الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمن والحقيقة والتيه

ساطع راجي

2010 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


هذا العنوان قد يصلح لكتاب فلسفي او رواية غامضة، بل حتى انه يصلح لمسلسل عربي رمضاني مفكك، كما انه يصلح ليكون عنوانا لمسلسل مدبلج سواء أكان تركيا او مكسيكيا، يمتد لعشرات او حتى مئات الحلقات، لكن هذا المقال يتحدث عما هو اكثر تعقيدا من كتاب فلسفي واكثر غموضا من اي رواية مهما كانت تدعي الغموض، وهو يتحدث عما هو اكثر تفككا من مسلسل رمضاني وماهو اطول من مسلسل مدبلج، واذا كان هناك قارئ عابر تورط بالاطلاع على هذا المقال، ويريد المجازفة بمواصلة القراءة، فأنه باختصار سيقرأ مقالا عن الزمن والحقيقة والتيه في تشكيل الحكومة العراقية.
نشرت صحيفة كرستيان ساينز مونيتر في عددها ليوم السبت 9/10مقابلة مع رئيس الوزراء رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي اكد فيه انه سيشكل الحكومة خلال اسبوع، ومضى الاسبوع منذ وعد المالكي ولم تتشكل الحكومة، لا بل لم تتخذ اي خطوة في المسار الدستوري لتشكيل الحكومة، فلم يتم اختيار رئيس الجمهورية ولا انتخاب رئيس البرلمان بل ان البرلمان نفسه لم ينعقد ليستأنف جلسته الفراغية التي حققت لأبناء الرافدين نصرا تاريخيا آخر يستحق ان يوضع الى جانب ملحمة كلكامش واهزوجة "الطوب أحسن لو مكواري"، كما ان المفاوضات الجارية بين الكتل لم تخرج عن مسارها المألوف لتكون في سياق تحقيق وعد المالكي.
لم يكن رئيس الوزراء السياسي العراقي الوحيد الذي وضع سقفا زمنيا كوعد لتنفيذ خطوة ما ثم تبدد ذلك الوعد وتلاشى السقف الزمني، بل انها ليست المرة الاولى التي يتعهد فيها المالكي بتنفيذ خطوة خلال زمن محدد ثم لا ينفذ تلك الخطوة، وهو امر مألوف في السياسة العراقية وغير العراقية، لكن المحير هو هذا التفاؤل المفرط الذي دفع بالمالكي لاختيار مهلة اسبوع لا اكثر لحل ازمة استغرقت اشهر عدة دون حل.
كثير من الساسة ما زالوا يعيشون ذهنيا في مرحلة ما قبل الانفتاح الاعلامي، ولذلك يقسمون وسائل الاعلام بحسب الجهة التي يريدون مخاطبتها، فهم يتحدثون لبعض وسائل الاعلام الغربية متصورين ان المواطنين لن يطلعوا عليها، كما انهم يتحدثون لبعض وسائل الاعلام المحلية متخيلين ان لا احد في الخارج يطلع عليها، ومن هذا الفصل اراد المالكي تقديم رسالة متفائلة للامريكان، ليبرهن لهم ان موقفهم الداعم لتوليه رئاسة الوزراء كان في محله وبذلك يحصل على دعمهم لاسبوع آخر.
ومن حق المالكي كسياسي ممارسة هذه المناورة التي هي في عرف الاخلاق السياسية ناصعة البياض اذا ما قورنت بغيرها من المناورات والالعاب والتحريفات التي يمارسها منافسوه وخصومه.
ما هو مهم هنا، هو انه لا احد عول كثيرا على وعد المالكي هذا وحتى ابسط العراقيين يعرفون ان الازمة اكبر من ان تحل خلال اسبوع، بل ان كل خطوة يتم تنفيذها في مسار تشكيل الحكومة ستفتح الباب على خطوات أكثر تعقيدا، ولذلك صار التفاؤل امرا يتناقض مع الحقيقة في العراق، وصارت الحقيقة والعقلانية تقترن بالتشاؤم، ولهذا ايضا ليس هناك بيننا اليوم اناس كثر يصدقون وعود الساسة والمسؤولين، حتى لو حلفوا بأغلظ الايمان ولو اقسموا بالطلاق والعتاق، لقد ذهبنا بعيدا في فقدان الامل، فقد تراجعنا كثيرا في الاهتمام بالزمن السياسي عما كنا عليه قبل بضع سنوات.
ومثل تفاؤل المالكي هناك وعود وتفاؤل القائمة العراقية فهي تكاد تجتمع او تلتقي بصورة يومية ومنذ عدة اشهر مع بقية القوائم وتتحدث دائما عن تحالفها مع هذه القائمة او تلك وفي النهاية تبدو هذه القائمة وكأنها استسلمت لحظها وعجزها عن كسب اي حليف ومع ذلك لم تسأل نفسها جديا عن اسباب ابتعاد الاخرين عنها.
التيار الصدري يسير ايضا في نفس القافلة غير قادر على تثبيت بوصلته ولا هو متخل عن المسير في نفس الوقت، فبعد ان تحدث التيار لعدة ايام عن مرشح لرئاسة الوزراء من صفوفه مستندا الى مقاعده الاربعين ومعها مقاعد حلفائه في الائتلاف الوطني الثلاثين، أقدم الصدريون على خطوة لافتة عندما توجهوا الى انتخابات داخلية لتحديد مصير اصواتهم وافرزت تلك الانتخابات فوز الدكتور ابراهيم الجعفري لكن الصدريين سرعان ما تجاهلوا نتائج هذه الانتخابات وصوتوا لمرشح المجلس الاعلى عادل عبدالمهدي كمرشح لرئاسة الوزراء عن الائتلاف الوطني في مواجهة المالكي عن دولة القانون لتوحيد مرشح التحالف الوطني، ثم غير الصدريون موقفهم لصالح المالكي ولا احد يعرف الاسباب التي تقف وراء كل واحد من هذه التحولات الصدرية وفيما اذا كان تأييدهم للمالكي هو موقف نهائي ام انهم سيغيرونه ايضا؟.
المجلس الاعلى لم يقدم تبريرا يدعم مطالبته برئاسة الوزراء وهو لم يحصد عددا كافيا من المقاعد تؤهله لهذه المطالبة، فمهما قيل عن الشراكة الوطنية لا يمكننا تخيل القوى السياسية وهي تتجاهل تماما نتائج الانتخابات.
تشكيل الحكومة هو مركز العملية السياسية، ويبدو ان هذا المركز محاط بمتاهة يصعب العثور فيها على الحقيقة كما يصعب فيها ضبط الوقت اللازم للخروج من المتاهة ولذلك فان تحديد مواعيد دقيقة لن تمنح احدا صفة الحزم او التفاؤل قدر ما تمنحه فرصة قصيرة الامد للمناورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 10. June 2024


.. الانـتـخـابـات الأوروبـيـة: مـن سـيـحـكـم فـرنـسـا؟ • فرانس




.. -صفعة- عمرو دياب تتصدر المشهد وليدي غاغا تنفي شائعة حملها..


.. هل تكون مقامرة ماكرون.. جائزة لبوتين؟| #التاسعة




.. صفعة عمرو دياب.. بين القضاء وتوقعات -ليلي عبد اللطيف-!| #منص