الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيروت وبغداد

محمد سيد رصاص

2010 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كانت الصورة الشرق أوسطية في ربيع عام1941 قاتمة أمام رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل،الذي بقي وحيداً في الصيف السابق أمام هتلر بالقارة الأوروبية بعد استسلام فرنسة ونشوء حكومة فيشي الموالية للألمان التي أدارت الجزء الجنوبي من فرنسة والمستعمرات الفرنسية،حيث وصل رومل إلى الحدود الليبية المصرية،وأصبحت الحكومة العراقية برئاسة رشيد عالي الكيلاني موالية للألمان ،فيمالم يعد يخفي الملك المصري وشاه ايران نيتهما للتخلص من السيطرة الإنكليزية والإستعانة بالألمان،فيمايلوِح عصمت إينونو في أنقرة بتكرار مافعله السلطان العثماني في الحرب العالمية الأولى مع الألمان ضد الإنكليز إن لم يقبض فواتير تدفعها لندن كمافعلت باريس قبيل قليل من نشوب الحرب العالمية الثانية في 1أيلول1939عبر لواء الإسكندرونة:رأى تشرشل،في الأسبوع الأخير من شهر نيسان الذي شهد وصول الألمان لساحل البحر المتوسط عبر احتلال اليونان،أن المفتاح أمام لندن من أجل قلب تلك اللوحة الشرق أوسطية هو في بغداد. من هنا،بدأت في يوم 2أيار1941(وحتى اليوم الأخير من الشهر)حرب بريطانية ضد الحكومة العراقية،انطلاقاً من قوات أتت من الهند ونزلت في البصرة بالجنوب وأيضاً من قاعدة الحبانية البريطانية في وسط العراق.كان سقوط بغداد أمام الإنكليز مؤدياً عند تشرشل إلى خطوة ثانية هي في بيروت حيث مقر الجنرال دنتز،المفوض السامي الفرنسي في سوريا ولبنان ،والذي كان موالياً لحكومة فيشي والذي سمح للطائرات الألمانية بإستخدام مطارات تدمر والنيرب(حلب)لنقل المساعدات لحكومة الكيلاني:حصلت هذه الخطوة البريطانية الثانية في يوم8حزيران،أي بعد ثمانية أيام من احتلال الإنكليز لبغداد،عبر هجوم من فلسطين بإتجاه لبنان وسوريا من خلال محاور ثلاثة(الناقورة- مرجعيون- القنيطرة)ومن محور شرقي عبر خط(بغداد- تدمر- حمص).كان استسلام الجنرال دنتز في يوم12تموز،بعد أن وصلت القوات الأوسترالية لقرب أميال ستة من مقر المفوضية الفرنسية ببيروت عبر خط الدامور،مؤدياً إلى مشهد شرق أوسطي جديد لصالح البريطانيين أمكنهم من عزل شاه ايران في يوم26أيلول وتنصيب ابنه واجبار تركية على الحياد بالحرب ثم من فرض حكومة النحاس باشا بالقاهرة على الملك فاروق إثر اقتحام الدبابات البريطانية لقصر عابدين في يوم 4شباط - فبراير1942، قبل أن يشرعوا لاحقاً في هزيمة رومل بالعلمين(23تشرين أول- أوكتوبر1942).
أيضاً،كانت المحاولة من أجل ترتيب شرق أوسط مابعد الحرب العالمية الثانية منطلقة من بلاد الرافدين عبر انشاء حلف بغداد في يوم25شباط1955برعاية لندن(المهجوسة بالحفاظ على نفوذها في المنطقة)وبرضا واشنطن(القلقة من السوفيات وامتدادهم للمنطقة).كانت بيروت من أكثر العواصم العربية اضطراباً بفعل ذلك الحدث الذي أدى إلى صراع مصري- عراقي،وأقل منها في ذلك كانت دمشق التي مالت موازينها الداخلية نحو مصر منذ صيف 1955. أتى هذا الإضطراب اللبناني بفعل عواطف وميول الرئيس كميل شمعون نحو الغرب،الذي اتجه بشقه الأوروبي(وإلى حد أقل الأميركي)نحو مجابهة الرئيس عبدالناصر في النصف الثاني من ذلك العام،فيماكان الشارع المسلم اللبناني بعواطفه مع القاهرة.لم يؤد قرار الرئيس شمعون بعدم الإنضمام إلى حلف بغداد لتخفيف الإحتقان ، وكان اختياره "الحياد"بين بغداد والقاهرة مؤدياً لجعله ناراً تحت الرماد. من هنا،كانت الموافقة اللبنانية على (مشروع أيزنهاور- 5كانون ثاني1957)،عبر البيان اللبناني- الأميركي في 16آذار1957،مؤدية إلى انفجار لبناني أولي في حوادث مظاهرات30أيار1957،بعد أن توضَح مشروع الرئيس الأميركي بوصفه محاولة لترميم وتعزيز (حلف بغداد)بعد الفشل البريطاني في حرب السويس وذلك من خلال انضمام واشنطن للجنة العسكرية لحلف بغداد في ذلك الشهر الذي صدر فيه ذلك البيان اللبناني- الأميركي.كانت تلك المظاهرات نذيراً بقرب انفجار لبنان بين معسكرين محليين،على ضوء ذلك الصراع بين القاهرة وخصومها الدوليين والإقليميين،وهو ماحصل لأشهر عدة أعقبت يوم8أيار1958.في هذه المرة أيضاً،كانت بيروت ولمرة جديدة متأثرة فورية بماجرى في بغداد يوم سقوط الحكم الملكي في14تموز1958،والذي يروي رئيس الوزراء اللبناني سامي الصلح في مذكراته(ص659)يومها سؤاله التالي لنفسه:"أراد الرئيس عبد الناصر أن يضرب لبنان فلم يصب الهدف،فضرب العراق ليستولي على ملايينه وبتروله؟!"،حيث تشارك الرئيس أيزنهاور والرئيس اللبناني في الخوف من أن تكون بيروت هي التالية بعد بغداد في"لعبة الدومينو"،وهو ماقاد في اليوم الثاني لذلك الحدث البغدادي إلى نزول القوات الأميركية عند الشاطىء اللبناني.هنا، قاد اكتشاف أيزنهاور وعبد الناصر السريع لقوة النفوذ الشيوعي في الحكم العراقي الجديد،والذي جمع بين الموالاة لموسكو والعداء للناصرية،إلى اجتماعهما على مرشح تسوية للرئاسة اللبنانية هو اللواء فؤاد شهاب الذي انتخبه البرلمان اللبناني في يوم31تموز1958،ولتكون الشهابية عنواناً لإستقرار لبناني استمر حتى شهر نيسان1969،عندما بدأت نذر انفجار جديد في بلاد الأرز بفعل الإنقسام المحلي حول الوجود الفلسطيني المسلح .
من جديد، حصل شيء قريب من تلك التأثرات بين بيروت وبغداد عندما كانت العملية العسكرية السورية ضد الجنرال ميشال عون القابع في قصر بعبدا يوم13تشرين أول1990على خلفية الأجواء الجديدة التي قادت إليها عملية غزو العراق للكويت في يوم2آب1990الذي أدى وقوف دمشق ضد ذلك الغزو إلى تأمين مظلة دولية – اقليمية كبرى لعمليتها تلك في بيروت. ولكن ،إذا أردنا الدقة،فإن ماجرى في يوم2أيلول2004،أي يوم صدور القرار1559،كان تكراراً كبيراً لوضعية تشرشل في عام1941،حيث كان صدور ذلك القرار الدولي عن مجلس الأمن بدفع أميركي ناتجاً عن الخلاف السوري- الأميركي الكبير حول العراق المغزو والمحتل،ويبدو أن جورج بوش الإبن ،الذي بدأ من بغداد"لإعادة صياغة المنطقة"،قد أراد التثنية من بيروت وعينه على دمشق المتصادمة والمختلفة معه وربما أيضاً طهران التي كانت مازالت على تحالف مع واشنطن في العملية العراقية قبل أن يؤدي استئنافها لبرنامج تخصيب اليورانيوم في يوم8آب2005إلى صدام ايراني- أميركي ساهم بدوره في زيادة الحريق اللبناني اشتعالاً بعد أن بدأ اشتعاله على خلفية القرار1559ثم انقسام اللبنانيين بين معسكري(8آذار2005)و(14آذار2005)،ليكون القرار 1559بداية لمنعطف لبناني كان اعلاناً عن نهاية مرحلة مابعد13تشرين أول1990وبداية لمرحلة جديدة مازالت بلاد الأرز تعيشها لست سنوات ونيِف من يوم صدور ذلك القرار في 2أيلول2004.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن