الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحايل على الإصلاح الفلسطيني لعبة -روليت روسية-

نايف حواتمة

2004 / 9 / 13
القضية الفلسطينية


هل من الجائز طرح موضوع الإصلاح في ظل العربدة الإسرائيلية، وفي ظل استمرار الحصار المفروض على الأخ ياسر عرفات ؟!
سؤال استنكاري طرح كثيراً، البعض طرحه ويطرحه من موقع السذاجة، والبعض الآخر يطرحه من موقع التذاكي المتأصل وراثة في ذهنيته الشعبوية، ظناً منه أن في الإجابة التي يفترضونها على هذا السؤال رد جامع مانع على دعاة الإصلاح سيعطل مسعاهم بغض النظر عن موقعهم، والحيثيات والأسباب والأساليب التي ينتهجونها في سعيهم للإصلاح.
إن من يرفضون ويماطلون في قبول مشاريع الإصلاح في مؤسسات م. ت. ف. والسلطة الفلسطينية وأمام كل أزمة داخلية مفصلية فلسطينية كالتي لا زلنا نعيش فصولها يغرقون ساحة العمل الوطني الفلسطيني بالعديد من المشاريع والطروحات التوفيقية، والتي هي بالجوهر تلفيقية، ويبرون منهجهم هذا بأن الشروط الموضوعية للإصلاح الجذري غير ممكنة في ظل الظروف الراهنة، وهذا ما يبقى أوضاعنا الداخلية الفلسطينية على برميل بارود. فما جرى ويجري من توافقات وصفقات كمحاولة للالتفاف على أزمات السلطة وم. ت. ف. تهدد بالدمار بقايا النظام السياسي الفلسطيني المنخور بالفردية والفساد، كون هذه التوافقات لا تمس لُبَّ الإصلاح ولا غاياته وأهدافه المحورية، في حين أن جلَّ ما يسعى له الإصلاح الحقيقي والمبدئي هو تمكين المؤسسات الوطنية الفلسطينية من القيام بدورها المطلوب في مواجهة الاحتلال "الإسرائيلي" التوسعي الدموي، وتثمير الإمكانيات الفلسطينية الكامنة لتحقيق الشرط الذاتي الفلسطيني كموازن ورافعة لاستنهاض الدورين العربي والدولي المتراجعين.
إن نقطة الانطلاق في مشاريع الإصلاح يجب أن تبدأ من تقييم التجربة بواقعية، بعيداً عن تحكيم الهوى والذاتية والفردانية والانفعال، وعلى هذه المشاريع أن تستشرف آفاق القضية الفلسطينية والأخطار المحدقة بها، فلا يمكن أن نستمر كما ينبغي في الثورة والمقاومة والانتفاضة في ظل تفاقم تفشي الأمراض في جسم السلطة وباقي المؤسسات الوطنية الفلسطينية، وقد بات هذا يهدد جوهر القضية الفلسطينية.
إن الإجابة على هذا التحدي يجب أن تكون شفافة ومباشرة وبالعمق، فأساليب الحجب والتضليل ولّت إلى غير رجعة، وقد فضحتها وقائع وأساليب الصراعات غير المبدئية بين أجنحة السلطة وحزبها.
إن تقييماً موضوعياً للتجربة لاستخلاص الدروس والعبر وتصويب المسار يملي علينا إعطاء حلول وطنية مجمع عليها لجملة من القضايا والإشكالات المركبة وللأهمية نذكر أبرزها فقط:
أولاً: يجب علينا أن نحقق الموازنة بين ما فرضته ولادة السلطة الفلسطينية من تداخلات في مهمات النضال الوطني التحرري والاجتماعي مع إدراكنا أنه لا يمكن الوصول إلى هذه الغاية دون إدراك أن ولادة السلطة الفلسطينية لا تعني الانتقال من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة السلطة الكيانية. وبأن سلطة قائمة على الاستبداد والقهر والفردية لا يمكن لها أن تلعب دوراً إيجابياً في معادلة الصراع، واستنهاض الوضع الفلسطيني والإيفاء بمستلزمات الصمود. ورغم إدراكنا بأن هذه السلطة قد حملت منذ ولادتها تشوهات الميراث التقليدي من حيث الفساد السياسي والفردية والتسلط والافتقاد إلى روح العمل الجماعي، وأساليب العمل الديمقراطي، إلا أنه يجب الفصل بين الموقف من أسس وحيثيات نشوء السلطة وبين حقيقة وجودها وتأثيرها الفاعل سلباً أو إيجاباً، وهذا يمكّننا من الوقوف جميعاً على أرضية ضرورة تصويب ممارسات السلطة ودورها وتحويلها على أرض الواقع إلى مؤسسة من مؤسساتنا الوطنية الائتلافية كخطوة لازمة للبناء عليها لاحقاً.
