الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشريعة باقية وعلينا نحن التغيير

علي شفيق الصالح

2010 / 10 / 25
دراسات وابحاث قانونية


ان مرونة علمائنا في الماضي وقدرتهم على إستنباط الأحكام من الشريعة الإسلامية بفكر يسابق الزمن قد أثرت حضارتنا والحضارة الغربية بالمفيد من التشريعات المتطورة التي تدعونا للفخر, وبعضها أخذت منها القوانين الأوربية الحديثة وقواعد التشريع الدولي.
وكان قد تم الإعتراف بهذه الأحكام كمصدر عالمي لمقارنة التشريع والقانون في عدد من المؤتمرات الدولية العلمية, منها مؤتمرات القانون الدولي المقارن في لاهاي عام 1932م وعامي 1937م و 1938م, والمؤتمر الدولي بواشنطن عام 1945م, وشعبة الحقوق بالمجمع الدولي للقانون المقارن, وتمثيل الشريعة في القضاء الدولي ومحكمة العدل الدولية.
كما كان قد اشاد بذلك العديد من الفقهاء الأوربيين ومنهم الفقيه "لامبير أدوارد" الذي قال عن هذه الأحكام في مؤتمر لاهاي لعام 1932م: "أنها عناصر متميزة ولو تولتها يد الصياغة فأحسنت صياغتها لصنعت منها نظريات لا تقل في الرقي والشمول عن أفضل النظريات التي نتلقاها اليوم ", وهذا الفقيه هو من أكبر رجال القانون في فرنســا فـي ذلك الوقـت.
ولا أدري ماذا حل بنا الآن؟ إننا نعيش في نفق مظلم لوجود قصور في معرفة حقيقة الشريعة ولوجود فهم خاطيء للنصوص نتجت عنها قوانين وفتاوى لا تمت بصلة لموروثاتنا الحضارية وتعطي صوراً مشوهة عنها, ونسينا كيف وصلت حضارتنا من رقي في ابتكار أفضل الحلول والمعاملات الإنسانية المتطورة, وكيف كانت خلال عصور عديدة منارة للحق والعدل, تعتبر من روائع التشريع.
نحن لا نريد أن نضعف الشريعة أمام المعاهدات الدولية والقوانين المعاصرة بمواقف قانونية تقلل من شأن حقوق الإنسان أو كرامة المرأة, وهي تنسب للشريعة تجنياً لها بل يغلب عليها أصل من موروثات جاهلية تسيء الى الشريعة والى موقفنا في الأسرة الدولية.
لذلك لا بد من متابعة ما يجد من أحداث واستمرار الإجتهاد والتفاعل مع متطلبات العصر حتى لا ينصرف الناس عن الشريعة. كلنا نريد قوانين عادلة ومحاكم تحفظ حقوق الإنسان وكرامته وتوفر الآمان للجميع.
لقد نسينا بأن أهم ما يميز الشريعة هو أنها تتسق مع سنن الحياة وحركة المجتمع لأن فيها من نصوص ما هو "قطعي" ويشمل الأحكام الصريحة, وما هو "محتمل" ويشمل الأحكام الأخرى التي يحتمل معناها أكثر من وجه, وهذا مجال الإجتهاد.
ولولا المرونة ونمو حركة الترجمة والإجتهاد, لما شهد العالم الإزدهار المتميز للحركة الفكرية في العصرالعباسي وبعده من عصور مضيئة نتجت عنها روائع من التشريعات والأحكام القضائية التي أبهرت الغرب وأخذ منها الكثير.
من المؤسف إننا غالباً ما نفّوت علينا فرص الإستفادة من المهارات القانونية الحديثة في مجال التفسير والصياغة المحكمة والتبويب, نتيجة الخوف دون مبرر من أن تتسرب الى ديارنا القوانين المخالفة لعقائدنا وأعرافنا.
إن ميراث العلوم عام مشترك بين جميع البشر, وان الأمم تتوارث وتتبادل الآراء والتجارب , وما أعظم الحكمة في معرفة ما رآه الآخرون من قواعد ونظم نافعة للبشر, لا سيما ما كان من تجارب أمم أجمع العالم على تقدم العلوم والتدوين لديها.
يؤكد علماء الإجتماع والتنمية البشرية بأن الإنسان لكي يواجه تحديات العصر عليه أن يتسلح بالمهارات اللازمة للمواجهة ويكتشف طاقاته الأصيلة.
نحن بحاجة الى أن نتغير وبحاجة الى إعادة قراءة نصوص الشريعة من جديد دون المس بثوابت الأحكام. وأن السبيل الوحيد لذلك ولمواجهة مشكلات حاضرنا هو "الإجتهاد المعاصر", والذي نقصد به الإجتهاد القائم على أحدث ما توصل اليه الفكر البشري من علوم متسلحين بينابيع الفقه وبأدوات هذا العصر ومفاهيمه العلمية في التفسير والتدوين.
ومن الضروري أن لا تنحصر آفاق إهتمامنا بالاجتهاد وتجديد الفكر القانوني بالمستوى الوطني فقط بل تمتد إلى المستوى الدولي أيضاً، لان التفرقة بين ما هو شأن داخلي وما هو شأن خارجي أصبحت صعبة في ظل التطورات على الساحة الدولية.
لقد حث الكتاب الكريم على الإجتهاد حسب ما تعرض الحياة من أمور متجددة, فقال تعالى "يَعلَمهُ الذين يستنبطونه منهم"( النساء, آية 83), وقال "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"(النحل, آية 43). وقد مهد النبي وأصحابه من بعده طريق المرونة وإستنباط الأحكام (مثل حديث زيارة القبور), والتفريق بين ما هو تشريع وما هو من أمور الدنيا متروك سبيلها للتدبير الإنساني (مثل حديث تأبير أو تلقيح النخيل).
وأفضل وسيلة تناسب هذا العصر, في اعتقادنا, هو اللجوء لاجتهاد الجماعة وهو ما نطلق عليه "الإجتهاد الجماعي المعاصر", ويكون هذا عن طريق لجان ومجامع بأعلى المستويات وبمختلف الفروع, تضم فقهاء وعلماء وخبراء ذوي سعة كبيرة في العلم والتجربة وموثوق بهم بدلاً من الإجتهاد الفردي, وذلك لمتطلبات هذا العصر ولإن تفاعل عدة عقول أفضل من إلهام عقل واحد.
(*) استاذ القانون العام والمقارن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا تبقى الشريعة ؟؟
ياسر السروجي ( 2010 / 10 / 25 - 15:10 )
رأيي أننا نحن الباقون وعلى الشريعة أن تتغير


2 - هل لك ان تذكر لنا امثلة
فواز محمد ( 2010 / 10 / 26 - 09:28 )
عزيزي الكاتب مقال جميل ولكن انت تقول ان الشريعة واحكامها ابهرت الغرب واخذ منها الكثير هل لك ان تذكر لنا امثلة واضحة ومحددة وليس كلام عام في تلك التشريعات التي اعتمدها الغرب واخذت من الشريعة الاسلامية حصريا


3 - أمثلة على تأثر القوانين الغربية بتشريعاتنا
علي شفيق الصالح ( 2011 / 8 / 23 - 00:40 )
أُحي قراء الحوار المتمدن وكل الذين طلبوا أمثلة على موضوع تأثر القوانين الغربية بأحكام الشريعة, وأود أن أقول لهم أنه بإمكانكم الرجوع الى الأمثلة التي ذكرتها في خاطرة حديثة بعنوان -موروثاتنا التشريعية تسابق الزمن والغرب يشهد لها- في الحوار المتمدن 3465, فضلاً عن مقالة بعنوان -لمحات من روائع تشريعاتنا- نشرت في مجلات إلكترونية وفيها أمثلة عديدة أخرى رغم ضيق المجال آملين أن تلبي الطلب شاكرين الحوار المتمدن على نشر الثقافة واحترام الرأي
علي شفيق الصالح

اخر الافلام

.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم


.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #




.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا