الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر إختفاء سعيد

محمد أبو هزاع هواش

2010 / 10 / 24
الادب والفن


إنتهى عمل سعيد في محل السيارات الذي إمتلكه مؤخراً في بابيلون، إحدى مدن لونغ أيلاند المقاطعة الواقعة شرق مدينة نيويورك وحان عليه العودة للمنزل للإستراحة، التنظيف والتحضير لنهار عمل قادم من غير شك.

ساعات العمل طويلة وطالما ذكره الظلام بأن عليه أن يعود قبل إنبعاث النور لتصليح السيارات مرة أخرى. يبتدأ نهاره الطويل من الخامسة صباحاً وقت إستيقاظه المعتاد ستة أيام في الإسبوع.

كالألة يعمل. لايأخذ عطلاً أو إجازات مرضية وإنما يشتغل معظم أيام السنة منذ أن أتى إلى أمريكا ستة سنين مضت حيث أتاه الحظ بسرعة بعد وصوله من البلاد فوجد عملاً عند بائع للسيارات أولاًَ ثم إمتلك محلاً لبيع السيارات المستعملة بمشاركة صديق قديم فشل بعد سنة فعمل بعدها في محلات ميكانيك عند آخرين ليمتلك لوحده محلاً الآن.

أتى زبائنٌ في الصباح قدموا له أشياءً للعمل أبقته مشغولاً معظم اليوم على الرغم من التلهيات المستمرة التي أتت من التليفونات المعتادة من الأصدقاء القلائل وأبناء البلد الموجودين معه في الغربة زائد الصاحبة الأمريكية بربارا التي يعيش معها في كوينز، إحدى مناطق نيويورك الخمس، منذ حوالي الثلاث سنين والتي تراقبه ويراقبها بإستمرار بينما علاقتهما تتأرجح بين الحب والكره معظم الوقت منذ اللحظة الأولى للقائهما التاريخي .

شعر بالتعب الجسدي كالعادة لأنه يعمل وحيداً في المحل منذ إفتتاحه مؤخرآ بمساعدة بعض الأصدقاء وبضعة عمليات إحتيال صغيرة هنا وهناك برع بها جداً في حياته التي وصلت إلى منتصف الثلاثينات والتي قادته إلى ماهو به اليوم من "أكل الخرا" كما يسمي الأمور والزمان.

أغلق الستارة الحديدية بعدما أطفأ الألات والأنوار مريحا إياها بإنتظار يوم عمل آخر قادم لابد منه.

أبدأ محرك سيارته البي أم دبليو السوداء اللون وتركها تحمى قليلاً لرحلته القادمة في برد نيويورك والتي تأخذه حوالي الساعة تقريباً حسب زحمة السير يقضيها بشرب البيرة، التدخين، سماع الموسيقى، القيادة السريعة جداً والتكلم على الهاتف.

إبتدأت بالمطر فركض وإشترى نصف دزينة هاينكن باردة، بيرته المفضله، من عند جاره بائع كحول الجملة اليوناني. تمازحا قليلاً كالعادة وجلب للرحلة علبة دخان من المارلبورو لايت .

في سيارته، بحث قليلاً عن موسيقا الرحلة فوجد بضعة إحتمالات وإبتدأ بوضع سي دي عثر عليه فوراً ثم فتح زجاجة بيرة مستخدماً ولاعة سجائره التي إستخدمها أيضاً لإشعال سيجارته الأولى. لم تعجبه الموسيقا ولم تلائم المزاج فبحبش مرة أخرى وعثر سي دي آخر دفشه وإبتدأ بالسماع وأيقن فوراً أن صديقه غسان قد عمله له من كومبيوتره يوم زاره في عطلته مؤخراً والذي شهد مغامرة لاتنسى كالعادة.

*

مع كلمات الأغنية الأولى ونغماتها المتسارعة بعد الموال الأولي عن الحب، العشق واللعب بالكلمات والمعاني أخذ سعيد الطريق المحلي رقم 27غرب إلى 110 شمال ومن ثم إلى 495 غرب السريع الذي إندمج به بسرعة البرق منقضاً حيث أصبح الطريق مفتوحاً أمام محرك سيارته الضخم الدافئ الآن والذي رعد وبدأ يسابق الوحوش الحديدية الأخرى بسرعة محولاً إياها إلى نقط من ماض على اللونغ أيلاند إكسبرس وي.

بعدما إنسجم سعيد مع السير ورتابته بدأ بالبحث عن تليفونه وخابر بربارا في الشقة التي يتشاركانها والكائنة في الطابق الثاني من فاميلي هاوس مملوك من قبل جديها الذان يسكنا الطابق الأرضي. الصاحبة سمراء أمريكية أصلها من الجنوب، والدها ضابط في الجيش الأمريكي من أصول إفريقية طالما عاش بعيداً عنها ووالدتها فرنسية بيضاء توفيت عند ولادتها. عاشت بربارا الوحيدة من دون أخوات مع أهل أبوها اللذان توليا الأمر فجلبوها إلى نيويورك حيث ربيت. تعرف سعيد عليها عن طريق غسان إبن مدينته وصديقه القديم الذي يعيش في بروكلين. يدرس غسان في إحدى جامعات مدينة نيويورك ويعمل هنا وهناك في مهن عديدة وعندما أتى سعيد إلى أمريكا كان من حظه أنه سيكون أول من يتصل به وسيظل بينهما صداقة دعامتها الغربة مع أنهما نقيضان في كثير من الأمور مع أنهما من نفس المدينة، كما يقال. فغسان قد أتى إلى أمريكا ليتعلم ويعمل بينما أتى سعيد ليعمل وينشأ بزنس وليس عنده أي مكان للثقافة والعلم.

*

ردت بربارا على تليفون سعيد بسؤالين حول العمل ومتى سيعود إلى المنزل؟ أجابها سعيد وقال لها بأنه على الطريق، تعبان كالعادة، العمل لابأس به وأنه في تحسن مستمر. سألته عن المدخول فأخذ يخبرها عن أشياء لابد من صرفها على المحل ومدفوعات لكثير من الدائنين. أخبرها أيضاً أن صديقه عبود جعفر الذي يملك محلاً لبيع الذهب في نيوورك، نيوجرزي قد أتى لتصليح سيارته في الصباح وجلب معه الخاتم الذي كان سعيد قد أوصاه عليه وإشتراه ليكون معه أثناء نيته طلب الزواج من بربارا في أحد الأيام المقبلة كما هي الخطة. أسعد هذا الخبر بربارا للتو فهي قد كانت تتوقع هذا الأمر. في الحقيقة، كان عبود جعفر قد زار سعيد منذ عدة أيام وكان الأخير قد أخفى الخبر عن بربارا ذلك اليوم لأنه عندما عاد إلى الشقة كانت سهرانة مع أصدقائها فعاقبها بعدم تفريجها على الخاتم أو إطلاعها بالأمر كله. عندما عادت ذلك اليوم كان نائماً في عالم الأحلام يشخر من التعب.