إن التصدي للهجمة الشارونية والخروج من مأزق صراع أجنحة السلطة وحزبها ممكن بالرجوع إلى التراث الثري والخبرة الثورية المختزنة لدى شعبنا وثورتنا على امتداد أكثر من نصف قرن من النضال، بالعمل لا بإطلاق العبارات الشعاراتية النمطية التي لم تعد ذات جدوى، فالقول بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية لا يعني شيئاً إذا لم يتم تجسيد هذا المطلب كحقيقة قائمة على الأرض، ولا يمكن الوصول إلى هذا دون الإجهاز على الفردية التي حولت مؤسسات م. ت. ف. والسلطة إلى هياكل مسلوبة القوة، وفاقدة للإرادة والتأثير. وبالتالي فإن الحل المقبول وطنياً للخروج من المأزق الراهن لا تحدده مقاييس صراعات فتح ـ السلطة، وعلينا أن نقرَّ بأن الإشكالية هنا في وصول الكثير من برامج ومشاريع الإصلاح إلى الطريق المسدود لم يكن فقط بسبب ممانعة الفريق المهيمن، بل تعود في جانب كبير منها إلى ممارسات القوى التي تقف خارج السلطة، والتي لم تقم بدورها المطلوب حيال مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، وهو ما أوجد وضعاً مريحاً لقيادة السلطة وحزبها للإدمان على مزيد من التفرد على أرض الميدان، لنرى نتائجه الكارثية التي حلّت وتحل بنا.
ثانياً: أجمعت كل القوى الرئيسية الفلسطينية في مواقفها المعلنة على إبراز مخاطر مشروع شارون "للفصل الأحادي الجانب"، لكن في حقيقة الأمر أن بعض هذه القوى لم تسقط من حساباتها إمكانية التعامل مع هذا المشروع، بشرط إدخال بعض "المكياج" عليه. لذلك نراها تترك الباب موارباً أمام الأفكار التي تدعو إلى جعل مشروع الفصل الأحادي الشاروني مُتَضمناً في خطة "خارطة الطريق الدولية"، ولعل هذا كان أحد الأسباب المباشرة والرئيسية في تفجر جولات الصراع الأخيرة الدامية التي لم تنته بعد. هنا نلاحظ أن أصحاب هذه الدعوات لا يدركون أو يتغافلون عن حقيقة جوهرية ألا وهي أن الخطة الشارونية غير قابلة للتطوير من حيث المبدأ، كونها وبحكم طبيعتها وأهدافها قد استنفذت غاياتها وأغراضها الرئيسية بمجرد الإعلان عنها، وبأن كل التحركات "الإسرائيلية" اللاحقة لطرحها سواءً من الليكود أو من يمين حزب العمل ومن جاراهما ما هي إلا مناورات للتغطية على هذه الحقيقة، لذلك فإن إعطاء إشارات ضمنية للاستعداد من حيث المبدأ للتعامل معها شديد الخطورة فالغاية الأساسية التي أرادها شارون من وراء خطته هي إدخال خطة "خارطة الطريق الدولية" في حالة "موت سريري"، وشل إمكانية قيام أي تحرك دولي فاعل وعودة الاستفراد الأمريكي الداعم بقوة لمواقف اليمين الإسرائيلي الشاروني المتطرف، ولأن التعامل مع الخطة الشارونية سيفسح بالمجال أمام شارون للتهرب من الضغط الذي ولّده قرار محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قضى بإدانة جدران الضم والفصل العنصرية لمخالفتها القانون الدولي ولمعاهدة جنيف، والمطالبة بإزالتها فوراً والتعويض على المتضررين منها، لذلك يجب قطع الطريق على الخطة الشارونية ورفضها، لأنها عودة إلى سياسات إغراق مشاريع الحلول بالتفاصيل والجزئيات على حساب الجوهر، الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بإلزام "إسرائيل" بأسس ومبادئ الحل الشامل والمتوازن للصراع العربي ـ الإسرائيلي والفلسطيني ـ الإسرائيلي، وذلك بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الشأن بهذا الصراع. إن إغراق المفاوضات والمشاريع بالتفاصيل دون حسم الأسس سياسة مارسها المفاوض الإسرائيلي خلال سنوات أوسلو، واستطاع من خلالها انتزاع تنازلات كبيرة من الجانب الفلسطيني المفاوض، لا وبل قضم من خلالها أكثر الفتات الذي أعطاه مقابل التنازلات الكارثية من المفاوض الفلسطيني.
إن نشوء الوهم لدى البعض بجدية التحرك الشاروني وإمكانية تطوير خطة الفصل الأحادي من خلال التعامل معها كان أحد الأسباب المباشرة والرئيسية التي غذّت صراع جناحي السلطة، وهذا وهمٌ قاتل ولن يفضي بالنتيجة إلا إلى تغذية الوهم الشاروني بإمكانية كسب المعركة مع الفلسطينيين من خلال كسر عظامهم بالحل العسكري تحت شعار "دعوا الجيش ينتصر".
إن المشروع الشاروني هو حلقة من حلقات المسعى الإسرائيلي لإعادة تنظيم وتكييف الاحتلال، انسحاب من غزة لتثبت احتلال الضفة، حيث المشاريع الاستيطانية الكبرى، وعليه سارعت حكومة شارون إلى استئناف البناء الاستيطاني الواسع في الضفة، لدرجة أن الإدارة الأمريكية أعلنت معارضتها لكسر شارون تعهداته بوقف التمدد الاستيطاني في الضفة الفلسطينية المحتلة.
إن قوة الاندفاعات الشارونية تعود في جزء كبير منها إلى ضعفنا لأننا فرطنا بالكثير من عناصر قوة الشرط الذاتي الفلسطيني القادر على خوض مواجهة حقيقية ومجزية، فقوانا مشتتة ومؤسساتنا خراب وعبث وفساد، ونظامنا السياسي يفتقد إلى الأخلاقيات وأساليب العمل الجماعية والديمقراطية، وهذه أسلحة ماضية أحسن أعداؤنا استغلالها ضدنا، وتشويه صورتنا رغم أن الاحتلال هو أبشع أنواع الجرائم بحق الإنسانية جمعاء.
ثالثاً: الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني بعد جولات عدة متعثرة لم تنتج عنه عملياً أية نتائج مثمرة يعتد بها، إن ما يعيق هذا الحوار جملة من الأسباب الذاتية لدى بعض أطراف الحوار، بعيداً عن الموضوعية والحاجة الوطنية، وللأسف لم نستطيع تجاوزها حتى الآن. فالذي عطل وثيقة غزة ـ آب 2002 ووثيقة رام الله ـ آذار 2004 هو الذاتية المفرطة لدى أكثر من طرف والإصرار على المصالح الفئوية الخاصة.
إن تجاوز هذه المعضلة يتطلب من الجميع الخروج من الدائرة المغلقة للبرنامج الخاص نحو رحاب البرنامج الوطني العام والقاسم الوطني المشترك. وعلى كل القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية إدراك حقيقة أن إزاحة قوى التسلط والفساد قضية صراعية لا يمكن كسبها بالضربة القاضية، بل بالنقاط وعلى جولات عدة، وأن إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني ـ الفلسطيني حلبتها الرئيسية وأحد جولاتها المفصلية. وهذا يعني أن لا تُحمل جولة الحوار القادمة أكثر مما تحتمل، فلا يمكن لنا أن نحل كل القضايا العالقة مرة واحدة وهي كثيرة وجوهرية. الأهم أن نركز على وضع الأسس والمنطلقات التي ستركز عليها إعادة البناء الشاملة لمؤسسات السلطة وم. ت. ف. عندها سيكون حق كل القوى محفوظاً من حيث التمثيل وموقعها القيادي في المؤسسات والعملية الوطنية برمتها. وبذلك نحمي قضيتنا وثورتنا وانتفاضتنا ونقطع الطريق على مشاريع القتل والتوسع الشارونية.
وخلافاً لما سبق فإن تعطيل الإصلاحات مراهنة على الخطة الشارونية، أو ظناً أن بالإمكان المحافظة على المكاسب والامتيازات على غير وجه حق من خلال إعادة توزيع الأدوار والمغانم بين الأجنحة المتصارع في السلطة وحزبها، وتحويل الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني إلى مناورات لتنفيس الاحتقان وكسب الوقت دوران في مدار الخسارة الوطنية، وربح صاف للدموية الشارونية.
إبقاء حالنا على ما هو عليه لعبة "روليت" روسية، النار ستطلق فيها على حقوق شعبنا وقضيته الوطنية. فليستيقظ الغافلون قبل فوات الأوان، وللحديث في هذا الموضوع بقية سنحيط به لاحقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في فرنسا : هل يمكن الحديث عن هزيمة للتج


.. فرنسا : من سيحكم وكيف ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. سائل غامض أخضر اللون ينتشر على أرضية مطار بأمريكا.. ما هو وم


.. فشل نظام الإنذار العسكري.. فضيحة تهز أركان الأمن الإسرائيلي




.. مقتل وإصابة العشرات من جراء قصف روسي على عدة مدن أوكرانية عل