الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انما الأمم الأخلاق ما بقيت ..

باسم السعيدي

2004 / 9 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


هذا البيت من الشعر كان وما زال وسيبقى من أعظم ما قالته العرب ، وهو حكمة القرون التي لن تنقضي بنقضه، ولم يعد هذا القول المأثور يتمتع ببريقه الذي يفترض به أن يكون أزلياً ، فالأمة واجهت وتواجه حرباً من أجل بقاءها ، ككل الأمم التي سبقت وتلت تلك اللحظة التي خرج فيها ذلك البيت الى الوجود .
في حرب العرب والاسلام ضد اسرائيل واجهت الأمة الهزيمة تلو الهزيمة ، والخيبة في الوعي والتخطيط والتنفيذ والممارسة ، واجهت الأمة ضيق أفقها مما يعد أزمة حقيقية في ثقتها بنفسها ، وشعرت بالعار يجللها ، والخزي يكتنفها ، ولم تعِ الدرس ، ولم تحاول النهوض بنفسها الى مستوى التحديات ، ومعضلة القدرة على البقاء .
ان عدم القدرة على التعايش مع العار ، عالج الخطأ بخطأ أكبر وأفدح ، إذ بدأت الأمة تفقد أخلاقها وقيمها ، وبدأت بالتالي تفقد القدرة على التمسك بهويتها .
ورب سائل يرى المبالغة في الوصف ، والحقيقة هي أن الرائحة التي تزكم الأنوف لا تزكم أنف صاحبها كما لا يخفى ، والمشكلة الملحَّة تكمن في فهم النخب الفكرية (كما يظهر) لهذا الانحدار الأخلاقي غير المسبوق ، فنلاحظ الطريقة التي يتعامل بها المثقفون ورجال الدين في وصف العمليات الانتحارية التي يقوم بها مجانين الموت المجاني ، ويروح هؤلاء بعيداً في فلسفة الوضع الرديء الى ما هو أسمى ، ولكن هيهات أن يخدع المرء نفسه ، وهيهات يختبيء العاقل من عقله .
المشكلة ان من طليعة الأمة الفكرية من يتواطأ مع الموت ضد نفسه وضد فكره وضد حتى انسانيته ، أسوق مثلاً ربما مثل في فترة من الزمن النفس الذي يشق الخطى سراعاً نحو منهجة الانسانية لدى الأمة ، وأخص بالذكر الدكتورة نوال السعداوي ، فقد رأيتها قبل عام ونصف تقريباً على فضائية البي بي سي ضمن برنامج ( Hard talk) سألتها مقدمة البرنامج عن رأيها بالعمليات الانتحارية في فلسطين واسرائيل ، وفوجئت حقاً بجوابها ، جواب نموذج فكري متفتح ينظر الى الأمور بلا تقييد للفكر، فوجئت بهذه التي تمثل قفزة الى الأمام في العالم العربي الذي يفتقد الى مثلها والى مثل جرأتها في الطرح ، حتى تجاوزت المألوف والموروث الى رؤية ذات بعد انساني بعيداً عن قيود وأغلال اصطنعناها لكي نفلسف الجمود على واقع موروث ، جوابها كان على شكل سؤال :- مالذي تتوقعينه من أعزل يدافع عن بلده سوى بجسد عارٍ؟ إنه يضحي بذلك الجسد الهزيل الذي لا يملك غيره .
هذا الجواب وإن كان رائعاً في البيان ، لكنه موغل في تشويه صورة الحقيقة ، وانحراف فكري واضح عن قيمية البشر ، فضلاً عن هدر الكينونة الانسانية لتحقيق هدف لا وجود له ، لاينتج عنه سوى المزيد من الكراهية والحقد ، ولا يفضي سوى الى مزيد من القتل والقتل المضاد الذين ينصبَّان صبّاً على رؤوس المدنيين الفلسطينيين تحديداً .
نحن في العراق لم نكن (كمجموع) نشعر بهذه الشيزوفرينيا الفكرية التي تطلب الحياة بالموت ، حتى رأيناها هنا رأي العين ، عايشنا الموت المبرمج من قبل إخوة لنا ، عرب ، مسلمون ، لا يختلفون عنا لا بالدين ولا بالقومية ، سوى بكونهم مرضى نفسيين ، سايكو باثية أخذت بعقولهم بعيداً في ثقافة القتل ، تراتبية عجيبة في التربية والسلوك ، ليست خطأ تنظيري ، ولا رؤية مجتهد أخطأ وله أجر .
إن ما يجري بجميع أركان العنف الذي تستخدمه الأمة بشكله المرَضيّ في فلسطين ، الشيشان ، السعودية ، نيويورك وواشنطن ، افغانستان ، في العراق ، إن ما يجري يؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن الأمة أمام مرض جديد ، هو فقدان الأمة لأخلاقها .
ورحم الله الشاعر الذي قال
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
بغداد 11/ أيلول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