على التليفون سولف لها قصة، معظمها تجليط، حول ذهابه خصوصاً إلى نيوجرزي لأنتقاء وشراء خاتم لها وكيف أن الأمور تعقدت حتى وجد ضالته المنشودة. بالطبع لم يخبرها بالسعر الحقيقي للخاتم وإنما كبر الأمور وضخمها وجعل من ذلك الخاتم جوهرة المهراجا. أسعدت هذه الكلمات بربارا وصدقته من غير شك. أسعده هذا لأنه فعلاً يحبها مع أنه يكذب عليها في كثير من الأمور. التجليط والإحتيال أساسيان في دمه ودم معظم من أتى من تلك المدينة الشرق أوسطية المحاذية للبحر حيث يتسرب للكلام تشطيحات من غير داعي بينما تسود علاقات مشبوهة دعامتها الإحتيال معظم الوقت. التمنفخ مشكلة عويصة أخرى توجد هناك أيضاً وإذا أدخلت نساء إلى المعادلة فالدراما جاهزة.

مع هذا الحب كله، رغب سعيد بالزواج من أجل الحصول على كرت الإقامة أيضاً الذي أصبح مؤخراً ضرورة ملحة بسبب التشديدات الحكومية الجديدة وخصوصاً بعدما أصبح لديه محل جديد بعد سنين من العمل عند الاخرين. كان الزواج ضروريا لبربارا أيضاً فهي قد أستثمرت مع سعيد الوقت، الحب والحنان زائد العشر آلاف دولار التي أقترضتها من البنك لتساعد في بناء المحل الجديد. عملها لابأس به فهي مخدرة لدى طبيب أسنان وقد قبلت للدخول إلى جامعة نيويورك لدراسة التخدير وأسرة في نظرها شيئ ليس بسيئ. بالطبع كان حبها للسهر وشعبيتها بين أصدقائها بين أسباب عدة تجمعت لعرقلة تلك المخططات حتى الآن لبربارا التي سيصبح عمرها ثلاثين قريباً ولكنها كمعظم الفتيات للزواج مكانة خاصة ومرغوب في نهاية الأمر.

*

قالت بربارا أنها قد طبخت خصوصاً له وأنها سوف تخبر جديها ووالدها الساكن بعيداً بالخبر السعيد. أثلج هذا صدر سعيد الذي كان عادة يغار كلما خرجت وسهرت مع أصدقائها وكان مسروراً لوجودها في المنزل بعد عملها زائد أنها تطبخ له . تحادثا بالحب قليلاً بينما كانت السيكارة رقم إثنين تتسلل إلى بين أصابعه مع زجاجة بيرة جديدة.

أغلق سعيد الهاتف بعد معزوفة من كلام الحب والعشق ورجع إلى الموسيقا:

يام عيون الدبلانة....سمرا لاشو زعلانة
صرتي بتحكي لادئاني... وبعئلي عملتي لوثة
....

هيييييه هييييييييية
هيييييييية هاجر....

تسمع سعيد بطرب مع زجاجة البيرة الجديدة وعندما قال المطرب منادياً الدبيكة وفرقته الموسيقية : "يلا إدعس" قبل قدوم الفاصل الموسيقي السريع القوي الطويل الذي كان ينتظره بسعادة دائما، دعس بقوة على البنزين وزمجرت سيارته السوداء الضخمة القوية وإنتقلت إلي الخط السريع محيلة معظم السيارات المسافرة والمسافرين فيها إلى أحداث من الماضي تطوي المسافات طياً مع أورغ الداعور وصوت وفيق وسعيد يشرب البيرة مطروباً يغني بسعادة.

**
كان غسان في منزله يكتب وظيفة الجامعية بعد نهار عمل طويل كسائق شاحنة عندما أعلن هاتفه سعيد على الطرف الآخر. كالعادة صرخ سعيد قائلاً : "ولاااااااااااااااااااا" فيرد عليه غسان: "ولاااااااااااااااااااااااااااااا."

"شو"
"تعبان"
"وأنا كمان"
"طيب شو في مافي؟"

*
تحادث الصديقان قليلاً.

تواعدا على اللقاء قريباً وخصوصا بعدما أخبر سعيد غسان أن بعض الأصدقاء سيأتوا إلى حفلة سيقيمها المطرب بركات اللحم المشهور. لم يصدق غسان كعادته ماقاله سعيد لأن الأخير معروف بتجليطات لاحدود لها. حاول سعيد تأكيد أن حمدان سامي ورامي هارون سوف يأتون بأقرب مايمكن وستكون تلك الحفلة فرصة للم الشمل ولقاء بعض الأصدقاء القدام. بالطبع شط سعيد في كلامه وإبتدأ بالتمنفخ والتبجح وصرح أنه كان "يشبع حمدان سامي قتلات أيام الثانوية." ضحك غسان وسأل سعيد عن أسباب ذلك، رد سعيد وقال : "لأن حمدان كان بليد."

*
لم يدري سعيد أن غسان قد أخفى أنه يعرف حمدان سامي جيداً ومن غير المعقول مايقوله سعيد عن قتلات أيام الثانوية لأسباب عديدة.
*

أكمل سعيد المحادثة مع غسان وسأله عن سي دي موسيقي آخر. أخذ الصديقان بالتكلم عن الموسيقا وفي سياق الحديث أخبره غسان أنه في المنزل يكتب وظيفته قبل أن تعود زوجته دورين الأمريكية من عملها حيث كان عليهما العشاء سوية قبل سفرها للعمل في ولاية أخرى وأنه سوف يعمل سي دي موسيقا بعد كل هذا. كانت علاقة غسان المتزوج مع إمرأته عكس علاقة بربارة وسعيد حيث كان الحب، الحنان والتفاهم هما سيدا الموقف طول الوقت.

كان سعيد يعرف دورين زوجة غسان جيداً ويعرف علاقتها الجيدة جداً معه ويحسده عليها معظم الوقت. لم يمنع هذا سعيد من سؤال صديقه عن زوجته فأخبره الأخير بأن الأمور هي على مايرام كالعادة. نفخ سعيد قليلاً وأخبر غسان أنه قد تعارك وبربارا الإسبوع الماضي بسبب سهرها مع أصدقائها ولكنه مع كل ذلك يعتزم الزواج بها. أخبره أيضاً بمشاكله الكثيرة.

تسمع سعيد إلى بعض نصائح صديقه غسان الذي كعادته طلب أن تعطى بربارا مساحة، إحترام، تفهم وأن لايتصرف سعيد تحت تأثير الغيرة وحب السيطرة الأناني.

تحادث الصديقان بشكل مختصر مستخدمين رموزاً ولغة مشفرة حول وضعهما القانوني في المهجر فسعيد غير قانوني في أمريكا وبحاجة لتصليح وضعه بينما غسان مقيم بفيزا طالب وقد تزوج من دورين مؤخراً وينوي تصليح وضعه المعقد الذي كان قد تدهور عندما تزوج إحداهن من قبل ليكتشف فيما بعد أنها متزوجة من عشرة مهاجرين آخرين تخدعهم. لم يكن موضوع الهجرة ممتعاً فكلا الرجلين يفضل عدم الحديث عنه فوق الهاتف فلهذا كان الموضوع مختصراً إتفقا فيه على التكلم فيه عندما يلتقيان وجهاً لوجه. . كان لدى كلاهما الكثير من الحذر عند التكلم في ذلك الموضوع.

*

عاد سعيد إلى موسيقاه، القيادة السريعة، وزجاجة هاينكن أخرى مع سيجارة جديدة، وعاد المطرب ليصرخ : "عليهم" قبل الأورغ والطبلة السريعين جاعلاً سعيد ينهب المسافات نهباً بإتجاه بيت بربارا على وحش حديدي يرعد برتابة في مساء بارد.

صف سعيد سيارته في مكانه المعتاد خلف سيارة برباره في مصف المنزل وأكمل زجاجة البيرة القبل أخيرة. جمع ماشربه ووضعه في كيس الورق ثم فتح الزجاجة الأخيرة التي أنهاها بشفة واحدة طويلة. خرج من سيارته وألقى بمهملاته في علبة الزبالة الموضوعة على الرصيف وعاد إلى سيارته ثم قفل بابها وأحضر ماجمعه في يومه من خضروات، مأكولات ومشروب. مر بقرب نافذة الطابق الأول ورأى الجدين يتفرجان على التلفاز فقرع بابهم الجانبي ودخل عليهم فقبل الجدة السمراء الطيبة على جبينها وعانق زوجها الطويل المبتسم الظريف كعادته كل يوم. تمازح سعيد قليلاً مع الزوجين حول مايروه من الأخبار ثم أعطاهم عصير التفاح الذي أشتراه خلال يومه خصوصاً لهما. عرضت عليه الجدة طعاماً رفضه مستعجلاً في طريقه إلى صاحبته التي بالتأكيد قد سمعت صوت محرك سيارته وتنتظره الآن. صرخ الجد وشكر سعيد على الأدوات التي أعاره إياها والتي أستخدمها في تصليح سور المنزل وأشياء أخرى. صرخ سعيد متشكراً وهو في طريقه للطابق الآعلى.

وصل سعيد إلى الشقة ووجد بربارا منتظرة. العشاء جاهز على الطاولة بينما الشموع والزهر يزينا المكان. لبست بربارة للمناسبة فستطاناً أسوداً طالما أحبه سعيد الذي إنبسط وإنفرجت أساريره للتو وعانقها ثم قبلها عدة مرات بينما كانت يده تبحث في جيبه عن الخاتم الذي تلقاه اليوم. كان مسروراً جداً عندما وقعت يده على العلبة تحسسها بيده ثم فتحها ونزل على ركبتيه كما كانت تطلب منه دائماً وسألها إن كانت تقبل به زوجاً لها. أحس أنه في فيلم أجنبي كما قال لنفسه ولغسان فيما بعد واصفاً تلك اللحظة.

كعادتها في مواقف كهذه ترددت بربارا وقالت بأن عليها أن تفكر بالأمر. قالتها بنصف جدية ممزوجة مع غناج وبلادة.

عندما سمع سعيد هذا الجواب إنطبس كعادته وهنا بالطبع لعبت البيرة دوراً بتفييقه عاطفياً.

إنقلبت سحنته. لاحظت ذلك بربارا فرجعت بكلامها وصرخت بأنها تقبل بالخاتم وصاحبه. إختطفت العلبة من يده.
حاولت أن تعيد البسمة إلى الموقف. أدركت بأنها قد أخطأت قليلاً.

قالت له بأنها كانت تمزح وأنها بالفعل تريد الزواج منه ولكن عليه أن يتقدم ويكلم جدها بالموضوع المهم والذي لايمكن المرور عليه مرور السلام. قالت له أيضاً أنها تريد منه أن يتكلم مع والدها في هذا الأمر أيضاً. قالت كل هذا وهي تلين بلهجتها وتلامسه مدغدغة إياه عله يخرج من دائره الزعل التي دخلها والتي قلبت نهاره كله كما قال لنفسه في تلك اللحظة.

كان كلامها وأجوبتها متأخرة قليلاً لسعيد الذي تغيرت ملامحة وسحنته للتو من منير مبسوط إلى قاتم عابس يزم شفتيه عاقداً حاجبيه يلعن أبو الزمان في قرارة نفسه، فإتجه إلى غرفته وإبتدأ بخلع ثياب العمل ومن ثم توجه للحمام وإبتدأ في حف الزيوت والشحوم من على يديه ووجهه وأطلق العنان للمياه الساخنة لعلها تهدء الأمور وتسكن القلق والغضب في داخله. لم يعر إنتباهاً إلى برباراً ومالذي كانت تقوله عندئذ، بل كان قد سرح في عالمه الخاص يفكر، يحسب، يطرح ويلعن قليلاً.

بعد الحمام الساخن الطويل لبس ثياباً منعشة وتصنع إبتسامة ثم جلس مقابل بربارا على طاولة العشاء المزينة بشموع وزهر. أخذت بيده مبتسمة مخبرة إياه بأنها تحبه من أعماق قلبها وأنها سعيدة جداً بما فعله لها حتى الآن. حاول الإبتسام وبالكاد بانت أسنانه عندما سمع ذلك.

إلتهم الطعام الدسم الذي يحتاجه جسمه وغرق في بحر أفكار عميق يري فيه بربارا تتكلم بينما عقله يسرح بين أمور شتى وأصوات تقول أشياء مفهومة لحظة ومبهة أخرى.

بعد العشاء القوي رمى بنفسه إمام التلفزيون ثم أداره للمحطات العربية التي يستقبلها لاقطه. إبتدأ بالتنقل بين المحطات ليرسى على بعضهم لدقائق يعود بعدها للبحث مرة أخرى بينما كانت بربارا على التليفون تثرثر مع صديقتها تنظف ماخلفه العشاء. كان مدهوشاً وتعباناً في نفس الوقت مما أعطى الفرصة لعينيه أن تغلقان وأن يسرح في عالم الأحلام سريعاً.

***

أيقظ منام غليظ سعيد من نومه قبل رنين المنبه فقام وأبدأ الماء الساخن في الحمام ثم عاد وأسكت ذلك المنبه. كان من الواضح نيته الخروج من المنزل أبكر مايمكن فالساعة لم تصل الرابعة وذلك ساعة كاملة قبل الخامسة موعد الرنة المعتادة. كانت هناك طعمة سيئة في داخله من ما حدث بينه وبربارا الليلة الماضية، وكيف تغنجت عليه وجرحت مشاعره بعنادها وفذلكتها المعهودة. تذكر أيضاً بأن اليوم هو السبت وغداً عطلته وعليه ترتيب الكثير من الأمور فإنسل من الغرفة إلى الحمام ثم خرج من الشقة كاللص تاركاً إياها نائمة في أحلامها تسرح مبسوطة من الخاتم لاتدري كم من الكدر قد جلبت لعقليته لاتدري أيضاً أنه قد لمٌٍّ في طريقه الخاتم وعلبته ووضعهما في جيب جاكيته في طريقه خارجاً.

*

كان اللونغ أيلاند إكسبرسوي موحشاً في تلك الساعة من الصباح ولم يكن هناك الكثير من السيارات متجهين شرقاً. لم يتسمع للموسيقا وإكتفى بشرب الدخان سيكارة تلو الأخرى ،القيادة بسرعة والصفن بالحياة وأكل الخرا كما قال لنفسه. نهبت سيارته القوية المسافات نهباً ليصل إلى المحل مبكراً ففتح المكان وأعطى نفساً للآلات النائمة الباردة فنخرت متحضرة ليوم عمل جديد من غير تذمر.

بدأ بالعمل على سيارة كانت قد تركت منذ البارحة لينهي مابها خلال وقت سريع فأخرجها من الكراج وصفها خارجاً. عاد إلي الداخل وإبتدأ بترتيب محلة وعدته وكتابة ماينقصه لأن بائع القطع المتجول لسيأتي اليوم وعليه أن يضع طلبيته الجديدة ويدفع ماعليه. تذكر هذا فمشى إلى البنك القريب منه وأخرج نقوداً وعد مابقي معه من البارحة وعند عودته إلى محله إبتدأ بجمع أرقام ماحصله خلال الإسبوع.

كانت الأرقام جيدة ولكنها لم تكن ممتازة. لم يحبط هذا عزيمته فالزبائن بتصاعد ومدفوعاته لمحلات الجملة التي تمده بقطع الغيار على موعدها في معظم الأوقات. فوق كل ذلك، كان لديه بربارا التي أستدانت لتساعده والتي صرحت له بأنها ستتدين مرة أخرى إن إحتاج فهو زوج المستقبل وشريك الحياة. من حسن حظها أنه لم يأخدها علي كلمتها هذه بل شاركها بالكثير من ماربحه من المحل وإشترى لها هدايا ذهب وبعض الملابس ولشقتها مفروشات وساعدها في الكثير من الفواتير. من الواضح أنه كان يحبها وبالطبع عرفت ذلك ولهذا فالغناج كان طبيعياً هنا وهناك.

كان صاحباً جيداً لها ولكن كل هذا لم يمنع من مشاكل هنا وهناك سبب معظمها الغيرة أو حب السيطرة. في الواقع حب السيطرة هو جزء من الغيرة كما يقول صديقه غسان.

كان سعيد يشارك الكثير من همومه مع صديقه غسان الذي عرفه منذ أيام المدينة الشرق أوسطية التي أتى منها. ساعدت شخصية غسان الذي يدرس التاريخ سعيد على أن ينفتح على صديقه وأن يعتبره طبيبه النفسي الخاص. فوق كل ذلك كان سعيد قد تعرف على بربارا عن طريق غسان الذي كان قد إستقر في نيويورك خمسة سنين قبله والذي كان قد عرفها عندما كان يعمل في محل للأحذية في جامايكا كوينز عندما أتت وأعجبت بالبائع الوسيم المهذب ذو الثقافة الملاحظة. أعطته رقم هاتفها ذلك اليوم وعندما خابرها غسان تحادثا عدة مرات عرفا بعضهما البعض. خرجت بربارا مع غسان لعدة مرات ولكنهما في النهاية لم يكونا مصنوعان لبعضهما البعض فغسان محظوظ مع النساء في نيويورك بشكل كبير وبربارا ليست على مستوى النساء اللواتي كن وراءه كل والوقت، فلهذا فإبتعد عنها وكان صادقاً كعادته فنجح بالبقاء معها كأصدقاء ولهذا وعندما أتى سعيد إلى نيويورك وطلب تعريفه على بعض النساء كانت بربارا موجودة يوما ما من حسن حظه. كان غسان بلابوي خطير حتى قابل زوجته الحالية دورين حيث غير سلوكه وأصبح مستقيماً لايتلاعب بالعلاقة الزوجية مخلصاً كل الوقت يحبها بإخلاص وإحترام. بالطبع كان هذا السلوك محيراً لسعيد المتعود على أهل الشرق الأوسط من الكذابين والمحتالين. تعرف سعيد على الكثير من الناس يقف بينهم غسان مكاناً متميزاً.

عندما توفرت الفرصة ساعد غسان حبيبي المستقبل أن يلتقيا وعلى أن يلتقيا للمرة الثانية حيث من بعدها تواعدا فأصبحا أحباب بسرعة لينتقل سعيد من شقته التي قطنها منذ قدومه من بلده الشرق أوسطي والواقعة في باي ريدج بروكلين إلى شقة بربارا الواقعة في جامايكا كوينز والتي كانت أقرب إلى عمله في لونغ إيلاند في محل ميكانيك مملوك لشخص يوغوسلافي صربي في ذلك الوقت. من محل اليوغسلافي والخطط إبتدأت بالتعشش في مخ سعيد حول الإستقلال وفتح محل لوحده حيث يكون هو المعلم الآمر الناهي. كذلك في تلك الفترة نمت علاقته ببربارا. لم يكن بموظفاً سيئاً عندما كان يعمل عند اليوغسلافي ولكنه كان كسمكة كبرت علي القارورة التي هي فيها وعرفت ماهو محيطها تماماً. خطط لإمتلاك محل ونجح بجمع رأسمال لذلك.

******

صفت سيارة خارج الكراج وخرجت منها إمرأة وطلبت من سعيد تغيير الزيت وإجراء تون أب شامل ثم تركت له مفاتيحها وسألت عن متى سينتهى العمل على سيارتها؟ إبتسم سعيد لزبونته الأولى وأخبرها بإمكانها العودة بعد ساعتين. نظر سعيد إلى ساعة الحائط والتي كانت عبارة عن عقارب فوسفورية فوق سيارة سباق سوداء وعرف بأن الزبونة قد أتت قبل الساعة السابعة موعد فتح المحل عادة. إبتسم ونهض للعمل من جديد وإبتدأ برفع السيارة، لكن عمله قطع بصوت التيليفون. عندما رد سعيد وجد إنها بربارا على الخط الآخر التي سألته عن لماذا غادر المنزل من غير أن يودعها؟ وأنها تريد تمنية يوم منتج جيد له!

كانت المحادثة مقتضبة لكن إيجابية فصوت بربارا ولهجتها سكنا القليل من غضب سعيد الذي أخبرها بأنه سوف يخابرها فيما بعد. سعدت بهذا الخبر واختصرت المحادثة أيضاً لأنه عليها التحضير للذهاب للعمل أيضاً.

*

أتى بائع قطع الجملة وتحادث الرجلان قليلاً ووضع سعيد طلبيته ودفع ماعليه.

*
عاد سعيد للعمل وقبل أن يخلص السيارة الأولى أتاه زبون قديم وترك سيارته للعمل عليها تبعه زبون جديد ترك سيارته أيضاً لأجل تصليحة. عمل سعيد بنشاط ولم يتوقف للغذاء وعندما أتاه طوني متعهد الحفلات حوالي الساعة الثالثة كانت فرصة للتوقف والسؤال بدقة عن الحفلة الموعودة والتي عرف سعيد أنها ستكون في المساء حوالي الساعة العاشرة. كان طوني يريد تصليح شيئ صغير في سيارته فسارع سعيد وتولى الأمر وأعطاه فوق ذلك تغيير زيت ببلاش مما جعل طوني يعد بأحسن طاولة بالسهرة لسعيد وشلته.

قال سعيد بأنه سيأتي مع صاحبته وصديقه غسان وكذلك صديقين من بوسطن. أسعد هذا العدد طوني فأخرج من جيبه دفتراً صغيراً ودون عليه أسماء القادمين. كان الرجلان على صداقة منذ أن إبتدأ سعيد حضور حفلات المطربين القادمين من البلاد حيث كان طوني متعهدا لمعظمهم. تعود طوني على المرور على زبائنه لتذكيرهم بالمطربين القادمين وبيعهم تذاكر زائد دردشة وتحقيق بعض المنافع الشخصية الصغيرة التي تضمن للبعض سهرة جميلة وطاولة ذات موقع إستراتيجي.

رن الهاتف في المحل في منتصف الظهيرة وعندما أجاب سعيد كانت بربارا مرة أخرى بصوت ناعم تسلم عليه وتطريه. كان سعيد في تلك اللحظة مسروراً فالنهار على مايرام ولهذا فأخبرها عن حفلة المطرب وسألها إذا كانت تنوي القدوم معه. أجابته موافقة مسرورة وقالت بأنها ستكون جاهزة عند قدومه من العمل. أخبرها بأن غسان وبعض الأصدقاء القدامى سيأتون أيضاً مما سرها.

إتصل سعيد بغسان وأخبره بموعد الحفلة وكذلك إتصل مع حمدان سامي ومع رامي هارون وأكد عليهما الموعد وسمع منهما أنهما سيكونا علي الموعد في مانهاتن حيث سيقودون إلى نيوجزي. أحس سعيد بأن السهرة ستكون رائعة فالشباب ستجتمع وبركات اللحم سيلقي المواوييل التي ستسقي العطاش والشوق الموجودان في داخله.

*

عمل سعيد حتى إنتهاء النهار وقدوم الظلام وكعادته إشترى نصف دزينة البيرة وعلبة السكاير وقاد بسرعته المعتادة مع موسيقاه المفضلة ليصل إلى المنزل فيسلم على الجدين أولا ثم يصعد لشقته ليرى بربارا جاهزة للسهرة تشرب نبيذاً أحمر تنقرش بعض المازا محضرة له كأس أخده بيده في طريقه إلى الحمام بعدما قبلها لبعض الوقت ليحف الشحم والزيوت مرة أخرى من على جسمه يخرج نظيفاً إلى غرفته ليضع بدلته الرمادية مع قميصه الأحمر وحذائه الأسود اللماع المصنوع من جلد التمساح.

*


في السيارة إلي منزل غسان في بروكلين عبر سعيد عن عدم سروره من فتحة في فستان بربارا تطل منها ساقها وفخذها بالكامل. ظهر ذلك عندما جلست في السيارة وتمنى لو أنه قد إنتبه إلي ذلك قبل مغادرة المنزل. قال لها بأن الناس سيحكون عليه. تمتم قليلاً وهز برأسه. لم تعي مايقول ولكنها زعلت لأنها أحست بالمعنى من خلال الطاقة المنبعثة من توتره.

قدم غسان وغير الجو إلى سرور وتحيات وإنقلبت أسارير بربارا وكذلك سعيد الذي سعد بوجود من يفهم عليه كما صرح فوراً بالعربي معبراً عن سخطه من أمور كثيرة في الحياة أهمها النساء وخصوصاً إمرأة مثل بربارا. ضحك غسان وأجاب بالأنجليزية مما أدخل بربارا إلى المحادثة مغضباً سعيد الذي عبر عن ذلك بالعربي أيضاً.

*
إتجه الثلاثة إلي مانهاتن للقاء حمدان ورامي بعد هذه المقدمة الدرامية.

تغيرت الأمور بوضوح منذ قدوم غسان. إستغل سعيد هذا وتكلم عن الزواج أولاً وعن أهميته. جلب سعيد سيرة الزواج ليقول بأن هناك خاتم في جيبه ونية للزواج من بربارا. تمنى غسان للحبيبين السعادة وقال لهما بأن الزواج من شخص تحبه نعمة وقدم نفسه وزواجه من دورين كمثال على ذلك. سألت بربارا عن سبب عدم قدوم دورين إلي الحفلة فأجاب غسان وأخبرهم بأنها مشغولة جداً بعملها.

*
وصل الركب إلى مكان اللقاء في مانهاتن وبسرعة عانق غسان صديقه القديم حمدان سامي وسط دهشة سعيد الذي حاول رتي ماصرح به من قبل فحاول تذكير حمدان بالقتلات أيام الثانوية. ضحك غسان وحمدان اللذان كانا قد لعبا سوية لأحد الأندية الرياضية ويعرفان بعضهما ومن غير المعقول تصديق ماجلط به سعيد. تسامر الجميع وحاولوا في دقائق ملئ فراغ سنين من الحكايا والأخبار على رصيف شارع في نيويورك. قدم سعيد صديقته التي مأخوذة مع الجو قبلت كلاً من رامي وحمدان على خديهما وإندمجت في الحديث الدائر. تكلم الجمع قليلاً وإتفقوا على اللقاء في مكان الحفلة في نيوجرزي .

تغيرت ملامح سعيد عندما قبلت صاحبته الشباب. لاحظ غسان ذلك وكيف تغير لون سعيد فوراً وعندما عاد معه وبربارا إلى السيارة إبتدأت الدراما.

*
لم يتحدث سعيد لفترة وعندما لم تعره بربارا إهتماماً قطع محادثتها مع غسان سائلاً إياها عن سبب تقبيلها للشباب وعن إذا كانت تعرف أنهم سوف يذهبون ويتكلمون عليه؟ لم تفهم ماكان يعنيه سعيد بإنجليزيته الغير كاملة لكنها عرفت المعنى وإبتدأت بالصراخ ونعتته بأوصاوف غير حميدة. حاول غسان تهدئة الجو وذكر سعيد بأنه منذ عشر دقائق كان يقدم خاتم الزواج لبربارا فما حصل الآن؟ أجابه سعيد بالعربي وقال بأنه "يلعن أبو الساعة اللي تعرف بها على بربارا." كذلك طلب سعيد من غسان إفهام بربارا بخطورة تقبيل الشباب وماهي عواقب ذلك. ضحك غسان ثم صمت هازا رأسه مستنكراً ماقاله صديقه.

ساد الصمت لفترة قصيرة أتجهت به السيارة نحو اللينكولن تنل لتكسر هذه الرتابة بربارا عندما دفشت السي دي وإبتدأ أبو بكر بالقول:

الهوا نار تسري في فؤادي المعنا مالها شي شرر
غير لوعات وأنات الهوى بعد طول الوقت تلقي أثر
عانك الله ياداخل بحور الهوى من غير ديرة وربان

ولعوني وظنو إنني مامعي شي قلب متل البشر
بعد مانفذ سهم الهوى في الحشا قالوا تجنب إحذر
يحسبو انني بأنسى وبأقول ليت العشق والحب ماكان...ماكان

أتت الأغنية في الوقت المناسب وبعد الفاصل الموسيقي الطويل والذي هدأ الأمور كما بدا أخذ غسان بترديد الكلمات مع المطرب:

بعد ماشافني في بحر حبه أسير العشق مالي مفر
رد ونظر بعين العطف من بعد ماكان قلبه حجر
ضمني في خفا الحساد وتبددت مني همومي والأحزان

إبتسم سعيد للمرة الأولى تلك الليلة عندما شاهد صديقه غسان يغني بطرب محاولاً تسليته وتخفيف التوتر. إبتدأ سعيد بالغناء أيضاً ببطء أولاً ثم أخذ يتمايل مع النغم الثري الساحر وفي موجة عاطفية صرح بأنه يحب بربارا. كانت بربارا تراقب الموقف وكانت قد إبتدأت بالتمايل مع الأنغام. إتفق الثلاثة على الإنبساط تلك الليلة فوعد سعيد البقية بأنه سيكون مهذباً فردت بربارا وقالت له بأنها تحبه ولكنها لاتحبه عندما يغضب. في خضم كل هذا أخذ سعيد الخاتم من جيبه وفتحه بحركة مسرحيه مستعرضاً أمام غسان وقدمه لبربارا التي أخذته وقبلته.

أخذا يلعبان ألعاب الحب قليلا بينما كان سعيد يقود سيارته، لكن شهر العسل القصير لم يستمر حيث خلعت بربارا الخاتم وأعطته لسعيد وقالت له بأن هذا يجب أن يتم بعدما أن يتكلم مع جديها ووالدها. قالت له أيضاً أنه ليس بأمكانها قبوله كزوج مالم يتخلص من غيرته وسيطرته عليها.

************

أخذ سعيد الخاتم من بربارا ورماه بحنق متفجر بينما كان يلعن نفسه بالعربي. إصطدم الخاتم بالزجاج وعاد ليضرب بالسقف ويقع محشوراً بين مقعد سعيد والفاصل. حدث كل هذا وسعيد يقود بسرعة جنونية في نيوجرزي بعدما خرج من النفق وحيث أضاع طريقه للحفلة بعدما تبجح بمعرفته للطريق ورفضه للمساعدة من بربارا التي قالت له بأنها تعرف المنطقة جيداً.

إبتدأ سعيد وبربارا بالصراخ وغسان يتفرج صامتاً. لقد شاهدا هذا الفيلم من قبل.

إستمر الصراخ لفترة صغيرة ليأتي بعدها صمت قطعته شتائم سعيد حول ضياعه وفقدانه بوصلة وإحداثيات الحفلة.

****

بعد عناء، شتائم هنا وهنلك، زعل وتضييع وقت وصلت السيارة إلي مرآب الحفلة التي كانت ستقام في قاعة ضخمة من الفندق. إبتدأ سعيد، بربارا وغسان بالبحث عن الخاتم في السيارة ومع هذا إبتدأ سعيد مرة أخرى بعد الهدنة الغير معلنة القصيرة بالصراخ على صاحبته ولفت إنتباه القادمين إلى الحفلة متكلماً عن أمور شروي غروي كما يقولون، أي بلا معنى.

أحست بربارا بالخجل من صراخ سعيد فخرجت من السيارة وأخبرت بأنها ستذهب إلى الحمام وسوف تلاقيهم على باب تذاكر الحفلة. بعد ذهابها إبتدأ سعيد بالندب وأخبر غسان أنه لايعرف لماذا يقيم علاقة مع بربارا؟ حاول غسان، الذي بقي هادئاً كل الوقت، تطييب الأمور فقال لسعيد أن بربارا إمرأة جيدة وتحبه وأن على سعيد أن يفهم أن تصرفاتها هي بنت بيئتها. أخبره أيضاً أنه ليس له الحق بفرض تغييرات جذرية عليها وأن النساء في أمريكا غير النساء في الشرق الأوسط. تمتم سعيد بشتائم وأكمل بحثة المتوتر عن الخاتم.

عثر سعيد على الخاتم وخبأه وأخبر صديقه غسان على أن يكتم الأمر وخصوصاً عن بربارا التي حتى يومنا هذا تظن أن السيارة إبتلعت الخاتم.

لمحه بسرعة ثم وضعه في جيبه. أخرج سيكارة وأشعلها. شتم قليلاً وخرج من السيارة.

ضحك غسان كعادته في مواقف كهذه قد رآها وحضر مثلها من قبل كلما شاهد أو قضى بعض الوقت مع سعيد الذي كانت لديه أعطال بشخصيته أدت دائماً إلي كوميديا كهذه.

****

إتجه الرجلان إلى مدخل الحفلة حيث لم تكن الأمور جيدة من النظرة الأولى ومارأه سعيد جعله يغلي مرة أخرى حيث كانت بربارا تثرثر مع حمدان ورامي اللذان قد وصلا واشتريا تذكرتيهما بإنتظار البقية. كان طوني واقفاً يبيع التذاكر ويرحب بزبائنه وعندما لمح سعيد ركض وأخبره بأن لديه أحسن طاولة للشباب. هدأ سعيد قليلاً وإبتسم وبالطبع تمنفخ ورمى بربارا بنظرة جعلتها تأتي إليه وتحاول تلطيف جوه قليلاً. تابع غسان كل هذه الأمور ومضى ليحادث صديقه القديم حمدان ويستعيدا سوية ذكرى نادي الساحل لكرة السلة وأيام العز كما دعوها. تمسخر الصديقان قليلاً من سعيد وصاحبته مما زاد الطين بلة. قام سعيد وأخذ بيد بربارا وقادها نحو الطاولة التي أشار إليها طوني والتي كان جالساً عليها بعض البشر.

قدم طوني القادمين الجدد إلى من كان على الطاولة الكبيرة والتي بقي عليها بضعة كراسي فارغة ستمتلئ بعد قليل. نفخ سعيد قليلاً وهدأه كون الطاولة في منطقة جيدة جداً وكذلك وجود زجاجة كاملة لهم من الويسكي الأمريكي المدعو جاك دانيال.

*

كان هناك فرقة موسيقية تعزف موسيقا عربية تحمي الجمهور بإنتظار المطرب الذي بدا من الواضح أنه متأخر. ظهر مطرب غنى قليلاً ودبك البعض ولاحظ الشباب إمتلاء مكان الحفلة.

فجأة ومن دون إنذار قدم طوني ومعه ثلاث حسناوات قدمهم أجلسهم في المقاعد الفارغة قرب الشباب على الطاولة ومن ثم قدمهم وذهب لعمله. كانو خطيبة المطرب العشرينية ومعها صديقتان من إسبانيا يلبسون فساتين سهرة مثيرة مع كعب عالي. بسرعة حصلت غوشة بين الشباب غطى عليها ظهور طوني على المسرح واعداً بظهور المطرب المشهور بركات اللحم قريباً. إبتدأت الفرقة الموسيقية بلعب الموسيقا الشرقية ورجع البشر إلى ماكانوا يعملوه.

هنا وفي هذه اللحظة التاريخية ومعطياتها إختفى سعيد المقيت وظهر سعيد الظريف الذي لايخاف وإبتدأ بالمزاح كعادته مع كل من في الطاولة. ساد جو الحبور والتعارف ولعبت الموسيقا لتضيف جواً جيداً. تابعت بربارا كل هذا بينما كان غسان مازال يراجع الذكريات مع حمدان و رامي هارون تاركين سعيد محاولة التكلم مع النساء الوحيدات اللواتي جلبهن الحظ إلى طاولتهم على الرغم من وجود صاحبته. كانت الأمور واضح وبسرعة إلتفت سعيد إلى غسان وقال له هازاً رأسه : "مابعرف ليش جبت هالمصيبة معي." المصيبة في هذه الحالة هي بربارا والتي سوف تشعل الأمور أكثر كلما شرب سعيد أكثر.

سكب سعيد لنفسه كأساً جديدآ وتابع مزحاته وتعليقاته مع الجميع.

****

ظهر طوني على المسرح وقدم المطرب الكبير المشهور بركات اللحم لجمهور متعطش قد مل من الإنتظار معظمه سكران في تلك اللحظة بعد إنتظار طويل وعدد لابأس به من كاسات الويسكي.

قام بركات اللحم بالإعتذار عن تأخره وعزى ذلك لتأخر حفلته في هيوستون تكساس الليلة السابقة. تبع ذلك الإعتذار بحفنة من النكات الغير مضحكة تمسخر فيها على أهل الريف والفقراء بالطبع. شاغب سعيد على المطرب قليلاً مع كأس الوسكي الجديد وحاول سكب كأس لغسان اللذي يبدوا أنه لازال يمزمز كأسه الأول كعادته. شربت بربارا معهم بينما تمنع حمدان سامي المتدين وكذلك رامي هارون الذي بدا أنه متأثر بتدين صديقه الذي يعيش ويعمل معه في بوسطن. ساد الإنبساط على الطاولة وبالطبع ذكر سعيد صديقه غسان بأن حظه تعيس وذلك لجلبه بربارا معه. كانت بربارا في هذه اللحظة مشغولة بالكلام مع رامي وحمدان وعرفت منهما أن حمدان ناجح في عمله ويملك محطة وقود ناجحة في بوسطن حيث أعطى رامي هارون منصب المدير العام براتب جيد، ضمان إجتماعي وتأمين صحي. ساعد كأس الويسكي رقم خمسة سعيد علي عدم رؤية أو إهتمام بما تفعله بربارا لكنه من لحظة وأخرى تمتم شتيمة لها بالعربي سمعها غسان وضحك لها.

***

بعد نكاته التعيسة والتي أظهر فيها المطرب قلة حساسية تجاه الأقليات وأهل القرى، إبتدأ بموال جبلي مسروق من مطرب شعبي أشعل المكان وغير المزاج فوراً. تبع ذلك الموال إيقاعات سريعة عمادها طبل الدبكة الأول ليجعل من مرقص المكان موقع دبكة لابأس بها ستنمو لحظة بلحظة. قفز سعيد وإستغل الفرصة وأخذ بيد بربارا بعدما نظر وغمز صديقه غسان ليلحقه إلى خط الدبكة. لم يتبع غسان الخجول سعيد وإنما تابع محادثته مع حمدان معطياً الفرصة لرامي هارون سائلاً أقرب النساء إذا كانت تريد الرقص.

على ساحة الرقص إختلط الحابل بالنابل، فمن شباب عرب أمريكان متدربون على الدبكة يقرعون أقدامهم بثقة وتوازن مع الطبل ماسكين أيدي بعضهم البعض راصين أكتافهم مشكلين خطاً متموجا لاتقدر أن تحدد مسيره يحاول البعض أن يمسك ويتعلق به، إلى أمريكيات قدموا مع أزواجهم يتمايلون بمتعة مع النغم مع أنهم لايعرفون الرقصة، إلى بعض الأطفال المتروكين من قبل أهلهم في الصالة مزعجين الجميع راكضين بين الأقدام. رقص الجميع وبسرعة فضيت طاولة الشباب لينتقل معظم البشر إلى التمايل مع الأنغام والكلمات. أخذت الدبكة الجميع إلى رحلة مشوقة سيارتها النغم تمشي فوق مشاعر البشر المغتربة.

في خضم كل هذا ومع أغنيات الدبكة المتتالية من بركات اللحم رجع سعيد إلى الطاولة ليحث صديقه غسان على مشاركته الرقص مع الأغنية القادمة ومحاولة التكلم وتطبيق النساء اللواتي شاركوهم الطاولة. ضحك غسان وذكر سعيد بأنه متزوج ولايلاحق النساء. أمسك سعيد السكران قليلاً بالزجاجة وصب لنفسه كأساً كبيراً من الويسكي وعاد ليطلب من صديقه التكلم مع النساء الموجودات بقربهم. رد غسان مرة أخرى وتكلم عن نعم الزواج وعن زوجته التي يحبها. هز سعيد برأسه ورشف من كأسه ودار برأسه ليتفقد بربارا فشاهدها ترقص مع رامي هارون بينما وقف حمدان المتدين الذي لايرقص قربهم يلتقط صوراً تذكارية ببراءة.

