الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعريب، الديمقراطية، إعلان دمشق ... لماذا يخافون عودة العربية؟

فؤاد بوعلي

2010 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تطالعنا بين الحين والآخر بعض المقالات الصحفية المعالجة من وجهة نظر هجومية للعودة الهادئة للعربية مشرقا ومغربا. فمع مرور الوقت يتبين أن بعض الرافعين للواء الحداثة والدفاع عن اللغات الوطنية واللهجات العامية لا يترددون في التصريح دوما بمعارضتهم لكل مقومات الهوية العربية الإسلامية للشعب المغربي. لذا قلنا أكثر من مرة إن التهجم على العربية ومحاربة التعريب لا يقصد به الآلية التواصلية أو اللسان العربي باعتباره ممارسة لسانية بقدر ما يروم به أصحابه ورواده القضاء على ثقافة وانتماء وحضارة تحت مسميات عديدة. لذا سنجد أن الرافعين للواء محاربة التعريب والتنقيص من مقومات العربية والمطالبة بالقطع مع التراث العربي للشعب المغربي هم أنفسهم من يدافع عن الانحلال الخلقي والعلمانية المتوحشة للدولة والتعاون مع الكيان الصهيوني والدفاع عن التفاهات باسم الحرية الفنية وهم أنفسهم من تصل بهم الوقاحة إلى التعبير عن أحلامهم في تغيير التوافقات الشعبية والسياسية التي ألفت بين المغاربة منذ سنين وعقود. مناسبة هذا الكلام ما أثير في الأيام الأخيرة من سجالات بعد أن عاد النقاش حول مقترح قانون تعريب الإدارة والحياة العامة الذي اقترحه الفريق الاستقلالي والتنظيم المكثف لندوات وملتقيات تعالج واقع العربية وقضاياها كان آخرها ندوة أكاديمية المملكة المغربية، وبروز تحركات قوية من طرف الجامعة العربية تعيد الاهتمام بلغة الضاد بعد موافقة القمة العربية رؤساء وملوكا على الورقة السورية وبروز مشروع النهوض باللغة العربية الذي كلفت به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والتهيئ المكثف للقمة الثقافية العربية، وتحرك مجموعة من الأنظمة السياسية في العالم العربي وعيا منها بجوهرية اللسان العربي في الحفاظ على وجودها.....كل هذا المسارات المتسارعة بدأت تثير حفيظة العديد من المنتمين إلى التيارات المناوئة للمشاريع الوحدوية تحت مسميات عديدة. فما الذي يقلقهم؟ ولماذا يخافون من عودة العربية؟
1 ـ الخوف من العربية خوف من الإسلام: الارتباط التلازمي بين العربية والدين هو أمر أساسي في مسار تشكل اللسان العربي منذ بدايته. بل إن بروز جل علوم العربية المختلفة كان حفاظا على النص الديني بالأساس ، وهذا التلازم هو ما أعطى للغة الضاد تميزها ونقلها من إطارها اللهجي إلى إطار التداول العالم وحولها من التعبير العرقي إلى التعبير القرآني الكوني. لذا فالحرب على العربية ليست حربا على اللسان في حد ذاته بل هي حرب على الدين وهويته اللسنية . وهذا ما يتبين من دفاع معارضي هذا الأمر عن التبشير المسيحي وعن القيم التغريبية . إن الخوف من العربية هو خوف من عودة الدين .
2 ـ الخوف من العربية خوف من لغة عالمة: القول بالتلازم بين الدين والعربية لا يعني انغلاقها عن استيعاب المعرفة الحديثة . والذي يطالع بنوع من التجرد العلمي المبادرات التي تقوم بها مجموعات الباحثين في عدد من الأقطار العربية ، وإنجازات المجامع اللغوية ومعاهد التعريب في قضايا التعريب والترجمة والحوسبة سيجد كنوزا علمية حقيقية وليست مجرد كلام يلقى على عواهنه لتشويه صورة البحث الأكاديمي. وفي تقارير مؤسسات التنمية البشرية دليل على ذلك ، حيث تربط بين ولوج المجتمعات العربية مجتمع المعرفة وقدرتها اللغوية العربية بالأساس.أي أن العربية هي مفتاح الولوج. لذا دعت إلى الاستفادة من الثورة العلمية التي تشهدها اللغويات الحديثة (اللسانيات)، والتطور التقاني الهائل في "هندسة اللغة"، والإفادة مما تزخر به شبكة الأنترنت ... وهذا لا يعني أن الصورة وردية، لكن المجهودات تتوالى والأفق مبشر .
3 ـ الخوف من العربية خوف من انتماء عربي: لقد جاء إعلان دمشق في سياق الاجتماعات المتتالية للخبراء والمختصين وممثلي المجتمع المدني لتنزيل مقررات القمة العربية التي كان المغرب أحد الموافقين عليها . وإن كان الاجتماع بمبادرة من دولة شقيقة هي سوريا فلأن هذه الأخيرة هي صاحبة المقترح منذ قمة دمشق مارس 2008 ومرورا بقمة الدوحة مارس 2009م والذي يشمل فيما يشمله مشروع تعريب التعليم ومشروع ترجمة العلوم والتقنيات الحديثة والمحتوى العربي على الشبكة. ولذا توالت الاجتماعات المبينة عن اهتمام الأنظمة العربية بالنهوض باللغة العربية وجعلها على رأس أولويات السياسات الوطنية العربية. وإذا كان لسوريا من ميزة تحسب لها فهي توافق الإرادة السياسية ومنجزات المجامع اللغوية في قضية إحلال العربية مكانها الطبيعي. وهذا ما ينقص في جل دول العربية. ولعل الوعي بالعربية كآلية وحدوية ووجودية بدأ يتنامى خاصة مع تصاعد الحملات عليها من الخارج والداخل .
4 ـ الخوف من العربية خوف من وحدة الأمة: في الربط بين سلطة اللغة وسلطة الحكم كلام كثير. لكن البادي أن قلب الحقائق جعل البعض يتصور عملية التعريب كفرض لأمر مرفوض. والواقع أن الديمقراطية الحقيقية هي التي تعطي لكل مواطن حريته الفردية داخل المجموع . لذا ستشكل اللغة أحد ركائز الانتماء الجمعي للفرد كيفما كان تصوره . فالرعب الذي يتملك البعض من مشاريع التعريب المختلفة ليس مرده إلى دفاع عن منطق ديمقراطي بل هو دفاع عن فهم معين للديمقراطية مفاده التجزئ والاستعانة بالخارج والبحث عن انتماءات ضيقة إقليمية أو جهوية والبحث في أصنام التاريخ عما يثبت ذلك....لذا ستجدهم يعتبرون سوريا نظاما قمعيا وإسرائيل نظاما صديقا؟ وما يأتي من دمشق أو القاهرة مرفوض، لكن ما يأتي من تل أبيب وواشنطن حرية وأخوة تاريخية.... هذه هي المعادلة الحقيقية لتصورهم الجديد للديمقراطية.
5 ـ الخوف من العربية خوف من ثورة علمية: في الإحصاءات التي تقدم لعلاقة العربية بالمعرفة الحديثة تضع معايير متعددة لضبط المحتوى العربي على النت . وما يحاول البعض تبخيسه وتقديمه بأسلوب شعبوي على أنه مجرد استعمال فارغ للنت هو في حقيقة أمره تسويق تافه لقضايا تعالج بشكل علمي وبأرقام : فمعدل زيادة مستخدمي اللغة العربية ـ حسب تقرير المعرفة 2009 ـ هو الأعلى بين مجموعة اللغات العشر الأولى على الشبكة العنكبوتية، حيث بلغ معدل الزيادة العربية 206% خلال الفترة من عام 2000 – 2008، أي نحو 60 مليون شخص. وعدد مستخدمي العربية 4،1% من إجمالي مستخدمي الأنترنت في العالم. كما أشار إلى تحسن وتطور المحتوى العربي رقميا حيث ازداد عدد الصفحات بين 2005 و2006 بمقدار 65،8% ، مقابل الإنجليزية بنسبة 63%.. لذا فاستخدام الأنترنت عربيا يطرح أمام المجتمع العربي فرصا حقيقية يمكن استغلالها وتطويرها.
6 ـ الخوف من العربية خوف من سيطرة إعلامية تتنامى : دوما كنا نردد بأن القنوات العربية بالرغم من حمولتها السياسية والإيديولوجية المختلفة، والتي قد نتفق أو نختلف مع مضامينها، أثبتت بما لا يدع الشك أن العربية هي الخطاب الرسمي المفضل شعبيا وجماهيريا ووجدانيا. ويمكن بقليل من التأمل في التعاطي الشعبي مع الأخبار المقدمة عبر الفضائيات لنجد أن ما تقدمه الجزيرة ومثيلاتها يفهم ويتداول حتى في المناطق ذات الغالبية الأمية أو غير المتحدثة بالعربية ، وإذا قارناه بما يقدم باللهجات في الإذاعات والقنوات سنجد سمة هذا الأخير الضحالة والعجز عن الرقي بمستوى المتلقي.
وأخيرا، لقد آمنا منذ البدء أن مشروع الهجوم على العربية يتشكل في جبهة موحدة وتحت مسميات مختلفة. تارة باسم الأمازيغية كلغة وطنية وأخرى باسم اللهجة والعامية كلغة مغربية. ويكفي أن نلقي نظرة على ندوات المساندة لأطروحات التلهيج أو التمزيغ لنجد المحاضرين أنفسهم يتنقلون بين المنصات أو حتى في المقالات المدبجة للتعبير عن فكرة واحدة : العربية غير صالحة للتداول العلمي.
فالأكيد أن مسار التعريب الذي بدأ يدشن في العديد من الجهات بالمغرب مقلق للكثير من حراس معبد التجزئ ، والأكيد أن الجهود جهود الجهات العلمية داخل المملكة وخارجها والتي أثمرت بحوثا ومشاريع في التهيئة والتخطيط اللغويين لمجتمع المعرفة مقلقة للكثير ممن يقتات على أزمة الأمة، والأكيد أن العربية كمدخل للوحدة داخل الأمة وبين الأمة والأنظمة مقلق للكثير ممن يحتمي بمنظمات الخارج .... لكن الأكيد أن العربية قادمة بقدوم الأمة وأن نقطة البداية قد خطت .
وكما يقول المثل الأمازيغي :نان ولي ازرنين أورا باهرا تاجين إغرداين آول كيصلح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية