الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث سنوات على تفجيرات سبتمبر: مازال الإرهاب مستمراً

علي فردان

2004 / 9 / 11
الارهاب, الحرب والسلام


كان أشبه بالحلم، أو بالكابوس، لم أتخيل يوماً ما بأني سأشاهد فاجعة بهذا القدر على شاشة التلفزيون، وكأنه فيلم من نسيج الخيال العلمي لكن غير معلوم كيف سينتهي. وقتها لم أستطع الجلوس، قمت أتحرك يميناً وشمالاً، لا أدري كيف أصف شعوري، كثير من الانفعال والرهبة. الحكومة الأمريكية اتهمت القاعدة مباشرةً بأنها وراء تلك الكارثة، هذا قبل أن ينجلي غبار تلك العملية الإرهابية المروعة.
قامت الدنيا ولم تقعد، الكثير من المتطرفين في البلاد أبدوا فرحهم العظيم بسقوط البرجين ومقتل أكثر من ثلاثة آلاف إنسان بريء، الكثير منهم يدّعي بأن ذلك انتقام الرب الذي يمهل ولا يهمل، فهم على قناعة بأن ما حدث هو انتقام للمسلمين. رسائل الجوّال هلّلت بعبارات التهنئة والتشفّي والتندّر على الأمريكان "الكفّار" وأن يد "أبطال الإسلام" أو غيرهم وصلت إلى عقر دار "الكفّار والمشركين". البعض وإن كان يعتقد بأن عصابة بن لادن وقفت خلف تلك العملية الإرهابية، إلاّ أنهم أنكروا ذلك متهمين اليهود والصهيونية. السعودية كانت أول من نفى علاقة سعوديين بتلك العملية، ولازال وزير الداخلية السعودي نايف ينكر ذلك، حتى قبل عدة أشهر أكّد في تصريح له بأن الصهيونية العالمية تقف وراء تفجيرات سبتمبر.
ما أن هدأت الزوبعة وبدأت خيوط الجريمة تتجمع حتى ظهر لنا أن من بين التسعة عشر إرهابياً الذين شاركوا في تلك العملية، خمسة عشر سعودياً، العديد منهم كان يستلم مخصّصات مالية من الملحقية السعودية في واشنطن، بل من أموال تقوم بتحويلها زوجة السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان. كلماّ تجمّعت الأدلة لتدين عصابة بن لادن وبدت العصا الأمريكية الغليظة تأخذ شكلها النهائي، كلمّا بدت التحركات الوهابية في حشد جنودها في أفغانستان دفاعاً عن "العقيدة السلفية". بعد أن غمرهم الفرح وتبادلوا التهاني بمقتل الألوف من الأبرياء، بعد أن توقعّوا حدوث بلبلة عالمية بسبب التفجيرات وتغيرات جذرية في أمريكا، لكن ما أن أثبتت لهم أمريكا أنها أقوى مما تخيّلوا، تحوّلوا بقدرة قادر إلى مدافعين عن الأبرياء مندّدين بالعملية الإرهابية نافين تورط المسلمين في عملية إرهابية "مروّعة".
حتى بعد سقوط طالبان ومقتل العشرات وربما المئات من الوهابيين هناك، وحتىّ بعد أن كشف شريط الفيديو تحدث بن لادن عن انتظاره لسماع خبر تفجير البرجين، وحتى بعد النكسة الكبيرة للإسلام والمسلمين بسبب هذه الأعمال الإرهابية التي جرّمت المسلمين جميعاً، مازال الكثير من المتطرفين يدافع عن تلك العملية بأنها شرعية، وأن الإسلام لم يخسر من أحداث سبتمبر شيئاً، بل أسلم "مئات الألوف" من "الكفّار" بعد ذلك. الكذب والنفاق "والتقية" الوهابية بدأت التحرك والتلون استناداً للأحداث وبسرعة وبدت مصطلحات المتطرفين بخلق الأعذار بكلمة "لكن" كما في العديد من المقالات الحالية التي تتحدث عن الإرهاب حيث التبريرات "الغير منطقية" تتناثر هنا وهناك.
فالتيار الوهابي لازال يدافع عن "غزوة نيويورك" وإن كان ينفي ضلوعه فيها، والتيار الوهابي لازال على قناعة بقتل الأبرياء لأنهم يدفعون ضريبة لحكومته، كما يؤمن الآن بقتل وذبح الأبرياء في العراق. دافع التيار الوهابي وبشكل كبير عن عصابة طالبان ومنظمة القاعدة وإن كان علناً في حالة نفي أن يكون قد دعم مادياً "الحكومة الإسلامية الشرعية الوحيدة" على الأرض التي تطبق مبادئ الإسلام الحنيف. بل قام التيار الوهابي بحملة كبيرة أراد منها تحميل الموساد، المخابرات الإسرائيلية، تفجيرات نيويورك، إلاّ أن التيار الوهابي لم يستطع أن ينجح في مهمته خاصةً بعد ظهور شريط فيديو بن لادن الذي حصلت عليه القوات الأمريكية في أفغانستان يؤكد مسؤوليته عن العملية.
اليوم وبعد ثلاث سنوات على تلك الحادثة المروّعة التي كلّفت المسلمين الكثير من سمعتهم وأموالهم وأصبح المسلمون أسوء من على الأرض سمعةً؛ ولم ينته الأمر هنا، بل العملية الإرهابية كلّفت العالم مئات البلايين من حشد مئات الألوف من قوات الأمن والمخابرات في كل مطار ومنطقة حدودية في كل أرجاء العالم، إضافةً إلى تحديث أنظمة السفر وزيادة تعقيدات إجراء السفر والتحقيق والتفتيش وإلغاء الحجوزات إدخال أجهزة جديدة في المطارات وغيرها مما يصعب رصده هنا.
كذلك فإن هذه الجريمة أدخلت القوات الأمريكية غمار المواجهة مع التيار الإرهابي الذي نحن نعلم عنه منذ فترة طويلة، لكنه لم تصل به الجرأة أن يواجه الغرب بحماقته، واعتقد بما حققّه من إنشاء دولة الإرهاب في أفغانستان بأنه وصل إلى قوة حقيقية مما دفعه في أكثر من مرة أن يهدد إيران عسكريا، وهي مهزلة، والنتيجة أن دّكت هذه العصابة الصواريخ والقنابل الأمريكية لتسقطها سقوطاً ذريعاً؛ وكان العراق الخطوة التالية على أجندة أصحاب القرار في شمال أمريكا.
لن نبكي على طالبان، ولا على صدّام، بل ما حصل كان مطلباً شعبياً أفغانياً وعراقياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً. لكن لازال العالم يعاني من الإرهاب الذي لم ينقطع بدمار طالبان ولا بإسقاط صدّام، وإن كنّا متفائلون بالتغيرات القادمة ونرحّب بها. السؤال هو لماذا لا تزال العصابات الوهابية الطالبانية تعيث فساداً في الأرض؟ الجواب في نظري واضح وضوح الشمس، لا تستطيع أن تقتل الأفعى بقطع ذيلها و"تطبطب" على رأسها، فرأس الأفعى ليس هناك في أفغانستان ولا في بغداد ولا في جاكرتا والفلبين والشيشان وأفريقيا والجزائر واليمن والدول الأخرى، بل في الرياض مهد السلفية والتطرف والإرهابي الوهابي.
التيار السلفي الذي يغذّي كل أحداث الإرهاب في العالم يرجع مصدره إلى السعودية، شئنا أم أبينا، كله يؤمن بقتل المخالفين له ولا زال. الأموال التي تغّذي الفكر الوهابي وبناء مراكز الدعوة الوهابية المتطرفة والمدارس التي تغذي الكراهية وتدعو للعنف، وكذلك التي تقوم بطباعة المجلات والصحف الوهابية التوجه، كل ذلك يأتي من داخل المملكة العربية السعودية وبدعم حكومي واضح ومستمر.
عشرة أفراد من العصابة الإرهابية الشيشانية التي قامت بالهجوم الوحشي على المدرسة في بيسلان، إقليم أوسيتيا الشمالي جنوب روسيا هم من العرب وربما سعوديون، والقائد خطاّب الذي قتلته القوات الروسية سعودي، والذي نال "شرف" القيادة بدلاً عنه سعودي أيضاً، والكثير من الإرهابيين في أفغانستان الشيشان والعراق هم من التيار السلفي السعودي وصورهم على المنتديات السعودية، والذين يقتلون المختطفين يتكلمون بلهجة سعودية وكذلك من يقوم بقتال القوات العراقية أيضاً ويفجّر نفسه عند مراكز الشرطة والدفاع المدني العراقيين هم سعوديون.
نحن نأمل مثل بقية شعوب العالم، نأمل بالأمن ونأمل بالحرية والعدالة والمساواة، نأمل بحرية التعبير وحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، نأمل بوجود مجتمع مدني ديمقراطي تكون فيه صناديق الاقتراع هي الفيصل ليتم فيها تداول السلطة سلمياً، نأمل بأن يأتي اليوم الذي لا نسمع عن عملية إرهابية انتحارية تطال الأبرياء المدنيين في أي مكان في العالم أو تفجير مباني ومراكز خدمية إنسانية، أو عملية خطف وذبح وسحل لآدميين. لا يجب أن ننسى تاريخ الحادي عشر من سبتمبر 2001 م فهو رمز لأكبر كارثة إنسانية التي فتحب باب الأمل للإنسانية أيضاً وما حصل في أفغانستان والعراق إلاّ بداية لطريق طويل معلّقةً به آمال الملايين من الشعوب العربية والإسلامية المقهورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معبر رفح محور توتر بين مصر واسرائيل وضغوط لإعادة تشغيله


.. رفح: القاهرة تتمسك بانسحاب إسرائيل...هل يمكن العودة لاتفاق ا




.. شاشة الجزيرة تستحضر آلاف المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة


.. غزة.. ماذا بعد؟| في ملعب من باتت كرة الاتفاق المقترح في خطاب




.. القسام: مخلفات كمين سابق استهدف قوة خاصة إسرائيلية