الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريو طرد الاحتلال .. قصة قصيرة

باسم السعيدي

2004 / 9 / 13
الادب والفن


كنت أمسك بقلمي ، وأخط بضع كلمات ، حولها بضعة أشكال غريبة ، ودوائر تبدأ رحلة القلم فيها من نقطة لتنتهي بعد 360 درجة الى النقطة ذاتها ، بدأ المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده قادة الجيوش المتحاربة التي توصلت الى هذه الهدنة ، الجنرالات الأربعة كانوا يرتدون أفخر الثياب ، مزينة بالنياشين التي تشيد ببطولاتهم التي خاضوها على أرض بلدي ، وحول كل منهم مجموعة من المرافقين والمستشارين جلسوا على بعد أمتار قليلة من المائدة التي يجلس عليها أطراف النزاع .
الجنرال الايراني كان بلحيته المعهودة المشذبة بعناية ، التي لطالما كان يتبجح بها أمام عدسات المصورين حين كان يتنقل بين الجبهات الأمامية لأرض المعركة ، وكان يفرك بها بعصبية خصوصاً في معركة أبي غريب الشهيرة ، ومعركة الدورة التي تكبد فيها الجيش الايراني مسنوداً بالميليشيات الشيعية خسائر لاتعوض ، لكنه في ابي غريب اوقع أشد الخسائر في الجحيشين الخصم .
على شماله جلس الجنرال المصري ، هذا الرجل كان شديد المرح مع الصحافيين ، وسريع النكتة ، لكن روحه الفكهة تلك فارقته في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه انسحاب الجيش المصري من جبهة الشعلة ليتمترس في أبي غريب .
في الطرف الأيسر للطاولة جلس القائد التركي ، شخصية جادة جداً ، كانت له سجالات مع رجال الصحافة ، ومشادات معهم ، حتى انه نهر صحافي كردي قارن بين ما صنعته الجيوش التركية في قرى كردستان ابان معركة ( تحرير) القصبات التابعة لكركوك ، وبين ما حصل في حلبجة .
على يمينه ، وعلى يسار المصري جلس ضابط برتبة عقيد في الجيش السوري ، كانت منطقة عملياته تختص في المرابطة عند المدن الغربية للعراق ، لتحمي خط الدعم اللوجستي للجيش المصري ، عملياً لم تكن له حاجة ، لأن الميليشيات المسلحة التابعة لهيئة علماء المسلمين كانت تقوم بهذا الدور بجدارة ، لكن ادارة المعركة من قبل القوات المفوضة من قبل الجامعة العربية كانت أمراً رسمياً خططت له قمة القاهرة التي عقدت قبل ثلاثة أعوام واتخذت الدول العربية قراراً ملزما بالتدخل ، وها هي الجيوش على الارض تنفذ ذلك القرار .
حين بدأ المؤتمر الصحفي كنت قد قلبت الصفحة التي (خربشتها) في دفتري الصغير ، بدأ خطاب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان يتوسط الجنرالات الأربعة ، قال الرجل أنه تم التوصل الى هذه الهدنة بعد جهود (رائعة) قام بها المجتمع الدولي بالتعاون مع منظمة المؤتمر الاسلامي ، والجنرالات الأربعة في صدد التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق ، الذي يقضي بوقف فوري للعمليات العسكرية في جميع ارجاء العراق ، وسيتم التفاوض لاحقاً مع كافة الأطراف المعنية – الدول الأربع- لغرض وضع جدولة زمنية لتسليم المواقع التي تحتلها هذه الدول الى قوة دولية من المؤتمر الاسلامي ، كمقدمة للانسحاب من العراق ، واجراء استفتاء شعبي في كل اقليم لتحديد مصير ذلك الإقليم .
حتى هذه اللحظة كان الجنرالات صامتون واجمون كأن على رؤوسهم الطير ، لكن ابتسامة لاحت من طرف خفي للجنرال الايراني ، والتركي ، حين وصل الأمر الى عبارة (استفتاء) .
أصبحت المدن الكبرى –عدا بغداد- اليوم بمثابة الخطوط الخلفية للجبهة ، فالبصرة تم خروج القوات الايرانية منها باتفاق منفرد مع الكويت والسعودية ، وسلمت المدينة الى قوة حفظ سلام اسلامية ، وانتهت الحرب بالنسبة لها ، عدا بعض التجمعات للميليشيات التي تغذي الجبهة الأمامية الى جنب الجيش الايراني لحماية العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية ، أما بقية المدن الجنوبية فقد كانت هادئة تقريباً ، عدا بعض الأعمال الارهابية التي تفجر هنا وهناك ، الناصرية والكوت والعمارة كانت هادئة جداً ، منذ أن خرج آخر جندي بريطاني ، ودخل أول جندي ايراني ، الموصل بيد القوات التركية بالاضافة الى كركوك والسليمانية واربيل ، وتتوقف الآن القوات التركية بمواجهة الجيش الايراني على منطقة مثلث اضلاعه بعقوبة بغداد كوت ، بينما سامراء وتكريت وبيجي بيد الاتراك ، ولم تتوقف أعمال المقاومة هناك مطلقاً ، حتى وصل الأمر بالاتراك ان تنهي من الوجود القرية التي تخرج منها اطلاقة واحدة .
الجيش المصري ، مقر قيادته كانت الرمادي ، وتتمترس الجيوش المصرية المسنودة بقوات للميليشيات السنية ، وفيلق المتطوعين العرب ، على الخط الأمامي لجبهة ابي غريب ، والتاجي ، وذلك بعد أن حدث الخرق الايراني للدفاعات المصرية في مدينة الشعلة ، أعمال المقاومة لم تتوقف في الأعظمية ، والفضل ، بينما مازال حي الجهاد والسيدية بيد الجيش المصري وترتبط شمالاً مع جبهة أبي غريب .
وصل الأمر بان الجيش الايراني مكشوف الأجنحة ، فمن الشرق الترك ، ومن الغرب والشمال كان المصريون ، لكن الميليشيات الشيعية التي تقاتل في الثورة وبغداد الجديدة والكاظمية ، أصبحت تشكل عموداً فقرياً في حماية ظهر الجيش الايراني .
وعموماً ، فقد انهك الجميع من قتال دامٍ ، دام لثلاثة أعوام كاملة ، وتبدو الحرب وكأنها لا نهاية لها ، وقنع كل فرقاء الساحة انهم لا يمكنهم تحصيل المزيد من المكاسب ، وبقيت مشكلة الأعظمية قائمة ، فلا يمكنها البقاء تحت رحمة الجيش الايراني الذي صنع فيها ما صنع .
الاتفاق الذي يتم توقيعه اليوم ، لا أدري لكنه شعور لدي ، انه لن يصمد امام تهديدات الدعم اللوجستي للمقاومة في كل بقاع العراق ، كل الأطراف يدعمون كل فصائل المقاومة ، وما زالت اللطيفية والمحمودية مشتعلة ، رغم كل القصف المركز ، والعقاب الجماعي الذي مارسه الايرانيون .
والمقاومة الكردية لا تترك فرصة دون ان تنقض على ارتال الدبابات التركية .
حتى بعقوبة ، لم يسلم الترك من هجمات فصائل شيعية للمقاومة .
لكن الجيوش الكبرى تبدو وكأنها قد حققت القسم الأعظم من أهدافها ، ويمكن التفاوض حول الأهداف الصغيرة ، التي تركت أصلاً لأجل مثل هذا اليوم .
سامراء هدف ايراني ، لكنها تعلم ان المقاومة هناك لن تسمح بالسيطرة الايرانية ، لذلك تخلت عن الكعكة السامرائية لتبتلعها الجيوش التركية .
صورة غائمة ، تتناسب مع الخربشات التي تركتها على واحدة من صفحات دفتري .
بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة أسطورة الموسيقى والحائز على الأوسكار مرتين ريتشارد شيرم


.. نحتاج نهضة في التعليم تشارك فيها وزارات التعليم والثقافة وال




.. -الصحة لا تعدي ولكن المرض معدي-..كيف يرى الكاتب محمد سلماوي


.. كلمة أخيرة - في عيد ميلاده.. حوار مع الكاتب محمد سلماوي حول




.. لماذا تستمر وسائل الإعلام الغربية في تبني الرواية الإسرائيلي