الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرح جمالي للبساطة الأولى .. قراءة في عتبات البهجة ل إبراهيم عبد المجيد

محمد سمير عبد السلام

2010 / 10 / 29
الادب والفن


في نصه الروائي (عتبات البهجة) – الصادر عن دار الشروق بمصر 2005 – يؤول إبراهيم عبد المجيد أشياء العالم ، و الشخوص ، و الدوال الفنية ، و الأمكنة ، و مكونات الوعي من خلال البهجة الإبداعية ؛ و هي حالة تتداخل – بشكل رئيسي – مع مآسي الواقع ، و سطوة الحتميات ، و الاندماج في الأداء المختلط بأحلام المرح في آن واحد .
ليست البهجة الفنية معزولة – إذا – في سياق الحلم ، و لا تشكل رؤية كلية للعالم ؛ فالبطل / السارد يعي حالات التهميش ، و الانهيار ، و العزلة ، و الألم المتواترة في السياق الواقعي ، و لكنها تتصل أيضا – بشكل خفي – بوهج المرح ، و الرغبة السرية في ولوج التجربة المأساوية نفسها ، و لكن من زاوية حلمية بهيجة لا يمكن فصلها عن الفعل ، أو الأداء .
إن الفعل يقترن – في كتابة إبراهيم عبد المجيد – بالصيرورة السردية الإبداعية التي تضع الإنسان دائما على حافة التحول ، و الاكتشاف المستمر للطاقة الحلمية في علامات الكون ، و الشخوص الفريدة ، و التجارب المتجددة التي تطرح نفسها في الطرقات ، و الأحاديث العابرة ، و الأخيلة ، و الذكريات .
إن السارد يحاول أن يجعل من طاقة الحلم الخفية مادة للعمل ، و الانتشار النصي لها كتجارب تمتلك قوة الحضور المادي ، و تستبدل أصلها الخفي الأول داخل الوعي ، و خارجه .
و قد اقترنت البهجة في الذاكرة الجمعية بصورة أبولو التي تعزز من البناء الجمالي ، و النبوءات ، و النور ، ثم تطورت لدى فريدريك نيتشه في دراسته لمولد المأساة اليونانية ؛ فقد رأى أن كلا من الأبولونية ، و الديونيزية – نسبة لديونيسيوس – تمثل قوة فنية جمالية في نسيج المأساة التي تجمع بين النبوءة ، و الجمال ، و تغييب الذات معا .
(Read – Nietzshe – The Birth Of Tragedy – Translated By Ian Johnston – Malaspina University – College 2000 – p. 13 , 14).
و مثلما لا يمكن فصل البهجة عن الغياب عند نيتشه ، فإن تصور إبراهيم عبد المجيد عن البهجة يأتي دائما في سياق انحراف الآلام ، و المآسي ، و الأحداث العبثية عن مسارها البنائي ، أو تناميها في النص الروائي بصورة واضحة ؛ فقد تناول النص شخصيتين تنامت آلامهما بصورة غامضة ، و مختلطة ببهجة خفية ؛ هما دنيا التي اقترنت بأحاسيس الحب المتحرر في وعي البطل / أحمد ، و انتحرت دون سبب واضح ، و كأن السارد يقاوم اكتمال مأساتها في النص ، و يخفي الوظائف السردية التي تعزز من اكتآبها لصالح أحلام البهجة ، و أساطير الخصوبة ، و كذلك العقيد عباس الذي يكتفي السارد بالإشارة إلى صمته ، أو هروبه من بعض الضحايا بينما يعزز وجوده في الحديقة من بناء الخبرات الإبداعية في وعي كل من أحمد ، و صديقه حسن .
هل ينبت التكوين الجمالي للشخصيات ، و الأماكن من مرح أسطوري غامض يقاوم الآلام ، و الموت بصورة غير واعية ؟ أم أن الألم يفتقد حالة الاكتمال المثالي دائما لصالح التحولات الفنية ، و الكونية البهيجة ؟
يقوم نص إبراهيم عبد المجيد – إذا – على قراءة تأويلية فريدة للذات ، و الآخر ، و العالم تقوم على التحويل المستمر للمادة الواقعية إلى جذورها الجمالية ، و ما يمكن ان تنتجه من أحلام مرحة ، و متجددة في الوعي بحيث تقاوم إمكانات التلاشي ، أو الغياب الكامل .
و يختلط التفسير المرح المنتج بواسطة الوعي في النص بوهج فعل الاكتشاف الذي يمارسه كل من أحمد / البطل ، و صديقه حسن ؛ إذ يقفان دائما عند مساحة منح السعادة للآخر ، أو اكتشافه في حلم البهجة الكامن في اللاوعي .
و يمكننا رصد ثلاث تيمات رئيسية في (عتبات البهجة) ، تتولد جميعها من تلك القراءة الفريدة ؛ و هي :
أولا : تكوين الخبرات الإبداعية من الأحداث ، و التكوينات البسيطة .
ثانيا : البهجة ، و الفراغ .
ثالثا : الصيرورة الفنية للمكان .
أولا : تكوين الخبرات الإبداعية من الأحداث ، و التكوينات البسيطة :
يقف كل من أحمد ، و حسن عند المستوى الإبداعي من الرؤية في سياق معاينة الشخصيات ، و الأشياء ، و لا يتعمقان في التواصل الواقعي إلا عندما يمنحان شخصا ما بهجة مادية ، أو حوارية ، و كأنهما يقاومان عمليات العزلة الحتمية ، و التهميش ، و آلام الضرورة ، و الحاجة المتراكمة على الشخصية ؛ فهي استثناء مضاف للمنبع الجمالي بوصفه أصلا تكوينيا في العالم ، و علامات الحياة فيه .
إن الشخصيات المتواترة في النص ؛ مثل بائعة الشاي ، و ابنتها سعيدة ، و بائعة الحلوى ، و زوجها ، و بائع الورد ، و العقيد عباس ، و أبي صفيحة ، و غيرهم تنتشر في المجتمع ، و لكن النص يقدمها لنا في مسافة شعرية ترتفع عن مركزية الجذور الاجتماعية ، و تتحد ببهجة البساطة الأولى التي تقاوم احتمالات الغياب ، أو تحولها إلى حكمة مرحة تتجاوز النهايات دائما ، و تؤجلها .
يعاني أحمد من بعض المشكلات الصحية ، و يقوم بعمل فحوصات طبية ، و لكن تلك المشكلات تذوب في فعل المشي ، و التنزه في الحديقة الصغيرة مع صديقه حسن ، ثم تتسع الإشارات السردية التي تحول المرض إلى طاقة متجددة للحياة في مستويين دلاليين ؛ هما :
أولا : ولوج التجارب الإنسانية البسيطة ، و الانخراط في تأويلها إبداعيا ، و من ثم تتجدد وظائف الاتحاد بالآخر في الأحلام البهيجة التي ينتجها الوعي بوصفها تكرارا جماليا لحدث الحياة المناهض للألم .
ثانيا : أحاديث حسن المتكررة عن الأعشاب ، و فوائدها ؛ مثل الكركديه ، و الدوم ، و القرفة بالزنجبيل ، و الشاي الأخضر ، و خل التفاح ، و البصل ، و الثوم ، و فول الصويا ، و غيرها حتى تتضاعف كميات الأعشاب ، و أنواعها عند زيارتهما لطبيب الأعشاب ، و صيدليته الغنية .
لقد قام السارد بعملية إحلال تدريجي لدوال الأعشاب في موقع المرض ؛ ليظل في حالة عدم اكتمال دائما . الأعشاب تستدعي النور ، و الشفاء مرة أخرى من اللاوعي ، و تولد رغبة مستمرة في تكرار حدث الحياة ، و تجدده ؛ إذ تتحد بالبناء ، و العودة إلى مرح البدايات ، و الاكتشاف الخيالي الأول لعناصر الكون .
* أطياف سعيدة /
تتحول سعيدة / ابنة بائعة الشاي التي تعاني من التهميش ، و ضرورة الإنفاق على ابنها إلى مصدر للبهجة في وعي حسن ، و كأن تكوينها الجمالي البسيط ينتج أطيافا للحب ، و تجدد الحياة ، و أخيلة تقاوم حضورها الواقعي ، أو تنتصر عليه .
لقد اخترق صوتها وعيه كطيف إبداعي يشبه ما كان يراه صديقه أحمد في ساعات القراءة حتى تستبدل جسد زوجته ، و تهيمن على منظوره للعالم .
لقد تحررت شخصية سعيدة من قيودها الحتمية ، و أصبحت طاقة إبداعية مجددة لحلم البهجة القديم في وعي حسن ؛ فقد تحول تأويله لبساطتها إلى خبرة إبداعية لا زمنية تتجاوز الحدود ، و الحتميات الظاهرة .
* حضور بائع الورد ، و اختفاؤه /
يؤول السارد بائع الورد كأثر جمالي يجمع بين الحضور ، و الاختفاء . إنه يشبه روائح الورد التي تنتشر ، و تتلاشى بسرعة في الطريق المزدحم ، و كذلك خوف الرجل المستمر من المطاردة .
و توحي بساطة تكوين الرجل ، و ملبسه ، و كذلك اقترانه ببعض أنواع الورد ؛ مثل الورد البلدي ، و الزنبق ، و الفل ، و القرنفل ، و الياسمين بوجود حلمي آخر يخترق الواقع ، و يفكك صلابته المادية من خلال فكرة الأثر ، و أخيلته ، و تحولاته ؛ فقد بنى حسن حديقة في وعيه ؛ ليمنح بائع الورد بهجة ، و يستمد منه انتشارا للأثر الجمالي داخله ، و خارجه .

* أبو صفيحة ، و استباق البهجة /
أبو صفيحة من الشخصيات التي تجمع بين البساطة الشديدة ، و العمق في النص ؛ إذ إنه ممعن في الهامشية ، و يعاني من الفقر المالي ، و لكن بساطته تضاعف من الإحساس بوهج البهجة حتى يستبقها في وعيه حين يرى نفسه تاجرا للكلاب عقب منح حسن له الكلبين ، و عشرة جنيهات .
إن تكوينه الجمالي يفجر البهجة ؛ إذ يستبقها ، و يؤجل اكتمالها في الوقت نفسه ؛ و من ثم يكشف تلك المسافة الجمالية للسرد الروائي في النص ، و هي التحول باتجاه البهجة الأولى دون تحقق كامل ، أو توغل في اتجاه المآسي الواقعية أيضا .
ثانيا : البهجة ، و الفراغ :
في هذا المستوى الدلالي من النص تتنامى أحلام البهجة بقوة فيما وراء الغياب ، و يحتل الإيروس موقع الموت ، و تتصارع صور الفناء ، و البهجة المتطرفة في الوعي ، و اللاوعي ، و كأن الفراغ ينتج صورا نصية متضاعفة لا يمكن السيطرة عليها ، أو إعادة تشكيلها مرة أخرى بصورة إنسانية ؛ لأنها تستعيد حدث الحياة الأكبر من نشوء الوعي الشخصي ، أو المعرفة بالآخر .
و قد بدا ذلك واضحا في تداعيات الصور في وعي أحمد أثناء عزاء دنيا ، و تحققه الأكيد من موتها ؛ إذ رأى امرأة عارية تجري نحوه في الصحراء ، ثم توحد بها ، و صارا شعاعا يدور بسرعة ، و يعبر المدن ، و يكشف عن نساء عاريات ، و موسيقى ، و ورود في الشوارع .
هل اكتسبت البهجة قوة الاختفاء الكامنة في الموت ، و حولتها إلى امتلاء إيروسي مضاد ؟
أم أن الفراغ بحد ذاته عودة متطرفة لحلم البهجة ، و الخلود ؟
إن اتساع الصحراء يفكك مدلول الموت ؛ لأنه يختلط باتساع الذات في اللاوعي ، و تبدو الموسيقى ، و الورود هنا كاحتفال أسطورة بخصوبة بهيجة ، أو عودة لانهائية لحدث الحياة المجرد من المآسي ، و الألم .


ثالثا : الصيرورة الفنية للمكان :
الحديقة الصغيرة الهامشية التي تقع وسط الازدحام ، و قسوة المادة من أهم مصادر البهجة في النص الروائي ؛ فهي موقع توليدي للخبرات الإبداعية ، و وسيط نصي مؤثر في تحول الأشياء باتجاه البهجة ، و يجمع التكوين الجمالي للحديقة بين ثلاث مستويات من التحول ؛ هي جذبها الخفي للشخوص ، و التكوينات الفريدة ، و اختلاط الواقع فيها بعملية البناء الجمالي الأسطوري للشخوص ، ثم ولوجها الكامل لحلم البهجة الأول دون أن تفقد شخصياتها البساطة الواقعية .
لقد صارت الحديقة في وعي أحمد موقعا للمرح ، و التعاطف الكوني ، و الفني بين الورود ، و الموسيقى ، و النور الذي يرتد بقوة للطاقة الأبولونية الفنية في النص ، و كأنه في يوم عيد ؛ فثمة فرح ، و مهرجانات ، و ثياب جديدة ترتديها سعيدة ، و أمها ، و بائعة الحلوى دون أن تتخلى عن البيع .
أهو إغواء حلم الخلود ؟ أم أن طاقة البناء الفني فجرت المكان في النص ، و كشفت عن آثاره الافتراضية الخفية ؟
لقد اكتسبت الحديقة الطاقة الكامنة في فعل الكتابة نفسه عند إبراهيم عبد المجيد ؛ إذ استسلمت لإغواء التحول ، و الانخراط في الأداء الجمالي الذي يجمع بين البساطة ، و عمق التأويل .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لعرض الكتاب
شيماء زاهر ( 2010 / 10 / 30 - 01:43 )
شكرا لعرض الكتاب، لكاتب أفخر إني من نفس بلده

تحياتي

اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث