الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق مهربة ( ضحايا حسن النية ) الجز الثالث

الاء حامد

2010 / 10 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بعد قرابة عقد ونصف من الزمن كان( كريم ) مهجرا وهاربا ومنفيا إلى إيران بعد إعدام شقيقيه محمد شيال فأضناه الفراق وألم به النوى وضغط على عواطفه وهزه الشوق والحنين إلى تلك العجوز التي قاسمته الأيام المرة والتي انقطعت إخبارها عنه حتى كادت السنين العجاف إن تمحو ملامحها من ذكراه وان كان الحنين إليها لا يبرحه طيلة تلك المدة كما هو شأن سكان المنافي فهي حالة عامة يشعر بها جميع المغتربين الذين وضعهم النظام المقبور إمام أمرين أحلاهما مرا فأما الموت وأما الاغتراب!! فعملوا بأهون الشرين باستثناء من تغربوا لطلب الرزق ولا نعرف احد قد اثر الموت على الحياة فكان يتقاسمون عذاب الفراق لسنين طويلة يشعرون بتعلق شديد نحو ذويهم ووطنهم ..

وتجد الإشارة هنا إلى إن النظام بعد غزوه لدولة الكويت أصابه الضعف والوهن وفقد الكثير من مقومات استمراره بالسلطة فكان لا يقوى على متابعة كل الذين يشك بولائهم .!!
وبعد أن قامت الانتفاضة الشعبية عام 1991 وتحرر إقليم كردستان من جور النظام وعسفه تسنى للعراقيين المقيمين في إيران إن يستنشقوا عبير وطنهم واستغل العراقيين في المنفى هذه التغيرات ليلتقوا بأهلهم وذويهم فأراد كريم ان يخوض مع الخائضين مع شدة كرهه وبغضه للحدود ومنافذها فتناول عصا الترحال وحرك دابته نحو مدينة السليمانية حتى بلغها وكان يحمل عنوانا لأحد المهربين قيل انه من الثقات.!!!
راح يبحث عن منزله حتى اهتدى إليه وامضي ذلك النهار بضيافته فكان المهرب يحدثه عن امتعاضه لمهنة التهريب التي أجبرته عليها شحه مصادر الرزق والظروف المعيشية الصعبة !!

وعند صباح اليوم التالي استجرا سيارة إلى مرأب المدينة وقد تجاوزت بهم الحافلة حدود مدينة سليمانية ثم توقفت إمام نقطة للتفتيش أطلق عليها اسم ( سيطرة التحدي ) وكما تعلمون ان النظام المقبور قضى حياته السياسية في إطلاق العناوين الاستفزازية والعنتريات الفارغة التي جلبت الدمار والخراب للعراق!!

وحين دقق المهرب النظر في إفراد النقطة لم يرى أحدا ممن كان يتعامل معه فلقد شاءت الصدفة إن استبدلوا بآخرين فالتفت إليه ليخبره بالمفاجأة التي لم يحسب لها حساب وقد تغير لون وجهة وذهل لما هو قادم!

فقال له أرى إن تدعي انك قدمت من إيران لتسلم نفسك فهذا لعله أفضل الأعذار ولا حيله سواه. وفي هذه الإثناء قام كريم بترك مقعده وتقدم نحو احد إفراد النقطة الذي يقوم يتفحص الهويات, حتى دنى منه ولمس على كتفه كالمنبه له ثم همس في إذنه فترك التفتيش وسمح لسائق الحافلة بالحركة .. وطلب منه ان يتبعه الى مسؤول النقطة الذي كان جالسا إلى جانب الطريق تحت مظلة يعلوه الغبار ويلفح وجهه لهيب تموز الحارق ولم يأبى بأمر كريم ولم يهتم به مثلما اهتم بحقيبته فتناولها من يده وافرغ ما فيها على الأرض فوقع نظره على علب السجائر فوضعها في حجرة وهنالك سارع إفراد النقطة ليجتمعوا من حوله ويشاركوه هذه الغنيمة فعمد احدهم إلى قلمه فأستله ونقله إلى جيبه من دون أدنى إحراج وأخر ساعته اليدوية وهو مندهش إمام هذه التصرفات التي تنم عن دناءة النفوس فأشار إلى احدهم بإرساله إلى مقر اللواء ثم استدرج إلى أمر اللواء بعد إن استعصبت عيناه واخذ بيده ليدخل عليه وحين مثل إمامه أمر المأمور إن ينصرف وغلق الباب من دونهما .. وأول سؤال تبادل إلى ذهنه هو تاريخ خروجه من العراق وما اذا قد شاركت بقادسية صدام وأضاف إليها ( المجيدة ) فأجابه كريم بالنفي فراح يتلفظ عليه بعبارات خشنة ثم سكت قليلا حتى دنى منه فتناول الحقيبة منه وراح يقلب محتوياتها فلم يجد سوى ما يحتاجه المسافر في سفره واخذ يفتشه كما يفتش من يشك انه يحمل سلاحا كما شمل التفتيش جيوبه فوجد محفظة صغيره خالية من أي عملة عدا رزمة دنانير ما لبث ان زهد بها وأعادها الى مكانها فظهر ان تلك الأسئلة والانفعالات المصطنعة تمهيدا للوصول إلى العملة الصعبة وهذا ليس شأن الأمراء ولا هو ما يليق بمن بإمرته لواء من العسكر فتأكد إن تصرفات إفراد النقطة لم تكن حالة شاذة وهو النقائص التي تشير إشارة واضحة إلى انهيار المنظومة الأخلاقية بالكامل وهي نتيجة لسياسة النظام الحربية التي أدخلت البلاد في دوامة من الفقر والعوز وهي حلقة تضاف الى حلقات الظلم والجور فتحول الناس الى ذئاب ينهش بعضهم البعض ويطلب بعضهم قهر بعض !!

وقد ذكر ابن خلدون : ان الظلم يفقد الناس أخلاقهم .. وأكد ماركس على إن أهم عامل في الحياة الإنسانية هو العامل الاقتصادي وان الانحطاط الاقتصادي يؤدي الى انحطاط سائر القيم وكلاهما قد حصل في العراق..

للقصة بقية انتظرونا في الجزء الرابع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخت العزيزة الاء حامد
سالم النجار ( 2010 / 10 / 29 - 11:10 )
يسعد صباحك
سلسلة مقالات في غاية الروعة تبين معاناة الشعوب التي تعيش في ظل هيمنة الانظمة الفاسدة والدكتاتورية. التي صادرت حقوق الشعوب في التعبير عن نفسها وتطلعاتها المستقبلية والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعة. ومفهوم الهيمنة عند غرامشي تعني -قدرة الطبقات الحاكمة على غرس قيمها في الطبقات المحكومة, و تحويل هذه القيم إلى -بديهيات- تميز العصر.- و قد اكتسبت كلمة -هيمنة- معنى إضافيا كما يقول ميليباند, و هي:-قدرة الطبقة الحاكمة على إقناع الطبقات المحكومة بعدم وجود بديل لها, مهما كان رأيها بالنظام الإجتماعي السائد, و ذلك مهما كانت درجة تغريبها عنه, فالهيمنة لا تعتمد على الموافقة بقدر ما تعتمد على الإذعان


2 - على احر من الجمر بانتظار الجزء القادم
نادر عبدالله صابر ( 2010 / 10 / 29 - 12:20 )
لك اجمل تحية
لا ازيد عما قاله اخي سالم النجار سوى ابداء اعجابي بما تسطره اناملك من مقالات رائعة تغوص في العمق وتجلب الاآلي والدرر


3 - ما اروع تعليقك يا ابن الاوصياء سالم النجار
الاء حامد ( 2010 / 10 / 29 - 19:47 )
يسعد مساءك اخي سالم ..
لكم اسعدني حضورك متصفحي ومشاركتك موضوعي الذي يعبر عن جز من معاناة شعبي ابان الحقبة المظلمة وما لحقتها الان من مأسي والالم ..تخيل اخي سالم تلك المفارقة العجيبة والمؤلمة ان هذه العصابة التي جاءت الى السلطة انذاك بقوة السلاح تحاسب المواطنين لكونهم ينتمون الى احزاب او ان لهم رؤى لا يترضيها الصنم الاكبر في حين ان العدالة تقضي ان يحاسب هولاء حسابا مرا عسيرا لأن حزبهم الفاشي هو الذي جلب الموت والخراب والحروب العبثية للعراق وقد اصطبغ تأريخه باللون الاحمر فلا يرون حقا ان تمارس الاحزاب نشاطها وكأن حزبهم حصل على ترخيص من السماء !! ونفس الامر يتماشى مع جميع انظمة الدول العربية الان ... اشكر حضوركمجددا ولك فائق الاحترام والتقدير


4 - التقي النقي ذو الاطلالة الرائعة الشيخ الحلو
الاء حامد ( 2010 / 10 / 29 - 20:05 )
كم كنت اتمنى ان التقي بك ولو على هامش السطور فكم جميل حضورك بيننا ولكم اكن سعيدة بأطلالتك في مواضيعي ومقالاتي ..اشارة.. قد يعتقد البعض اننا حينما نبحث هذه الامور انما نبحث امورا قد تجاوزها الزمن ودخلت حيز التأريخ ولكن بأعتقادنا لم يطوها النسيان لأنها عصية عليه وبعض هذه الامور بعيدة عنا في كل المقاييس الا ان تناولها في الوقت هذا لا يخلوا من الفائدة ففي تقديرنا انها تنبه الغافلين لاسيما ان اغلب شباب هذه الامة يعيشون طيشا وحماسا دينيا مصحوبا بجهلهم ويغلفهم قصور ثقافي واضح فألاعم الاغلب منهم ليس له غرض سياسي او شأن شخصي او انه يبغي مجدا دنيويا وانما تحركهم المشاعر والاحاسيس فكلما كان المرء بسيطا في وعيه كلما كان اكثر عرضة للتضليل الديني والاستغلال ولقد اثبتت العملية السياسية التي تلت سقوط النظام ان هذه التجارة لن تبور تحت اي ضرف كان!!! شكرا لحضورك مرة اخرىولك جزيل ودي وامتناني

اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة