الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في الوطن العربي

متعب عالي القرني

2010 / 10 / 24
السياسة والعلاقات الدولية


غالباً ما نسمعُ ما تلوكُهُ الألسنُ وتتقاذفهُ الأفواهُ حيال الديمقراطية وأهميتها كسدٍ للخلل والفراغ البيّن في بعض المجتمعات العربية الراهنة. ومع هذة الأهمية الماسة والملحة التي تسلّط كثيراً على الديمقراطية ودورها البالغ في التأثير المدني والحداثي ونقل المجتمع إلى مراتب عليا متقدمة حضاريّة، إلا أن هذا المصطلح لا يزال غامضاً متشابكاً بسبب النقل الأعجمي النصوصي الذي لا تجيده عربيتنا ومتحدثوها اللامجيدون للتعايش مع المصطلحات المصمتة والمتمردة على الاستيعاب كالديمقراطية والتكنوقراطية والثيوقراطية والاوتوقراطية ..إلخ. وهذا الصعوبة قد تدفع عجلة مقالي الأولى إلى التحرك صوب التفسير والتأويل المبسط. فالديمقراطية في شكلها العام ولدى كثيرٍ من المنظرين تتمثل في مشاريع متحررة ذات علاقة بحرية التعبير، وحرية الأختيار، وحرية التطبيق. وهي بإختصار حكمُ الشعب، فالقوة الحاكمة لدولة معينة منوطة برضا الشعب وسعادتهم، سواءً تم ذلك باستفتاء مباشر أو عبر الإنتخابات التمثيلية، حيثُ يتم انتخاب ممثل حزبي في تلك الدولة يتولى زمام القيادة ورَسَن التوجيه الوطني والدولي على حدٍ سواء.

ومن الخطأ بمكان الإيمان والتسليم بأن الدول العربية في غالبها تعيشُ مسيس الحاجة للديمقراطية بغية النمو والإزدهار الحضاري والفكري، فالديمقراطية في الواقع تعلنُ حاجتها ورغبتها في الدول العربية يوماً تلو يوم، ففي نظرها أن المجتمعات العربية أرضية صالحة لزراعة أفكارها وأشكالها بصورة سريعة، وستنمو وتربو سيّما والمجتمع بأسره يطالب بها ويعد بالإحتفاء بوجودها وحضورها. ومع هذا التداخل الميولي بين الديمقراطية والمجتمعات العربية، إلا أن عادة الأنظمة السياسية لا تُخطي مسارها، فكثيراً ما يألفها المتأمل مشحونةٌ بالإشكالات العريضة، فلو تم تطبيق الديمقراطية في مجتمع عربي مُعطى على سبيل التنظير فستظهر الديمقراطية إلى السطح بكنهٍ نقيضٍ ومضاد للأيدلوجيات الراسخة في ذلك المجتمع. فلن تنمو الديمقراطية في المجتمعات العربية القبلية، ويُعزى سبب ذلك إلى قوامة القبيلة على الديمقراطية من جانبين. الجانب الأول يتمثل في أن سياسة الإنتخاب والأختيار الحر التي تروج الديمقراطية لهما لا يتمثل في العرف القبلي كحل مناسب ومكتمل، فمن عادة القبليين بعد وفاة شيخهم على سبيل المثال أن يرث الحكم ابنه ثم يتناقل ويتدافع الحكم إلى أن يبلغ الطفل الوريث، كونه سليل ابيه كابراً عن كابر وقبيلاً عن قبيل! ووجود هذة السياسة الوراثية تجتذر دعائم الديمقراطية من أصولها. ولو فرضنا على سبيل الجدل والمراء أن الشيخ المتوفى مبتور النسل والخلف، فسيلحظ المتابع للوسط القبلي أن اعضاء القبيلة ستحتكم إلى رأي الشعب القبلي في اختيار الشيخ، وذلك بطريقة متضاربة مع طريقة الديمقراطية الشعبية التي تؤمن بحكم الشعب بأكمله، فرغم أن بمقدور الفتاة والشاب – المتجاوزان للحلم – أن يشاركوا في انتخاب الشيخ الخلف، إلا أن الأمرَ سيُقصر في مجمله على جوقةٍ ممن يعرفوا بأصحاب الرأي والحكمة؛ بأعداد خجولة ضعيفة لا تتسق مع رأي الشعب الكامل الذي لا ترتضي الديمقراطية بديله.

أما الجانب الآخر فيكمن في أن القبيلة تساند بعضها بعضا كوحدة وهيئة سواءً على سبيل انتخاب شيخ القبيلة أو ممثل القبائل بأكملها، ولن تخلي قبيلة معينة السبيل للديمقراطية ما لم تكن في مسيرها ودعمها لأحد ممثليها! فإن تم الاحتكام إلى ممثل قبلي لجُملة من القبائل مثلاً، فإن اصطفاء الممثل قد يستعصي على التنفيذ أذ أن كل قبيلة تسعى لدفع قدم ممثلها إلى المقدمة ليفوق الآخر، بصرف النظر عن مكانة ومعرفة وقدر الآخر، وأبلغُ ما يُستشهدُ به في هذا المضمار ما حدث في انتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية، فغالبُ الأمر ميول القبائل عصبةٌ وقوميةً لتأييد ومناصرة ممثلها، وذك على حساب ممثلي القبائل الأخرى.

وكما أن للقبيلة عوامل اعتراضية ومُحبطة لنمو الديمقراطية في المجتمع العربي، فإن الأسرة العربية المسلمة تتتوأم في نظرتها مع القبيلة! فالديمقراطية على الصعيد الدولي والمجتمعي بفئاته وأشكاله ووحداته لا تبلغ وترشد مالم تُطبق كمنهج وسياسة مصغّرة علاوة على المنهج المعتاد. فإذا جنح المجتمع على سبيل المثال إلى تفعيل الديمقراطية كنظام سياسي، فإن عليه أن يفعل دورها في الدولة كهيئة كبرى إضافة إلى الأسرة والقرية والمدينة وغيرها من هيئات صغرى! لأن قدوم الديمقراطية يقتضي قدومها بكل ملحقاتها وعوالقها التي تلغي وتمحو كل ما هو حاضر ومُطبّق حتى وإن بدى في السياق الأسري المنغلق. فالديمقراطية في الولايات المتحدة مثلاً لا تقم بشرعنة الشؤون الدولية والوطنية التي تخص الشعب بأكمله فحسب، إنما تتغلغل لتصل إلى جذور الأسرة بكافة أجناسها لتتضمن مرامي النظام السياسي بأكمله. فتصبح الفتاة على سبيل المثال لها الحق في انتخاب من تناصر وتؤيد دون أدنى تدخل من قبل والديها، بل ليس لوالدها الحق في أن يجدّ في معرفة ميول ابنته وقت الإنتخاب، فقضية الانتخاب تتم بطريقة متوارية محيطها يخلو من متابعة الأصدقاء والآباء. كما يصل مفعول الديمقراطية إلى تعبيد الطريق للابنة لأن تختار معشوقها وزوجها المستقبلي دونما إبداء معارضة أو مقاطعة أبوية، وهذا التصرف يمتنع عن النفاذ في نسيج الأسرة المسلمة التي تؤمن وتلتزم وتتمسك بقول الله عز وجل "فانكحوهن بإذن أهلهن" وقول رسوله صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي" وقوله "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسطلان ولي من لا ولي له"، إلى غير ذلك من أحاديث وآيات تتصادم وتتصارع مع مطالب الديمقراطية الوطنية والفردية! بل أن المرأة التي تقزّم دور الأسرة والولي في قرار زواجها تستحيل لاحقاً إلى وصمة عار على الأسرة والمجتمع القبلي وذلك لخروجها عن نفوذ عاداتها وأعرافها، وبهذا وبغيرها من مطالب أسلامية وعرفيات قبيلة أخرى نخلص إلى أنه لا يوجد جغرافية خصبة ومحروثة لدعاة الديمقراطية لزرع بذور دعوتهم في مجتمع عربي مالم يتحرر منتمي المجتمع العربي من القبيلة والإسلام، واللذان يشكلان في نظري وحدتان مهمتان لا يمكن أن يساوم عليها العربي القبلي الإسلامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة