الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصرية على الطريقة الموريتانية

عبيد ولد إميجن
(Oubeid Imijine)

2010 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


" قرّرت مراجعة كلّ أفكاري السابقة بل وحتى تدميرها ! "

رينيه ديكــــــــارت.

غداة الانقلاب (الصباحي) على الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله بثت الإذاعة الوطنية عدة برامج (غوغائية) للسخرية من الرئيس المنقلب عليه، ومن تلك البرامج جرت استضافة أحد الوجوه القومية "على الطريقة الموريتانية" ليحدث الإذاعة عن معرفته العميقة بالرئيس المطاح به منذ أيام الدراسة بـــ"الثانوية الوطنية" حيث كان الطلبة العرب يطلقون على الرجل، عدة ألقاب، رافقته طيلة حياته الوظيفية، من بين تلك الألقاب؛ "الشعوبي"، ومن ثمة أسهب الضيف، في تفصيل مواقف مجتمع الرافضين لعودة "الزنيم" إلى القصر الرمادي، وبالتالي عودة الشرعية الدستورية إلى الشعب وفق مطالب الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية آنذاك، ولقد كان، ضيف الإذاعة، مندفعا ومستميتا في إساءاته!!، كان، كالذي يجد الدرب سالكا أمامه ليبلغ الخليقة بأسطورة وجودها؛ وكيف تعرى أصلا آدم أمام أمنا حواء؟ وكيف خرجا من الجنة، دونما رجعة؟؟

كان الضيف مستميتا في سبيل التهوين على نسبة الــ(52%) من الموريتانيين التي انتخبت لأول مرة رئيسها المفضل، وبشكل شفاف، مدعيا وقوع المطاح به في فخ الحنث باليمين الدستوري، والخيانة العظمى للأمة، لكون "فخامته" كان قد ظل على "مازوشيته"، فاصدر المراسم والقوانين ليجبر (الآخرين) على إهانة (أمته)!، و"شعوبي" أخرته الآلهة، للانتقاص من بني جلدته، ليس هذا فقط، فقد أصبح الرئيس "عميلا رخيصا"،-هكذا يقول الضيف (أحمد ولد ابياه)- الذي أضاف، كيف يمكن أن تكون مهووسا بجلد الذات لصالح أعداء الأمة الموريتانية؟ إن لم تكن متواطئا مع "مخططاتهم"؟؟!، أرجوكم دققوا ما شئتم في هراء أقوال ضيف الإذاعة !!

بالنسبة للسواد الأعظم من الناس؛ تكمن في مثل هذا الموقف العنصري، الدوافع الحقيقية وراء انقلاب السادس من أغسطس، وهو اعتقاد عارم، بحيث لم تتمكن وسائل الإعلام الرسمية من زحزحته في قلوب الجماهير، كما لم تفت خطابات الكراهية - كما يتصور البعض- من عضد الساعين إلى ذلك الفهم، ثم إن المزاعم التي جرى تسويقها آنئذ كالانسداد السياسي داخل المؤسسات الدستورية!، و إنقاذ موريتانيا من هاوية سياسة تحالف "الشر الجهنمي" على حد تعبير سياسي آخر !!، وقد تلقفت وسائل الإعلام و المواقع الالكترونية هذه المزاعم دون التدقيق فيها و ظلت ترددها على مدى السنتين الماضيتين وبصورة مثيرة للشكوك.. لقد لوحظ أن أكثر من يردد هذه المزاعم هم أناس مرتبطون بفئة (البيظان)، التي تتحكم منذ الاستقلال في مصير الدولة كما تسعى جادة للإنابة عن باقي الفئات على مستويات اتخاذ القرار في دولة لما تقف بعد، على "خمسينية" تأسيسها الأولى.

ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن هذه المواقف ليست وليد فورة عنصرية، أصابت المثقفين والكتاب والصحفيين، خلال حقبة معينة، بل هو مسار متواصل، منذ بدأ الجيش يتدخل في السياسة، وإدارة الشأن العام، أي منذ العام 1978،إن مصدر قلقنا يكمن في تلك النهاية الوخيمة التي تعرضت لها بلدان ودول شبيهة بالحالة الموريتانية، كساحل العاج، والصومال واليمن، مع جزمنا بوعورة تنفيذ المخطط وتهالك الدروب والمسالك المؤدية إليه على الصعيد الاجتماعي، على الأقل، إن إعادة الحسابات يقتضي إيجاد جواب للسؤال: كيف يمكن لأمة ما أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام إن لم تتخلص من هذه العقليات الديماغوجية؟

هناك حقيقة بسيطة يعرفها الجميع، ويحاجج بواسطتها الأوصياء على الوطن، وهي أن الدولة قد سنت على المستوى النظري ثلاث دساتير لضمان قيام المساواة بين المواطنين، وتحقيق العدالة فيما بينهم، مع تعهدها الدائم بتربية الأبناء على قيم المدنية كــ"المواطنة" و"الديمقراطية" و"المشاركة في الاقتراع"، وفي ذلك نسف نظري لما يذهب إليه، أمثالنا، ومن المحزن أن يحاول البعض جاهدا –لاعتبارات انتهازية- إجبار التجمعات (كبات) وكانتونات (آدوابة) الطبقات المحرومة وغير المتعلمة، على القبول بلائحة الدساتير تلك، بعدما ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، وزوحموا في معاشاتهم وأقدارهم، فما بقي لهم غير البؤس والتهميش، خارج محيط الزمن.

إنه لمن الجدير بالذكر، القول بأن موريتانيا وهي تتكون من أربع قوميات أساسية هي (العرب و الزنوج، البربر والحراطين)، لا تزال عصية اجتماعيا، على الاتحاد والانسجام، ففي هذه الشرائح و العناصر تتكامل التناقضات والفجوات، حيث تستأثر المكونة العربية- البربرية بكامل الامتيازات دون السواد الأعظم من الشعب الموريتاني، الذي أصبحت شرائحه مجرد جزر في مجتمع موازي لما تصله بعد عوائد الأرض والحضارة، مما يجعل، من نظرية المساواة التي يقرها الدستور، فكرة جوفاء، لا قيمة لها، على ارض الواقع، وللتدليل على فظاعة تلك الفجوات والتناقضات ، يكفي ذكر التورط المباشر للدولة نفسها حيال النزاعات العرقية والقبلية، عموما، وخاصة منها تلك الناشئة عن الملكية الجماعية للأرض من قبل القبائل العربية، وبالموازاة مع ذلك، لم تبذل الدولة الموريتانية طيلة عمرها السياسي جهدا للقيام بدور حاسم إزاء تفشي العبودية، وحالات الاسترقاق التي يراد لـــ1 مليون ونصف حرطاني دون غيرهم البقاء رهينة لها مع خاصيتي الصمت والنسيان، وفي الوقت عينه، يتحتم علينا عدم إغفال الدور المباشر للدولة ومحرضيها القوميين خلال سنوات الجمر والنار(1987 وحتى 1991) ضد مواطنينا الزنوج، لقد أحدثت هذه المواقف شرخا عميقا بين الأعراق والشرائح الموريتانية المهمشة و الدولة الموريتانية المنقادة لفئة واحدة من المجتمع، و لم تدرك إلى اليوم هذه الفئة المهيمنة رغم أقليتها الديمغرافية، الحساسية العميقة التي تكتنف مشاعر لحراطين والزنوج إزاء الانتهاكات التي وقعت عليهم، حتى غدت الكراهية والبغضاء شعار الجميع، كما ينبغي أن يدرك (البيظان) بأنهم و بسبب حساباتهم الخاطئة قد فقدوا حليفا مهما على الساحة السياسية والاجتماعية.

و بالتزامن مع استفحال هذه الظواهر، تقف الدولة ضعيفة وعاجزة عن تذليل تلك المعوقات المتعددة التي تعترض الانسجام الاجتماعي بين المكونات الوطنية، ربما لأنها "تتحمجة" لبعض تلك المكونات، أو لأن الأغلبية المغيبة لا تشكل لها تهديدا على المدى المنظور!، وفي ذلك أيضا تتكشف مواقف وحسابات خاطئة، وغير محسوبة العواقب!، إنه من الضروري لفهم طبيعة التوترات الاجتماعية المرور بهذه الملحوظة، غير القابلة بحال للدحض، والتي توضح كيف، تشرع الدولة الموريتانية في إعداد الميزانيات، ومشاريع الدمج الاجتماعي، وكيف تم رصد مبلغ 2 مليار من الأوقية لصالح مشروع اجتثاث الاسترقاق، دون أن يستفيد منها عبد أو أمة مهما كانت وضعيته، أو موقعها، ثم يعين لتسيير المشروع (الكبير) – دون خجل - أحد أبناء أسرة تمتلك الرقيق إلى يوم الدين هذا !!!، وعلى صعيد مواز، تعمل الدولة بحيلها الخاصة، ومن خلال وكالة دمج وإعادة اللاجئين الموريتانيين، إلى تنظيم عودة مشرفة وآمنة للزنوج إلى ديارهم القديمة، تحت رعاية الــ (UNHCR) وقد جرت أجزاء من تلك الترتيبات، ولكن الدولة نفسها هي التي تتدخل حاليا ببلدية دار البركة (لبراكنة) بقراها (47) العامرة بالزنوج ولحراطين من أجل منح الأرض وتجريف المزارع، وتشريد السكان لصالح عيون مستثمرين سعوديين، ودون استشارة السكان الأصليين، أرأيتم كيف تقوم الدولة الموريتانية بدمج وتجهيز المجموعات الهشة (Vulnérables) من مواطنيها؟، ذات مرة، سئل الرئيس الأمريكي ((ليندون ب. جونسون))، كيف يستطيع تجهيز شعبه، فأجاب: "فقط لا يكفي فتح أبواب الفرص، بل يجب أن تكون لمواطنينا كلهم القدرة على عبور تلك الأبواب".

وسيتواصل الجواب على السؤال : كيف يمكن لأمة ما أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام إن لم تتخلص من هذه العقليات الديماغوجية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل