الناس لا يجهل هذه البديهيات في حياته العملية، وخصوصا في الحالة الفلسطينية. فمن يا ترى مستعد للتنازل عن شيكل واحد من أرباحه لقاء مصلحة الجماعة أو البلاد أو ما أشبه؟ ومن هو الجاهز للتنازل عن نفوذه أو منصبه من أجل الإصلاح أو التنمية أو ما شئتم من أسماء سميناها نحن وآباؤنا؟ لماذا يا ترى نفكر في أن على إسرائيل وقادتها أن يشذوا عن " الطبيعة " الإنسانية الأنانية والجشعة والتي تدفع الأخ ليقتل أخاه طمعاً بأن يكون الميراث من نصيبه منفردا؟
لم يتمكن الفلسطيني من فعل الكثير دفاعا عن حياته ووجوده على أرضه. وبغض النظر عن الأرقام المطلقة، فإن الارتفاع إلى مستوى الحدث لم يتحقق أبداً. بل كان أحياناً بعيدا ًعن الوعي المعقول بشروط ما يجري. لقد عبر محمود درويش عن ذلك بقسوة شديدة في قصيدته عن ماجد أبو شرار:
قم اقرأ سورة العائد
وحث السير
على وطن فقدناه بحادث سير
لا داعي في الواقع للمبالغة. الشيء الأساس الذي فعلناه هو أن نموت وأن نسجن وأن نشرد، ونتحول إلى دياسبورا لا تقل عن مثيلتها اليهودية. وذلك كله معروف الأسباب من ناحية مبدئية: فنحن خرجنا من الحرب الكونية الأولى من عباءة تركيا القرون الوسطى لا نعرف من أمر الناس ولا من أمرنا شيئاً فوقعنا لقمة سائغة للمفترسات، وكان الذي كان.
الآن ما زلنا ضعافاً. لكن ذلك بالضبط يجب على ما يبدو أن يدفعنا للإقلاع عن محاولة التوصل إلى تسوية لمشكلتنا: نتنازل عن أجزاء من أرضنا بغرض أن نستبقي جزءاً يسيرا. لا أقول ذلك استهانة مني بالجزء المطموح إلى الاحتفاظ به إنما بالعكس لأن الجزء الأخير بالذات سوف يطير.
علينا أن نستعيد اللحظة الراهنة: إن أسلو بالذات جاءت لتدارك ما يمكن تداركه ومنع الاحتلال من قضم الأرض شيئاً فشيئاً حتى لا يبقي لنا عند التسوية ما نأخذ بتغييره الأوضاع على أرض الواقع..الخ ترى هل نجح أسلو في إنجاز ما وعد به؟ الإجابة دون لبس هي بالنفي. لأن ما جرى هو أن إسرائيل قد استغلت الظروف الجديدة لبلع ما لدينا مع فقداننا الكثير من التعاطف الدولي بعد أن أصبح لدينا دولة وجيش وعلم ورئيس ينبغي أن يتحمل المسؤولية عندما يخطئ أبناء شعبه. ترى هل كان الوضع سيكون أسوأ لو أننا ظللنا عراة من حماية الدولة العتيدة؟ أعني لو تحزمنا بضعفنا كوننا مجموعات مدنية تحت الاحتلال وتغطينا بلحاف السماء، ألم يكن الحال أفضل؟ اليوم ما هي الحلول على وجه الاحتمال الأرجح؟ أن نواصل لعبة الدولة التي لا وجود لها على أمل أن نصحو يوما لنجد أن إسرائيل أعطتنا أرضاً ما وسيادة ما تكفي لإقامة دولة ما؟ قد يكون ذلك معقولا. لكن ماذا لو صحونا يوماً لنجد أن إسرائيل قد أخذت كل الأرض وكل السلطات بينما أبقت لنا المراكز والوظائف والوزارات وشارات السيادة كلها على مستوى القول لا الفعل؟ سيكون الوقت قد فات على الإمكانيات أياً كانت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يستدعي ألوية احتياطية لجنوب لبنان.. هل فشل


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يقتحم مخيم جباليا بشمال قط




.. من غزة | مجمع الشفاء يعود إلى الحياة


.. الاحتلال يكثف قصفه المدفعي على المناطق الجنوبية بلبنان




.. مسيرة أوكرانية طراز -إف بي في- تدمر مسيّرة روسية في الجو