**

إنفجر سعيد مرة أخرى عندما وركض بإتجاه الحمامات وعاد بعد عدة دقائق يبدو عليه أنه قد غسل وجهه. كانت الأمور مثل ماتركها: بربارا ترقص في وسط الحلقة وخالد يحاول الرقص معها بينما مازال حمدان يلتقط الصور التذكارية. ركض سعيد إلى بربارا لينفجر لكنه غير رأيه عندما إقتربت منه إحدى الفتيات اللواتي شاركوه الطاولة وحاولت الرقص معه. تجاوب معها ومن حسن حظه أتت الفتيات الأخريات ولعدة دقائق كان سعيد يرقص مع الحسناوات الثلاث يصرخ بلذه مناديا علي حمدان أن يلتقط صور له في تلك اللحظة. غارت بربارا من الوضع وذهبت إلي الحمام وغابت لمدة كبيرة إستغلها سعيد ليرقص أكثر من النساء وليتنمفخ أمام غسان المتسلي بالوضع كله وبالطبع أمام حمدان ورامي اللذان عادا إلى الطاولة مع موعد مجيء العشاء المدفوع سعره مع تذكرة الدخول. كان بركات اللحم، الذي بدأ بإظهار علائم التعب الواضح، بغناء إحدى أغنيات كوكب الشرق:

اللي شفتوا

قبل ماتشوفك عيني

عمري راح يحسبوه إزاي عليا

انت عمري..

***

لم تعد بربارا في وقت ملائم فتوجه سعيد لإستطلاع الأمر بعدما بلع كأس الوسكي بضربة واحدة. كان حظه قد تغير وأصبح صديقاً للحسناوات اللواتي شاركوه الطاولة وبالطبع لم يوقف سيل الشتائم لبربارا وحظه التعيس والزمان الحقير.

***

مضى وقت لابأس به قضاه غسان والشباب بالإستماع إلى المطرب الذي بعد العشاء غير سرعته وإبتدأ بموال جبلي آخر عرف الجميع أن الدبكة قادمة فأتجه الكثير إلي ساحة الرقص فعقدت الأيادي وتساندت الأكتاف ومن ثم أخذت الأقدام ترقع الأرض مع ضربات الطبل على الأول. كان سعيد مختفيا خلال كل هذا ولم يلاحظ الشباب غيابه إلا عندما أتى طوني وكلم غسان وسأله أن يأتي معه لأن هناك مشكلة.

ذهب غسان مع طوني الذي قاده إلي منطقة الحمامات حيث كان سعيد سكرانا كما هو واضح يصرخ أمام حمام للنساء حبست بربارا نفسها بداخله خوفاً وخجلاً من تصرفه الهمجي الواضح. كان يصرخ بالعربي ويتسائل عن ماذا سيحكي عنه الشباب بعد هذه السهرة. للتو، أمسك غسان بصديقه وأوقفه وسأله أن يعود معه إلى الطاولة فورا كي يهدأ الأمور. رفض سعيد التحرك ثم لعن أبو الساعة التي تعرف عليها على بربارا والتي فتحت باب الحمام عندما طلب غسان منها ذلك لتهرب بإتجاه الطاولة مستغلة حماية طوني وحراس المكان الذين تجمعوا لقمع أي طوشة تحصل. تمتم سعيد عدة شتائم وطلب من صديقه غسان أن يخرج معه إلى الحديقة كي يدخن ويهدأ قليلاً.

في الخارج إنفجر سعيد مرة أخرى وأخذ يشتم الزمان وبربارا بالطبع. تسمع غسان قليلاً وحاول تهدأة الأمور فلاحظ أن سعيد يهذي ويقول بأنه سوف يكسر كاميرة حمدان عندما يرجع إلى الطاولة. ضحك غسان في قرارة نفسه لأنه عرف أنه سوف يتذكر هذه القصة لوقت طويل.

عندما عاد الصديقان إلى الطاولة كانت الأمور تسير إلى الأسوأ، فبربارا غاضبة والحسناوات يحضرون أنفسهم للرحيل من دون إعطاء سعيد أيا من أرقامهم مع أنه قد حاول مرات عديدة الحصول على ذلك. في تلك اللحظة قام بركات اللحم بإعلان آخر أغنياته للسهرة وبدأها بموال عرف الجميع ماهو آت بعده فتوجهوا نحو ساحة الرقص لعدم إضاعة أي لحظة من هذه اللحظات الثمينة والقليلة في المهجر حيث يشم هؤلاء رائحة بلدهم الأصلي ويفرحوا بنجاحهم في موطنهم الجديد بلا شك. حاولت بربارا يائسة حث سعيد على الرقص وعندما شتمها ذهبت لوحدها ترقص غير مبالية.

لم يكن سعيد في ذلك المزاج بل مد يده وسكب لنفسه كأسا جديداً من الويسكي لاحظه غسان الذي وضعه بعيداً مبدلاً إياه بكأس من الماء ، وعندما إتجه رامي للرقص مع بربارا ولع سعيد من جديد وأخذ يشتم ثم خرج عاصفاً.

***

إنتهت الحفلة وإبتدأ المطر خارجاً وسعيد غير موجود. إنتظر الشباب وبربارا على الطاولة وعندما لم يظهر سعيد بعد عشرين دقيقة إبتدأو بالأتصال به من غير فائدة بعدما بحث غسان عنه في الحمامات وفي الخارج. أنقذ طوني الموقف عندما أتى وطلب من غسان والجميع أن يأتوا معه ويساعدوه بالتعامل مع سعيد. عرف غسان أن صديقه سكران جداً وفي حالة صعبة.

لم يخيب سعيد الآمل فكان سكراناً جداً يقف بين الأشجار يدخن في المطر يشتم. حاول حمدان ورامي التكلم معه وإخباره بأنه عليهما العودة إلى بوسطن فلم يهتم لهما بل إتجه إلى غسان وسأله أن يقود سيارته إلى نيويورك وسأله أيضاً عن بربارا التي بدا أنها قد إختفت هي الأخرى بعدما طلبت سيارة تكسي. عندما عرف سعيد ذلك إبتدأ بالشتائم من جديد بشدة فما كان من حمدان ورامي إلا التوجه إلي سيارتهما بعدما ودعا غسان ليهربا من هذه الفضيحة. بعد ذهابهما صرخ وسأل سعيد للمرة الألف تلك الليلة عن ماذا سيتكلمون عنه!

***

في طريق العودة من مكان الحفلة نام سعيد وشخر بينما قاد غسان السيارة القوية في المطر متسمعاً إلى الموسيقا يغني بطرب. عندما وصل إلي منزله أفاق سعيد ورفض أن ينام عنده مفضلاً أن يقود سيارته إلى بابيلون حيث إختفى لعدة أيام في محله لايجيب على تليفون أحد ينام داخل سيارته لاعناً أبو الزمان والنساء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05