الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطالة مصدر للتوترات الاجتماعية و السياسية

صادق الازرقي

2010 / 10 / 28
ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي


تميز الواقع في أوروبا وفي أميركا في أربعينات وخمسينات وحتى ستينات وسبعينات القرن الماضي، بسيادة عدم المساواة في الحياة الاقتصادية وبروز (الصراع الطبقي) كقوة محركة للأحداث، وليس أدل على ذلك ما عُرف بـ (ثورة آيار) في باريس عام 1968التي انتهت بإسقاط حكومة الجنرال ديغول واضطراره للرحيل عن فرنسا مؤقتا.
ويشير المراقبون، الى أن تغييرا كبيرا قد حصل بعد ذلك، في المجتمع الفرنسي، وفي أوروبا، وحتى في الولايات المتحدة الاميركية، وعموم ما يدعى بـ (النظام الرأسمالي). وفيما يتعلق بفرنسا فانهم يقولون ان ثورة أيار 1968 غيرت حياة المجتمع الفرنسي من جميع النواحي: الاقتصادية والنفسية، والثقافية، والجنسية، والسياسية، والفلسفية.
ان معاناة البلدان الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية من آثار الحروب وانعدام العدالة الاجتماعية في بلدان أوروبا الغربية بالتحديد؛ أدى الى ظهور التمايز الطبقي بوضوح، فمقابل طبقة ثرية غنية تراكمت لديها الأموال بصورة ملفتة للنظر، برزت طبقات مسحوقة، تدبر بالكاد قوت يومها، بعد ان يقضي أفرادها ساعات طوالاً في عمل لا ينفع إلا في إطعام أطفالهم وعائلاتهم.
وتفاقمت البطالة لديهم لتبلغ ارقاما كبيرة ادت الى التذمر العام في تلك البلدان، التي لم تخلُ لتلك الأسباب وغيرها من ظهور حركات مسلحة تلجأ الى العنف، وتسوغ أعمالها، انطلاقا من تلك القضية بالتحديد، أي انعدام العدالة في توزيع الثروات، والسعي لتحقيق مجتمع ينعم فيه الجميع بظروف حياتية ملائمة، ولقد حدثت ضمن هذا الاتجاه اعمال قتل وانتقام ضد كثير من أصحاب الشركات ورؤوس الأموال و (المتنفذين)، ولم يستقم امر تلك المجتمعات الا منذ عقد الثمانينات، حين أدركت حكومات تلك الدول أسباب أزماتها المتكررة، ووضعت لعلاجها سياسات جديدة، كان همها الأول الوصول بمواطنيها الى حالة الاستقرار الاقتصادي والنفسي، لمجابهة مخاطر التطرف والحركات المسلحة، ومن تلك الإجراءات التي توصلوا اليها، السعي الحثيث للقضاء على البطالة التي انخفضت لديهم بصورة تصاعدية منذ ان طفقوا يطبقون تلك السياسة، ولم ينسوا وهم في طريقهم لمعالجة تلك المشكلة ان يشملوا العاطلين برعايتهم، فخصصوا لكل عاطل مبلغا منتظما (راتباً) للاعانة الاجتماعية يؤمن له جزءا أساسيا من حاجاته المعيشية الى ان توفر له الدولة عملا ملائما.
لقد أدت تلك السياسات الى لجم مسببات ودوافع العنف، اذ لم يعد بإمكان احد ان يشهر السلاح بوجه الأوضاع القائمة بعد ان زالت أسباب اللجوء اليه، واقترن ذلك بترسخ حريات المواطن واهمية رأيه في تغيير حكومته.
وحتى التحركات المعاصرة في البلدان الأوروبية، كانت الدوافع اليها اقتصادية في الأساس، مثلما حدث مؤخرا في فرنسا في التظاهرات ضد اصلاح قانون التقاعد، الذي سيرفع سن التقاعد من 60 الى 62 عاما، والذي اعترضت عليه غالبية الشعب الفرنسي حتى من الشباب بأعمار 17 و 19 سنة انطلاقا من حرصهم على ما تحقق من مكتسبات طيلة العقود الماضية وتخوفهم من فقدانها.
لقد عاد المحللون السياسيون، الى القول في خضم التظاهرات و الإضرابات الأخيرة، ان هناك (معضلة شبابية حقيقيّة في فرنسا نتيجة البطالة ومناخ التوظيف وصراع الأجيال والاستقطاب السياسيّ..)، وهم لم يخالفوا الصواب في هذا، إذ الوضع الاقتصادي وطبيعة معيشة الناس وحاجاتهم هي المحرك الفاعل للأحداث. وترى صحيفة (لوبوان) الفرنسية ان (العنصر الجديد في التحركات الشعبية هو دخول التلاميذ والطلبة والشباب لاسيما وأنّ 312 معهدا ثانويا جرى إغلاقه بسبب الاحتجاجات بحسب وزارة التعليم الفرنسية)، وطبعا فان ذلك يرتبط ايضا بانعدام فرص التوظيف لدى خريجي تلك المعاهد، الذين وجدوا في تحركات العمال ضد تعديل عمر التقاعد فرصة للتعبير عن مطالبهم و احتجاجهم.
أما نحن في العراق فيختلط لدينا الآن أمران من المفروض انهما لا يلتقيان، ولكنهما التقيا بالرغم منا، ونعني بهما انتشار البطالة، وانعدام أي إجراءات لعلاجها بنظام فاعل للرعاية الاجتماعية، يوفر للشباب حاجاتهم المعيشية تمهيدا لتشغيلهم في شتى الصناعات والاعمال، التي يجب على الدولة ان تضعها في صلب اهتمامها، و تتوضح المشكلة بصورة اكثر ايلاما عندما يتعلق الأمر بخريجي الكليات والمعاهد، الذين يقبعون في بيوتهم عالة على اهلهم بمجرد تخرجهم، اذ تفتقر الدولة الى أي إجراءات تنظم وضعهم لغرض تعيينهم، او لايجاد الاعمال لهم في القطاع الخاص، اذ التعيينات في دوائر الدولة مقصورة على الاقارب والمعارف ومنتسبي الاحزاب المتنفذة، كما ان المصانع وجميع مرافق الانتاج معطلة تقريبا، لفشل الاداء الحكومي في الارتقاء بها وتفعيلها، وعلى سبيل المثال فلقد قال وزير التخطيط علي بابان قبل ايام ان (نسبة البطالة في العراق تصاعدت بشكل مخيف، وتجاوزت الـ 25% في العام الحالي).
وباعتقادنا فان نسب البطالة مرشحة للتصاعد في ظل انعدام أي توجه حقيقي لمعالجتها، فالكهرباء لا تفي بغرض تشغيل البنى التحتية، اذ انها تأتي بشق الأنفس ومثلما كان الصيف الماضي شحيحا بالكهرباء ، سيكون الصيف المقبل اكثر شحة، اذا لم يتحرك الجميع لمعالجة الموقف، واذا ظل السياسيون يفكرون بمصالحهم الشخصية فحسب، من دون ان يتحركوا لتحسين اوضاع الناس الذين سيتفاقم تذمرهم في المقبل من الايام والشهور والسنين، وينذر بكوارث جديدة تحيق بالبلد، فهذا الشاب الذي يرى آخرين يبنون منازل عامرة وقصورا في أي منطقة يختارونها من بغداد والعراق، ويحوزون الاموال التي هي اموال ارضه وثروته، في حين يظل هو من دون سكن ودونما عمل، لن يقر له قرار، إلا حين ينال جزءا من خيرات بلده، يكفيه هو وعائلته، وتتراكم لديه أموال شخصية تعينه على متطلبات الايام، وإلا إذا ضمنت الدولة حياته وسكنه. وقبل ذلك لا نعتقد ان ثمة فائدة للحديث عن الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي سيكون تحققهما رهنا بتلبية مطالب الناس وتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو