الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزامة

أشرف عبد الكريم عبد المنعم

2010 / 10 / 30
الادب والفن


الجزامة

لم ينفض عن قدميه تراب سكته كعادته كل يوم قبل أن يدخل إلى بيته الذي ابتناه وسط بيوت الفلاحين وجعله مغايراً لها ، وكنت أنا واحدة من خطوات سارها ليصل إلى هدفه ،حينما اشتراني من سوق المركز ظنني بعض أهله فاترينة وذهب آخرون إلى أنني دولاب ملابس، ولما أخبرهم حقيقتي تبادلوا نكاتهم عني ، حتى لقب بعضهم بيت صاحبي بــ ( البيت أبو جزامة ).
سككهم كلها تراب ، كان مما يزعج زوجته وهي على قيد الحياة كثيراً هذا التراب، والآن يريد مخالفتها ، ولكنه يحافظ على آرائها التي كان يدعي كراهيتها.

في ركن إلى جوار الباب وضعني متحملا سخافات الفلاحين وبرودة تعليقاتهم ، كنت سعيدة به وبحرصه على تلميع جوانبي كل حين وكنت محبة لمقاس قدمه الصغير الذي لم يختلف كثيراً عن مقاس قدم زوجته الراحلة، والتي كان ينفض من على نعليه تراب المقابروكنت أشم رائحته العتيقة وكأنها جلباب فلاح نائم منذ أمد بعيد لم تلمس المياه جسده ولا عظامه القوية ولا لحمه القليل ، وكان يضع هذه النعال في واحد من أدراجي صامتاً ، عادة تلك لم يغيرهاً إلا عندما يعود من مشوار واحد كان يستغفر كثيراً وفي هذه الحالة تكون نعاله قليلة التراب وكأن شخصاً هناك يمسحها له ، اكتشفت فيما بعد أنه كان يخفيها عندما يدخل إلى بيتها ، بقية أدراجي ممتلئة بمقاسات أصغر أحسب أنه يحتفظ بها كذكريات من بناتها اللاتي تزوجن ولولده الذي سافر ليعمل بالمحاماة.

خيار الإقامة في القرية يبدو له في أحيان كثيرة خياراً متسرعاً لكنه كان مصراً على الدوام على صحته.

في هذا اليوم لم ينفض عن نعليه تراب سكته واستغفر لما اقترب مني ثم سكت ثم استغفر ثم سكت وفتح باب بيته وأمسك نعليه لم يتركهما عندي بل دخل بهما.
مضت دقائق وأنا ساهمة أفكر في حاله وأفقت على حذاء نسوي آخر تحاول صاحبته أن تحشره داخلي في غرور وغباء ، فمقاس رجلها كان كبيراً وكعب حذائها عال وأنا الدقيقة المرتبة لا أتسع لهذه المقاسات ، ضقت بصاحبي وودت لو أسمعته لومي وتأنيبي ، فصاحبة المقاس الكبير لا تستبدل بالراحلة منمقة القديمن ( عَمى رِجلين أم عَمى رَجل؟)

الريح كانت معي أخذتني إليه دفعت بابه وفتحته وأخذتني إلى غرفة نومه وأرتني إياها ، نعم كنت أجزاءّ ، وطارت أوراق الصحف المصفرة من على أرفف أدراجي ولكن ظهري كان حاملاً كل أحذية السنين الفائتة حتى رأيتها مستلقية مذعورة على سرير راحلتي وفخذاها الأبيضان تكسوهما نقاط سوداء

... الآن تذكرت إنهما يشبهان صفحات تلك الصحف التي كان يضعها على أرفف أدراجي ، لو كان لي يدان لخنقتها بعد أن خرج صاحبي يحكم غلق الأبواب خشية الفضيحة وتركها منفردة ، فلم أجد إلا كل ما علي من أحذية لطمتها بها وكدت أخفيها ، لكنها الغبية أصرت عليه أن يحرق ما تبقى مني تدفئة لها من ذعرها والبرد.
الخميس 2-9-2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً