الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خربشات - مرغريتا - الصغيرة ..!

سيمون خوري

2010 / 10 / 27
الادب والفن


وصلتني رسالتها الثالثة ، الأولى كانت رسالة حب هيروغلوفيه من عشتار الى أدونيس . لم أستطع فك رموزها .. كانت دوائر ...دوائر صغيرة .. الثانية كانت رسماً لكلمات .. بالوناً أحمراً وعشرة خيطان قزحية .. الثالثة هرشت ما تبقى من شعري ، ماذا تعني ..؟!
على غير العادة ، فنجان القهوة ينتظر ، يدي تسند خدي تنتظر خبراً ، كلبي الصغير يحدق بي بقلق . سافرت الذاكرة نحو الماضي الذي لن يعود .. ما إسمك الثلاثي وزمن ولادتك ، وإنتماءك .. الى الحبل السري للحياة .... ألديك وطن..؟ ! أنت مطلوب بلا حلم ..بلا وطن .. إسقط أحلامك ، فالحلم بوابة العشق ، نحو الزحام والبحر والشمس . إحمل كابوسك وإرحل ، وإحلم بإمرأة لها جدائل كنعانية . فما تبقى لك هو الحلم ..
صمت الزمن ، وأنا أجالس الزمن وأحتسي الفراغ نبيذاً . غداً عندما تكبر ، ويمتلئ جسدها الغض ، هل تتذكر ما قلت لها يوماً ..
قالت ماذا يعجبك ..؟ قلت ، الحب والخبز والحرية ، والأطفال ..
قالت : أنا لست صغيرة ، أشارت بأصابعها لعدد سنواتها الثلاث والنصف . أجبت ، أنت طفلة كبيرة وجميلة .
كم نتمنى أن نصبح أطفالاً .. نلعب ونغني ونشتم بصوت عالٍ ، ونتف على الأرض ..حاولنا مرات عده أن نبصق نحو فوق فعادت الى الأرض ضحكنا لجهلنا لماذا تسقط البصقة على الأرض .. ثم نلاحق مظاهرة صغيرة تخترق شوارع المدينة " فليسقط واحد من فوق " قالوا " وعد بلفور " ..؟! من هو بلفور ؟؟ ثم بعد ذلك نضحك وكأن ما حدث لم يحدث .
تعبت يدي من حمل نصف رأسي ، أودعت النصف الأخر فوق راحة يدي الأخرى .. ثم تعبت من السنين . جلست يداي فوق طاولة مكتبي الصغير القديم .. تنتظران معي قرع الجرس ، أيهما أسرع لفتح الباب ..؟
أحضرت لك رسالة من مرغريتا ؟ قالت جدتها ، والإبتسامة تملأ عينيها . بيد أن مرغريتا طفلة كبيرة فقط ثلاث أصابع ونصف ، ولا تعرف القراءة ، لكنها تغني ، وترقص البالية ، وتمختر بحذاء أمها ، وتحب الطيور والأزهار .. وتعشق صوت المطر وهو ينقر شباك نافذتها ، كعصفور يعزف لحن بيانو جميل . وتحفظ عن ظهر قلب معظم قصص الأطفال ، الأرنب السعيد ، والقط ذي الحذاء الذهبي ،والكلب " لولو" الذي قضى ليلة الميلاد وحيداً . تألمت كثيراً لحالة ، بل هطلت دموعها حزناً على وحدته .. فقد تغيب بابانويل عن حفلة الميلاد بلا عذر . إنتظر " لولو " طويلاً حتى الصباح .. لكن الصباح لم يأتي كان السواد قد إلتحف بياض الثلج وسرق " لولو " الى عالم أخر.
فيما كان " القط ذي الحذاء الذهبي " ينتظر أخر المساء بقايا طعام وكلمات وإبتسامات ليلة الميلاد . ويتمطى بتثاقل كسول أحسده فلا عمل ولا واجبات منزلية خاصة بعد منتصف الليل .
مرغريتا ، في مستشفى الأطفال منذ أسبوع ، والقلق ينتظر ، موعد نشرة أخبارها اليومية . منحني مرضها مزيداً من الحرية الفردية داخل المنزل ، بسبب غياب الرقابة الناعمة ، لكنه صادر عقلي ووضعه على عتبة سريرها الصغير . قال الطبيب ، أن مستوى تفكيرها أكبر بكثير من عمرها الزمني . لذا إضطر الأطباء للتعامل معها ليس كطفلة ، بل بمنطق الكبار .حتى أن الطبيب إضطر الى شرح طبيعة مرضها ، فقالت : والأن ماذا تنوي أن تفعل ..؟
أجاب الطبيب : سنعطيك إبرة فيها دواء ... فمدت له يدها دون خوف .
على المقعد الخشبي العتيق جلست " مرغريتا " الصغيرة ورئيس البلدية . ذات مرة في حوار مفتوح .
كيف يمكن للأطفال تعلم العلم ..؟! عندما يتعلمون أهمية طرح السؤال بلا خوف. هذا قانون التطور ، القديم يفسح المجال للجديد . اليوم يلغي الأمس ، والغد يلغي اليوم .
آه .. الرسالة .. تذكرت .. أين الرسالة الثالثة ؟ وجدتها ..
توقعت رسماً ما لمنزل لم يكتمل بناءه بعد ، سقفه من الطوب الأحمر ، تعلو سطحه مدخنة .. أو رسماً لشجرة حور أو زيتون وهي تعرف كم أحب أشجار الزيتون المقدسة ، زيتون الناصرة والكرمل وعكا ، أو ربما رسماً لسمكة بلا بحر ، أو طائراً فوق غيمة .. فهي لا تعرف رسم بندقية .. ربما رسماً لإبتسامة شفتين ..كانت رسالة معطرة بعطر العطر.. فتحت الرسالة بأناقة وحرص شديد ، ورقة بيضاء حملت نقطة واحدة ، وإشارة تعجب " . ! " .
بقي فنجان القهوة في مكانه ساخناً .. صامتاً ، عاد كلبي يحملق في وجهي مجدداً ، إستراحت يداي الى طاولة المكتب .. طار الزمن يبحث عن لغز " . ! " ما أجمل البحث عن جواب لسؤال محير ، فقد كان لجدي ، شجرة صبار وزيتونة قديمة ونخلة .

سيمون خوري : أثينا 26 / 10 / 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع كعادتك
ناهد سلام ( 2010 / 10 / 28 - 00:10 )
ليس ارقى من انهي سهري بالقراءة لافكارك ومشاعرك المنسابة من كلماتك ، التعجب وقوة الملاحظة وطرح الاسئلة والحب هي وسائل الرقي والتقدم .

المدللة الصغيرة مارجريتا ، الف سلامة عليها ودمت بالف خير عزيزي
سلام


2 - نص
سالم الياس مدالو ( 2010 / 10 / 28 - 04:06 )
نص جميل ورائع
سلم قلمك المنير اخي سيمون
ودمت قمة مضيئة للابداع


3 - تحياتي أستاذ سيمون
ليندا كبرييل ( 2010 / 10 / 28 - 07:47 )
تنقلني في نصوصك الأدبية إلى عالم آخر ألقي في عتبته تساؤلاتي وحيرتي ثم أدخل إلى جو من مشحون بجمال يختلط فيه الماضي بالحاضر , الأسطورة بالواقع , مطلوب منكم يا سيدي حلم دون التطلع إلى وطن , وهناك وطن محكوم ألا يتطلع إلى حلم , أي مأساة هذه . سجلت في دفتري قانون التطور : يجب أن يكون منهجاً في الحياة فعلاً لا قولاُ , أشكرك على تمتعي بهذا النص الأدبي الجميل وأتمنى أن أقرأ المزيد . دمت بخير


4 - صباح الخير استاذ سيمون
مرثا فرنسيس ( 2010 / 10 / 28 - 08:04 )
سلام ونعمة أخي العزيز
عالم البراءة والجرأة والتلقائية
عالم لايحتاج الى اقنعة لأنه شفاف وناصع
الطفل
جميل استاذ ماتكتب
احببت مارجريتا واتمنى لها الشفاء ومستقبل افضل
محبتي واحترامي لشخصك


5 - رد الى الأحبة
سيمون خوري ( 2010 / 10 / 28 - 18:14 )
أختي ناهد العزيزة تحية لك ،الأطفال هم عطية الحياة ، هم البراءة والدفء ، اختي ناهد تحية لك ولمرورك الدافئ.
أخي سالم المحترم من أمثالك من الشعراء نتعلم معنى الشعر ومعنى المحبة تحية لك
اختي ليندا المحترمة ، تحية لك أنت والعائلة الكريمة دائماً في الذاكرة ، في تلك الغربة المشحونة بالماضي والذكريات . أعانتك الألهة على هذه الغربة البعيدة ، وأحسدك على قوة التحمل ، ولا زلت أنتظر معرفة أخبار ذلك الأندونيسي المسكين. مع التحية لك
أختي مرثا المحترمة تحية لك ولمشاعرك الإنسانية ، ونتعلم معنى الإنسانية دائماً من النساء . فهم منبع المحبة والعطاء . أختي مرثا تحية لك


6 - عبقرية -مارغريتا- الصغيرة
فاتن واصل ( 2010 / 10 / 28 - 20:46 )
قرأت هذه المشاهدة مرات ومرات ، لعلى أستطيع تفسير لغز النقطة وعلامة التعجب ... ولم أصل لشئ ، فهذه الصغيرة غلبتنا جميعا، حقيقى لا حل للبراءة ، وكم نحن بعيدون عن معناها ، البراءة أن تسأل ولا تخجل من السؤال .. أن تسأل أى سؤال ، فاجأنى ولدى وهو فى عمر الثلاث سنوات ونصف -أى فى نفس عمر مارغريتا -: لماذا لم تلدينى حمارا !!!!!! وكان أبوه لتوه قد حكى له حكاية حمار فيه من الصفات الطيبة الكثير ، فإذا به يداهمنى بهذا السؤال ، وحقيقى رحت فى حيرة أريد ان أؤكد له أن الحمار جميل ولكن الانسان لا يمكن ان يلد حمارا ، وهذا ليس بسبب أن الحمار سئ على الاطلاق .. ولكن .. ولكن .. ، وحين قرأت تفسيرك الرائع للبراءة ، عرفت على أى مسافة من البراءة نقع نحن الكبار ، بعد ان أرعبتنا الحياة ، وجعلتنا نفكر مئات المرات قبل أن نفكر حتى ان نطرح سؤالا .... الف عافية لمارغريتا الصغيرة ، وألف شكر للرائع سيمون خورى


7 - أختي فاتن واصل
سيمون خوري ( 2010 / 10 / 29 - 03:15 )
أختي العزيزة فاتن واصل تحية لك ، صدقت دائماً الصغار أكثر تحرراً تدهشنا أحياناً ملاحظاتهم العفوية ، بلا عقد ولاخوف ، ولا محرمات .عمر إبنك يعني ثلاث أصابع ونصف ، مع كل زيادة في الزمن يكبر الأطفال أكثر مما نصغر نحن .. ويتفوقون علينا في مستوى إدراكهم للحقيقة. ما أجمل الأطفال ، وكم أشفق على أطفال بلادنا وأطفال أفريقيا عندما أراهم في البرامج التلفزيونية بلا ماء ولا طعام .. والأثرياء ينفقون الملايين على راقصة أو كازينو . أختي فاتن تحية لك وصباح الخير وتحية لإبنك الصغير وللعائلة الكريمة .


8 - الأمل
Aghsan Mostafa ( 2010 / 10 / 30 - 14:22 )
تحياتي معلمي والف سلامه لمرغريتا
لغز مرغريتا الذكيه حيرني، فشخصيتها التي وصفتها تؤكد بأن النقطه وعلامة التعجب لهما معنى تريد مارجريتا ان توصله لك. برأيي قد يكون معنى النقطه هي بداية لنهاية التفكير بالماضي الذي نحن اليه فهو لن يتجزأ عنا فلقد عشناه بحلوه ومره وتكونت شخصيتنا عن طريق تجاربنا بكافة مراحله التي مررناها سابقا ولكن يبقى هو الماضي وعلى الأنسان ان يتعود بالعيش بالحاضر ويتطلع الى المستقبل برؤية الأطفال المستكشفة لكل ماهو جديد بدون خوف وهذا هو -الأمل- الذي رمزت له مرجريتا بعلامة التعجب

تقديري واحترامي

اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا