الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة ال 80 مليون وحكم القائد البالون

محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)

2010 / 10 / 23
كتابات ساخرة


الزعيم الهمام والبطل المقدام فدته النفوس- وكل الفلوس - أعلن مؤخرا ً احترامه لرغبة المؤسسة العسكرية في اعتراضها على ترشيح جمال " ننوس عين سوزان " لكونه مدنيا ً وليس عسكريا ً ... ولذلك سوف يسعدنا -أدام الله مجده وأطال عهده ورزقنا الصبر والسلوان ولا أراكم الله مبارك في عزيز لديكم " بترشيح نفسه هو لمدة أخرى ….فتزدان المحروسة ببهاء مجلسه فوق أنفاسها ، وتسعد بمعاقرته خمر السلطة في جماجم أبنائها مع العائلة المباركة فيرتل الشعب كل يوم ٍ " نحن رعاياك باق ٍ لك الملكوت وباق ٍ لمن تحرس الرهبوت " ( مع الاعتذار لأمل دنقل ) .
وبعيدا ً عن مصداقية الخبر – أي اعلان الجيش هذا الاعتراض – لأن الجيش في مصر تحول من مؤسسة عسكرية مستقلة إلى عزبة خاصة بالسيد الرئيس ، ولهذا من الشواهد ما يفوق الحصر ، واستئناس الجيش من المعلوم عند الجميع واستئصال النماذج التي يميل إليها الجيش من البديهيات ، والسنن التي سنها مبارك ، وكان أبرز أمثلتها الإطاحة بالمشير أبو غزالة في سيناريو ظاهره الترقية وباطنه من قِبَلِه العزل والإقصاء .
أما ما يهمنا فهو الجزء التالي - والذي يعقب على الخبر - فقد أعلن الحزب الوطني أن حسني مبارك هو مرشح الحزب الوطني الوحيد للانتخابات المقبلة ، وهذا يعني بداهة لكل ذي عين تنظر أن عهد بيع الكرامة والمجاعة سوف يستمر فيه المصريون ولا ريب ... فهناك ملايين من العاطلين عن العمل .. أما أطفال الشوارع المتسمون عرفا ً عند كل المصريين بأطفال " الكلة " فقد وصل عددهم إلى ما يفوق المليون في أقل الاحصائيات .. هذا الجيل الذي سوف تسطع شمسه القاتلة بعد سنوات قلائل لتتحول شوارع مصر إلى سيطرة هؤلاء الذين لا يجدون معينا ً ولا سنداً ولا مربيا ً ولا عائلا ً .. منبوذون من الكل ومحتقرون يحملون غلهم على المجتمع الذي نبذهم والشرطة التي تطاردهم " وتقاسمهم " ، وعلى كل شيء .. يتشربون الجريمة يوميا ً ممن سبقوهم في الإجرام فيطبقوها على نطاق أوسع ومطورين إياها في مستقبل مظلم بغيض لهم ولمن يعيشون وسطهم .
إن المهزلة - التي بدأت ببيع القطاع العام بدلا ً من إصلاحه ، وتجديده ، وإحالته للخصخصة وتسليم البلد بجملتها إلى إقطاعيين جدد ( لأكثرهم انتماءات مشبوهة ، وعلاقات غير خفية بكيانات معادية لكل ما هو مصري ، ولكل ما يؤدي لرغد الشعب) يستنزفون مقدرات الشعب ويحلبون ما تبقى لديهم من لبن مختلط بفرث ودم المصريين .
وانتهاب المكاسب التي حققتها حركة يوليو من إصلاح زراعي وتأميم وبناء القطاع العام الذي حقق للعامل فرصا ً حقيقية للعيش بكرامة – لن تتوقف بل سوف تستمر إلى ما لانهاية .. فالأسر الإقطاعية التي كانت موجودة في عهد الملكية قد تم إبدالها بأسر جديدة يعلمها الطفل الصغير في حارات مصر وأزقتها .
إن تولي القائد البالون للسلطة لسنين أخرى يعني استمرار تفشي مرض الكبد الوبائي الذي يموت به سنويا ً مئات وألوف من المصريين ... إن استمرار أبو علاء في السلطة يعني تضاعف عدد المدمنين الذي وصل في إحصائية " مؤدبة " إلى نصف مليون مدمن ( والسائر في شوارع مصر يعلم تمام العلم أن العدد أضعاف هذا العدد ) واستمرار هيمنة المخدرات على رؤوس شباب الشعب المصري الذي لا يجد عملا ً ولا حيلة فيلجأ إليها ليدمر نفسه ، ولسان حاله قائل " بيدي لا بيد حسني " ، وهذا نذير بفقدان مصر لتلك الطاقة المتفجرة التي تملكها – وللأسف لا تحسن استغلالها - وهي الشباب ، وهو كذلك نذير بعودة هذا البلد مئات السنين للوراء ، فتصير فرصة هيمنة السلفيين الأصوليين الظلاميين على عقول الشعب من المسلمات التي سوف تحدث بدون شك أو مراء .
إن تداعي السياسة المصرية الذي وصل لحد الهوان بالسكوت على قتل جنود مصريين على يد الصهاينة مرات عديدة على الحدود المصرية الإسرائيلية ، ورد الفعل المخزي تجاه الجدار العازل وسياسة تجويع الفلسطينيين مستمرة ما دام مبارك في السلطة .. هذا التداعي الذي جعل دولا ً لا ذكر لها في حصيلة السياسة العالمية تستأسد على مصر " مثلما حدث وقت أزمة المياه مع دول حوض النيل " ... هذا التداعي لن يتوقف بل سوف يستمر إلى ما لا نهاية حتى يقوم مبارك الأب بإيصال مبارك الابن إلى سدة الحكم بسلام وأمان لتتحول تهنئة المصريين بالعيد من " عيد مبارك " إلى " يا جمال العيد " .
ومما يغيظني أن ترشيح الحزب الوطني لمبارك لفترة جديدة لا يعني إلا أن الانتخابات القادمة سوف تكون كسابقتها محشوة بالنماذج المعدة مسبقا ً ليركب عليها الرئيس ويدلل رجليه ... ففي الانتخابات السابقة كان هناك مرشح يقرر أنه سوف يهدي فوزه للرئيس إذا فاز بالانتخابات !!!! ، وآخر " وربما يكون هو نفس الشخص لا أذكر " يقول إذا نجح فإنه سوف يقوم بإعادة " طربشة " جميع المصريين ( إعادة الطربوش كغطاء رأس رسمي وهو هدف سامي لا شك فيه لكل مختل عقليا ً ) ، وآخر يقول " إنه فقط ترشح ليستطيع مصافحة السيد الرئيس ".. أما النماذج الجادة فقد تمت الإطاحة بها في أقرب فرصة " أيمن نور وما حدث معه من تلفيق للتهم وسجنه حتى خرج من السجن وهو منهار صحيا ً ونفسيا ً ، ثم نعمان جمعة والإطاحة به من فوق كرسي حزب الوفد " ... قمة التخلف والاستهانة بعقول المصريين وكأن استكمال الشكل الديمقراطي لا يصح إلا بتلك الصورة الغوغائية المفضوحة الشاهدة على أن هذا النظام لا يملك قوته ولا يستند في شرعية إلا من التزوير والضحك على الدقون التي استطالت واستفحلت وصارت تبحث في جنون عن موسى حاد يجزها ويجز رقاب من حكموها
إن ما يدخره لنا النظام الحاكم بإعادة " فرض مبارك " يجعلنا نواصل السير في تلك الدائرة المفرغة التي تم التمهيد لاستمرارها بكمية من الكوارث المتتالية لشغل الرأي العام عن التخطيط للتوريث ... فعلى الساحة كمية من الأحداث لا تقسير منطقي يجمعها إلا أنها صناعة حكومية .
فالتصادمات بين شخصيات مسيحية وإسلامية على الساحة " مظاهرات الإسلاميين بخصوص كاميليا وغيرها ومظاهرات الأقباط المضادة " ( تلك الأحداث التي تورط فيها مستنيرون للأسف ووجدوا أنفسهم يتحيزون لفئة على حساب أخرى ) ، ورفع الأسعار المبالغ فيه لشغل المواطن العادي عن التفكير في شيء إلا بخصوص الخبز اليومي وعدم توازنها مع مدخول الفرد ، وحالة البطالة التي تعم مصر ... مرورا ً بما حصل سابقا ً من تصادم نخبة النخبة وصفوة الصفوة من محامين وقضاة في صورة أشبه بالمهزلة .. لا بخلاف قانوني محترم كالمتوقع أن يكون ، ولكن في صورة أقل ما توصف بأنها حالة من الصلف والتعنت والرغبة في الهيمنة من الجانبين ، وكأنها حلبة مصارعة يفرض فيها القوي سطوته على الضعيف .. لا كسلطة قضائية يمثلها القضاة ، ولا كقضاء واقف يمثله جموع المحامين .
كل تلك الأحداث – والتي تخلقها وتزكيها الحكومة وتصنع من الحدث الصغير جبلا ً لينشغل الجميع ويمر ما هو مقرر ومزمع تمريره - تعلن أن التوريث قادم لا محالة سواء كان المرشح هو مبارك الابن أو الأب .. وإعداد وتلميع جمال أشد وأوضح من أن يتم إنكاره .. ففي سنين بسيطة يتحول من شخص عادي كابن للرئيس ليبرز في الإعلام رويدا ً رويدا ً " على طريقة باسل الأسد " فيحضر المباريات الكروية ، ويشارك في مباريات ودية ومناسبات اجتماعية ، ثم يدخل معترك الحلبة السياسية كعضو في الحزب الوطني ، وبقدرة قادر يتحول إلى أمين عام سياسات الحزب الوطني .. ثم تتوالى الأحداث فيصبح متحدثا ً رسميا ً عندما يقوم بزيارات مكوكية للولايات المتحدة في إعلان للإدارة الأمريكية بأن هذا هو القادم على كرسي مصر ، فيتم قبوله تدريجيا ً من الغرب ، وفي نفس الوقت تبرز شخصيته كسياسي منسق أمام المناخ السياسي في مصر بطريقة " فرض سياسة الأمرالواقع ".
وما زال الشعب ينتظر المخلص المنتظر للتحرك ، ويكتفي بدور " أحمد بدير " الذي مثله في إحدى المسلسلات العربية القديمة كعبيط القرية مرددا ً " هراس جاي " ... غير مدركين أن خلاصهم لن يكون إلا بغضبة وانتفاضة يتحد فيها مثقفو ومستنيرو وقوى هذا الشعب كافة لإزاحة الوريث وأبيه عن قصر العروبة الذي تدنس بسكنى عائلة الفساد قرابة الثلاثين عاما ً .
هل يتم الخلاص بهذا التضافر والاتحاد ؟ أم نظل ك" ديوجين " سائرين بالمصباح في وضح النهار باحثين عن المخلص كما كان هو باحثا ً عن الحقيقة ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال