الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صمتوا حين كان الكلام واجباً

نوال السعداوى

2010 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ما هذه الظاهرة الغريبة؟ أن يحتل شخص منصب الوزير لعدة سنوات، يشارك فى فساد الحكومة، بالصمت على الأقل، فيستمر الفساد والسرقات ونهب أموال الشعب المصرى، ثم يكافأ الوزير أو الوزيرة بعد الخروج من الوزارة بمنصب مرموق فى بنك كبير أو مؤسسة ضخمة، أو الأمم المتحدة فى نيويورك أو جنيف أو بيروت أو فيينا، يتحول إلى رجل أعمال يربح الملايين، ثم بعد سنوات من المتعة والمكاسب له ولأولاده وأحفاده، يطرأ له فجأة أن يشارك فى الحملة الإعلامية ضد فساد الحكومة، ويصبح من أقطاب المعارضة المصرية وبطلاً من أبطالها، وقد يرشح نفسه فى انتخابات البرلمان أو الشورى أو رئاسة الجمهورية.

قرأت فى الصحف خلال هذا الصيف ٢٠١٠، تصريحات خطيرة أدلت بها وزيرة سابقة للتأمينات والشؤون الاجتماعية، قالت إن الحكومة استولت على ٤٣٥ مليار جنيه مصرى من أموال أصحاب المعاشات لدعم البورصة، وسد العجز فى الميزانية، وقالت إن الحكومة لم تسمح لها أثناء توليها الوزارة أن تفعل شيئا لمنع هذا العمل غير القانونى بل غير الدستورى؟، لم تكشف الوزيرة وهى فى منصبها عن هذه الجريمة، هذا النهب الحكومى لأموال الملايين من فقراء الشعب المصرى، العجائز الذين يعيشون على معاش ضئيل لا يكفى لسد الرمق؟ لماذا سكتت كل هذه السنين؟ بعد خروجها من الوزارة حصلت هذه الوزيرة السابقة على منصب سفيرة ثم على منصب كبير بالأمم المتحدة.

قابلتها فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى، كانت تعمل حينئذ بإدارة المؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية بالجيزة، أعجبتنى شخصيتها المستقيمة المساندة للحق، لعبت هى دوراً فى تسجيل جمعية تضامن المرأة العربية الدولية بوزارة الخارجية، كما أنها تحمست لإنشاء الاتحاد النسائى الذى شرعت فى تكوينه، مع مجموعة كبيرة من النساء والشابات المصريات والجمعيات، شجعتنا الوزيرة حينئذ، وكانت مختصة بالجمعيات الأهلية، فى مكتبها بالوزارة وهى وزيرة سلمتنى قائمة بأسماء وعناوين الجمعيات النسائية فى مصر، للاتصال بها للانضمام إلى الاتحاد النسائى، وفعلا اتصلنا بهذه الجمعيات التى تحمست للمشاركة، واستمر النشاط ليل نهار، انضمت الكثيرات من الشخصيات والجمعيات النسائية، قدمنا جميع الأوراق المطلوبة لتسجيل الاتحاد، ثم حددنا موعد الاجتماع العام لإعلان إشهار الاتحاد النسائى المصرى،

فوجئنا قبل موعد الاجتماع بيوم واحد بالصحف الحكومية، على رأسها جريدة «الأهرام»، تنشر تصريحا بلسان الوزيرة تقول فيه إن هذا الاتحاد النسائى غير قانونى، دهش الجميع، لم نفهم السر فى الانقلاب الطارئ فى موقف الوزيرة، حتى التقيت بالصدفة بإحدى القيادات النسائية فى الحزب الوطنى الحاكم، فقالت لى: السلطة العليا لا تريد اتحادا للنساء ينشأ بطريقة شعبية، إنهم يؤسسون الآن بديلا للاتحاد النسائى تحت اسم المجلس القومى للمرأة، وفعلا لم يمض وقت طويل حتى نشرت الصحف الكبرى الخبر العظيم عن تكوين المجلس القومى للمرأة برئاسة السيدة الأولى.

لم أفكر فى عتاب الوزيرة أو محاسبتها على ما فعلته مما يخالف الضمير الحى، وقد علمتنى التجارب السابقة أن المسؤولين الكبار، نساء ورجالا، يغيرون مواقفهم بغتة، حسب الأوامر العليا التى تصلهم بغتة، لا يملكون إلا الطاعة، حفاظا على المنصب أو خوفا من العقاب، ثم فوجئت بعد بضع سنوات برسالة تأتينى بتوقيع السيدة المديرة التنفيذية الأعلى لمنظمة «الأسكوا» بالأمم المتحدة (إنها الوزيرة السابقة التى تنكرت لوعدها معنا)، تدعونى لحضور مؤتمر نسائى دولى يعقد فى بيروت، دهشت كثيرا، كيف نسيت الوزيرة ما فعلته مما وأد الاتحاد النسائى فى مهده؟ هل ضميرها بدأ يؤنبها؟

أنا بطبيعتى متسامحة، بشرط الاعتذار وعدم تكرار الخطأ، لكن السيدة الوزيرة لم تعتذر، فأرسلت إليها برقية اعتذرت فيها عن تلبية دعوتها لحضور المؤتمر.

هذه قصة واحدة من قصص كثيرة معروفة، يكفى أن تكون وزيرا أو صاحب نفوذ أو مال كثير حتى تتنكر لوعودك أو تنكل بآخرين يعجزون عن محاسبتك، وكم نجا من العقاب أصحاب السلطة والمال، فى ظل عرف مراوغ وقانون مزدوج، يحمى الأقوى ويحبس البرىء.

ما أدهشنى هو الصفحات الكثيرة التى نشرت بلسان هذه الوزيرة السابقة تكشف فيها عن فساد الحكومة أثناء كانت فى منصبها، لماذا لم تتكلمى حينئذ؟ قالت: قدمت استقالتى لكن الحكومة رفضت إعلانها، لماذا لم تعلنى أنت بنفسك عن استقالتك؟ هل فرضوا عليك البقاء فى منصبك رغم أنفك؟ هل فرضوا عليك الصمت رغم أنفك؟ هل يتم استغفال الشعب إلى هذا الحد؟ لكن معارضة الحكومة أصبحت موضة؟ أو سلعة فى السوق الحرة؟ (مثل الأصوات فى الانتخابات يتنافسون عليها)؟ لا تكلف المعارضة الوزراء السابقين شيئا إلا الكلام الثورى، ونشر صورهم فى الإعلام باعتبارهم أبطال المعارضة؟

يبدو أن كل شىء أصبح مباحاً، ومعروضاً للبيع فى السوق بما فيها المعارضة؟ تم إقصاء المعارضين الحقيقيين، الذين عانوا القهر على مدى السنين، حرموا من المناصب والمكاسب، تم تشريدهم وإفقارهم وتشويه سمعتهم، أو حبسهم ونفيهم إلى الداخل أو الخارج، أصبح على هؤلاء المعارضين الحقيقيين أن يتعففوا عن التنافس فى سوق المعارضة السداح مداح، حيث يتبارى أصحاب الملايين أو البلايين فى نقد الحكومة، كأنما لم يكونوا جزءا منها. كثرت المقالات عن الفساد والفقر والمرض بأقلام كانت من أهم أسباب الفساد والفقر والمرض، كيف ينسى الناس الماضى القريب، كيف ينسى المسؤول السابق صمته الطويل؟ وأمواله الطائلة التى كسبها على مر السنين داخل الحكومة وخارجها ؟

كيف يصدر حكم القضاء ضد واحد من الكبار المتورطين فى الفساد، ثم تدفن القضية حتى ينساها الناس فيخرج إليهم بوجه جديد برىء، كم مرة تكررت هذه القصص؟

ذاكرة الشعب المصرى ضعيفة، فالذاكرة خلايا فى مخ الإنسان، تضعف بالفقر ونقص الغذاء واليأس والحزن والإرهاق، لا يذكر الشعب المصرى وجوه حكامه الموتى.

ولماذا يذكر شيئا مؤلما؟ من الطبيعى أن ينسى الإنسان الآلام، وإلا كيف يعيش ويحتمل الحياة؟ ينسى الفقراء ذل الفقر، وينسى الحكام فحش الثراء، كلاهما ينسى، الفقر مؤلم إلى جوار الثراء، الثراء الفاحش عار وخزى إلى جوار الجوع القاتل، أما الاستبداد السلطوى فهو قمة الخزى والعار، فى نظر شعب معدوم السلطة.

بعض الناس يقولون: كل إنسان يخطئ، الله يغفر للناس خطيئتهم فلماذا لا نغفر أخطاء البعض منا؟ وهل نحن منزهون عن الخطأ؟ والشعب المصرى طيب القلب ينسى الإساءة أو يغفرها لمن يعترف بالخطأ ولا يكرره.

لكن إذا لم يعترف الإنسان بالخطأ؟ وبدا كأنما لم يخطئ، أو أنه يكرر خطأه دون خجل أو حياء؟ كما يحدث مع هؤلاء المسؤولين الكبار، لم أقرأ لأحدهم اعترافا بالخطأ، يلجأون إلى التبرير والتأويل والتمويه، يخرجون أبرياء بل أبطالا فى سوق المعارضة، وتغرق الحقائق فى المراوغة والضباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صمٌ بكمٌ عميٌ
امية اسماعيل آل اسماعيل ( 2010 / 10 / 26 - 10:16 )
يقال ان كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ، ، فعملا بهذة الحكمة الراقية طبقها هؤلاء حرفيا لنيل المزيد من الذهب ، فالفضة اتية لا محال
ويقال في علم النفس ان من الذهول تخرس اللالسن ، فهؤلا من هول ما سمعوا او تفاجؤا من اخلاق غير حمدية لتصرفات القليل من اصحاب المصائب نقصد المناصب صمتوا لحين فك العقدة تكلموا
اتمنى من سيدتي الكريمة نوال لو ارسالها على ايميلها او تراسلني على ايميل
اكون ممتنة


2 - أيها الوطن كم من الجرائم ترتكب على أرضك!!
رجـاء أبو السعود ( 2010 / 10 / 26 - 12:25 )
أعتبر ما ذكرتيه أختى العزيزة يتكرر بصورة مماثلة أو بوتيرة متسارعة ليل نهار فى كل شبر من أرض هذا الوطن الذى أصبح ينوء بالفساد ويتخم بالإفساد ممن أخذوا على عاتقهم أن ينتهكوا حرمات هذا الوطن ومن يقيمون على أرضه!!
اليوم وبعد أن أعلن الوزير الهمام والفنان القدير أنه لن يسمح بعودة من قدم ذبيحة على أعتاب وزارته بحجة التقصير والإهمال،ولن يعود هذا المقصر إلى ماكان يتبوء من مكان،نرى أن المياه قد عادت لمجاريها إثر قبلات يكاد القاصى والدانى يسمع أصداءها تعلن زوال القطيعة مما يؤكد أن ما حدث كان تصفية حسابات شخصية ليس إلا،وأن مصلحة الوطن الحقيقية لاتهم،أو أنه لاشئ يهم على إطلاقه؟؟
سرقة ،نهب،إختلاس،بيع أصول كافح الشعب كثيرآ من أجل إقامة كيانها،بيعت،ونهبت دراهم معدودة قيل أنها كانت ثمنآ فى مقابلها،ثم كوفئ من عبث بأقدار هذا الوطن بجلوسه على كرسى بنك ما وهو ليس بمتخصص فى المحاسبة أو المراجعة بل هو منصب شرفى ليس إلا؟؟
من الذى يتحمل نهب أراضى الدوله فى عهد الوزير الهمام الذى هو دولة داخل الدولة بجبروته وعنفوانه؟؟
كل هؤلاء فى سلة واحدة يجتمعون على كلمة سوء هى ذبح هذا الوطن!!بئس الرجال


3 - يبقى سؤالي من السبب ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 10 / 26 - 20:25 )
خالص تحياتي لك سيدتي الفاضلة الدكتورة نوال السعداوي مع التقدير ... فمشكلة الفساد في بلداننا قد غدت أخر أمراضنا لأن الكل مصاب بها من رب البيت نزولا للسفير والغفير... ولكن يجب البحث عن السبب ليبطل العجب فمشكلة الفساد عالمية وأزلية ولكنها في كل البلدان تبقى نسبية ... ويحاسب من يكتشف ولو كان رئيسا للجمهورية ...لا أن يكرم ألأطرش والأخرس والأعمى على حساب القضية ... وشريك الجريمة مكرمة ورتبة وترقية ... ويبقى السؤال سيدتي أين مثقفينا وحماة القيم من معممينا أم أن الحشر مع الكل عيد مع التي واللذينا ... تحياتي


4 - كلهم سواسية
ميس اومازيــغ ( 2010 / 10 / 26 - 21:25 )
مفكرتنا المبجلة تقبلي تحياتي و بعد/ان هده الظاهرة لا تقتصر على مصر الحبيبة وانما في كل ربوع شمال افريقيا ,بلاد الساحل والشرق الأوسط وغيره هؤلاء المنافقين من امثال الوزيرة المدكورة كثر ان لم اقل هم كل مسؤولينا.هؤلاء الدين يتغاضون عن النزهاء ولا يريدون لهم ظهورا.لك القصة.
محمد بن عبد الكريم الخطابي رمز المقاومة المغربية الذي قال احدهم للفلسطينيين وقد جاؤوه لتعلم فنون حرب العصابات ان اننا نحن تعلمناها من محمد بن عبد الكريم الخطابي هذا دفين مصر الى الأن ولم يكلف مسؤولونا عناء انفسهم لنقل رفاته الى الأرض التي ناضل من اجل تحريرها ودلك مخافة من اظهار نقائصهم. ان محمد هدا سبق وجائه الحسن الثاني الى مصر وقت كان اميرا ولم يكلف نفسه اعداد وجبة غداء تليق بالأمير و انما فولا مدمسا فقط انه التواضع الذي ينم عن قوة الشخصية لا نفاق و لا تملق. والعكس ما اظهرتة الوزيرة بل وما يظهره مسؤولونا كلهم وبدون استثناء
تقبلي تحياتي


5 - الصمت .. كان ولم يزل
سهيل حيدر ( 2010 / 10 / 26 - 21:34 )
متى ، سيدتي ، تكلم الضمير العربي عموما ليقول كلمته مشفوعة بحمل عصى التغيير ، لا منافقة سلاطينه ، حتى يقال عنه بانه صمت في وقت كان الكلام فيه ضروره ؟ .. اصواتكم انتم من تحملتم تبعة الصراع ، هي الوحيدة التي طفت على سطح المأساة .. ومع هذا فقد تحالف هذا الضمير مع السلاطين ، حكاما كانوا ام رجال دين ، لمطاردتكم ومحاولة اطفاء النور المنطلق من اقلامكم مع ضيق مساحته بفعل التسلط والقهر .. ختام القول سيدتي ، هو ان الصمت لا زال قدرنا ، نأكل اجسادنا باسناننا ، بانتظار ان تشخص امامنا نهاية المنحدر ، فيموت كل شيء .. تقبلي فائق احترامي


6 - وهذا هو الطبيعي
منظمة النسوة النمساوية ( 2010 / 10 / 26 - 21:36 )
متى سمعت يادكتورة نوال عن صوت الحق يصول ويجول وانتي خير من عاشر القلم والوضع المصري بالذات.....
اصبح الحق الصريح من النوادر خصوصا في المجتمعات العربية بكل أطيافها
سرق ونهب واستغل وفسد أصبحت ..
من مميزات العصر الحديث والتمدن الحضاري
او فهم جهلاء
تحياتي لكي سيدتي


7 - السياسي والفساد
nori kamala ( 2010 / 11 / 21 - 10:25 )
كل سياسي هو ضد الفساد اذا لم يكن له حصه صغيره منها
هذا شعارهم
وعندما يخرجون بارادتهم او بارادة غيرهم ولم يجدوا حصه او فتات يعتاشون عليها اصبحوا معارضين واصبحت الوظائف بعد المناصب كهديه نهايه خدمه الصمت
فياسيدتي الفاضله نوال ,الصمت له ثمن ,,لانهم يؤمنون بالمقوله التي تقول السكوت من ذهب اذا كان الكلام من صنم

اخر الافلام

.. -انفجار داخلي ضد حزب الله-.. هذا ما يخطط له نتنياهو


.. مغاربة يشاركون في مسيرة تنديدا باستمرار العدوان الإسرائيلي ع




.. كم بلغت تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة خلال عام؟


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك في مخيم جباليا وسرايا القدس تق




.. الدكتور أحمد المخللاتي يروي للجزيرة شهادته خلال الحرب الإسرا